«غرفة بيشة» تساهم في دعم حفل تكريم المشاركين في مبادرة أجاويد ٢    الأمير سعود بن نهار يرعى حفل اطلاق الاستراتيجية الجديدة لغرفة الطائف    المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا.. 50 عاماً من العطاء    "تعليم الطائف" يعتمد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    حملة مشتركة تسفر عن رفع ما يقارب الطنين من الخضروات والسلع المختلفة من الباعة الجائلين المخالفين بشرق الدمام    التطوع في منطقة الحدود الشمالية    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    طالبتان من تعليم الطائف تحصدان الميدالية الذهبية والفضية على مستوى العالم    جامعة الملك فيصل تحصد الميدالية الذهبية عن اختراع جديد    من ينتشل هذا الإنسان من كل هذا البؤس    مجسم باب القصر يلفت انظار زوار وسط بريدة    الرئاسة العامة تشارك في ورشة عمل "الأثر المناخي في حج عام ١٤٤٥ه"    نعمة خفية    المربع الجديد: وجهة لمستقبل التنمية الحضرية بالسعودية    انجاز 40% من مشروع الربط الكهربائي بين السعودية ومصر    ضبط 16023 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    تن هاج : تركيزي منصب على آخر مباراتين لمانشستر يونايتد    قائد فذٌ و وطن عظيم    إندونيسيا: الكوادر الوطنية السعودية المشاركة في "طريق مكة" تعمل باحترافية    المشتبه به في الاعتداء على رئيس الوزراء السلوفاكي يمثل أمام المحكمة    مسؤولون إسرائيليون: مفاوضات الهدنة في طريق مسدود    المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو" حتى 2026م    متحدث «الداخلية»: مبادرة «طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي والتقنية لخدمة الحجاج    القاهرة : لاتراجع عن دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    «الحج والعمرة»: لا تصاريح عمرة ابتداء من 16 ذو القعدة وحتى 20 ذو الحجة    سفارة المملكة في قرغيزستان تحذر المواطنين بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن أماكن التجمعات    دراسة: الشركات الألمانية لا تسوق للسيارات الكهربائية بشكل جيد    توطين تقنية "الجينوم السعودي" ب 140 باحث سعودي    «المركزي الروسي» يرفع الدولار ويخفض اليورو واليوان أمام الروبل    سان جيرمان يسعى لفوز شرفي لتوديع مبابي    استمرار هطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    تيليس: ركلة جزاء الهلال مشكوك في صحتها    "تيك توك" تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    جيرارد: فخور بلاعبي الاتفاق    آلية الإبلاغ عن الاحتيال المالي عبر "أبشر"    "الذكاء" ينقل مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    نيفيز: الهلال لا يستسلم أبدًا    السمنة والسكر يزيدان اعتلال الصحة    مهارة اللغة الإنجليزية تزيد الرواتب 90 %    الهلال يتعادل مع النصر في الوقت القاتل في دوري روشن    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    رقم جديد للهلال بعد التعادل مع النصر    موعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والترجي اليوم في نهائي دوري أبطال إفريقيا    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    «الدفاع المدني» محذراً: ابتعدوا عن أماكن تجمُّع السيول والمستنقعات المائية والأودية    الصين تستعرض جيش "الكلاب الآلية" القاتلة    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في «آيسف 2024»    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    طريقة عمل مافن كب البسبوسة    طريقة عمل زبدة القريدس بالأعشاب    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    حراك شامل    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعترافات قاتل الشيخ راغب حرب وخاطف الشيخ عبدالكريم عبيد . حسين علي عباس في سجنه الدنماركي يفضح اختراقات اسرائيلية في الجسم اللبناني 2من 3
نشر في الحياة يوم 26 - 07 - 2003

تناولت حلقة الأمس وصفاً لعملية اغتيال الشيخ راغب حرب على لسان جاره، وسيرة الشيخ كما يرويها اصدقاؤه، خصوصاً مواقفه السلبية من الاحتلال الإسرائيلي وتحريضه الناس على المقاومة واندراجه في تشكيلاتها المبكرة. وقد رفض الشيخ راغب مصافحة ضابط اسرائيلي، ما اعتبر في حينه رسالة وطنية ذاع صداها في لبنان كله باعتبار ان "المصافحة اعتراف".
