الحوثي يجر اليمن إلى صراع إقليمي مفتوح    الشيخ بندر المطيري يشكر القيادة الرشيدة بمناسبة ترقيته للمرتبة الخامسة عشرة    المسيرات تغرق بورتسودان في الظلام    خطة ثالثة تكشف نية إسرائيل المبيتة لتفكيك فلسطين    نائب أمير الرياض يعزي رئيس مركز الحوميات المكلف في وفاة شقيقه    رسوم الأراضي البيضاء.. خطوة نحو عدالة سكنية    ضبط شخصين تقدما بطلب إصدار تأشيرات زيارة لأشخاص خارج المملكة    إحباط تهريب 120 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر بجازان    القيادة.. رمانة الميزان لكلِّ خلل    حلول مبتكرة لتعزيز الصحة    نائب وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الاستثنائي ال47 للمجلس الوزاري الخليجي    نائب وزير الخارجية ونائب وزير الخارجية التركي يترأسان الاجتماع الأول للجنة السياسية والدبلوماسية    نخبة آسيا عهد جديد لقلعة الكؤوس    أخضر الصالات تحت 20 عامًا يُقيم معسكرًا تدريبيًا في الدمام استعدادًا لأولمبياد آسيا    ولي العهد.. عطاء يسابق المجد    هيئة الصحفيين تنظم ورشة عمل " الذكاء الاصطناعي وتفعيل القوالب الصحفية "    محافظ الطائف يلتقي مسؤولي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية    بيت المال في العهد النبوي والخلافة الإسلامية    سرك في بير    فائض الميزان التجاري السعودي يتجاوز 30 مليار ريال في فبراير 2025    قناة أطفال ومواهب الفضائية تحتفي برئيسها الفخري ومستشارها الإعلامي    ميرتس يؤدي اليمين مستشار جديدا لألمانيا أمام الرئيس شتاينماير    تشكيل النصر المتوقع أمام الاتحاد    بحضور وزير الرياضة .. جدة تحتفي بالأهلي بطل كأس النخبة الآسيوية 2025    125.7 ألف زائر يسدلون الستار على 12 يوماً من المتعة والمعرفة ل"الشارقة القرائي للطفل" 2025    تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا بوساطة إماراتية يشمل 205 محتجزين    موقف برونو فيرنانديز بشأن رغبة الهلال في ضمه    أمير حائل يدشّن برنامج الأمير عبدالعزيز بن سعد لبناء وترميم المساجد والعناية بها    وزير الشؤون الإسلامية يبدأ زيارة رسمية للمغرب    فهد بن سلطان يدشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام بالحافلات بمدينة تبوك    أمير الجوف يلتقي أهالي محافظة صوير    أمير حائل يرعى حفل التخرج الموحد للمنشآت التدريبية للبنين والبنات بحائل        مركز تأهيل إناث الدمام يعقد ورشة عمل في مهارات العرض والإلقاء    المدينة تحتضن الحجاج بخدمات متكاملة وأجواء روحانية    مذكرة تفاهم بين الجمعية السعودية لأمراض وجراحة الجلد وشركة آبفي وشركة النهدي الطبية    "سعود الطبية " تنظّم أول مؤتمر وطني لجراحة مجرى التنفس لدى الأطفال    أجنبيًا لخلافة المفرج في الهلال    زخة شهب إيتا الدلويات تزين سماء العالم العربي الليلة    فريق طبي في مستشفى عفيف العام ينجح في إجراء تدخل جراحي دقيق    البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري يُنفّذ (2,077) زيارة تفتيشية    حوار المدن العربية الأوروبية في الرياص    في أمسية فنية بجامعة الملك سعود.. كورال طويق للموسيقى العربية يستلهم الموروث الغنائي    توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز إبداعات الفنون التقليدية    دعوة لدمج سلامة المرضى في" التعليم الصحي" بالسعودية    بنسبة نضج عالية بلغت (96 %) في التقييم.. للعام الثالث.. السعودية الأولى بالخدمات الرقمية في المنطقة    في إياب دور الأربعة لدوري أبطال أوروبا.. بطاقة النهائي بين إنتر وبرشلونة    هاري كين يفوز بأول لقب في مسيرته    "مايكروسوفت" تعلن رسمياً نهاية عهد "سكايب"    جمعية الوقاية من الجريمة «أمان»    الإدارة الذاتية: رمز وطني جامع.. سوريا.. انتهاء العمليات القتالية في محيط سد تشرين    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    المملكة تختتم مشاركتها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    الصحة النفسية في العمل    حكاية أطفال الأنابيب «3»    جامعة الملك سعود تستضيف مؤتمر "مسير" لتعزيز البحث العلمي والشراكات الأكاديمية    ممنوع اصطحاب الأطفال    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحمول ظاهرة طبيعية في المآتم . هاتف "المرحوم" وحده ظل مغلقاًَ ... ولا عزاء للإحساس
نشر في الحياة يوم 03 - 04 - 2004

تدهورت حال المريض فجأة، فهرع أبناؤه الاربعة يطلبون طاقم الأطباء والتمريض الملحق بقسم أمراض القلب في المستشفى الفخم، وفي دقائق، نُقل الى الدور الأرضي في قسم العناية المركزة، وانقسم الأبناء فريقين، الأول بقي مع الأم في غرفة المستشفى، والثاني تمركز أمام غرفة العناية.
