أمير القصيم يرعى تدشين فعاليات اليوم العالمي لالتهاب الكبد الفيروسي    حرس الحدود بتبوك يضبط مواطناً لممارسته الصيد دون تصريح    أمير الشرقية يستعرض جهود الأمن الصناعي والأمن العام في حماية المنشآت وتعزيز السلامة    وفد من "الثقافة" يزور "مركز الملك فيصل" لتعزيز التعاون البحثي    انطلاق جائزة كفاءة الطاقة في دورتها الأولى لعام 2025    وزير الخارجية يصل نيويورك للمشاركة في ترؤس الاجتماع الوزاري لمؤتمر حل الدولتين    فندق فوكو يعلن عن ترقية طلال القحطاني كمدير للمبيعات    تحت رعاية خادم الحرمين .. انطلاق المنتدى السعودي للإعلام فبراير المقبل    بنك التنمية الاجتماعية يُطلق المرحلة الثانية من مبادرة "بنك الفن"    مكتب "الندوة العالمية" في نيجيريا يُثمّن جهود المملكة    مبادرة توعوية عن البدع في شهر صفر والدعوة إلى اجتنابها    الشؤون الإسلامية في جازان تطلق الدورة العلمية الثالثة في العارضة    البيئة تطرح مشروع تحديث دليل المهن والمنشآت البيطرية عبر منصة استطلاع    ابتكار جهاز يقيس ترطيب الجسم لتجنب الإصابة بالجفاف    قافلة مساعدات مصرية تتجه إلى معبر كرم أبوسالم في طريقها إلى غزة    فريق طبي سعودي يستعد لاستقبال توأم ملتصق من جامايكا    دراسة سعودية: بعض أدوية الطوارئ تحتفظ بجودتها بعد انتهاء الصلاحية    موجة حارة على المنطقة الشرقية    امطار على جتوب المملكة ورياح نشطة على عدة مناطق    إقلاع طائرات بولندية وأخرى تابعة لحلفاء لحماية المجال الجوي    ارتفاع أسعار النفط    دور المملكة الريادي تجاه القضية الفلسطينية امتداد أصيل لمواقفها التاريخية    وزارة الرياضة تُطلق برنامج "حكايا الشباب 2025"    فريق OpTic Texas يحقق لقب بطولة Call of Duty    إحباط تهريب 75,000 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    محمية الأمير محمد بن سلمان تحتفي بولادة أول"وعلين نوبيين"    "تاسي" يغلق مرتفعاً    بدعم جيسوس.. النصر يخطف" جواو فيليكس"    الفلبيني"كارلو بيادو" يتوج ببطولة العالم للبلياردو 2025    تعكس قوة وتنوع الاقتصاد السعودي.. 9 مليارات ريال فائض تجاري خلال شهر    إحالة 26 مخالفة لحماية الآثار للجهات المختصة    أحمد العوضي..«علي كلاي» في رمضان    "مانجا للإنتاج" تعزز المحتوي الإبداعي المحلي    عقدت اجتماعها الدوري برئاسة المفتي.. هيئة كبار العلماء تستدعي خبراء لتقديم رؤى متخصصة    بعد أربعة أيام من المواجهات الدامية.. تايلاند وكمبوديا تقتربان من وقف إطلاق النار    مشاورات سورية – إسرائيلية لاحتواء التصعيد    اعتقال صاحب «السفارة الوهمية» بالهند    إيقاف مصنع منتجاته تهدد السلامة.. الغذاء والدواء: ضبط 471 منشأة مخالفة وإغلاق 28    عملية تجميل تمنع امرأة من السفر    بعثة الأخضر للصالات تصل بانكوك للمشاركة في بطولة القارات الدولية    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تحتفي بولادة أول «وعلين نوبيين»    علي مجرشي يُعلق على تمديد تعاقده مع الأهلي    الهلال الأحمر بجازان يُحقق المركز الأول على مستوى فروع المملكة في الاستجابة للحوادث المرورية والبلاغات الطارئة    تفاصيل إصابة فابينيو لاعب الاتحاد    القادسية يستهل المرحلة الثانية من الإعداد في إسبانيا بتواجد الوافدين الجدد    "كبار العلماء" تعقد اجتماعها ال(97)    22%النمو السنوي لإنتاج الذهب بالسعودية    أمير الشرقية يلتقي رئيس مجلس أمناء جامعة عبدالرحمن بن فيصل    براك بخصوص سلاح حزب الله: الكلمات لا تكفي    وزير الخارجية: مؤتمر تنفيذ حل الدولتين يأتي استنادًا لموقف المملكة الثابت تجاه القضية الفلسطينية    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل العام البريطاني بجدة    مختص: استشارة الزوج لزوجته وعي عاطفي لا ضعف في القيادة    ولادة "مها عربي" في محمية عروق بني معارض    القيادة تعزي رئيس روسيا الاتحادية في ضحايا حادث تحطم طائرة ركاب بمقاطعة آمور    المرور: تجاوز الأبعاد المسموح بها يزيد احتمال الحوادث    نور تضيء منزل الإعلامي نبيل الخالد    المدينة المنورة تحيي معالم السيرة النبوية بمشروعات تطويرية شاملة    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلم بيدرو ألمودوفار الجديد الذي سيصبح علامة مميزة في تاريخ السينما ."تربية سيئة": شخصيات تدور في متاهة التكوين المضطرب
نشر في الحياة يوم 23 - 07 - 2004

لا يكف المخرج الاسباني بيدرو المودوفار عن المشاغبة! ستظل أفلامه تثير الكثير من الجدل لأنها تنطلق بعقل المشاهد وقلبه الى أفق رحب وأفكار كبيرة يحاول معظم الناس تجاهلها أو غض الطرف عنها. ثم يأتي المودوفار مسلحاً بموهبته الكبيرة وخبرته الطويلة في فن صناعة السينما ليشاغب ويجلي الغبار عن الكثير من الأفكار المنسيّة، أو يتطاول ويتجرأ على كل ما هو مؤسسي وسلطوي وينقد في شدة ولكن بمنتهى الثقافة والخبرة ما لا يجرؤ الكثير غيره من كبار الأسماء وأهمها حتى على الاقتراب منه.
