تعاني مصانع القطاع الخاص في العراق أزمة شديدة منذ أكثر من عام في أعقاب الاحتلال الأميركي، ما دفع غالبيتها الى التوقف عن العمل. ويقول اقتصاديون ان مشكلة القطاع الخاص الأساسية تتمثل في عدم قدرته على التعامل مع الانفتاح الاقتصادي الذي يعيشه العراق حالياً. يعد محمد رضا عبد، صاحب مصنع لخياطة الألبسة النسائية في منطقة بغداد الجديدة في العاصمة، نموذجاً لأصحاب المصانع الخاصة التي أُخرجت من دورة الانتاج بسبب الأوضاع الأمنية، وليس في وسع اصحابها اعادتها إلى العمل. ويقول ل"الحياة":"تعرض مصنعي للسرقة اثناء موجة السلب والنهب التي شهدتها بغداد بعد توقف العمليات العسكرية قبل نحو عام". ويضيف:"شملت السرقات الالات والأثاث، وحتى المواد الأولية ذات الصلة بالإنتاج. والمصنع متوقف حالياً عن العمل، إذ لا حيلة لي لتدبير المال اللازم لاستيراد الالات التي يحتاجها لإعادة تشغيله". وإذا كان مصنع محمد توقف بعد تعرضه للسرقة فإن معن سالم، صاحب مصنع لإنتاج المثلجات الآيس كريم، استمر في الانتاج وضاعف انتاجه خلال الصيف الماضي على رغم انخفاض المبيعات في محاولة للابقاء على حصته من السوق. ويقول:"عانت مصانع القطاع الخاص كساداً ملحوظاً على رغم سعيها لزيادة حصتها من السوق واستثمار أموال كثيرة في هذا الغرض. والسبب هو زيادة تدفق البضائع المستوردة التي تدخل العراق من حدوده المفتوحة من دون قيد أو شرط"، في إشارة الى أنواع المثلجات ذات المنشأ الأجنبي التي تشهد اقبالاً كبيراً عليها من قبل المواطن العراقي. ويضيف:"تعاني الصناعات الموسمية خسارة فادحة لأنها تعتمد على تسويق إنتاجها في فصل واحد وتوقف الانتاج بقية فصول السنة"، مشدداً على أنه إذا انقضى فصل الصيف من دون أن يحقق مصنعه ربحاً يذكر، فإن خسارته ستكون مضاعفة وقد يضطر إلى التوقف. ويعزو محمد نعمة، الذي يملك مصنعاً لإنتاج الأغذية المعلبة، سبب إفلاس مصنعه واضطراره الى الاستغناء عن خدمات العاملين فيه بعد عجزه عن دفع رواتبهم إلى انعدام ثقة المواطن العراقي في الصناعة المحلية. ويقول:"غالباً ما تكون المواد الأولية الداخلة في صناعة أي منتج محلي غير خاضعة للفحص، بالإضافة الى غياب شهادات النوعية الجيدة والكفاءة التي كانت تمنح لأصحاب المصانع والمعامل الأهلية بعد فحص منتجاتهم من دون ان تمر بالفحص أصلاً، إذ كانت الرشاوى والوساطة الوسيلة التي تُعتمد في منح هذه الشهادات ما أثر في جودة المنتج العراقي". ويشير الخبير الاقتصادي محمد التميمي الى ان القطاع الخاص في العراق يحتاج الى أموال ضخمة لاعادة تأهيله، ويقول:"هذه المبالغ لا يمكن الا ان تمولها الدولة أو تساهم فيها بنسبة معقولة على اقل تقدير. ويعاني القطاع الخاص من عقبات مثل عدم توافر المادة الاولية الجيدة والأيدي العاملة ذات الخبرة وكذلك القدرة على تسويق المادة المنتجة في الوقت المناسب وكيفية تصديرها". ويرى زاهر نيسان، وهو صاحب مصنع لانتاج مواد تجميل في منطقة جميلة الصناعية في بغداد، أن مصانع القطاع الخاص أصابها الضرر خلال فترة الحرب، مشيراً إلى أن العراق اصبح مستورداً للمادة التي كان يصدرها مصنعه. ويقول:"ساعد في ذلك انعدام الامن والفوضى التي عمت جميع جوانب الحياة في العراق". ويختلف الامر بالنسبة إلى سعيد عبداللطيف، صاحب مصنع لانتاج التمور المعلبة، اذ يقول:"لم يتأثر مصنعي بالحرب الاخيرة ولا بدخول البضائع المنافسة ذات الجودة العالية ولا اسعار المنافسة"، ويضيف:"لا تزال التمور العراقية تلقى الرضا والقبول من قبل دول العالم كافة". لكن مشكلة القطاع الخاص الأساسية تتمثل في عدم قدرته على التعامل مع الانفتاح الاقتصادي الذي يعيشه العراق حالياً حسبما يقول د. صبري البياتي أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد، ويضيف:"لن يتقدم القطاع الخاص الذي ترعرع في ظل حماية جمركية، وفي ظل حصار اقتصادي وامكانات مادية شبه معدومة، الا بعودة العراقيين المهاجرين خارج العراق من ذوي المهن والخبرة التجارية والصناعية، ومن عملوا فترات طويلة في دول المهجر في ظل اقتصاد مفتوح وهذا ما لا يمكن حدوثه اليوم. ولو عاد هؤلاء فستصدمهم الحالة الامنية المتفاقمة التي يعيشها العراق. ويشير ذلك الى ان القطاع الخاص لن يكون له أي دور يذكر في بناء الاقتصاد العراقي، في السنوات المقبلة على الاقل، بسبب العامل الأمني".