وفي جبشيت بلدة الشيخ راغب كان هناك شاب يعمل لإسرائيل هو حسين علي عباس تناولت حلقة الأمس نشأته وصورته كعميل ذائع الصيت في الشريط الحدودي المحتل سابقاً. وحسين علي عباس هذا هو الذي يقبع الآن في سجن في الدنمارك وكان بين المجموعة التي اغتالت الشيخ راغب تلبية لأمر الاستخبارات الإسرائيلية.
في ما يلي الحلقة الثانية:
مع دخول الاجتياح الاسرائيلي للبنان عامه الثاني، تصاعدت عمليات المقاومة اللبنانية ضد جيش الاحتلال وكان عام 1984 يحمل في طياته مفاجآت كثيرة. فالمقاومة اصبحت اقوى من السابق كما انها بدأت تأخذ شكلاً منظماً بفضل اسهام شخصيات جنوبية لها وزنها السياسي في لبنان امثال الشيخ راغب حرب، ببنائها. ولكن اسرائيل اتخذت قرار ازاحة الشيخ راغب نهائياً من الساحة الجنوبية، فبدأت تخطط لاغتياله. اعترف الضابط السابق في ميليشيا جيش لبنان الجنوبي حسين علي عباس انه شارك مع مجموعة من المتعاونين معه بقتل راغب حرب بعد تلقيهم اوامر من اسرائيل.
ولد حسين علي عباس في قرية والدته الخيام الجنوبية، وتنقل بينها وبين قرية والده جبشيت ومدينة صيدا حيث درس وعاش فيها بضع سنوات. بدأ تعامله مع اسرائيل وهو في سن مبكرة، اذ تولى مهمات متنوعة منها الحراسة وجلب المعلومات عن اهل قريته واهالي قرى الجنوب الاخرى. في مطلع الثمانينات استطاع ان يكسب ثقة الاسرائيليين، فتولى مهمات اعطاء التصاريح والتواصل مع عملاء اسرائيل من خارج الشريط الحدودي. انتقل حسين عام 1989 الى اسرائيل التي عاش فيها حتى نهاية 1991. في الرابع والعشرين من كانون الثاني يناير 1992 سافر عبر اسرائيل الى اسبانيا ومن ثم الى الارجنتين، وبعدها الى الدنمارك التي استقر فيها مع عائلته. يحمل حسين علي عباس تصريح اقامة دنماركية كلاجئ سياسي، وهو متزوج من اسرائيلية من عرب 1948 وأب لأربعة اولاد يعيشون مع والدتهم في الدنمارك. شارك في تلك الدولة الاسكندينافية بتأسيس "النادي الدنماركي الدولي" الذي يضم المئات من العرب المهاجرين وقسماً كبيراً من عناصر ميليشيا جيش لبنان الجنوبي المنحلة. وللنادي المذكور تاريخ حافل بعمليات الاجرام والابتزاز المالي والاتجار بالمخدرات والدعارة. اعتقل في الدنمارك قبل اكثر من سنة ونصف بتهمة الاتجار بالمخدرات، وصدر اخيراً حكم بسجنه لفترة ثماني سنوات.
يتباهى حسين بعمليات الاجرام والقتل التي قام بها، كما انه يتهجم على الذين تعامل معهم من اسرائيليين، وينعتهم بصفات شنيعة مختلفة، ويتهمهم بأنهم خانوه، ويفاخر بصلاته القوية مع عصابات الاجرام الدولية مثل المافيا الروسية و"ملائكة الجحيم" و"بانديدوس" الاسكندينافية.
من خلال المراسلات البريدية مع حسين علي عباس عن مصيره في تهم الاتجار بالمخدرات الموجهة ضده في الدنمارك، اعترف في احداها انه شارك في عملية اغتيال الشيخ راغب حرب. كان حسين وقتذاك موقوفاً بتهمة الاتجار بالمخدرات في سجن اورهوس خارج كوبنهاغن، ولم يكن صادراً بحقه حكم قضائي بعد، اذ كانت المحاكمة قائمة.