بدأ المودوفار مشواره السينمائي في عام 1980، ومنذ البداية تميزت أعماله بما يمكن أن نطلق عليه "خارج المؤسسة"، بمعنى عدم خضوعها للأفكار التقليدية التي تسود أي مؤسسة من المؤسسات المعتادة: الأسرة أو الكنيسة أو الدولة أو المدرسة، أو حتى مؤسسة صناعة السينما. عبرت أفلام المودوفار في شكل عام عن العلاقة بين المرأة والرجل وبخاصة المشاعر الدقيقة للمرأة التي تحاول اخفاءها أحياناً لئلا تدان من المجتمع. وعبرت أفلامه أيضاً عن سخرية الفرد من السلطة ومحاولة تمرده عليها، وعن مشاعر الحق العميقة كافة. كما نرى في أفلامه الكثير من الرومانسية الى جانب الواقعية، والكثير من الكوميديا الى جانب المأسوية، والكثير من السخرية الى جانب الميلودراما. وربما يعتقد الكثيرون ان فيلم المودوفار "تكلم معها" كان بحق فيلماً كبيراً سواء من ناحية المضمون أم الأداء أم السينوغرافيا واعتبر نقلة نوعية في حياته السينمائية.
ثم يأتي فيلم "تربية سيئة" هذا العام - والذي افتتح به مهرجان "كان" الأخير موسمه - لينقل المودوفار من دون شك الى مصاف كبار المخرجين العالميين ويحقق به نقلة أكبر وأهم في تاريخه.
مشاعر الرجل
نرى المودوفار، وهو كاتب قصة الفيلم أيضاً، وقد قرر هذه المرة أن يركز على رغبات الرجل ومشاعره. فطالما تعرضت أفلام المودوفار لأفكار المرأة وعلاقتها ببنات جنسها والرجل على حد سواء. ولكنه مع فيلمه الجديد هذا قرر أن يتخلى عن كل تحفظاته ويتعرض لتجربة شخصية في الأساس وهي جزء من طفولته التي قضاها في مدرسة دينية داخلية للذكور والتناقضات التي يمكن أن يمر بها هؤلاء الصغار على أيدي القساوسة يتخبطون بين أفكارهم الدينية من جانب ورغباتهم الجسدية من جانب آخر.
ويقول المودوفار ان قصة الفيلم تعتبر سيرة ذاتية جزئياً فقط، لأن الكثير منها من وحي الخيال، وبالتالي علينا أن ننظر الى الشخصيات على أنها أدوار فنية في فيلم وليست شخصيات حقيقية. ولكن، ومنذ المشاهد الأولى في الفيلم وحتى النهاية، يحاول المخرج أن ينقل الإحساس بأن ما يدور أمامنا شيء عادي للغاية كأنه يحدث في شكل روتيني وكأننا نشاهده هكذا بمنتهى البساطة والتلقائية في حياتنا اليومية. وأعتقد أن أهمية الفيلم تنبع أساساً من هذه الاستراتيجية السينمائية الخاصة التي يتبعها المخرج، لأن الوجه الآخر لهذه التلقائية الشديدة هو السخرية السوداء التي تسود الفيلم حتى نهايته. وبذلك، نجد أنفسنا نضحك في شدة بسبب البساطة التامة التي يعالج بها المودوفار أفكاراً معقدة وصعبة، وفي الوقت نفسه نبدأ في اكتشاف الفخ الذي يحاول أن يوقعنا فيه، لأن الموضوع في النهاية ليس بهذه البساطة على الاطلاق.
