عاد شارون الى اوروبا. هل أصبح مقبولاً؟ ربما. هل أصبح محترماً؟ طبعاً لا... مبرر العودة اسمه "خريطة الطريق". هل قَبِلها شارون فعلاً؟ ليس عند الاوروبيين خيار آخر غير الاعتقاد بأن من يعتبرونه مجرم حرب قد يكون في صدد تغييره جلده، كذلك لا خيار آخر لديهم سوى الاعتقاد بأن الرئيس الاميركي جدي في صنع سلام ما في الشرق الاوسط. عدا ذلك، لا دور لاوروبا خارج "خريطة الطريق"، ولتنفيذ "الخريطة" ينبغي انهاء القطيعة مع رئيس الوزراء الاسرائيلي. قبل ان يغادر شارون الى لندن، كان قد تلقى هدية اولى. اذ ألغت بلجيكا قانون "الاختصاص العالمي" الذي يتيح لقضائها ان يحاكم مسؤولين من دول اخرى متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية. عندما صدر هذا القانون عام 1993 لم يكن المشترع البلجيكي يفكر في شارون تحديداً، لكن الحكومة البلجيكية الغته من اجل شارون تحديداً. الضغوط والتهديدات الاميركية فعلت فعلها، من قبيل ان بعض الارهابيين الموصوفين يتمتع بحماية دولية تجعله اقوى من الدول والقوانين. من الواضح ان شارون يريد ان يوظف عودته الى اوروبا لتجنيدها في ثأره الشخصي الذي لم ينله بعد، وهو التخلص من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بأي شكل. اوروبا لم تخاصم شارون انتصاراً لعرفات وانما هو خاصمها لأنها لم تبارك ارهابه ووحشيته كما فعلت الادارة الاميركية. واوروبا لم تقاطع عرفات نكاية بشارون، وانما واصلت الاتصال بالرئيس الفلسطيني لأنه يمثل شعبه، ولم يحصل حتى الآن ما ينبئ بأن هذا الشعب لم يعد يعتبر عرفات ممثلاً له. اكثر من ذلك، تبرع شارون للاوروبيين بحجة جديدة مفادها ان الاتصال مع عرفات "خطأ فادح" لأنه يضعف حكومة "ابو مازن". لكنه يظن ان الاوروبيين اغبياء لا يعرفون شيئاً عما يجري على الارض، وهم يدركون جيداً ان اضعاف حكومة محمود عباس او تقويتها ليس رهن لعبة السلطة بين عرفات وعباس، وانما رهن تخلي اسرائيل عن نهجها العدواني ضد الشعب الفلسطيني. وحتى الآن لم تبرهن حكومة شارون انها معنية عملياً، وعلى نحو ايجابي مثمر، بإنجاح حكومة "ابو مازن"، بل تتعمد استفزاز الرأي العام الفلسطيني ضدها وترفض الغاء اي اجراء احتلالي لتمكينها من مخاطبة الناس لتأمين توافق على ملامح المرحلة المقبلة انطلاقاً من المصلحة الوطنية. لحسن الحظ ان الاوروبيين راكموا خبرة قيمة بشأن الوضع الفلسطيني، ومهما بلغت البراغماتية لديهم فإنهم يستطيعون التمييز بين ما هو ارهاب وما هو مقاومة، وبين ما هو احتلال وما هو سعي الى تفاوض وسلام. حتى انهم استخدموا العقلانية وضبط النفس لجعل الادارة الاميركية تعترف ضمناً بأن ثمة مشكلة اسمها شارون، ولا بد من معالجتها بجهد دولي هو الذي باتت "خريطة الطريق" تعبر عنه. وكانت واشنطن اتاحت لشارون ان يعاود احتلال الضفة الغربية وأمّنت تغطية وحماية لكل جرائمه وسمحت له بوضع عرفات "خارج اللعبة"، كما يقال، لكنها ما لبثت ان واجهت الواقع المتمثل بأن جانباً كبيراً من المعضلة موجود عند حليفها الاسرائيلي الذي بالغ في اللامعقولية حتى أوصلها الى أفق مسدود. صحيح انها تتفق معه على محاربة الارهاب، لكن اساس المشكلة هو الاحتلال وليس الارهاب. صحيح انها تدرك ذلك ولا تقرّ به علناً، لكن الولاياتالمتحدة اصبحت الآن متورطة مباشرة في المنطقة، ولا بد من تفكير جديد خارج الاطار الاسرائيلي الذي يطوق سياستها. في اي حال، اذا كانت الحكومة الفلسطينية معنية جداً بإبعاد عرفات فإن احداً منها لم يعلن ذلك حتى الآن، حتى لو كان هناك انتهازيون عيّنوا انفسهم ناطقين باسمها، مثلما يفعل شارون. حتى إشعار آخر لا تزال هذه الحكومة بحاجة الى شرعية ما يمثلها الرئيس الفلسطيني، واذا كان لشارون ان يقرر مصير عرفات فإنه بذلك يختطف ل،سرائيل حق تقرير مصير ومسار اي قائد فلسطيني يخلف عرفات.