تتوالى فصول وتداعيات فضيحة "بنك المدينة" التي يتندّر اللبنانيون بأخبارها وأرقامها المالية واسماء "أبطالها" وصفاتهم ومواقعهم، وكان آخرها أمس انهيار الأمينة التنفيذية لرئيس مجلس ادارة "بنك المدينة" رنا قليلات في قصر العدل، قبل سبع ساعات من استجوابها بدعوى حاكم مصرف لبنان ضد مجهول بتزوير مستندين يحملان توقيعه وبعده. وخرجت قليلات من مكتب المحامية العامة التمييزية القاضية ربيعة عماش قدورة والدموع تنهمر على وجنتيها بغزارة وراحت توصي محاميها "قولوا لأخي باسل ألاّ يتركني". ويتهامس اللبنانيون حول اسماء الضالعين في فضيحة "المدينة" ويحشرون بينها "اسماء يصعب الوصول إليها". مشهد فاجأ الصحافيين الذين اعتادوا رؤية لامبالاة الشابة، التي اشتهرت بأنها "قوية" وشغلت أخبارها المجتمع اللبناني الذي هزته فضائح "المدينة"، لدى دخولها قصر العدل وخروجها منه على مدى أسابيع بل ممازحتها الجميع حتى اثناء توقيفها الأول قبل أسابيع. والمشهد لا يقل دراماتيكية عن مشهد جلبها صباحاً الى قصر العدل مكبلة والذي أعقب نقلها بعد ظهر أول من أمس من سجن ثكنة بربر خازن في محلة فردان في بيروت الى سجن النساء في بعبدا المكتظ بالموقوفات العاملات من الجنسيات الآسيوية والافريقية، هي التي اعتادت حياة الرخاء والبذخ. فما أن وصلت الى الطبقة التي يقع فيها مكتب النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم، وهي ترتدي بزة رياضية وتضع على رأسها قبعة يتدلى منها شعر مستعار مجدول وتغطي عيناها بنظارة، حتى انفجرت رنا قليلات غيظاً وراحت تدفع رجال الأمن المحيطين بها صارخة "أريد أن أرى الريّس، انا مظلومة ويجب ألا أكون في السجن". وحين منعوها انهارت وراحت تبكي، وأدخلت على هذه الحال الى مكتب القاضية قدورة لتحقق معها في دعوى حاكم مصرف لبنان ضد مجهول بتزوير مستندين يحملان توقيعه. وحين حاولت ان تصرخ من جديد في مكتب القاضية، طالبتها قدورة بالتزام الهدوء، وقالت لها: "كوني مهذبة وإذا كنت متضايقة من أمر معين فهذا الأمر لا يخصني، أنت هنا لأحقق معك في موضوع الدعوى". واستغرق التحقيق مع قليلات خمس ساعات ونصف ساعة في حضور وكيلها بدوي أبو ديب. وأحضر خلال ذلك المدير العام ل"بنك المدينة" ابراهيم أبو عياش الذي كان بدوره نقل من قصر العدل الى سجن روميه وبدت علامات الضيق عليه، فكان يدفع حراسه من حوله وهو مكبل اليدين وأشاح بوجهه الغاضب عن الصحافيين الذين اعتاد تحيتهم. وأخضعت القاضية قدورة قليلات وأبو عياش لمواجهة استمرت ساعة ونصف ساعة في دعوى حاكم المصرف المركزي. وتقرر احتجاز قليلات على ذمة التحقيق وترك أبو عياش رهن التحقيق لكنه يبقى موقوفاً في دعاوى أخرى. وكشفت مصادر قضائية عن دور لعبته قليلات اثناء عملية دمج مصرفي "المدينة" و"الاعتماد المتحد" إذ "أوهمت رئيس مجلس ادارة "بنك المدينة" عدنان أبو عياش الموجود في الخارج بحصول الدمج". وذكرت المصادر انه "تم ارسال كتاب مزوّر باسم مصرف لبنان يؤكد ذلك، عبر استخدام مستند قديم من مصرف لبنان صُوّر بحيث يظهر شعار المصرف ثم كُتب المضمون الذي يوحي بالدمج، ثم تذييل الورقة بتوقيع مزور للحاكم، فقام أبو عياش بارسال 20 مليون دولار لقليلات. وجرى إرسال فاكس جديد بالطريقة نفسها يؤكد الدمج فحوّل لقليلات 180 مليون دولار على حساب مجمّد في مصرف لبنان يعود ل"بنك المدينة" وتمكنت قليلات من سحب المبلغ على رغم تجميد الحساب وأدخلته في حسابها الشخصي في بنك المدينة". ولم تكشف المصادر كيف حصل ذلك. وأكد وكيل قليلات المحامي أبو ديب ان المبلغ الذي حوله عدنان أبو عياش "هو 150 مليون دولار وهو لحساب قليلات في بنك المدينة" بالاتفاق مع مصرف لبنان لاستخدامه في خفض المتطلبات المتوجبة على المصرف، مشيراً الى انها تملك براءة ذمة من أبو عياش في هذا الخصوص تردد ان ابراهيم أبو عياش وقعها لها بوكالته عن شقيقه. ولفت الى انها نفت ان تكون هي من أرسل المستندين بالفاكس. وأكد أبو ديب ان موكلته كانت متماسكة خلال التحقيق معها، واعتبر ان "سبب انهيارها هو الوضع الصحي غير السليم في سجن بعبدا، حيث حشرت مع 30 موقوفة في غرفة واحدة، ولم يسمح لها بادخال مواد معقّمة طلبتها".