يمنع القانون الدنماركي لقاء الصحافيين مع المتهم خلال فترة التحقيق معه، اذ ان هناك مخاوف لدى القضاء ان يحصل الموقوف على معلومات تؤثر في اقواله قد تؤدي الى تبرئته. وفي كل الاحوال، يجب ان يوافق المتهم على لقاء اي صحافي كي تسمح السلطات القضائية بمقابلته في سجنه. الجدير ذكره ان السلطات القضائية في الدول الاسكندينافية، الدنمارك والسويد والنروج وفنلندا تحرص على تسهيل مهمات الصحافيين. بما ان حسين مسجون بتهمة الاتجار بالمخدرات وليس بقضية اغتيال الشيخ حرب فمن المفترض في حال موافقة حسين على المقابلة ألا تمنعني السلطات القضائية من مقابلته لانني لن اتحدث معه بالتهم المنسوبة اليه.
وصلت اول رسالة من حسين الى عنواني بالسويد في الخامس والعشرين من شباط فبراير، يوافق فيها على مقابلتي للتحدث عن عملية اغتيال الشيخ حرب، وجاء فيها: "أنا مسجون منذ نحو 16 شهراً وسوف امثل امام المحكمة بتاريخ 13/7/2003، وسيصدر بحقي حكم بتاريخ 14/11 بتهمة المخدرات"، ويطلب ان اتصل بمحامي الدفاع ستيغ ايلر جنسن كي يسهل لي تصريح الدخول الى السجن. ونصحني بأن انتظر الى ما بعد صدور الحكم لأتمكن من القيام بالزيارة "بدون تصريح من الشرطة". ويؤكد حسين في رسالته انه "سيتكلم معي عن كل شيء، وسوف اكون صريحاً ولا يهمني اي جهاز استخبارات اسرائيلي، وسوف اكشف كل الاوراق"، ويوقع الرسالة باسم "داني عبدالله، رئيس النادي الدنماركي الدولي". الجدير ذكره ان حسين اتخذ اسم داني عبدالله في الدنمارك ولا احد يعرفه هناك الا بهذا الاسم.
لم انتظر حتى يصدر الحكم بحقه، فأرسلت طلباً لمقابلته. ووعدني المحامي جنسن بالمساعدة، وقال ان الموضوع سهل وليس هناك اي مشكلة. ارسل المحامي طلبي الى محامي الدولة، وهو يقوم بدور مدع عام. ولكن هذا الاخير قال للمحامي انه من الافضل ان انتظر حتى صدور الحكم. وبرر محامي الدولة ذلك بأن زيارتي الى سجن حسين بحاجة الى ترتيبات طويلة، اهمها تأمين مترجم عربي دنماركي يجلس معي عندما اتحدث مع حسين ليترجم الحوار. وقال محامي الدولة انه لا يوجد امكان لتأمين مترجم خلال وقت قصير، لذا يفضل ان انتظر حتى صدور الحكم ومن بعدها من المفترض ان اقابله بدون مترجم ولا عناصر امنية.
اثناء انتظاري صدور الحكم وصتلني من حسين رسائل عدة متشابهة المضمون بأنه يريد مقابلتي ويعد بفضح اسماء عملاء اسرائيل والمجموعة التي نفذت عملية اغتيال الشيخ راغب حرب.
مطلع شهر نيسان ابريل الماضي صدر حكم بحق حسين علي عباس بالسجن ثماني سنوات بسبب الاتجار بالمخدرات.
توجهت الى الدنمارك لمقابلة حسين في سجنه بعد ان صدر الحكم بحقه.
بعد رحلة استمرت اكثر من سبع ساعات في القطار دخلت العاصمة الدنماركية وكلي امل بمقابلة حسين علي عباس. اتصلت فور وصولي بالمحامي ستيغ ايلر جنسن فقال لي ان حسين عيّن محامي دفاع جديداً اسمه نيلس تشو، واضاف مستغرباً: "طلبك رفضه المدعي العام. لم تحصل معي ابداً من قبل ان طلبت زيارة سجين صدر بحقه الحكم، يرفض".
