ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في باكستان إلى 657 قتيلًا    طبيعة ساحرة    المملكة تستقبل وفدًا سوريًا استثماريًا برئاسة وزير الاقتصاد والصناعة    الفريق الفرنسي "Karmine Corp" يحصد لقب "Rocket League" في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    تايكوندو السعودية تواصل حصد الإنجازات العالمية    عشّاق القهوة بمزاج أفضل بعد فنجانهم الأول    استقبل رئيس مجلس المديرين في شركة مطارات جدة.. نائب أمير مكة يستعرض تصميم مخطط صالة الحج الغربية    موجز    أمر ملكي: إعفاء طلال العتيبي مساعد وزير الدفاع من منصبه    قلق أوروبي من تنازلات محتملة لموسكو.. ترمب: تقدم كبير في ملف أوكرانيا    تحذيرات دولية من كارثة إنسانية.. خطة تهجير سكان غزة تدخل حيز التنفيذ    وسط تحذيرات من كارثة إنسانية.. الدعم السريع يقتل 31 مدنياً بقصف على الفاشر    أوامر ملكية بإعفاء الماضي والعتيبي والشبل من مناصبهم    القيادة تعزي رئيس باكستان في ضحايا الفيضانات    القيادة تهنئ رئيسي إندونيسيا والجابون ب«ذكرى الاستقلال»    «رونالدو وبنزيمة» يسرقان قلوب جماهير هونغ كونغ    الأرجنتيني كوزاني يحمي مرمى الخلود    سرقة مليوني دولار من الألماس في وضح النهار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. مؤتمر «مسؤولية الجامعات» يعزز القيم والوعي الفكري    صابرين شريرة في «المفتاح»    لا تنتظرالوظيفة.. اصنع مستقبلك    تربية غريبة وبعيدة عن الدين!!    سيتي سكيب الرياض 2025.. تقنيات البناء ترسم المستقبل العقاري    «الحياة الفطرية» يطلق أكبر رحلة استكشاف للنظم البيئية البرية    "خيرية العوامية" تنفذ 39 برنامجًا لخدمة المجتمع    المملكة.. وقوف دائم مع الشعوب    أمانة الرياض تكثّف رقابتها على المقاهي ومنتجات التبغ وتغلق منشأتين    «غابة العجائب».. تجربة استثنائية في موسم جدة    الأمير تركي الفيصل ورسائل المملكة في زمن الاضطراب الإقليمي    العراق يفتح أكبر مقبرة جماعية لضحايا (داعش)    «إثراء» يدعم المواهب ويعلن المسرحيات الفائزة    مُحافظ الطائف يطلع على تقرير برنامج المدن الصحية    جامعة جدة تستعد لإطلاق ملتقى الموهبة للتعليم الجامعي    قنصلية السودان بليبيا تطلق مبادرة العودة الطوعية    زرع الاتكالية    استعراض إحصائيات ميدان سباقات الخيل بنجران أمام جلوي بن عبدالعزيز    تجمع مكة الصحي يخصص عيادة لعلاج مرضى الخرف    حملة توعوية لطلاب المدارس بالتجمع الصحي بمكة    القيادة تعزي رئيس باكستان في ضحايا الفيضانات    تعيين ثلث أعضاء اللجان في غرفة الأحساء    أمير تبوك يطلع على تقرير بداية العام الدراسي الجديد بمدارس المنطقة    مركز الملك سلمان يدعم متضرري باكستان    تخلص آمن لمخلفات القصيم الزراعية    جامعة أم القرى تنظم مؤتمر "مسؤوليَّة الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري"    المشاركون في دولية الملك عبدالعزيز يزورون مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف    مدير مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير يجتمع بالهيئة التدريسية مع إنطلاقة العام الدراسي الجديد    Ulsan يحافظ على لقبه العالمي    "قيمة العلم ومسؤولية الطلاب والمعلمين والأسرة" موضوع خطبة الجمعة بجوامع المملكة    نائب أمير جازان يزور بيت الحرفيين ومركز الزوار بفرع هيئة التراث بالمنطقة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع وزارة الصحة بمناسبة تعيينه    القيادة تهنئ رئيس جمهورية إندونيسيا بذكرى استقلال بلاده    علماء كوريون يطورون علاجًا نانويًا مبتكرًا لسرطان الرئة يستهدف الخلايا السرطانية    مرضاح والجفري يحتفلون بزواج فهد    المشاركون في مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يغادرون مكة متجهين إلى المدينة المنورة    دواء تجريبي مبتكر يعالج الصلع خلال شهرين    كيف سقطت ورقة " معاداة السامية "    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    نائب أمير منطقة جازان يقدّم التعازي لأسرة معافا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأبعاد الاقتصادية لبروتوكول كيوتو لمكافحة الاحتباس الحراري العالمي
