الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    الوتر الأخير في سمفونية الاضطراب    السعودية ترسم خارطة سلام جديدة في آسيا    الكشف عن موعد ومكان سحب قرعة كأس آسيا للسيدات 2026 في أستراليا    أمير القصيم يطلع على برامج جمعية "كنوز" وأبرز منجزاتها لعام 2024    عماد التقدم    انطلاق بطولة منطقة الغربية 2025 للهوكي للرجال والبطولة النسائية الثالثة للهوكي    ختام ناجح للبطولة العربية للجولف للناشئين والسيدات في القاهرة    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    26 مليارا حجم الاستثمارات الحكومية في قطاع التصنيع الذكي    الشورى يدعو معهد الإدارة للاستعانة بالكفاءات السعودية في التدريب والاستشارات    نائب أمير تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    "أوراكل" تعلن عن استثمارات بقيمة 14 مليار دولار في المملكة العربية السعودية    بتكاتف جهود العاملين في مبادرة "طريق مكة".. إنهاء إجراءات سفر الحجاج خلال دقائق    ذكاء المستقبل بين الرياض وواشنطن    أمانة القصيم تكثّف أعمالها لتحسين جودة الطرق ورفع كفاءة البنية التحتية في مدينة بريدة    مجمع الحباب بن المنذر يدشن شركات مع عدد من الجهات الصحية    جامعة أم القُرى تكرِّم 27 فائزًا بجائزة جامعة أمِّ القُرى للتَّميُّز لعام 1446ه    جمعية الدعوة بأجياد تطلق البرامج التوعوية والإرشادية لخدمة ضيوف الرحمن في حج 1446ه    ولي عهد أبوظبي يغادر الرياض    الشباب السعودي يقود تنمية قطاع السياحة الداخلية في المملكة    أمير قطر يغادر الرياض    الشرع يشكر ولي العهد: جهود سعودية تقود إلى رفع العقوبات عن سوريا    "مستشفى المانع بالدمام" يُنقذ حياة طفل يُعاني من تسمم في الدم إثر خُرَّاج دماغي معقَّد    ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سوريا    زلزال بقوة 6 درجات يضرب ولاية موغلا غربي تركيا    "البريك" تهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    السعودية للكهرباء تسجل نمواً قوياً في الإيرادات بنسبة 23% لتصل 19.5 مليار ريال في الربع الأول من عام 2025    بلدية صبيا والجمعيات الأهلية تثري فعاليات مهرجان المانجو بمشاركة مجتمعية مميزة    ترامب وعد وأوفى وستبقى السعودية الوجهة الأولى    السعودية للشحن الناقل اللوجستي الرسمي لمنتدى الأعمال السعودي الصيني 2025    السوق السعودي جدير بالثقة العالمية    وسام المواطن الأول.. بمرتبة الشَّرف الأولى    أكد أنه رفع العقوبات عن سوريا بناء على طلبه.. ترمب: محمد بن سلمان رجل عظيم والأقوى من بين حلفائنا    المعلّم والتربية الشعبية    "إهمال المظهر" يثير التنمر في مدارس بريطانيا    ضبط 3 وافدين لارتكابهم عمليات نصب لحملات الحج    بداية إعادة رسم الخريطة الأمنية.. طرابلس تحت النار.. تفكيك مراكز النفوذ    الاتحاد يسعى لحسم لقب"روشن" في بريدة    سمو ولي العهد يصطحب الرئيس الأمريكي في جولة بحي الطريف التاريخي في الدرعية    "واحة الإعلام" تختتم يومها الأول بتفاعل واسع وحضور دولي لافت    حسين نجار.. صوت إذاعي من الزمن الجميل    فناربخشة يعرض مبادلة النصيري ب» ميتروفيتش»    رائد التحدي سيعود من جديد    يواصل حملته العسكرية واسعة النطاق في القطاع.. الاحتلال يؤسس للتهجير وتفكيك غزة تحت غطاء الحرب    أمير الشرقية يطلع على إنجازات وزارة الموارد في المنطقة    بمشاركة دولية واسعة من خبراء ومتخصصين في القطاع الصحي.. السعودية رائد عالمي في الطب الاتصالي والرعاية الافتراضية    "مؤتمر علمي" لترسيخ الابتكار في السعودية الاثنين المقبل    رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادًا