يعرب يحيى إدريس وهو أحد أصحاب المحال التجارية في شارع الكرادة الرئيسي وسط بغداد عن شعوره بالإحباط نتيجة حالة التذبذب التي ما زالت تعيشها السوق العراقية والتي يقول إنها دفعت الباعة والتجار إلى العزوف عن اتخاذ أية خطوة من شأنها تطوير نشاطهم التجاري وسط كساد يكتنف قطاعات واسعة من المجتمع لأنهم يرون أن السوق العراقية، على رغم أملهم في زيادة حركة تجارتها، تحتاج إلى وقت طويل حتى تستقر الامر الذي يطيل من معاناة جميع المواطنين بمن فيهم التجار. فالسوق العراقية مازالت تعتريها حالة من التذبذب بين ارتفاع قيمة المعروض من السلع التجارية وانخفاض أسعار قسم منها، بمعزل عن سعر صرف الدولار حالياً، وعلى نحو مستمر وقد شمل ذلك مختلف السلع المصنع منها محلياً والمستورد. ويقول إدريس إن المعروض من المواد في السوق العراقية بلغ التخمة إلا انه بات لا يتناسب مع دخل المواطن، خصوصاً الموظف الذي تحسّن دخله الشهري في شكل ملحوظ، إلا أن ارتفاع الأسعار وكلفة المعيشة ساهما إلى حد كبير في القضاء على أي أمل يتطلع إليه المواطن لتحسين أوضاعه بعد الحرب وانقضاء فترة الحصار. وقال التاجر حسن الفلفلي أن الموظف، وبعدما تضاعف دخله الشهري، لم يعد يشعر بمذاق راتبه الجديد لأن حمى الأسعار المرتفعة سرعان ما أفقدته النكهة التي كان المواطن يأمل بتذوقها خصوصاً انه بات يدفع أكثر من نصف عائداته المالية الشهرية ثمناً لسلع يشتريها من السوق السوداء لاضطراره إليها، خصوصاً ما يتعلق منها بالمحروقات التي زادت عشرين ضعفاً عن سعرها الرسمي، وفي مقدمها النفط الأبيض وغاز النفط والبنزين، وهي سلع أضحت ضرورية في موسم الشتاء الحالي مع شح الكهرباء الذي يضطره إلى استخدام المولدات. وتشير انتصار عباس التي تعمل في دائرة الرقابة في وزارة التجارة إلى أن هذا الأمر يستحق المتابعة والرصد واتخاذ الإجراءات الرادعة للحد من هذه الظواهر لكنها تقول ان ليس كل ما يعرف يذكر، فالوضع أضحى خارجاً عن نطاق السيطرة بسبب عدم توافر الشروط اللازمة للمتابعة وأهمها الردع. وبسبب غياب الشعور بالانضباط لدى الدولة والمواطن على حد سواء، فالانفلات الأمني وغياب القانون ومحاولة الحصول على المال بكل الوسائل بغض النظر عن أي ضوابط، دفعت كثيرين إلى التمادي وإلى عدم الشعور بالمواطنة. ويرى حمزة هلبون وهو اقتصادي ومدير سابق في قطاع المصارف أن ارتفاع الأسعار اللافت يسود الوضع الاقتصادي الحالي على رغم بعض مظاهر التحسن المعيشي الذي شمل قسماً من قطاعات المجتمع, خصوصاً ما يتعلق منها باستقرار وضع العملة العراقية وثباتها عند سعر صرف معين إزاء الدولار، وهذا ما أدى إلى حد كبير في عدم انجرار الوضع الاقتصادي إلى ما هو أكثر سوءاً، إلا انه يتساءل ماذا كان سيحصل لو كان سعر صرف الدولار 3 آلاف دينار، كما حصل في بعض سنوات الحصار. ويرى هلبون في الجانب الأمني سبباً رئيساً في ارتفاع الأسعار لصلته المباشرة وبالأعباء المالية التي يتحملها التاجر والمسوق والناقل للبضاعة، ويقول إن نقل البضاعة المستوردة من الحدود العراقية إلى مواقع تجارها المستوردين يحتاج إلى أجور نقل عالية وحماية أمنية فرضتها الظروف الحالية وقد تصل إلى أكثر من 100 في المئة من السعر الأصلي للبضاعة، وكذلك بالنسبة الى البضاعة المصنعة محلياً التي زادت كلفتها أيضا بسبب الأجور العالية التي يدفعها المصنع للحراسة الأمنية، اضافة الى كلفة النقل المضاعفة، وزيادة أجور العاملين في المؤسسات الصناعية والإنتاجية في القطاع الخاص، مما ساهم في رفع سعر السلعة المحلية إلى حد كبير وفي تآكل العائد المالي للمواطن العراقي والقضاء على ما كان يعقد من آمال على مستقبله الجديد. ويشير علي غالب محسن وهو صاحب مصنع للمواد الغذائية إلى ظاهرة يعدها مفارقة كبيرة أفرزتها الأوضاع الأمنية وهي انه بات يدفع أجوراً مضاعفة للحارس الأمني قد تصل نسبتها أكثر من 100 في المئة عن أجور المهندس المسؤول عن الصيانة أو العامل الماهر المسؤول عن آلة الإنتاج، وهي مفارقة ينظر إليها جميع مسؤولي القطاعات الاقتصادية والصناعية في العراق باعتبارها حالة تتقاطع مع السياقات المنطقية والعلمية التي يفترض أن تسود ظروف العمل في أي مكان في العالم.