السعودية وسوريا توقعان اتفاقية جديدة لحماية الاستثمار وتشجيعه    انطلاق قادة الإعلام في سويسرا وتوقيع مذكرة مع جامعة EHL    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس سيراليون    تعليم جازان ينظم لقاءً افتراضيًا لمديري ومديرات المدارس استعدادًا للعام الدراسي الجديد    شهر للغة العربية في أذربيجان    الصحة القابضة والتجمعات الصحية يطلقون تعلم بصحة بالتزامن مع العودة للدراسة    جمعية التكافل وشركة نهضة التنمية تبحثان عن سبل التعاون المشترك    جمعية عين تختتم مشروع عمليات اعتلال الشبكية بدعم من "غروس" وشراكة مع مركز بن رشد للعيون    قيادة المركبة دون رخصة مخالفة مرورية    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير سجون المنطقة الشرقية بمناسبة تعيينه    أمير حائل يستقبل مدير مكافحة المخدرات المعين حديثًا بالمنطقة    أمير تبوك يطلع على سير العمل بالمنشآت الصحية بالمنطقة    سوق الأسهم السعودية تغلق متراجعة 11.81 نقطة    فريق طبي بمركزي جازان ينجح في تركيب جهاز لتحفيز أعصاب المثانة لمرضى متلازمة فاولر    يايسله: هذا موسم الحصاد في الأهلي    الأحوال المدنية تطلق الإصدار الجديد من شهادتي الميلاد والوفاة    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ مبادرة استشر طبيبك لمنسوبيها    هجمات روسية تستهدف عدة مدن أوكرانية    نصف مليون فلسطيني في غزة على شفا المجاعة    الفريق الفرنسي "Karmine Corp" يحصد لقب "Rocket League" في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    تايكوندو السعودية تواصل حصد الإنجازات العالمية    المملكة تستقبل وفدًا سوريًا استثماريًا برئاسة وزير الاقتصاد والصناعة    طبيعة ساحرة    عشّاق القهوة بمزاج أفضل بعد فنجانهم الأول    ميسي يعود لإنتر ميامي بهدف وتمريرة حاسمة    أمر ملكي: إعفاء طلال العتيبي مساعد وزير الدفاع من منصبه    أوامر ملكية بإعفاء الماضي والعتيبي والشبل من مناصبهم    وسط تحذيرات من كارثة إنسانية.. الدعم السريع يقتل 31 مدنياً بقصف على الفاشر    الجيش يؤكد عدم اخترق أجواء سوريا.. وعون: لا تدخل في شؤون لبنان    الشرع: وحدة سوريا فوق كل اعتبار    سرقة مليوني دولار من الألماس في وضح النهار    القيادة تعزي رئيس باكستان في ضحايا الفيضانات    سيتي سكيب الرياض 2025.. تقنيات البناء ترسم المستقبل العقاري    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. مؤتمر «مسؤولية الجامعات» يعزز القيم والوعي الفكري    صابرين شريرة في «المفتاح»    لا تنتظرالوظيفة.. اصنع مستقبلك    تربية غريبة وبعيدة عن الدين!!    100 مليون ريال مبيعات تمور    إطلاق دليل لتحفيز الاستثمار في القطاع الجوي    «رونالدو وبنزيمة» يسرقان قلوب جماهير هونغ كونغ    الأرجنتيني كوزاني يحمي مرمى الخلود    قنصلية السودان بليبيا تطلق مبادرة العودة الطوعية    «إثراء» يدعم المواهب ويعلن المسرحيات الفائزة    مُحافظ الطائف يطلع على تقرير برنامج المدن الصحية    جامعة جدة تستعد لإطلاق ملتقى الموهبة للتعليم الجامعي    المملكة.. وقوف دائم مع الشعوب    زرع الاتكالية    «الحياة الفطرية» يطلق أكبر رحلة استكشاف للنظم البيئية البرية    الأمير تركي الفيصل ورسائل المملكة في زمن الاضطراب الإقليمي    فيضانات باكستان غضب شعبي وتحرك حكومي    استعراض إحصائيات ميدان سباقات الخيل بنجران أمام جلوي بن عبدالعزيز    تجمع مكة الصحي يخصص عيادة لعلاج مرضى الخرف    أمير تبوك يطلع على تقرير بداية العام الدراسي الجديد بمدارس المنطقة    المشاركون في دولية الملك عبدالعزيز يزورون مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف    "قيمة العلم ومسؤولية الطلاب والمعلمين والأسرة" موضوع خطبة الجمعة بجوامع المملكة    المشاركون في مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يغادرون مكة متجهين إلى المدينة المنورة    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    نائب أمير منطقة جازان يقدّم التعازي لأسرة معافا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" زارت سجن رومية وعاينته وقوى الأمن تحركت للتحقيق . أحداث لبنانيون فصلوا الى سجن جديد .. يسخنون مياههم بسلك كهربائي !
