ترامب يوبخ جيروم باول ويدعو مجددًا لخفض الفائدة    الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يفرضان عقوبات على نفط روسيا    الهلال يدخل سباق التعاقد مع مهاجم نيوكاسل    ضبط 4 إثيوبيين في جازان لتهريبهم 33 كجم "حشيش"    سعوديات يسجلن حضورًا تاريخيًا في نهائيات كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    للمسؤول … طريق لزمة – الوهابة في انتظار كاميرات ساهر والإنارة    توزيع (3.255) سلة غذائية في عدة مناطق بباكستان    "وِرث" و"السودة للتطوير" تطلقان برنامجًا تدريبيًّا لفن القط العسيري    2000 ريال تكلفة كتابة السيرة الذاتية للباحثين عن عمل    موعد مشاركة رونالدو وسيماكان في تدريبات النصر    النصر يتفوق في سباق ضم لاعب أوروبي    1.9 مليون مصلٍ بالروضة الشريفة وأكثر من 3.4 مليون زائر للنبي صلى الله عليه وسلم    «التعاون الإسلامي» تدين استهداف الكنائس والمقدسات الفلسطينية    المعيقلي: «لا حول ولا قوة إلا بالله» كنز من كنوز الجنة    حسين آل الشيخ: النميمة تفسد الإخاء وتورث العداوة    حساد المتنبي وشاعريته    حملات إعلامية بين «كيد النساء» و«تبعية الأطفال»    ميراث المدينة الأولى    أبعاد الاستشراق المختص بالإسلاميات هامشية مزدوجة    استقرار أسعار النفط    استشهاد 10 فلسطينيين في قصف على قطاع غزة    رياح نشطة وطقس حار على معظم مناطق المملكة    "هيئة الطرق": الباحة أرض الضباب.. رحلة صيفية ساحرة تعانق الغيوم عبر شبكة طرق متطورة    الجبل الأسود في جازان.. قمم تعانق الضباب وتجذب الزوار بأجوائها الرائعة    إنقاذ مريضة تسعينية بتقنية متقدمة في مركز صحة القلب بمدينة الملك سعود الطبية    جراحة تنهي معاناة مريضة من آلام مزمنة في الوجه والبلع استمرت لسنوات ب"سعود الطبية"    تجمع مكة الصحي يفعّل خدمة فحص ما قبل الزواج بمركز صحي العوالي    "موسم الرياض" يرعى شراكة بين "لا ليغا" و"ثمانية"    شخصيات الألعاب الإلكترونية.. تجربة تفاعلية لزوار كأس العالم للرياضات الإلكترونية    استعداداً لبطولة كوتيف الدولية..الأخضر تحت 19 عاماً يكسب تشيلي    "المزيني"نسعى لتعزيز الحضور الرياضي للطالب الجامعي السعودي عالمياً    مهند شبير يحول شغفه بالعسل إلى علامة سعودية    معادلة عكسية في زيارة الفعاليات بين الإناث والذكور    نادي الدرعية .. قصة نصف قرن    اختتام أعمال الإجتماع الأول للجان الفرعية ببرنامج الجبيل مدينة صحية    خارطة لزيادة الاهتمام بالكاريكاتير    السعودية: نرفض كافة التدخلات الخارجية في سوريا    جامعة الإمام عبد الرحمن تختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي    (إثراء) يعلن عن فوز 4 فرق في المنافسة الوطنية لسباق STEM السعودية    برنامج تطوير الثروة الحيوانية والسمكية يعلن توطين تقنية «فيچ قارد»    المملكة تعزي العراق قيادة وحكومة وشعبًا في ضحايا «حريق الكوت»    تعليم الطائف يختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي لأكثر من 200 طالب وطالبة    صدور بيان عن السعودية و 10 دول حول تطورات الأحداث في سوريا    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    المدينة المنورة تبرز ريادتها في المنتدى السياسي 2025    الأولى عالميا.. التخصصي يزرع جهاز دعم بطيني مزدوج بمساعدة الروبوت    تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بقاتل الدكتور عبد الملك بكر قاضي    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    المفتي يستعرض أعمال "الإفتاء" ومشاريع "ترابط"    20 قتيلاً.. وتصعيد إنساني خطير في غزة.. مجزرة إسرائيلية في خان يونس    ضبط 275 كجم مخدرات والإطاحة ب11 مروجاً    د. باجبير يتلقى التعازي في وفاة ابنة شقيقه    " الأمن العام" يعرف بخطوات إصدار شهادة خلو سوابق    بوتين لا ينوي وقف الحرب.. روسيا تواصل استهداف مدن أوكرانيا    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولة لتأصيل وضع المجلس قانونياً
نشر في الحياة يوم 31 - 07 - 2003

تكوّن مجلس الحكم الانتقالي في العراق بقرار من السيد بول بريمر الحاكم المدني للعراق والذي يستند في وجوده وفي سلطته على قوات الاحتلال والذي عين في منصبه بقرار من الدولة التي تحتل العراق: الولايات المتحدة الأميركية. وفي العلاقات الدولية - سواء في الماضي أو في الحاضر - فإن علاقات القوى Rapport de Forces لا بد من أن تؤخذ في الاعتبار لأنها هي المؤثر الحقيقي في مجرى الأحداث في الحياة الدولية. ومع ذلك فإنه لا يجوز في هذه المرحلة من مراحل تطور المجتمع الدولي أن يغفل الجانب القانوني إغفالاً كاملاً.