نشر في الحياة يوم 16 - 02 - 2005

لم تحظ أي اتفاقية دولية باهتمام كبير مثل ما حصلت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ وما نجم عنها من "بروتوكول كيوتو" الذي تمت الموافقة عليه في مدينة كيوتو في اليابان عام 1997. ويكمن السبب وراء هذا الاهتمام الدولي في أن الإجراءات الدولية المطلوبة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتي يعتقد أنها ستؤدي إذا ما استمرت عند هذه المستويات إلى زيادة حرارة الغلاف الجوي بنهاية هذا القرن الواحد والعشرين تشمل كل القطاعات الاقتصادية. إلا أن التركيز الدولي على غاز ثاني أوكسيد الكربون وقطاع الوقود الاحفوري حوَّل هذه الاتفاقية إلى "اتفاقية طاقة" تستهدف إحداث تغييرات هيكلية دولية في استخدام العالم لمصادر الطاقة المختلفة وذلك بالعمل على الحد من الاستهلاك العالمي من الوقود الاحفوري والذي يمثله كل من الفحم والبترول والغاز الطبيعي.
لذا وجدت الدول الصناعية ضالتها في هذه الاتفاقية، فهي تعلن صراحة وعلى الدوام قبل الاتفاقية وبعدها بأن تقليل اعتمادها على البترول المستورد يعتبر هدفاً استراتيجياً لها، بغض النظر عما تقوم به دول "أوبك" من دور كبير لتحقيق الاستقرار في سوق البترول العالمية.
وعلى العموم فالعجلة بدأت في الدوران، وابتداءً من هذا اليوم سيدخل بروتوكول كيوتو حيز التنفيذ، وستبدأ الدول الصناعية بالعمل على خفض انبعاثات من غازات الاحتباس الحراري بما مجموعة 5.2 في المئة عن مستويات 1990 بحلول 2012 وهي خفوضات ملزمة قانونياً وتختلف عن الالتزامات التي نصت عليها الاتفاقية ولذا فهي أكثر جدية، وأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي عموماً واقتصاد الدول الصناعية خصوصاً.
إلا أن عدم انضمام الولايات المتحدة واستراليا الى البروتوكول يظل الشغل الشاغل للدول الصناعية بالذات، لأنها لا تحتمل إحداث تغيرات هيكلية في قطاع الطاقة لديها بتبني إجراءات تستهدف خفض استهلاكها من الوقود الاحفوري من دون أن يؤثر ذلك في تنافسيتها الاقتصادية دولياً. كما أنه لا يمكنها تحمل التزامات إضافية لفترة البرتوكول الثانية ما بعد 2012.
أما على الصعيد البيئي فلا نسبة ال5.2 في المئة الخاصة بفترة البروتوكول الأولى ولا حتى نسبة أعلى منها والتي يشكك في تبنيها في الفترة الثانية، ستكون مجدية لتأخير حدوث تغير المناخ المحتمل بنهاية هذا القرن. لذا نجد أن بعض العلماء، وفي محاولة يائسة، خرج عن الالتزام المهني والموضوعية، بحيث بدأ يصف كل التغيرات الطبيعية التي حدثت وتحدث هذه الأيام بأنها التغير المناخي الناتج من النشاط الإنساني، بما في ذلك زلزال "تسونامي" والفيضانات المختلفة في بعض المناطق.
المزايا الاقتصادية للدول الصناعية
ويمكن تلخيص المزايا الاقتصادية التي تحصل عليها حكومات الدول الصناعية من جراء وجود مثل اتفاقية التغير المناخي وبروتوكول كيوتو من خلال الآتي:
- تقليل اعتمادها على استخدام الوقود الاحفوري في شكل عام والبترول الذي تستورد معظم احتياجاتها منه خصوصاً. ولذلك فهي كانت وما زالت تتحيز في سياساتها المتبعة لمواجهة التغير المناخي لمصلحة عدم المساس بصناعة الفحم لديها والتي تمتلك احتياطات كبيرة منه، لتحافظ على معدلات إنتاجها منه وفي شكل متزايد، في الوقت الذي تُضيف إلى التحيز القائم ضد المنتجات البترولية بمزيد من الضرائب المرتفعة أصلاً والتي تصل إلى أكثر من ضعفي السعر العالمي للبترول بحجة الوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في اتفاقية التغير المناخي والبروتوكول.