نشر في الحياة يوم 20 - 01 - 2004

زارت "الحياة" سجن الأحداث اللبنانيين في منطقة رومية شرق بيروت على مدى يومين متواصلين، وذلك بعد ان تم تخصيص جناح خاص للأحداث في سجن رومية الكبير. من جهة رصدت "الحياة" عدداً لا بأس به من الملاحظات التي يمكن تسجيلها عن اوضاع السجن والمساجين، ولكن من جهة ثانية يبدو ان المقارنة بين وضع سجن رومية قبل خمس سنوات ووضعه اليوم ستكون لمصلحة ادارة السجن. فالمراقب لا بد من ان يسجل مزيداً من الحضور للمؤسسات الانسانية واتساعاً في الزنزانات والسماح للمساجين بأجهزة التلفزيون والراديو، إضافة الى انشطة مختلفة، مع ضرورة التأكيد ان الوضع الراهن ليس نموذجياً، وهذا ما اثبتته ملاحظات مراسلتنا ومشاهداتها.
و"الحياة" ايضاً حملت ملاحظاتها وما سمعته من المساجين الاحداث عن امكان حصولهم على مهدئات وعلى شكاويهم من الطعام والى ما هنالك من مشاهدات الى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التي وفور اطلاعها على معلومات "الحياة" بخصوص سجن الاحداث في رومية باشرت تحقيقات حول الأمر، وطلبت من ادارة السجن اجابات حول جوانب كثيرة طرحها المساجين ولاحظتها مراسلتنا. وأكدت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي انها تسعى من خلال اتاحة زيارة السجن للصحافيين وسماحها لهم بمقابلة المساجين الى التفاعل مع مؤسسات الرأي العام بهدف تحسين وضع السجون وإشراك قطاعات اوسع في المسؤولية عنها.
الأسماء الواردة في التحقيق أسماء مستعارة التزاماً بما تنص عليه شرعة حقوق الطفل لجهة عدم كشف هوية المساجين من الاحداث.
حديد أسود يسيّج نوافذ تدلّت منها الثياب بمختلف الألوان والقياسات والأنواع، رأس يطل من الطابق الأول وآخر يختفي خلف قضبان الطابق الثاني، وثالث في الثالث يهرب مختبئاً من كاميرا سُلّطت في مواجهته.
شعور مخيف ممزوج بالقلق والخوف تبعثه تلك المباني في نفس الناظر إليها. ودخول السجن يتخلله أخذ ورد بين إظهار إذن الدخول، والمرور على المعنيين للتأكد من الأوراق، والتفتيش واعتراض الكاميرا وآلة التسجيل ومن ثم السماح بهما...