اتصلت بمحامي حسين الجديد واستفسرت منه عن الموضوع، فكان فظاً في كلامه، وقال لي: "سوف اتكلم مع حسين لنرى ماذا يمكن ان نفعل". ولم يعطني وعداً بمقابلته. وبعد انتظار دام بضعة ايام في كوبنهاغن أبلغني المحامي الجديد نيلس تشو انه تكلم مع حسين "وهو يرفض مقابلتك" من دون ان يوضح السبب.
كان قرار العودة الى السويد لمتابعة الموضوع عبر الرسائل، وهي الوسيلة الوحيدة المتوافرة. رن جرس الهاتف وإذ بصوت يقول: "انا حسين علي عباس اكلمك من السجن عبر جهاز خلوي مهرب الى زنزانتي. انت فهمت خطأ على المحامي، فهو كان يقصد ان السلطات الدنماركية لا تسمح لك بالزيارة، وانما انا عند وعدي اريد ان اقابلك واتكلم معك بالموضوع". وقال انه سيرسل هذه المرة رسالة مفصلة عن عملية الاغتيال.
أرسل حسين بعد ايام من الاتصال رسالة من 16 صفحة يشرح فيها تفاصيل عملية اغتيال الشيخ راغب حرب. وكتب: "عندما دخلت اسرائيل الى قرية جبشيت استقبلها اهل القرية بالورد والرز"، ولكن الشيخ راغب حرب حارب تلك المعادلة "وأرسل مجموعات للقيام بعمليات عسكرية ضد الجيش الاسرائيلي قتلت اعداداً كبيرة من الجنود، وخطط لاغتيال مسؤولين من الحرس الوطني وعناصر من جيش لبنان الجنوبي. تصاعدت العمليات العسكرية على الجيش الاسرائيلي فقررت اسرائيل التخلص من الشيخ راغب حرب". ويشرح حسين ان اجتماعات عدة عقدت بين عناصر من الموساد وضباط في الجيش الاسرائيلي مع قياديين من ميليشيا "جيش لبنان الجنوبي" من بينهم حسين علي عباس شخصياً. يقول حسين ان تلك الاجتماعات التخطيطية التي استمرت لأشهر عدة جرت في "ثكنة زبدين وفي مركز الريجي وداخل اسرائيل. شارك في الاجتماعات الحاكم العسكري الاسرائيلي في منطقة صور ابو يوسف زبيده وأنا وشخص اسمه عباس كان مسؤول الحرس الوطني في جبشيت، وشخص آخر يدعى نبيل يعمل لمصلحة الاستخبارات الاسرائيلية وامرأة من آل ف. والمسؤول في جيش لحد فؤاد فحص".
لم يذكر حسين علي عباس في رسائله الاسماء الكاملة لعناصر المجموعة التي اوكلت اليها مهمة الاغتيال الا انه بعد إلحاح مستمر نجحت في اقناعه باستكمال المعلومات.
خرج صوته خافتاً عبر الجهاز الخلوي المهرب الى زنزانته، وقال: "المجموعة التي نفذت العملية كانت تتألف من خمسة اشخاص، انا وفؤاد فحص ونبيل شكيب حيدر وعباس بدر الدين وامرأة من آل ف. لا اريد ذكر اسمها". ولكنه عاد وأكد لي ان المرأة هي "فاطمة ح. ق. ف. من بلدة جبشيت".
يقول اهل جبشيت ان تلك المرأة معروفة فهي "كانت متزوجة من احد عملاء اسرائيل المعروفين في القرية، وبعد انسحاب اسرائيل من الجنوب اللبناني تركت التعامل مع العدو وتتعامل حالياً مع جهاز استخباراتي آخر".
يشرح حسين انه وصل الثلثاء في 14 شباط فبراير، اي قبل يومين من تنفيذ عملية الاغتيال الى قرية جبشيت، واجتمع مع بقية اعضاء المجموعة واتفقوا على الساعة الصفر للانطلاق بعملية الاغتيال. وشرح: "أوكلت مهمة مراقبة تنقلات الشيخ راغب حرب الى فاطمة ف. التي زودت جهازاً لاسلكياً للتواصل المستمر معنا. اما عباس بدر الدين - وهو مسؤول معروف في جيش العملاء - فتكفل بتأمين طريق الانسحاب للمجموعة التي ستنفذ العملية، كما انه عمل على اقفال طرق القرية. وعملية التنفيذ كانت من مهمتي الشخصية بالاشتراك مع نبيل شكيب حيدر وفؤاد فحص".