- تحقيق مزايا كبيرة من جراء اتساع الأسواق العالمية لتصدير مزيد من تقنية مصادر الطاقة المتجددة التي تمتلكها. ولذا نجدها في معظمها تعارض التوسع في استخدامات تقنية الطاقة الاحفورية النظيفة بما فيها التقنية التي تعمل على إزالة غازات الاحتباس الحراري من هذا المصدر من الطاقة، لأن هذا يعزز من جهة اعتمادها على البترول المستورد ويقلل من فرص انتشار تقنية الطاقة المتجددة.
وفي الوقت الذي لا يعارض احد انتشار استخدام الطاقة المتجددة، إلا أننا نجد أن السياسات المفتعلة للتأثير في الأسعار النسبية لمصادر الطاقة المختلفة، تؤدي إلى زيادة الكلفة من جهة، وفرض بدائل لم تنضج بعد اقتصادياً وفنياً سواء بالنسبة الى كلفة إنتاجها المرتفعة أو تعدد وسهولة استخداماتها.
- إحياء استخدام الطاقة النووية في شكل أكبر وإقناع الرأي العام لديها بأنها لا يمكنها الوفاء بالتزاماتها في إطار البروتوكول ما لم تتوسع في بناء مفاعلات جديدة، وتستخدم حجة أن الطاقة النووية لا تبعث غازات احتباس حراري، متناسية أضرارها البيئية الأكبر.
- الافادة من إنشاء أسواق لتجارة الانبعاثات، ومنها ما تم إنشاؤه أخيراً في إطار الاتحاد الأوروبي السوق الأوروبية لتبادل الانبعاثات وهو ما يوفر تبادلاً في أذونات الانبعاثات وهي سلعة لم تكن معروفة أصلاً على المستوى الدولي، تعيد من طريقه الدول الأوروبية إعادة توزيع الثروات في ما بينها بطريقة تحقق مكاسب جماعية، وتؤدي إلى تخفيف العبء على صناعاتها في سبيل التزاماتها بمعايير انبعاثات صارمة.
لماذا ترفض الولايات المتحدة الانضمام؟
وقد يتساءل بعضهم أنه في وجود كل هذه المزايا، فلمَ لم توافق الولايات المتحدة على الانضمام إلى البروتوكول؟ الإجابة عن ذلك تتلخص في أن التأثير السلبي في اقتصادها أكبر بكثير من هذه المزايا المذكورة. فهي تمتلك احتياطات كبيرة من الفحم، وفي ظل جدية التزام الولايات المتحدة ومؤسساتها التشريعية بما تصادق عليه من الاتفاقات الدولية، فإنها لم تستطع أن تستثني الفحم من إجراءات خفض غازات الاحتباس الحراري كونه مصدراً رئيساً لهذه الانبعاثات، كما تحاول فعله بقية الدول الصناعية التي ما زالت تقدم إعانات لصناعة الفحم لديها مثل ألمانيا. لكنها في الوقت نفسه وبعد مصادقتها على البروتوكول تستطيع أن تنتقي ما تريد من السياسات الرامية الى خفض هذه الانبعاثات.
فهي أعلنت أنها تخطط للتوسع في استخدام الطاقة النووية، وأعلنت مجموعة من الإجراءات الخاصة بخفض الاستهلاك في قطاع النقل وهو قطاع تتسيد فيه المنتجات البترولية، كما أعلنت عن بعض الأهداف الرقمية والزمنية الطوعية التي تطالب بها صناعاتها والمرتبطة بخفض معامل الارتباط الكبير بين معدلات النمو الاقتصادي وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
تخوف الدول النامية
أما على صعيد الدول النامية، فالتخوف هو أن الاتفاقية وبروتوكول كيوتو قد يؤديان على عكس الاعتقاد الشائع إلى تعزيز كفة المكاسب لمصلحة الدول الصناعية وذلك من خلال الآتي:
- ان جميع المساعدات المالية والتقنية التي وعدت الدول الصناعية بتقديمها للدول النامية لم تتحقق في إطار الاتفاقية.