الطابق الثالث لا يختلف بالشكل عمّا يظهر من الطابقين الأولين إلا بجدرانه التي طُليت باللون الأزرق عوضاً من الأبيض وطُبِعت عليها باللون الأصفر أيادٍ... يوحي حجمها أنها أيادي أطفال... هذا بديهي فأكبر مساجين "الطابق الثالث" لم يتخط الثامنة عشرة من عمره وإذا حصل ذلك فيكون استثناءاً ناتجاً عن بلوغ أحد الأحداث السن القانونية وهو مسجون، وبالتالي يبقى في طابق الأحداث إلى حين يبدأ بإثارة المشاكل والشغب فيتم نقله إلى أحد الطابقين الأولين.
ممر مربع يتوسطه درج معدني يجلس فيه دركي أو "الباش" كما هو متداول في السجن، وغرفة المرشدات الاجتماعيات التابعة لجمعية "أرض البشر"، فيها صبيتان "demoiselle ماجدة جبيلي وdemoiselle أهلا وسهلا فيك برومية وهو الاسم الذي أطلقه الأحداث على زويا سمعان". وتقضي وظيفة زويا باستقبال الحدث الجديد وتعريفه على حقوقه وواجباته والاتصال بأهله لإعلامهم بوجوده في السجن فتحويله إلى صفوف الدراسة أو المصانع ، لتبدأ بتحضير الملف الاجتماعي الذي يرتكز إليه الملف الدوري الذي يرفع إلى القاضي. ويقسم الممر الطابق الى قسمين: إلى يسار الباب "جناح الكاسليك" ويضم الأحداث ذوي السلوك الحسن والجدد، إضافة إلى الغرفة رقم 8 التي تحوي اصغرهم وغرفة الدخول. أما القسم المقابل، فهو "مدرسة المشاغبين" أو "صبرا" نسبة الى المشاكل التي يقوم هؤلاء الأحداث بإثارتها وهم في معظمهم الأكبر سناً بين الجميع أو أنها ليست مرتهم الأولى التي يدخلون فيها إلى رومية، أو أن مدة الحكم التي يقضونها طويلة.
"حضروا أنفسكم هناك من سيدخل لزيارتكم" يصرخ "الأستاذ"... و"الأستاذ" هو أحد المساجين الكبار الذين تختارهم إدارة السجن وهو ما يثير حفيظة الجمعيات العاملة مع الأحداث، إذ تعتبر أن جميع خطوات إعادة التأهيل قد تمحى بساعات يقضيها الحدث مع مسجون راشد... و""الأستاذ" هو المدني الوحيد الذي يمكنه التنقل في إرجاء السجن ومن دون حراسة، بصرف النظر عن تهمته أو جرمه... "الشباب جاهزون" ينقل الخبر "الشاويش"،أي مسؤول الغرفة ويعيّّن وفقاً لسلوكه، وقدرته على ضبط الغرفة.
اثنتا عشرة غرفة، تُصنّف الى نوعين: كبيرة يمكنها استيعاب 15 حدثاً وصغيرة تصل قدرة استيعابها إلى 11 حدثاً كحد أقصى. في الغرفة الواحدة من أربعة إلى ثمانية أسرة يطلق عليها احياناً يطآت واكتسبت تسميتها بسبب المواد التي تؤلفها وهي قضبان من الحديد وقطعة خشب وفراش لا تتعدى سماكته بضعة سنتيمترات. ولحظة اقترابنا منها وقف جميع من فيها أو جلس مستقيماً استعداداً لمرور المرشدات أو الزوار. أسئلة كثيرة يطلقها نزلاء سجن الأحداث للمرشدات لحظة مرورهن بهم "هل اتصلت بأهلي؟"، "هل أتيت لي بالأغراض؟"، "أريد النزول إلى الدرس" وغيرها من الطلبات ... وإن كان أكثرها إيلاماً تلك الصادرة عن علي الذي يرفض أهله زيارته وهو يريد أن يراهم.
