النقد الموضوعي العلمي يجب ان ينصب على الخطأ الآني في العراق، من دون تناول تاريخ الاسلام ومساوئ الاسلاميين، والتشهير بالشخصيات، وخداع الناس وايهامهم بأن العلمانيين معصومون من الخطأ، في حين، ان التاريخ السياسي العراقي مليء بألاعيب السياسة العلمانية والقومية التي دمرت العراق، وملأت العراق بالدم، وآخرها المقابر الجماعية. إن ما يفعله العلمانيون العراقيون بالهجوم على الإسلام لعبة مكشوفة من اجل تطبيق المناهج الغربية المستوردة التي كرست لدى المجتمع العربي والاسلامي عوامل التخلف، وإشكاليات التنمية المعروفة لدى خبراء الاقتصاد. هل يدرك العلمانيون العراقيون ان الولاياتالمتحدة، منذ مدة طويلة، استغلت عوامل التخلف التي افرزتها التبعية المذلة لمناهج الغرب - وبالتحديد العلمانية - والتي ينادي بها بعضهم بيننا؟ وصورتها على انها عوامل ضعف في شعوب المنطقة العربية والاسلامية يمكن استغلالها للهيمنة على منطقة "الشرق الاوسط"، وسلبها مواردها الطبيعية؟ وهكذا فإن مراكز الدراسات الأميركية المتخصصة تسعى لتقديم البحوث التي تصور "العالم الثالث" كأنه لا يمتلك عقلاً علمياً قادراً على استثمار موارده الطبيعية، وخصوصاً النفط! والأدلة على ذلك كثيرة لمن أراد. وهذه السياسة تتسم بالهيمنة والجشع والمصالح. وهي سياسة قديمة في الفكر الغربي، بدأت منذ ان حاول سقراط وتلميذاه أفلاطون وآرسطو، التنظير لفلسفة الهيمنة والسيطرة على الآخر، من خلال الدعوة لأفضلية الكائن الغربي الذي هو أساس كل الهيمنات. ولذا فإن الاقتصادي المعروف آدم سميث قال بصراحة: "لو ان كل فرد غربي تبع مصلحته الفردية، لكان الرفاه العام مؤكداً". وقد نتج عن هذا التنظير المتسافل مفهوم مهين للانسان، باعتباره كائناً اقتصادياً يتحكم فيه الربح والخسارة، وتحركه مصالحه المادية الخاصة بعيداً من الاخلاق والقيم. ان عالم الاجتماع الغربي ماكس فيبر، عندما كتب عن "الأسلوب الادائي" للأشياء أدرك ان هذا الاسلوب سيقود الى مفهوم جديد للعلمانية، اسماه "العلمانية الباردة"، لأنه اكتشف قسوة "العلمانية الشمولية" التي استغلت كل شيء بصورة مادية، فأصبح الانسان آلة في عالم مادي ضمن ادوات الاستعمال المتنوعة لزيادة رأس المال والبحث عن الارباح. والانسان اصبح جزءاً من المادة، جزءاً من سوق العرض والطلب، لا يختلف كثيراً عن بقية المواد الجامدة في منظومة "المادية العلمانية" التي دعت الى إحلال الله سبحانه وتعالى في الانسان، ليشرع قوانين ولوائح بحسب المصلحة المادية من دون اي وازع أخلاقي. لذا فإن "العلمانية الجزئية" هي الوجه الآخر للإمبريالية. فالتفريق بين الدين والسياسة ادى الى الصمت حيال حياة الانسان الخاصة كالزواج والقيم، والاخلاق، حيث ترك ذلك للانسان يديرها كيفما يحلو له. ولذا نشأت "العلمانية الشمولية" وهي لا تقتصر على فصل الدين عن السياسة بل فصل الانسان عن القيم كلها، وجعل الانسان مركزاً للكون، ومرجعاً بالنسبة لنفسه وللآخرين، مما سهل عملية التنظير لاقتناص ثقافة الشعوب وسرقة مواردها وخيراتها الطبيعية بجشع واضح. و"الأدب الحداثي" الغربي نراه يتحدث عن الانتحار والانتهازية والرعب، عكس الأدب الغربي القديم الذي كان يتحدث عن الشهامة والفروسية، مع ملاحظة ان الأدبين تجمعهما سمات العدوانية بالنسبة للآخر، لسحق الخصوصية الثقافية المحلية للشعوب. وأسأل: هل مثل هذه الافكار تصلح لأن تكون منطلقات فكرية يتفق عليها الإسلاميون والعلمانيون العراقيون في عراق الغد، عراق الديموقراطية والحرية الفكرية، أتصور ان الجواب واضح لكل من له بصيرة وقيم وأخلاق، سواء كان إسلامياً أو علمانياً. قاسم خضير عباس باحث عراقي [email protected]