- ان هناك ضغوطاً مستمرة لإدراج الدول النامية وبالذات الكبرى فيها لتتحمل التزامات إضافية في مجال خفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري بدءاً من 2012، وهو الأمر الذي سيؤثر سلباً في مسيرة التنمية الاقتصادية في هذه الدول.
- ان الدول النامية المصدرة للبترول ستتأثر سلباً من جراء السياسات المتبعة للحد من الاستهلاك العالمي من البترول، ومنها دولنا العربية المعتمدة في شكل رئيسي على تصدير البترول مصدراً للدخل. وقد اثبتت كل الدراسات هذه التأثيرات السلبية وإن اختلفت في حجم هذه التأثيرات تبعاً للافتراضات التي تم تبينها.
وماذا عن الدول البترولية وموقفها خلال مفاوضات الاتفاقية والبروتوكول وما بعدهما؟ يمكن القول ان هذه المفاوضات الدولية قد تكون من أصعب المفاوضات التي مرت على الدول البترولية وأكثرها حراجة. فالدول الصناعية كانت مندفعة تماماً للتعجيل بظهور هذا الجهد الدولي الجماعي للحد من استهلاك العالم من الوقود الاحفوري لأسباب ليس من أبرزها حماية البيئة الدولية كما ذكرنا، أما الدول النامية فهي وعدت بمساعدات مالية وتقنية ضخمة، كما تم التصوير لها بأن خفض العالم من استهلاكه من البترول سيؤدي إلى تراجع أسعاره العالمية وبالتالي فإن الدول النامية المستوردة للبترول ستفيد من ذلك. وأشركت دول الجزر الصغيرة التي يرجح العلماء اختفاءها من الخريطة العالمية ودعمتها بمحامين بارعين يمثلون بعضها في المفاوضات، لتضفي هذه الجزر النغمة الباكية النادبة حظها لتزيد من الضغوط النفسية على كل المفاوضين.
لذا ففي وقت لم نمانع في تبني الاتفاقية والبروتوكول لاحقاً، على رغم الشكوك العلمية، إلا أننا ذكرنا بأن دولنا غير مستعدة أن تتحمل أكثر من نصيبها العادل في حماية البيئة الدولية، وأنه لا يمكن أن تكون ضحية للإجراءات الدولية المتبعة لمواجهة التغير المناخي المحتمل. وتم إدراج مواد في الاتفاقية وبروتوكول كيوتو ما يؤدي إن تم تطبيقه فعلياً إلى التقليل من التأثيرات السلبية المتوقعة على اقتصاد دولنا البترولية بما في ذلك العمل على إزالة التشوهات الضريبية القائمة حالياً ومساعدتنا بزيادة الاستثمارات ونقل التقنية لنحقق تدريجاً التنويع الاقتصادي.
وأجمعت كل الدراسات على وجود آثار سلبية مترتبة على دولنا البترولية من جراء تطبيق بروتوكول كيوتو نتيجة الانخفاض المتوقع في معدلات نمو الطلب العالمي على البترول نتيجة سياسة الحد من استهلاكه عالمياً في إطار حملة الوفاء بالتزامات خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. الاختلاف في نسب التأثير السلبي بين الدراسات سببه اختلاف الافتراضات التي بنيت عليها هذه الدراسات.
وحاولت الدول الصناعية إيهامنا بأن لا خوف على الطلب العالمي على البترول مهما اتبعت هي وبقية الدول من إجراءات للحد من استهلاكه وهو الأمر الذي يهدف إلى تخدير مفاوضي دولنا في هذه الاتفاقية وتوفير الإجماع الدولي لاستمرار نهجها التحيزي في قطاع الطاقة لمصلحة الفحم والطاقة النووية والطاقة المتجددة وضد المنتجات البترولية.
وفي الختام، ومع انطلاقة بروتوكول كيوتو الرسمية، فإننا نتوقع أن تستمر الضغوط على الدول النامية عموماً والدول البترولية على وجه الخصوص لتمرير عبء حماية البيئة الدولية إليها على رغم التباين الشاسع في المسؤولية عن أي تلوث حدث خلال مسيرة التنمية الاقتصادية وهو ما لا يجب قبوله، بل والوقوف بحزم لتعديل عدم التوازن هذا، وهو الذي يسري على كل اتفاقيات العولمة والتي ما زالت كفة المكاسب فيها تميل لمصلحة الدول الصناعية على حساب الدول النامية.
* المستشار الاقتصادي لوزير البترول السعودي ورئيس وفد المملكة لمفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.