وأخيراً، وبعد جهد جهيد ومخاض عسير، ولدت للعرب "نجمة". ألف مبروك. نجمة "سوبر ستار"؟ ولما لا؟ طالما أن ولادتها جاءت على النمط الغربي لولادة نجوم الفن الغربيين، وبتقليد أعمى لا مثيل له على الاطلاق. لن نتحدث عن البرنامج، ولا عن معدّيه ولا عن منتجيه، ولا عن الذين تنافسوا على لقب "سوبر ستار"، أو عن مقدميه. كما لن نتحدث عن الخبراء العرب أو الأجانب الذين يتقنون فنون الترويج في شتى المجالات الاستهلاكية والفكرية، ويعملون خلف الكواليس في مثل هذه البرامج. فتكون النتيجة "شفط الملايين" من الليرات والدنانير والريالات والدولارات من جيوبنا الى جيوبهم، وتوجيه الناشئة الى نمط بعيد كل البعد من الشخصية العربية الجادة والهادفة. وقد أبدعوا خير إبداع في هذا المجال. فما يسترعي الانتباه هو ظاهرة "انجذاب" لدرجة الاستلاب الملايين العرب الى مثل هذه البرامج، والانغماس في "لذة" التصويت لهذا الفنان أو ذاك، وكأنه لم يبق لهذه الأمة من قضية تنتصر لها، أو أضحى من غير المسموح أن يكون لها دور أو رأي في ما يجرى، اللهم إلا في الغناء، والغناء على الأطلال فقط. والأدهى من ذلك، هو الوهم الكبير الذي تغلغل في النفوس، بعد نجاح غسل أدمغة المصوِّتين والمحمِّسين بأن ما يقومون به هو واجب وطني وقومي، ودفاع عن هذا البلد أو ذاك، حتى خِلتُ، في لحظات الذروة والحماسة والتأييد والتأليب الموجّه، بأن مجلس الأمن والأمم المتحدة قد استنفرا قوات فصل دولية لنشرها، إذا ما اقتضت الحاجة، عند حدود الدول المتنافسة في حال خروج ردود الفعل عن السيطرة، كما حصل عقب خروج أحد المشاركين من دائرة المنافسة الأخيرة. أليس ما نعيشه ونشهده قمة الانفصام في الشخصية العربية، ففضلت هذه الملايين المشاركة الهروب من واقعها المؤلم، الناجم عن إفرازات الهزائم والاحتلالات لمناطقنا ودولنا العربية وتكالب الطامعين على ثرواتنا ومقدراتنا؟ وإلا، فكيف لنا أن نفسر هذه الظاهرة الجديدة التي يراد لها أن تنمو وتعشعش في أذهاننا وأفكارنا، وأن تصبح نمطاً لحياتناً، فنسير بلا هدف وبلا قضية؟ صيدا - غسان الزعتري كاتب صحافي