بعد فرز الأحداث الجدد من جانب المرشدة المسؤولة، يتحوّل معظمهم الى صف محو الأمية وبالتالي يصبحون تحت إشراف مرشدة أخرى. "الأستاذ" يتولى إحضار المدعوين إلى الصف وفقاً للائحة تضعها المرشدة، فالمرشدات يتفادين دخول غرف الأحداث في السجن منعاً لأي لغط. بعد سماع أسمائهم يتحضر الجميع ولا يعترض إلا من استثني من دخول الصف، "وأنا يا معلمة أريد الذهاب"" ولا تجد المعلمة جواباً إلا "في الحصة الثانية دورك"، وهذا الإصرار على حضور الدرس إنما هو نابع من شعور بالتحدي لتعلم الحرف، فضلاً عن وجبة فطور لذيذة تقدمها لهم المعلمة، وبعض الحلويات والعصير...
يقع الصف في الطابق الأول من السجن، وبالتالي لا بد من المرور بالطابقين الثاني والأول يعرف ب"اللولب" وغرف النظارات، حيث تكثر الأمراض السارية والمعدية، ففي النظارة الواحدة يقبع ما يزيد على مئة سجين. لا سبيل لدخول أشعة الشمس إلى هذا القسم من السجن ما يتيح للرطوبة والروائح الكريهة نقل الأمراض المختلفة. ومع تفشي أي مرض يتوقف الدرس للأحداث أو يمنع عليهم الخروج من طابقهم حرصاً على عدم تعرضهم لمخاطر العدوى.
أمّا في الأحوال الطبيعية أي عندما يقتصر الأمر على الروائح فقط، فيخضع مرور الأحداث للرقابة - قدر المستطاع - من قبل المرشدات و"الأساتذة"، سعياً منهم لمنع تبادل كلام بين المساجين الراشدين والأحداث فهم وببعض الكلمات يبيعون ويشترون ويقايضون أغراضهم. الحدث مستعد لمقايضة كنزة تقيه برد الشتاء ببضعة سجائر أو بحبتي benzexol دواء مهدئ للأعصاب يدمنه غالبية السجناء في رومية. والكلام مع المساجين الراشدين تحكمه معايير أخرى أهمها أن يكون بينهم والد أو أخ أو عم أو قريب، وبالتالي لدى مرور الحدث بجواره يحاول محادثاته. وهو ما تحاول إدارة السجن والجمعيات العاملة داخله تنظيمه، من خلال تحديد وقت اللقاء بينهم ومدته.
يتألف الصف من 10 إلى 12 تلميذاً تشرف عليه مرشدة اجتماعية تابعة لجمعية "أرض البشر". وإلى جانب تعلّمهم القراءة والكتابة يتعلم التلاميذ أيضاً الأشغال اليدوية. أما المصانع فيشرف عليها معلمون عيّنتهم "الحركة الاجتماعية" بعد أن كان المشرفون عليها "أساتذة" وهو ما كان يسيء إلى الأحداث بشكل أو بآخر ففي هذه المصانع الكثير من المواد الخطرة ك"التنر" الذي يدمنه العديد منهم إلى جانب الشفرات والإبر والأدوات الحادة التي يستخدمها الحدث لأذية نفسه والآخرين في بعض الأحيان. ووجود هؤلاء المعلمين في المصانع يهدف أيضاً لتعليم الأحداث التعامل مع تلك المواد بالطرق السليمة.
مصانع الطابق الأول هي: مصنع الخشب حيث يتعلم الأحداث الحفر على الخشب وتلوينه، ومصنع الجلود يتعلم فيه الحدث صناعة الحقائب النسائية، ومصنع لتجميع الكومبيوترات وتصليحها، إلى جانب صف لتعليم استعمال الكومبيوتر ويستخدمه جزء آخر من الأحداث للعب وتمضية الوقت. اضافة الى صالون للحلاقة يتعلمون فيه قص الشعر ما يساعدهم على القص لبعضهم البعض. وللأحداث مكتبة في الطابق الأرضي يستخدمونها للعب الورق تحت إشراف "أستاذ".