يقول حسين انه كان "مزوداً بندقية رشاش ام 16 من النوع القصير، ونبيل شكيب حيدر رشاش كلاشنيكوف، ولا اتذكر قطعة السلاح التي كانت في حوزة فؤاد فحص".
يتابع حسين انه في الاجتماعات التي عقدت مع الموساد الاسرائيلي اثناء التخطيط لعملية اغتيال راغب حرب شاركت فيها شخصية لبنانية معروفة على ساحة الجنوب. ويكشف ان تعامله لم يكن مقتصراً على الاسرائيليين فقط بل انه كانت له علاقة مع جهاز استخباراتي آخر. يشرح حسين انه اثناء تعامله مع اسرائيل "كنت انا وفؤاد فحص نتعامل مع جهاز المكتب الثاني اللبناني، وكنا نتقاضى راتباً شهرياً منه. كنا نزود المكتب الثاني في بيروت بتفاصيل الاجتماعات مع الاسرائيليين. كما اننا سجلنا وقائع الاجتماعات بطريقة سرية، وسلمنا نسخاً من التسجيلات الى المكتب الثاني. وعندما اوكلت مهمة الاغتيال لنا سلمنا المكتب الثاني التسجيلات الصوتية التي تؤكد نية اسرائيل في اغتيال راغب حرب".
انتظر حسين علي عباس ونبيل شكيب حيدر وفؤاد فحص قدوم الشيخ راغب حرب الى منزله الواقع فوق احد مرتفعات جبشيت. لكن الشيخ الذي اراد ان يسمع الاخبار القادمة من ايران اوقف سيارته قرب منزله وترجل منها الى منزل جاره الحاج محمود يونس. يقول الحاج يونس: "جلسنا مع الشيخ واستمعنا الى الاخبار، وتناول برتقالة، ثم بعد مرور 20 دقيقة خرج من المنزل". بعد خروجه من باب المنزل والتفافه نحو اليمين نزولاً باتجاه منزله الذي يبعد عن منزل جاره نحو 50 متراً، فوجئ الشيخ بإطلاق النار عليه وسقط مضرجاً بدمائه.
يقول حسين علي عباس انه لا يتذكر كم رصاصة اطلق على الشيخ، ولكن "كل ما اتذكره أننا اطلقنا النار عليه من الخلف. كنا نكمن له نحن الثلاثة خلف سور. لا اتذكر شكله لكنه يبعد نحو 50 الى 60 متراً عن منزله، ومجرد ان شاهدناه اطلقنا عليه النار". خرج الحاج محمود يونس على صوت أزيز الرصاص وشاهد جسد الشيخ منهاراً على ارض المدخل فصرخ "الله اكبر الله اكبر"، وحمل الشيخ الى سيارته لينقله الى المستشفى في النبطية. يقول الحاج يونس: "عندما رفعت جسده الطاهر عن الارض شعرت من خلال عباءته ان امعاءه خرجت من خاصرته وهذا ما يدل على ان الرصاصات اخترقت الجسد من الخاصرة او من الخلف". وهذا يؤكد ما يقوله حسين علي عباس أنه اطلق النار عليه من الخلف. ويضيف الحاج محمود يونس: "وضعت الشيخ في السيارة وانطلقت به الى النبطية، ولكن قبل الخروج من القرية وجدت ان كافة مخارج القرية مقفلة"، وهذه كانت احدى مهمات عباس بدر الدين، "لذا سلكت طريقاً رملياً الى مستشفى الحكمة". شاهد اهل القرية وقتذاك سيارة فيها ثلاثة اشخاص مسرعة خارج القرية. يقول حسين علي عباس: "بعد العملية ركبنا في سيارة ب ام 730 وتوجهنا بها على الفور الى زبدين". حسين علي عباس وبقية العملاء فروا الى الثكنة العسكرية الامنة في زبدين، والشيخ راغب حرب نقل الى المستشفى.
