على رغم مطالبة شخصيات بارزة في حزب العمال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بأن يبعد نفسه عن ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش، خصوصاً في قضية تعذيب الأسرى العراقيين، تحدى الزعيم البريطاني منتقديه، مؤكداً انه لن يغير موقفه من العراق، وسيظل يدعم بالكامل موقف واشنطن وبوش. واعترف بأن "التحالف" يمر بمرحلة عصيبة. وصعّد نواب عماليون بارزون ضغوطهم على بلير، وطالبوه بأن ينتهج سياسة مستقلة حول الشرق الأوسط وحفظ السلام في العراق، وكذلك بالنسبة الى الانتخابات الرئاسية الاميركية. وأقرت شخصيات عمالية موالية لبلير بأن الأزمة في العراق تقوض وضع الزعيم البريطاني في الداخل، مع زيادة فقدان الثقة به وانهيار صدقية حكومته، بسبب عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل العراقية، وفضائح تعذيب الأسرى العراقيين وعدم الاستقرار الأمني في البلد. وأفادت صحيفة "ذي غارديان" امس ان وزراء ونواب عماليين من كل أجنحة الحزب الحاكم، يحضون بلير على ان يغتنم أول فرصة كي يعدل توجهه في السياسة الخارجية، ويشددون على بذل بريطانيا جهوداً أوسع في الشرق الأوسط، لتدارك الدمار الذي ترتب على دعم رئيس الوزراء موقف بوش المؤيد لخطة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون المتعلقة بالانسحاب من غزة. ويطالب مسؤولون ونواب بارزون بأن يوضح بلير رفض بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات اقتصادية على سورية، لكن بلير أصر في حديث الى صحيفة "ذي انديبندنت" امس على انه سيظل يساند بوش. ونفى رئيس الوزراء في هذا الحديث الشامل اشاعات بأنه قد يتخلى عن السلطة، بينما أقر بأنه يشعر بالإحباط لأن العراق يلقي بظلاله، ويطمس ما يراه "انجازات الحكومة المهمة بالنسبة الى الاقتصاد والوظائف والخدمات العامة" في بريطانيا. وشدد على انه لن يسعى الى إبراز اختلافات في المواقف بينه وبين بوش، معتبراً ان هذا الوقت ليس مناسباً على الاطلاق كي يفعل ذلك. وتابع بلير: "أهم شيء هو اننا نعمل مع شركائنا في التحالف ونقوم بتذليل المشاكل واستعادة الأمن، حتى يتمكن العراقيون أنفسهم من ان يضطلعوا بمسؤوليات الأمن وهو ما يريدون عمله". وزاد: "إذا نجحنا في تحقيق ذلك، سيعود بفائدة كبيرة على الأمن ليس فقط بالنسبة الى المنطقة ولكن للعالم كله". وأصر على ان اميركا لا تزال ملتزمة "خريطة الطريق"، وأثار امكان دعم واشنطن مشروع مساعدات لأفريقيا، عندما تتولى بريطانيا رئاسة مجموعة الدول الثماني الكبرى العام المقبل. وعن الأزمة العراقية قال بلير: "نسعى الى معالجة المشاكل وضمان ان العراق سيصبح دولة أفضل نتيجة اطاحة حكم صدام حسين". وأعرب عن رغبته في "الإصغاء اكثر الى صوت العراقيين"، واضاف: "الناس تسيء فهم ما يقوله العراقيون لنا، انهم يريدون قوات التحالف ان تنسحب عندما يصبح الوقت مناسباً لذلك، لكنهم لا يريدون ان تترك البلاد تحت رحمة المتعصبين دينياً وأعوان صدام السابقين أو الارهابيين. ما يريده العراقيون هو انتقال شرعي للسلطة والسيادة بعد 30 حزيران يونيو". ووصف التكهنات بأنه سيتخلى عن الحكم بأنها "هراء"، قائلاً ان شيئاً لم يتغير منذ اعلن عزمه ان يتولى فترة حكم ثالثة بالكامل، اذا حقق العمال الفوز في الانتخابات المتوقعة العام المقبل. وقال: "ينبغي عليّ ان أمضي قدماً في عملي، وانني استمتع به". وعلى رغم محاولته اعطاء صورة متفائلة عن وضعه الداخلي، أوضح تقرير صحيفة "ذي غارديان" ان بلير اعترف بضرورة ان يخفف من موقعه ازاء العراق بعد فضيحة التعذيب في سجن "أبو غريب". ونسبت الصحيفة الى وزير سابق قوله: "ان توني يمكن ان يبدو كأنه يتخذ خطاً له الواحد تلو الآخر بالنسبة الى العراق، لأنه واثق جداً بأن ما فعله كان صائباً". واستدرك المسؤول السابق ان "الموقف تغير بعد الذي جرى في سجن أبو غريب، وهو يدرك الآن ان الذين أيدوا الحرب في العراق أصبحوا قلقين جداً ولهم الحق في ان يسألوا، كيف انتهت الأمور على هذا النحو"؟ وتابعت الصحيفة ان بلير أشار الى انه سيفعل المزيد كي يتودد الى الحزب الديموقراطي الأميركي ومرشحه للرئاسة السناتور جون كيري، بعدما تقبل نصيحة وزرائه الذين يقولون انه اذا لم يحسّن حزب العمال العلاقات مع الديموقراطيين في اميركا، فإن حكومة بلير ستصبح في وضع سيء جداً إذا فاز كيري في انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني نوفمبر المقبل. وكان بعض وزراء بلير وجه انتقادات حادة لسوء معاملة السجناء في "أبو غريب" على أيدي القوات الأميركية، وفي مقدم هؤلاء وزير الخارجية جاك سترو ووزير شؤون مجلس العموم بيتر هين.