ويمكن للأحداث أيضاً العمل في الزراعة، اذ يتعلمون زراعة الشتول والاهتمام بها في "البستان" وهو عبارة عن مشتل صغير يشرف عليه "أساتذة"، ويقع في الباحة الخارجية للمبنى. أما مصنع الميكانيك الذي يعتبره الأحداث من أصعب المصانع فيشرف عليه رجال امن، وهو المصنع الوحيد الذي يقع في المبنى المقابل ما يحتم خروج الأحداث من البوابة السوداء الكبيرة. ولا بد من الإشارة إلى أن التوجه إلى هذا المصنع كما التوجه إلى دار المواجهة والبستان المتجاورين يحتّم على الحدث قطع المسافة ركضاً تجنباً لأي محاولة هروب وكلما وصل حدث إلى الباب يمر الآخر ويتأكد "الأساتذة" والمراقبون والمرافقون من صحة العدد.
يقضي الحدث في كل مصنع "دورة"، تترواح مدتها بين ثلاثة وأربعة أشهر، يختار السجين المصنع الذي يريده مع مراعاة حاجة هذه المصانع. ولا يُجبر حدث على العمل إن لم يرغب في ذلك، وفي نهاية كل دورة ينال شهادة.
وكل ما يتم إنتاجه في هذه الصفوف والمصانع يعرض للبيع في المعارض والنشاطات الفصلية التي يقوم بها الأحداث وتحرص الجمعيات المشرفة عليهم على إعطاء الحدث نسبة محددة ليشعر بأهمية ما انتجه.
وللأحداث خمسة نشاطات فصلية غالباً ما تتزامن مع الأعياد، تحت إشراف جمعية "أرض البشر"، أبرزها معرض سنوي مفتوح للعموم وتحرص الجمعية على دعوة الأهل والرسميين لا سيما القضاة لحضوره، لتعريفهم الى الوجه الايجابي من شخصية الحدث.
"ساعة الشمس" جزء من نهار الأحداث، ويفضل أحداث "جناح الكاسليك" إمضاءها على الشرفة لوحدهم من دون "نزلاء جناح المشاغبين"، لأن الآخرين يعتدون عليهم بالضرب ويفتعلون المشاكل ما يضيّع عليهم الاستمتاع بفرصتهم. وفي ساعة الشمس يتجمع الأحداث في ملعب يرافقهم بعض "الأساتذة" لضمان الفصل بينهم في حال حدوث "شغب" ويلعب بعضهم بالكرة أو كرة السلة وآخرون يتسامرون... ويستغل المساجين الكبار هذه الساعة فيرمون الفاكهة والأكل للأحداث، وحتى الملابس والسجائر، وتستغل هذه الساعة للاتفاق على عمليات مقايضة أو بيع وشراء.
تنقّل الأحداث محصور داخل طابقهم، إلا أن حرية التنقل التي يتمتع فيها "أحداث الكلاسليك" لا تنطبق على الجناح الآخر الذي لا تفتح أبوابه إلا ساعة واحدة في اليوم وعزا "الأستاذ" غسان هذا التشديد الى أفعال هؤلاء ويقول: "إذا فتحنا لهم الأبواب يسرقون بعضهم البعض، ويفتعلون المشاكل، ويبدأ أبناء المنطقة الواحدة كالبقاع، وطرابلس... بالالتفاف على بعضهم البعض ولن نستطيع بعد ذلك احتواء المشاكل، التي تتحول الى مناطقية". وفي هذا الاطار تؤكد المرشدات أن المشاكل التي تحصل في وجودهم نادرة أما ما يحصل في الليل فهن غالباً لا يعلمن به إلا إذا أخبرهن أحدهم.