لموسم حج (1446ه)    «مبادرة طريق مكة».. تأصيل لخدمة ضيوف الرحمن    الصندوق الكشفي العالمي يثمّن دعم المملكة    أمير نجران يستعرض تقرير نتائج دراسة الميز التنافسية    تخريج 3128 خريجاً من الجامعة الإسلامية برعاية أمير المدينة    الأمير فهد بن سعد يرعى اليوم حفل جائزة «سعد العثمان» السنوية للتفوق العلمي في الدرعية    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية تُدشّن أول نظام روبوتي مختبري من نوعه «AuxQ»    بندر بن مقرن يشكر القيادة بمناسبة تعيينه مستشارًا بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة    ملك البحرين يصل إلى الرياض وفي مقدمة مستقبليه نائب أمير المنطقة    100 مبادرة إثرائية توعوية بالمسجد النبوي.. 5 مسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب العراق . ثمن اقتصادي وتفجير اجتماعي في دول المغرب العربي ! 1 من 2
نشر في الحياة يوم 08 - 04 - 2003

في محاولة لاستباق انعكاسات الحرب الدائرة حالياً في العراق، قومت الدوائر السياسية والاقتصادية الغربية الأكثر اهتماماً بمنطقة شمال افريقيا الانعكاسات على دول المغرب العربي واستندت فيها إلى التقارير والدراسات التي تكونت لديها بعد حرب الخليج الثانية، آخذة في الاعتبار والحسبان، أن المنطلقات الأساسية تختلف هذه المرة عنها عام 1991. ويرى الخبراء أنه، خلافاً للتوقعات الاقتصادية بالنسبة لمنطقة المشرق العربي، المشوبة بالقلق المخيف نتيجة الضبابية الشاملة وانعدام الرؤى المستقبلية كلياً، فإن انعكاسات هذه الحرب على منطقة المغرب العربي تبدو أقل تأثيراً عموماً، إضافة إلى الاختلافات من حيث وقعها بين بلد وآخر، بشكل خاص. ففي حين يُلاحظ أن البعض حسب بدقة وبنوع من السرية نتائج هذه الحرب حرصاً على استقرار وضعه الداخلي، عمد البعض الآخر إلى اتخاذ اجراءات عملية تجنباً للأسوأ.
إذا كان المحللون الأوروبيون على اختلاف مدارسهم السياسية والاقتصادية يجمعون على أن الحرب الدائرة حالياً في العراق تؤثر بشكل مباشر، وبالدرجة الأولى، في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، مخلفة وراءها خسارة 4.0 نقطة من اجمالي الناتج القومي فإن الثمن الذي سيدفعه العالم العربي لن يقل في جميع الحالات. مع ذلك، فإن هذه التداعيات تختلف من منطقة إلى أخرى، وحتى من بلد إلى آخر، مع فارق أساسي أمكن رصده بوضوح في منطقة المغرب العربي أكثر منه في شرقه، حيث تتداخل مسألة تغيير الخرائط بتبدل الكيانات السياسية.
لكن، على رغم هذا التشخيص، أكدت مؤسسة تقويم المخاطر المالية العالمية "ستاندارد اند بورز" أن اطالة أمد هذه الحرب من شأنها، في كل الحالات، زيادة خفض النقاط المتعلقة بالدين السيادي لدول شمال افريقيا، كذلك التقليل من حجم الثقة التي اكتسبتها بصعوبة في الاعوام القليلة الماضية، التي يمكن أن تهتز مجدداً بالمقارنة مع هول الصدمة، ناهيك عن خدمة الدين الذي من المتوقع أن يرتفع هو الآخر بشكل ملفت. يضاف إلى ذلك الخشية من هروب رؤوس الاموال الخاصة، بما فيها الوطنية، إلى "أسوأ ملجأ" ومراكز مستقرة، ما يزيد الأوضاع تعقيداً.
من جهة أخرى، تسود حال من الخوف لدى أصحاب القرار في دول المغرب العربي غير المنتجة للنفط أو الغاز، أي المغرب وتونس تحديداً، من الاتجاه التصاعدي لأسعار هذه المواد حتى ولو لم تصل إلى ما سبق وتوقعه بعض الخبراء بالنسبة للخام بين 60 و80 دولاراً للبرميل الواحد. وبرز هذا العنصر السلبي الذي يأتي في وقت لم تتعاف فيه اقتصادات هذه البلدان تماماً من آثار 11 أيلول سبتمبر، التي ضربت بشكل خاص قطاع السياحة فيهما وأخرت تدفق جزء من الاستثمارات الخارجية المباشرة المتوقعة.