وعلى مدى الساعات الثماني التالية، تحولت هواتف الأبناء الاربعة المحمولة الى شبكة اتصالات تتبادل تفاصيل ما يجري في غرفة المريض في الطبقة الاولى وما يحدث في قسم العناية في الطبقة الأرضية، الفريق المتمركز امام العناية يبلغ الفريق الأول تطورات الموقف والآراء المقتضبة التي يدلي بها الاطباء الخارجون والداخلون.
وعلى رغم اللافتة الكبيرة الموضوعة أمام وحدة العناية والمكتوب عليها بالعربية والانكليزية والفرنسية: الرجاء إغلاق الهواتف المحمولة، وصورة الهاتف المرسومة وعليها علامة المنع لمن لا يجيد أياً من اللغات الثلاث وعلى رغم اللوحة الأكبر في مدخل المستشفى الرئيسي الا ان "السيمفونية الخامسة" الخاصة بالابن الأكبر و"ذبذبة" شقيقه الأقرب الى صوت الضفادع لم تكفا عن العزف والنقيق.
فضلا الرسالة القصيرة
وشارك في شبكة البث الحي عدد من الاطباء الذين نجح الابنان في استقطابهما ليحدثا والدتهما الملتاعة في الغرفة في محاولة لطمأنتها حفاظاً على صحتها، وهي المصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم وعدد آخر من الامراض البسيطة.
الا ان القدر تدخل، وفاضت روح الاب الى بارئها، وخوفاً على الأم من الصدمة، فضل الابنان ارسال رسالة قصيرة SMS الى أحد الهاتفين المحمولين في الغرفة.
Control yourself. Baba mat. will be upstairs in 5 minutes
وبالفعل تماسك الابنان وأحاطا بوالدتهما وفهمت الأم وانخرط الجميع في بكاء صامت.
ارتباط يستحق المعالجة
وفي اليوم التالي توجه الجميع الى المسجد لأداء صلاة الجنازة. أقارب المتوفيين في الخارج ممن عجزوا عن ايجاد مكان مناسب لإيقاف السيارات يتصلون باقاربهم في داخل المسجد طالبين النصح والمشورة في أنسب البدائل المتاحة في الشوارع المحيطة بالمسجد لترك سياراتهم.
المسجد خلا تماماً من اي لافتات تمنع استعمال المحمول، وذلك - في ما يبدو - اعتماداً على حصافة المصلين وعلى ان إغلاق المحمول او على الأقل تحويله الى الSilent أمر مفروغ منه، وبعد محاولات عدة باءت بالفشل لإقامة الصلاة في جو من الهدوء والخشوع، اضطر الامام الى مناشدة المصلين اغلاق هواتفهم في بيت الله "اغلقوا محاميلكم وانتبهوا لصلاتكم" كررها الإمام غير مرة، والحق يقال إن الصلاة اقيمت في جو هادئ نسبياً، بعد أن اغلقت الغالبية هواتفها المحمولة، مع وجود استثناءات لرجال ونساء وصل ارتباطهم بهذا الجهاز الصغير جداً الى حال مرضية تستحق الملاحظة والعلاج.
