جاء قرار الحكومة السعودية السماح لخمسة بنوك كبرى على مستوى المنطقة والعالم بافتتاح فروع لها في المملكة دعماً كبيراً للاستثمار الأجنبي في البلاد وواضعاً بنوك البلاد العشرة على محك المنافسة للبقاء وتطوير أساليب العمل وتنوع الخدمات. كما أن تجميع شركات الصرافة وضمها لتكون بنك البلاد الوطني الذي أطلق أخيراً جاء تتويجاً لتغيرات هيكلية وتنظيمية تمهد الأرضية المناسبة لبقاء هذه المنشآت في ظل استعدادات البلاد للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. ووفق رئيس دار الدراسات الاقتصادية وعضو مجلس الشورى سابقاً الدكتور عبدالعزيز داغستاني فإن "انضمام فروع البنوك الأجنبية إلى منظومة القطاع المصرفي في الاقتصاد السعودي يأتي كجزء من عملية الإصلاح الاقتصادي لمواجهة استحقاقات العولمة واشتراطات الانضمام الى منظمة التجارة العالمية". ويرى داغستاني أن وجود هذه البنوك الأجنبية "سيسهم إلى حد كبير في إثراء روح المنافسة في المنظومة البنكية، وسيؤدي إلى تحسين مستوى الخدمات المصرفية وتوسيع دائرة المستفيدين منها، خصوصاً صغار المستثمرين وقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم وهي التي تمثل عصب الاقتصاد السعودي". ومع أنه يعتقد بأن البنوك الوطنية ما زالت تمتلك ميزة نسبية بحكم انتشارها وتاريخها وولاء المواطن لها، إلا انه يؤكد بأن "البنوك الأجنبية ستجد سوقاً جيدة تستطيع أن تخدم فئة بعينها من دون أن تزاحم البنوك السعودية". ويضيف قائلاً ان هناك فجوة كبيرة بين العرض والطلب تراكمت عبر السنوات بسبب عدم الموافقة على إصدار تراخيص لإنشاء بنوك سعودية منذ فترة طويلة على رغم قلة عدد البنوك العاملة في البلاد بالنسبة الى حجم الاقتصاد السعودي "وحتى مع دخول البنوك الأجنبية فإن السوق السعودية ما زالت قادرة على اجتذاب المزيد". من جهة أخرى يؤكد أستاذ التسويق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور عبدالوهاب القحطاني أن قرار السماح للبنوك الأجنبية جاء لأن "البنوك السعودية القائمة الآن لا تفي بحاجة التنمية في المملكة، وهذا ما نلمسه في الحجم الصغير للتعاملات التجارية بينها وبين الشركات الكبيرة والصغيرة والأفراد الذين يحتاجون الى السيولة من هذه البنوك لتلبية حاجاتهم". ويتوقع القحطاني أن قدوم البنوك الأجنبية للاستثمار في المملكة سيفتح المجال أمام المواطنين للحصول على احتياجاتهم المالية من خلال قروض ميسرة وبشروط معقولة ما يجعل المنافسة شديدة وصعبة أمام البنوك الوطنية التي يستوجب الأمر توسيعها وتسهيلها لآلية وشروط الحصول على قروض لكبار وصغار المستثمرين، وكذلك للقروض الفردية غير الاستثمارية. ويضيف أن البنوك الأجنبية ستجد الفرصة كبيرة لتمويل المشاريع الصغيرة مستفيدة من خبراتها في مجال إقراض الشركات المتوسطة الحجم والصغيرة في بلدانها التي تمارس فيها نشاطات التمويل في هذا المجال الواسع الذي لا يزال متعطشاً للمزيد من التمويل الضروري في السعودية. ويشير الى ان الميزة النسبية التي يذكرها داغستاني ستتلاشى مع الزمن عندما تعي البنوك الأجنبية طبيعة السعوديين وتفضيلاتهم لأنها "ستستقطب السعوديين من ذوي الخبرات الطويلة في البنوك السعودية للعمل معها، وبالتالي تضعف هذه الميزة على المدى البعيد". ويرى أن إغراءات الموظفين بين البنوك ستكون أشبه بالحرب لاجتذابهم، وعلى البنوك السعودية تحصين نفسها قبل فوات الأوان حيث لا تزال الفرصة كبيرة لتحسين وضعها التنافسي. غير أن القحطاني يشدد على توافر الضوابط التي تحمي انتقال الأموال من البنوك الأجنبية خارج المملكة حتى لا يؤثر ذلك في التنمية الاقتصادية والأمن الاقتصادي الوطني للبلاد، "لأن حرية انتقال الأموال من البنوك الأجنبية بين دولة وأخرى، والتي تضمنها اشتراطات منظمة التجارة العالمية، وحرية السوق والتنقل، ستشجع البنوك الأجنبية على نقل الأموال الى الخارج للاستفادة منها في دول يكون فيها سعر الفائدة على القروض أعلى منه في المملكة". ولهذا يرى أن هناك فجوات نظامية يجب أن تضبط وتقنن حتى لا يُحدث دخول هذه البنوك آثاراً سلبية على الاقتصاد السعودي. ويرى المصرفي مطشر المرشد "أن البنوك الأجنبية ومدى فائدتها لاقتصادنا تعود لكيفية تفاوضنا وشروطنا معها وحماية أنفسنا بسن الأنظمة والقوانين الصريحة"، ويقول ان "الشريك الأجنبي موجود في 80 في المئة من بنوكنا القائمة الآن بحصص تصل إلى 40 في المئة، وهو يسيطر على الإدارة والخزينة والاستثمار، ومع هذا لم يقدم شيئاً للاقتصاد مع انه معفي من الزكاة والضريبة... ولذا فإن اختيار ما نريد هو الذي يحدد مدى استفادتنا". ويركز المرشد على نقطة مهمة وهي أن الشريك الأجنبي في البنوك المحلية بدأ يدخل مشروعات خاصة به ويخرج عن نطاق الشراكة مع السعوديين مستفيداً من قرار فتح الاستثمار الأجنبي ومن خبرة ثلاثين عاماً من وجوده في السوق السعودية ومعرفته بالفرص المتاحة فيها، وهذا ما سيؤثر على صغار المساهمين في البنوك المحلية. ويؤكد على وجوب سن أنظمة صارمة تحمي الشريك السعودي الذي بدأ يتكشف ضعفه مع خروج الأجنبي الى مشاريع خاصة به مباشرة، مع أن هذا الأخير استفاد خلال الثلاثين عاماً من كل المزايا ولم يقدم للبلد ما يقابلها من خدمات أو مشاريع أو تمويل ميسر لمشاريع البنى التحتية .