و"الأستاذ" غسان مسؤول الطابق، يشرف على توزيع الأدوية على الأحداث، وينام برفقتهم في الطابق "لا بد من مراقبتهم على مدار الساعة" يقول غسان، ويضيف "عند إعطائهم الدواء نبحث في أفواههم للتأكد من أنهم ابتلعوه... إلا أنني ومن فترة غير بعيدة وجدت أحدهم يطحن حبة دواء ليدخنها في السيجارة".
لا يشكو الأحداث بشكل مباشر من أي شيء ويشدد معظمهم على أن الأمور في السجن نسبية فهناك "الباش" الجيد وهناك الشرير، كما يوجد "الأستاذ" الجيد والسيئ... ومعاقبتهم تقتصر على "كم كف من الدرك" ويعترف الأحداث أن لا أحد يُضرب إلا إذا أخطأ وعادة ما يكون خطأ فادحاً كتهريب شفرة أو حبوب benzexol أو أذية أحد، ومن يُضرِب عن الطعام يمنع من "المواجهة" ويوضع في "الافرادي" وزنازين الإفرادي في الطابق الأول وفي اللولب بالتحديد وهي زنزانة صغيرة يُصعد إليها بدرج فوق النظارات. وعن "الاساتذة" يقول أحد الأحداث: "كلنا بالهوا سوا، لا يتجرأون على ضربنا فهم مساجين مثلنا مثلهم، قد يعرضون عضلاتهم أمام حدث دخل جديداً ولكن ليس أمامنا".
صندوق الشكاوى الذي وضعته إدارة السجن طُلي باللون الأبيض وتغير اسمه الى "صندوق الكب"، ويعزو الأحداث هذا الأمر الى عدم جدوى ذلك "فلا أحد يسمع، ولا أحد يقرأ"، ويعقّب أحدهم "قبل أن تصل الشكوى إلى العميد، يقرأها الأستاذ، والدركي... وبالتالي لا بد من أن يمزقها أحدهم، فالشكوى بالتأكيد موجهة ضد أحدهم وبالتالي ضد مصلحتهم".
ومن الأشياء القليلة التي يُجمع عليها الأحداث أكل "الأروانة" وهي التسمية التي يطلقونها على كل ما تؤمنه الدولة. ويحصل الأحداث على وجبتين، الفطور والغداء، يوفرون إحداها الى العشاء، أو يعتمدون على مدخراتهم "من الأكل الذي يأتي به ذووهم أثناء المواجهة. ومن لا، يواجه، عليه أن يقتنع بالأكل". ويؤكد الأحداث أنه مليء بالحجارة وغير مطهو جيداً وأنهم في بعض الأحيان يجدون البطاطا بقشرتها، مشددين على عدم وجود الملح في الطعام.
أما "غسل الثياب" فرواية أخرى، يتم داخل حمامات الغرف وتنشر الملابس على النوافذ والجدران وأعمدة الأسرة لتزيد من رطوبة المكان البارد، فضلاً عن أن الحصول على مواد تنظيف يتطلب انتظار "المواجهة" أو مساعدات زوار السجن كالجمعيات الدينية والأهلية. ومع وجود المنظفات تزيد مسؤوليات "شاويش" الغرفة و"الأستاذ" المسؤولين بالدرجة الأولى في الحفاظ عليها وعدم استخدامها بطرق غير شرعية... وفقدان بعضها أو شفرة من شفرات الحلاقة يحتم تفتيش الغرفة و "المقيمين" فيها حتى تظهر، ومن ثم إعادة "تشكيل" لكل من ينزل في الغرفة، أي تفريقهم وتوزيعهم على بقية الغرف.