الدكتور عبدالامير شعبان الذي كان يدير مستشفى الحكمة عاين شرعياً جثة الشيخ، ويتذكر قائلاً: "كانت تربطني بالشيخ راغب حرب صلة صداقة، لذا فور ادخاله الى المستشفى عرفت ان الشيخ راغب حرب بين يدي"، في ذلك الوقت كانت القوات الاسرائيلية تحاصر مستشفى الحكمة وكأنها تريد التأكد من ان الشيخ راغب حرب فارق الحياة ولم يعد يشكل خطراً عليها. لا يتذكر الدكتور شعبان تفاصيل ما حصل اذ ان "الشيخ راغب حرب ادخل الى غرفة العمليات وكان قد فارق الحياة قبل ان يصل الى المستشفى، لذا لم اشخص حالة الوفاة، ولم يُطلب مني تقرير شرعي عن حالته. لا اتذكر كم رصاصة اخترقت جسده ولكن اعتقد بأن جسده كان ممزقاً بكمّ من الرصاص".
اعيدت جثة الشيخ راغب حرب الى قريته جبشيت حيث دفن وسط سخط الأهالي العارم. الجميع كان متأكداً من ان اسرائيل وراء عملية الاغتيال، ولكن لم يعرف احد من هم منفذو العملية، لذا انتشرت الاشاعات المختلفة عن هوية القتلة.
من المفترض ان اعترافات حسين علي عباس التي يدلي بها للمرة الاولى منذ تاريخ اغتيال الشيخ راغب حرب سنة 1984 تساعد في وضع النقاط على الحروف. ولكن بعد مرور نحو شهر ونصف شهر على عملية الاغتيال فاجأت قيادة حركة "امل" الوسط اللبناني بمؤتمر صحافي دعا اليه عضو المكتب السياسي ومسؤول الاعلام في الحركة الشيخ حسن المصري لكشف تفاصيل عملية اغتيال الشيخ راغب حرب. وفي صباح الثاني من نيسان ابريل 1984 اطل الشيخ حسن المصري على حشد من الاعلاميين في مقر حركة "امل" في منطقة برج البراجنة ضاحية بيروت الجنوبية والى جانبه شابان في مقتبل العمر، اعلن انهما من اغتال الشيخ راغب حرب. وقال الشيخ حسن المصري وقتذاك: "منذ ان بدأ الاستعمار في زرع بذور الشر في الجسم العربي بأداة سموها اسرائيل، بدأت المتاعب تحيق بشعبنا الجنوبي. ومنذ ذلك الحين وارض الجنوب تدفع الضريبة تلو الضريبة في خط المواجهة الاول عن الامة بكاملها... الا ان العدو استطاع التأثير على بعض ضعاف النفوس ممن اصاب عقولهم الطمع، فاستغل بعض نقاط الضعف وحاول تمرير كل مشاريعه العدوانية من خلال هؤلاء القلة الذين يندمون في آخر لحظة، حيث يتحقق لهم ان العدو انما استعملهم اداة لمطامعه، وانهم لا يخدمون الا العدو بهذه الاعمال على حساب شعبهم وارضهم وكرامتهم. ومن هؤلاء المغرر بهم هذان الشابان: محمد كامل بشر 24 سنة ورضوان الفقيه 18 سنة من بلدة جبشيت الماثلان امام اعينكم واللذان هما بتصرفكم، فاسألوا ما يحلو لكم وبحرية مطلقة". واعلن المصري وقتذاك ان بشر والفقيه اشتركا مع عدد آخر من الاشخاص في قتل الشيخ راغب حرب.
المعلومات التي قدمها كل من الفقيه وبشر لا تتطابق مع اعترافات حسين علي عباس، وهذا يعني امراً من اثنين، اما حسين علي عباس يدلي بمعلومات كاذبة، أو أن الفقيه وبشر أجبرا على الاعتراف.
في مكتب حركة "امل" في منطقة الجناح في بيروت، قال المصري لدى سؤاله عن مصير الشابين اللذين اتهما قبل 19 عاماً باغتيال راغب حرب، بعدما صمت قليلاً محاولاً ان يتذكر: "نعم، بالفعل، تمكنا وقتها من اعتقال قاتلي راغب حرب. اعتقد ان الحركة نفذت حكم الاعدام فيهما".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.