وبعد ختام الصلاة، وفي ثوان معدودة عادت ساحة المسجد الى ما كانت عليه، أصوات رجال ونساء متداخلة، كل يتصل بالسائق او الأقارب المنتظرين في الخارج على الهواتف المحمولة لإعطاء إشارات البدء في تحريك السيارات لنقل المصلين من باب المسجد الى المدافن. وانتقلت تظاهرة الاصوات المتشابكة على المحمول الى الخارج، ولم تتوقف إلا بعدما تحركت مواكب المعزين بعيداً من المسجد.
ووصلت عشرات السيارات الى مدافن الاسرة ووقف الحفيد الأكبر للمتوفى في أول الطريق حاملاً هاتفه ذا القدرة على التقاط الصورة، وأخذ يرسلها الى أقارب الأسرة من المغتربين في قارات أوروبا وأميركا الشمالية وآسيا ليتابعوا اجراءات الدفن لحظة بلحظة.
الغريب ان رنين هواتف الحضور من سيدات ورجال وشباب وأحياناً اطفال لم تتوقف، والاغرب ان ردود المعزين لم تتوقف ايضاً، لكن الاغرب هو التركيز على فحوى هذه المكالمات. إحدى المعزيات لم تتوان حتى عن تغيير رنة هاتفها أو مجرد خفض الصوت، ففي اللحظة التي خرج فيها ابناء المرحوم واشقاؤه من المدفن نفسه، وبدأت بعض السيدات البكاء بصوت مرتفع، علا صوت "شيء" يضحك ضحكة هستيرية، تبين أنه هاتف السيدة التي اخرجته من حقيبتها، وبدلاً من كتم الصوت، ردت بصوت مرتفع "هاللو" ويبدو أن الطرف الآخر سمع صوت بكاء النساء وعويلهن فسألها، وردت: "لا، لا، لا مشكلة ولا حاجة أنا في جنازة فلان.... وسأكون Free بعد عشر دقائق".
دُفِن المرحوم وطلب له اهله واصدقاؤه الرحمة، وتفرق الحشد على وعد باللقاء مساء اليوم ذاته في دار المناسبات لتلقي العزاء. وتكرر السيناريو مجدداً في المساء، رنين عشرات، ان لم يكن مئات، الهواتف المحمولة عند ابواب الدار للاستفسار عن انتظار السيارات والتقاء الاصدقاء، والتأكد من القاعات، وهكذا.
في قاعة الرجال، انتشر "النقيق" بشكل لافت، لا سيما بعد ما بدأ المقرئ تلاوة القرآن الكريم، إذ ربما تهيأ للمعزين ان الخشوع وقت الاستماع الى القرآن يعني إلغاء رنات الهواتف الموسيقية، والاكتفاء بالذبذبات التي اتاحت للجميع الرد على مكالمات العالم الخارجي من دون رنات موسيقية لا تتناسب نغماتها والمناسبة الحزينة التي يحضرونها.
أما في قاعة النساء، فكانت الطامة الكبرى التي استنفرت حاستي الشم والسمع إذا ألغينا حاسة الاحساس. زكمت روائح العطور المتضاربة أنوف الحاضرات بشكل لا يتناسب وحجم القاعة واختيار المهندس الذي وضع تصميمها الاكتفاء بباب واحد يواجه حائطاً، ما يجعل عملية تجديد الهواء من الكماليات. أما حاسة السمع فقد تشبعت هي الاخرى برنات هواتف المعزيات التي خرجت ناعمة وطويلة ومتنوعة من حقائب اليد الانيقة والتي ظلت تتعرض للفتح والاغلاق طوال العزاء للرد على المكالمات بل ولإجراء المكالمات كذلك التي رأت صاحباتها أنها غير خاضعة للتأجيل الى ما بعد العزاء والاستماع إلى القرآن الكريم.
الغريب أن احداً من الحاضرين والحاضرات لم يعترض، وبدت الاتصالات الهاتفية، والرد عليها وقت العزاء ظاهرة طبيعية لا تثير التعجب إن لم نقل "القرف".
المؤكد ان الهاتف المحمول الوحيد الذي أُغلِق طوال وقت العزاء كان هاتف "المرحوم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.