شكاوى الأحداث يقابلها أخرى عليهم، ويروي "باش" أنه وبعد حصولهم على هبة تلفزيون لكل غرفة، "أصبح الأساتذة يستيقظون ليلاً على رائحة البطاطا المقلية، وإذ بالأحداث كسروا بعض التلفزيونات لاستخدام "الريزيستانس" لما يناسبهم كالطبخ أو وضعها في براميل الماء لتسخينها". وإذا حصل ووصل ليدهم قلم حبر يستخدمونه للوشم على أيديهم وأجسامهم، وهم يفعلون ذلك بواسطة "إبرة صفر" إبرة خياطة دقيقة جداً وحبر من قلم يسرقونه أو يهربونه لأن أقلام الحبر غير مسموح بها عادة. طريقة أخرى لتحضير حبر الوشم رواها أحد الذين خرجوا من السجن وهي حرق "جلدة الأحاطة" ووضع الديتول عليها فيتحول لونها بعد دقائق إلى أخضر... وعند سؤال الأحداث عن الموضوع يسارع أحدهم الى القول "نحرق الإبرة ونطهرها قبل أن ندق بها"، وبتعليقه هذا يستدرك أي تنبيه بأن هذا الفعل قد ينقل أو يسبب الأمراض.
الساعة الثالثة على جميع "المدنيين" الخروج من السجن، وهم إلى جانب المرشدات العاملات في السجن، بعض المنظمات الأهلية أو المدارس أو الجامعات أو الصحافيين الذين يزورون السجن. مشاعر الأحداث تجاه هذه الزيارات متضاربة، ففيما يعتبر فادي "أنها لفتة لطيفة"، يقول شربل "مشروعهم أن يتفرجوا علينا؟"، ويردف شادي "إننا نفرح برؤيتهم، ولكن عندما يذهبون نشعر بالأسى، وبأهمية الحرية، فهم يستطيعون الدخول والخروج اما نحن فلا"، ويقول أحمد "ننظف الغرف ونرتب كل شيء ليمروا لدقائق وكأننا صندوق فرجة...".
والكلمات الأخيرة تبقى لمحمد 13 عاماً الولد الثاني بين أخوته ال 11 ويساعد والده لإعالتهم متهم بمحاولة قتل، ولم تعين له جلسة على رغم الأشهر الأربعة التي مرت على دخوله السجن "الله بوفّقك ما تنسي تقولي للقاضي يسامحنا...قولي له ما بقى نعيدها... والله اذا دعست على نملة بدي اعتذر منها... بس قولي له يسامحنا هالمرة...".
حسين اتهم باغتصاب زوجته... ولم يتجاوز ال16
تختلف التهم الموجهة الى الأحداث وتتعدد، ومن مستغل لسرقة طاولة... إلى متهم بالسرقة... إلى متهم بالخطف... أو الاغتصاب... إلى ترويج المخدارت أو تعاطيها... إلى متهم بمحاولة قتل... فمتهم بالقتل... يتساوى الجميع خلف الابواب الخضر للغرف الاثنتي عشرة، على رغم بعض الامتيازات التي يكسبها بعضهم بعد الخبرة في السجن.
حدث يختلف شكله عن الآخرين بسبب الجينز الذي يرتديه والقميص "المقلم" على الموضة وشعره المصفف بترتيب بالغ، تقول والدته بحسرة: "دخل حسين إلى هنا بسبب فتاة، الله لا يوجه الخير لأهلها". وفي التفاصيل أن حسين البالغ من العمر 16 عاماً أحبّ ابنة الجيران وأخذها الى "شيخ" وتزوجها وعندما عرف أهلها بالأمر رفعوا عليه قضية بتهمة اغتصاب ابنتهم القاصر. أما حسين ففي حيرة من أمره، هو متزوج لأنه كتب ورقة تقضي بذلك ومن ناحية ثانية هو متهم باغتصاب الفتاة التي احبها، وفي النهاية يسأل وكأنه غير معني بالموضوع: "هل أكون متزوجاً في هذه الحال أم لا؟". حسين ليس الحدث الوحيد المتزوج، فهناك محمد 17 عاماً المتهم بالسرقة ولديه زوجة وطفلة خارج السجن.