هذه الملاحظة لا بد من أن تعكس نفسها على كل نقاط البحث.
وفي ما يتعلق بمدى شرعية الاحتلال الأميركي - البريطاني للعراق فإنه من المعروف أن هاتين الدولتين حاولتا أن تضفيا على غزوهما العسكري للعراق نوعاً من المشروعية الدولية بدعوى أن النظام العراقي السابق كان يحمل تهديداً لجيرانه وللأمن والسلم الدوليين - وهو الأمر الذي كان يمكن أن يسمح لمجلس الأمن باتخاذ قرار بالتدخل العسكري - ولكن المنظمة الدولية رفضت أن تعطي الدولتين هذا الغطاء القانوني لأنها قدرت انعدام أو على الأقل ضعف الأسس التي يراد أن يبنى عليها قرار التدخل العسكري.
وعلى رغم كل أنواع الوعد والوعيد فإن الولايات المتحدة وجدت نفسها في نهاية المطاف عاجزة عن الحصول على القرار المطلوب من مجلس الأمن واتخذت قراراً منفرداً بغزو العراق بخلاف ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي وبغير إنكار لذلك.
وحدث الغزو. وتم احتلال العراق. وسقط النظام الدكتاتوري الرهيب في التاسع من نيسان أبريل العام 2003. وصدقت المقولة التي تقرر أن الدكتاتورية لا تأتي لبلادها بخير قط. ولكن هذه قضية أخرى.
وأستطيع أن أقول إن العالم كله وإن الشعب العراقي قد تنفس الصعداء لزوال هذا الكابوس الرهيب.
ولكن ذلك شيء ورفض الاحتلال شيء آخر. وقد بدأت المقاومة المسلحة في العراق عقب فترة قصيرة من الاحتلال وما زالت مستمرة وفي تصاعد. وهذا يجعل الاحتلال في موقف صعب. وكما يقول فقهاء القانون المدني: "إن وضع اليد على العراق ليس وضعَ يد هادئاً.
ومع ذلك فالواقع يقول إن قرابة مئتي ألف جندي أجنبي يجثمون على أرض العراق ويحتلونها ويفرضون سلطانهم عليها. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن الغالبية من فقهاء القانون الدولي سواء في أوربا أو أميركا أو الوطن العربى يرون أن الاحتلال يفتقد إلى أي أساس شرعي. ومع ذلك فهو واقع لا مجال لإنكاره وعدم التعامل معه.
هذا عن القضية الأولى: قضية عدم مشروعية الاحتلال.
فإذا انتقلنا إلى النقطة الثانية وهي مدى حق سلطات الاحتلال أو من يمثلها - مثل بريمر - في إنشاء مثل هذا المجلس.
قوات الاحتلال التي تستند إلى شرعية دولية مهمتها الأساسية إبعاد الأخطار التي تهدد السلم والأمن الدوليين. وليست هذه هي حال قوات الاحتلال في العراق. ومع ذلك ووفقاً لقواعد القانون الدولي التقليدي فإن قوات الاحتلال في العراق تلتزم التزاماً أساسياً بالحفاظ على سلامة وأمن شعب وإقليم الدولة التي تحتلها وإنهاء الأسباب المؤدية إلى الاحتلال في أسرع وقت ممكن.