في المقابل، فإن حدوث هذه "الهبة النفطية" وفقاً للسيناريوات المعلنة في حال طالت هذه الحرب، من شأنه أن يساعد دولة كالجزائر على تحسين مؤشراتها الاقتصادية وتصحيح موازينها عبر خفض دينها الخارجي وخدمته، كما يساهم بتعزيز مالية الجماهيرية الليبية الفائضة حالياً.
الاقتصاد المغربي في الواجهة
لأسباب ليست سياسية فحسب، بل أيضاً اقتصادية واجتماعية، يرى المحللون الغربيون أن المملكة المغربية ستواجه تداعيات هذه الحرب أكثر من جيرانها، على رغم المسافات التي تفصلها عن العراق، وأيضاً بغض النظر عن الضعف النسبي لمبادلاتها التجارية مع هذا البلد بالمقارنة، على سبيل المثال، بتونس، التي نجحت بتنمية هذا الجانب ضمن اتفاق "النفط للغذاء". فوجود أحزاب سياسية عريقة في المغرب وتيارات دينية نشطة ملتزمة عقائدياً بالدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية، حسب تصريحات مسؤوليها، يضاف إليها التعاطف اللامحدود من قبل مجتمع صعب المراس، كل هذه العناصر تضع المغرب في قلب الحدث القائم، "لكن هذا الواقع لا يضع هذا البلد في عين العاصفة" كما يؤكد أحد كبار المسؤولين الفرنسيين في إحدى المناقشات التي جرت في زوريخ سويسرا بحضور رؤساء عدد من مصارف الأعمال الأوروبية بداية شباط فبراير 2003، عشية انعقاد مجلس الأمن للاستماع لما طرحه وزير خارجية أميركا كولن باول من الأدلة حول امتلاك العراق للأسلحة المحظورة.
وفي تقويم آخر للجان العاملة في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسيل، ضمن اطار برنامج "ميدا 2" التي ناقشت مطولاً الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية الممكن توقعها بالنسبة للمغرب، يصل الخبراء للاستنتاج بأن هذا البد سيشهد في الغالب تكراراً لما حدث في حرب الخليج الثانية، مع بعض التعديلات في الشكل. بمعنى آخر يرى المختصون بهذا الملف أن على الرباط أن تواجه تظاهرات عارمة يمكن أن يتجاوز المشاركون فيها مليوني شخص، التي، حسب التقارير المتوافرة لدى الأجهزة الأوروبية، لن تُمنع من قبل السلطات المحلية ولن تقمع كما يحدث في بعض دول المشرق. فالسلطات المغربية اتخذت، حسب المعلومات، قراراً بمواكبتها بهدف تفويت الفرصة على الذين يستهدفون زعزعة النظام.
ويشير أحد التقارير الى أن الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي للمغرب، ستظهر تفهماً، كما كانت الحال عام 1991، بهدف المساعدة على استيعاب نقمة الجماهير سلماً. وإذا كانت التأثيرات السياسية قابلة للاستيعاب، كما هو ظاهر حتى الآن، فإن أبعاد الانعكاسات الاجتماعية - الاقتصادية يمكن أن تكون مؤذية، خصوصاً إذا ما استمرت هذه الحرب أكثر مما هو مرسوم لها زمنياً، خصوصاً في الوقت الذي تجهد فيه حكومة ادريس جطو الجديدة لإخراج الاقتصاد من شرنقته الموضوع في داخلها منذ أكثر من ثلاث سنوات، واطلاق المشاريع الاجتماعية التي اضطلع بها الملك محمد السادس. وتعتبر الدوائر الغربية بأن المشاكل الاجتماعية والهوة التي تفصل يوماً بعد يوم فقراء المغرب عن أغنيائه، تشكل التهديد الفعلي للنظام. ويفيد بعض المصادر المغربية المسؤولة بأن أكثر ما يخيف السلطات في مرحلة الحرب هذه، هو الثمن الذي سيُدفع اقتصادياً والذي يمكن أن يشكل صواعق تفجير اجتماعي يصعب معه تصور المستقبل.