فما هي القصة التي يريد أن يحدثنا عنها المودوفار؟ انها ليست قصة واحدة وليست قصة عادية أيضاً. انها مجموعة من القصص المتداخلة والمتشابكة التي تتفاعل على مستويات عدة. فما إن نبدأ في الانخراط في قصة نجد أن هناك أخرى في الخلفية تبدأ في الزحف تدريجاً لتحل محلّ القصة الرئيسة. وهكذا، تماماً مثل لعبة العرائس الروسية. ولكن بالطبع هناك القصة الأساسية التي تتفرع منها القصص الأخرى وهي مشاعر الصداقة الحميمة والحب التي ربطت بين صبيين كانا يتعلمان في مدرسة دينية في الصغر. نجد ان القصة تبدأ في أوائل الستينات وتتتبع ما يحدث لهذين الصغيرين في شبابهما خلال سنوات السبعينات وحتى عام 1980. يلقي الفيلم الضوء على المخالفات الشديدة التي تحدث في حق هؤلاء الأطفال في تلك المؤسسة الدينية على أيدي القساوسة الذين يستغلون براءة الأطفال ويعرضونهم لتجارب جنسية ضد رغبتهم بكل تأكيد.
انها قصة عن اغناسيو وأنريك اللذين أصبحا صديقين في هذه المدرسة ثم افترقا لأنهما لم يستطيعا الاستمرار فيها، ولكن ظلت تلك الذكريات تحتل جزءاً أساسياً من تربيتهما وتطورهما الإنساني في شبابهما. نرى انريك بعد عشرين عاماً يعمل مخرجاً سينمائياً ويبحث عن قصة جديدة وجريئة ليحولها الى فيلم. ويظهر له فجأة من يدّعي انه صديقه القديم اغناسيو آتياً له بقصة عنوانها "تربية سيئة" تتحدث عما تعرضا له في طفولتهما، ويطلب منه أن يمثل الدور الرئيس في هذا الفيلم. وتختلط مشاعر انريك لأنه يحس أن هذا الشخص الذي يقدم نفسه على أنه صديقه القديم يختلف جذرياً عن اغناسيو الذي أحبه وارتبط به في طفولته. ولكنه يعجب بالقصة ويقرر أن يحولها الى فيلم من اخراجه ويعطي الدور الرئيس لهذا الممثل الشاب. وهكذا، نرى ان الفيلم الأساس يبدأ في احتواء مشاهد الفيلم الذي يخرجه انريك وتتداخل الأحداث مع بعضها بعضاً في لغة سينمائية راقية. يبدأ المخرج انريك بدوره في كشف الحقائق، وأهمها أن هذا الممثل الموهوب هو في الحقيقة خوان الأخ الأصغر لإغناسيو، وأن هذا الأخير هو الذي كتب القصة قبل أن يموت نتيجة لمؤامرة دبرها ضده هذا الأخ الأصغر والقسيس الذي كان يحبه في الطفولة بعد أن أصبح اغناسيو عبئاً على الجميع بسبب اتجاهه لطريق المخدرات.
خداع الجميع
يتضح إذاً ان خوان الذي يبدو في منتهى البراءة والبساطة هو القادر على خداع الجميع. ويختار المودوفار لخوان أن يلعب دور رجل في الفيلم الرئيس ودور امرأة في فيلم انريك. وأبدع هذا الممثل الشاب جائيل غارسيا برنال في الدورين معاً. وقد أراده المخرج أن يتميز بالجمال والجاذبية الجسدية في الدورين ليكون مقنعاً في قدرته على اغواء الجميع وخداعهم، واستطاع برنال تحقيق ذلك بمنتهى البراعة. يبدأ خوان صعوده الاجتماعي بمؤامرة يدبرها ضد أخيه، ويخدع القسيس، لأن ذلك الأخير وقع في حبه فيقنعه انهما يجب ان يتخلصا من اغناسيو أولاً لأنه يعلم الكثير ويشكل خطراً عليهما، ثم يخدع في ما بعد انريك عندما يقنعه بأنه اغاسيو ذاته وأنه كتب تلك القصة عن طفولتهما. وكل ما كان يهم هذا الممثل الشاب هو أن يصبح مشهوراً وغنياً، حتى وان كانت الوسيلة هي الخداع والقتل والكذب. وينتهي الفيلم بالصعود الكبير لهذا الممثل وتحقيقه ما أراده الى أن يتم اكتشاف كل تلك الحقائق في ما بعد ويُدان. وينتهي أيضاً باكتشاف انريك للحقيقة كاملة وقطع صلته بخوان واستمراره في فن الاخراج السينمائي الذي يعشقه.
فهل لعبت التربية السيئة التي تعرض لها انريك واغناسبو في ظل المؤسسة الدينية في طفولتهما دوراً في تدمير حياة أحدهما وتعرض الآخر للخداع وتلقينه درساً كبيراً في الحياة؟ يبدو ان الفيلم يعبر في مجمله عن هذه الإدانة لكل ما تحمله تلك المؤسسة من مظاهر بالية وانتهاكات في حق الكثير من القيم والأخلاقيات التي وجدت في الأصل من أجل صونها. ولكن خلف هذه الإدانة، نجد مخرجاً موهوباً استطاع استخدام الكثير من الأدوات السينمائية باقتدار وتطويعها في صورة فن جميل وفيلم سيصبح بالتأكيد علامة فارقة ليس في مستقبل المودوفار السينمائي فقط ولكن أيضاً في تاريخ الفن السابع في مجمله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.