وحال الفتى الوالد، ليست أفضل من حال الفتى الذي يحتاج إلى والد. فقاسم متهم بقتل صديقه ورميه في البئر، وهو في السجن منذ سنتين وبضعة اشهر، ثيابه نظيفة ومرتبة جداً وشعره مصفف في شكل ملحوظ بدا عليه الحزن والغضب، وهو الذي كان في دار المواجهة وأصر على اجتياز الطريق الفاصل بينها وبين باب السجن بخطى متمهّلة مخالفاً التعاليم الصريحة القاضية بأن يركض أثناء التنقل بين البابين، ليودع امرأة في عقدها الرابع بنظرات غير جافة لم تفارقها لا بعد أن غابت عن الباب الخارجي.
"لا أريدها أن تأتي بعد اليوم"، يقول قاسم بحزم، ويضيف: "نحن 7 شباب في البيت وأبي، لم يأت أحد منهم لزيارتي". ويستدرك غاضباً: "لا أريدهم أن يأتوا ولكن على الأقل اريد أن يوصلوا أمي الى باب السجن، فهي مريضة وتعاني ورماً في يديها". والد قاسم لم يزره إلاّ مرة واحدة عندما بعث له رسالة يهدده فيها بأنه سيقتل نفسه إذا لم يأت لزيارته، "هو الذي لم يعلمني يوماً الصحيح من الخطأ ولم يحاول محاورتي".
السرعة الجنونية تحول "رحلة" حضور الجلسات كابوساً
ينقل الأحداث إلى المحكمة بواسطة "السَوق"، أي الشاحنة التي تقلّهم إلى المحكمة لحضور جلسات محاكمتهم. شاحنة خضراء اللون، في داخلها أربعة مقاعد، اثنان في الوسط واثنان على الأطراف، ولها نافذة واحدة مسُيّجة ضيقة جداً، وخلال نقل المساجين ترافق الشاحنة سيارات تابعة لقوى الأمن الداخلي.
وعن هذه "الرحلة" يتحدث وائل 17 عاماً تهمته "الكسر والخلع" أي السرقة: "يظن السائق أنه يقود ب - أم ويسرع على جميع المنعطفات، ليلحق بالجيبات التي تفتح له الطريق، والأيدي المكبّلة بالأصفاد إلى الخلف تحول دون تمكنهم من الاحتماء بشيء ما يعرضهم للخطر الشديد"، ويضيف: "رفضت الذهاب إلى جلساتي الأولى خوفاً من طريقة القيادة، فالسجن يبقى أهون من الموت...".
وللأحداث معاناة أخرى مع "السوق"، فإذا كانت محكمة أحدهم في الجنوب أو البقاع ولا سوق لتلك المنطقة بسبب قلة العدد، يتخلّف الحدث عن جلسته... هذا فضلاً عن أن السوق مكان آخر للاحتكاك بالمساجين الراشدين. ويؤكد الأحداث وقوع مشكلات عدة معهم، خصوصاً بسبب النافذة التي يتدافع الجميع إليها من أجل الاستفادة من رؤية الشارع.
من اللافت، بل من الخطير أن الخروج من السجن لا يشكل دافعاً للجميع... وفي حين تلاحظ فرحة غامرة تغمر وجه محمد 16 عاماً الذي يصرخ "وسعوا... وسعوا..." لمجرد سماع اسمه بين من سيتم إخلاء سبيلهم، وعلى رغم كلمات "نيالو"، "عقبالنا"، "لاحقك"... وغيرها من العبارات التي تصدر عن البعض، إلا أن جزءاً ليس بقليل لا يعنيه الخروج من السجن "إلى أين أذهب؟ ولماذا؟". يقول أحدهم: "إن خرجت، سأفتعل أي شيء للعودة، هنا أضمن أنني سآكل، وأنام، واستحم، أما في الخارج فمن يضمن لي ذلك".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.