وقد يقال إن إدارة مرافق العراق من أجل تيسير الحياة اليومية للمواطنين هو التزام جوهري بالنسبة لقوات الاحتلال. ومن هنا يجوز لقوات الاحتلال إنشاء مثل هذا المجلس الموقت لمساعدتها في تحقيق هذا الغرض . ولكن هنا يثور سؤال جوهري: هل يمكن أن يكون هذا المجلس سلطة حكم أم هو مجرد سلطة إدارة تابعة ومعاونة لسلطة الاحتلال؟ وهذا يؤدي بنا إلى النقطة التالية في هذا البحث وهي طبيعة هذا المجلس ومدى ما يمكن أن يتمتع به من اختصاصات ثم تركيبة هذا المجلس.
بداءة لا يمكن أن يكون هذا المجلس سلطة حكم لأن سلطة الحكم تعني التمتع بكل مظاهر السيادة ومباشرتها. وأهم مظاهر السيادة العلاقات الدولية الخارجية وفي الداخل سلطة التشريع والقضاء والأمن. وكلها لا يمكن أن تكون من اختصاصات هذا المجلس الموقت.
هو إذاً مجلس إداري تابع ومعاون لسلطات الاحتلال. هو أقرب إلى طبيعة المجالس البلدية أو المحلية. هو مجلس يراد منه تسيير بعض المرافق التي تخدم الجمهور. ويراد منه في الدرجة الأولى أن يواجه الجمهور وأن يمتص غضبه بدلاً من سلطات الاحتلال إذا كان ذلك ممكناً.
وجاء في قرار إنشاء المجلس أنه سيركز جهوده على توفير الأمن والاستقرار وتفعيل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني استكمالاً للمرحلة الانتقالية.
وسيعمل المجلس تحت وصاية الحاكم المدني للعراق الذي من حقه أن يعترض على أي قرار من قرارات المجلس.
كل هذا يوضح أننا بصدد مجلس معاون لسلطة الاحتلال في إدارة بعض مرافق الدولة الحيوية ولكنه ليس مجلس حكم بأي حال.
وجاء تكوين المجلس على أساس طائفي وعرقي وليس على أساس القوى الفاعلة في المجتمع ولا على أساس المواطنة التي يفترض أنها الرابطة الأساسية بين المواطن والدولة الحديثة. لقد تم تكوين المجلس من 25 عضواً. ثلاثة عشر منهم من الشيعة وأربعة من السُنة وخمسة من الأكراد وواحد من التركمان. ولعل الثقل الشيعي في تكوين المجلس يعكس نفوذ أحمد الجلبي الوثيق الصلة بالاحتلال.
ومن المؤكد أن هذا المجلس الموقت لا يتمتع بأي سلطة تمثيلية أو بأي حق قانوني في التحدث باسم شعب العراق. ذلك أنه لم يختر من قلب هذا الشعب ومن ثم فهو لا يعبر عنه وإنما يعبر عمن اختاره وعينه وهو ممثل سلطة الاحتلال.
إن العلاقات الدولية تقتضي بالضرورة شخصية قانونية دولية يتم تمثيلها والتعبير عنها فهل يتمتع العراق الآن بالشخصية القانونية الدولية؟
هذه هي المسألة الرابعة والأخيرة في هذا المقال.
تقوم الدولة - أي دولة - على أركان ثلاثة: الشعب والإقليم والسلطة المستقلة ذات السيادة.
ولا شبهة في أن الشعب العراقي ما زال موجوداً على أرضه وإقليمه وبهذا يتوافر ركنان من أركان الدولة. ولكن الذي لا شبهة فيه أيضاً أن دولة العراق فقدت ركن السلطة المستقلة المتمتعة بالسيادة وأن ذلك كله انتقل إلى سلطات الاحتلال وذلك يعني ببساطة ووضوح شديدين أننا لسنا في مواجهة شخص من أشخاص القانون الدولي وإنما نحن على أحسن الفروض أمام شخص قانوني ناقص الأهلية إن لم نقل فاقد الأهلية.
* استاذ في كلية الحقوق جامعة القاهرة. مفكر قومي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.