وإذا كانت الحكومة المغربية، في محاولة منها لمواجهة ذيول هذه الحرب، أعلنت أنها اتخذت الاجراءات المناسبة لتأمين إمدادات النفط لتجنب أي نقص في مصادر الطاقة، وألغت الضريبة على وارداته المقدرة ب3.2 بليون دولار للسنة الحالية على أساس 28 دولاراً للبرميل، وخصصت 250 مليون دولار اضافية عبر صندوق المقاصة، إلا أن زيادة بمعدل 15 دولاراً للبرميل، بإمكانها قلب الحسابات رأساً على عقب، وادخال الاقتصاد مجدداً في حلقة مفرغة من نوع آخر.
وتشير التقارير الأوروبية إلى أن أي تباطؤ في عجلة الاقتصاد المغربي في الظروف الحالية لا بد أن يؤخر تنفيذ المشاريع الانمائية الجارية كالسكن والبنيات التحتية والتربية والصحة وغيرها، هذا إضافة إلى عرقلة وصول عدد الاستثمارات الخارجية المباشرة الموعودة خلال 2003، ما يجعل تصحيح مختلف مؤشرات الاقتصاد الكلي التي لم تخرج بعد من دوائرها الحمراء والبرتقالية في غاية الصعوبة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، فإن تراجع معدل النمو، بالمقارنة مع التوقعات المتفائلة التي أعلنها وزير الاقتصاد والمال فتح الله ولعلو أخيراً، يمكن أن يسيء إلى صورة المغرب لدى شركائه المستقبليين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، سيزيد من التأزم الحاصل في هذا المجال، في حين تسعى الحكومة إلى خفض معدل البطالة بأي ثمن وتعمل ليلاً نهاراً لتهدئة الغضب المتصاعد لدى الطبقات المسحوقة، التي لن تتوانى، حسب التقارير عينها، عن اللجوء إلى العنف إذا لم تلب مطالبها هذه المرة. وترى الدوائر الغربية بأن المغرب يراهن على المساعدات التي ستقدمها له واشنطن لتجاوز انعكاسات الحرب القائمة في العراق. كما يأمل أن تكون المعاملة على غرار ما هو حاصل مع إسرائيل ومصر، خصوصاً على صعيد المساعدات الاستثنائية.
وتشير هذه الدوائر إلى أن الولايات المتحدة، التي ستحتاج بعد انتهاء هذه الحرب للدور السياسي الوسيط الذي يمكن أن تقوم به الرباط لتقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع الأساسية، ستسخر نفوذها وشبكاتها المالية العالمية بهدف مساعدة المغرب واقتصاده والمساهمة في التغلب على تحدياته الاجتماعية والاستحقاقات المالية المقبلة. ويرى المحللون بأن الاسراع في انشاء منطقة التبادل الحر بين البلدين من شأنه امتصاص عدد من الضغوطات الداخلية التي تمارس على النظام المغربي.
الاقتصاد التونسي وجهود الاحتواء
بالنسبة لهذا البلد، يرى الأوروبيون بأن شريكهم المتوسطي الأول يمكن أن يخرج بأقل ضرر مقارنة مع خسائر 1991، كما أن الانعكاسات المنتظرة تختلف عن تلك التي سيواجهها المغرب. فهذا البلد الصغير الذي، خلافاً لجاريه الجزائر وليبيا، لا يملك الثروات الطبيعية، اضطر سلفاً إلى إعداد الخطط الهادفة لاستيعاب الصدمات المعروفة من قبل المسؤولين فيه. وينبغي التذكير بأن تونس، التي دفعت غالياً ثمن حيادها في حرب الخليج الثانية كون أبرز شركائها ومستثمريها العرب، هي الشركات الكويتية العامة والخاصة، عملت اليوم على استباق التداعيات، حتى ولو اختلفت الأوضاع جذرياً. علماً بأن الدولة التونسية تبحث عن الوسائل الكفيلة التي تحفظ تماسك نسيجها الاجتماعي، الرافض بغالبيته، هذه الحرب ضد العراق. إلا أن المحللين الغربيين يتساءلون، في المقابل، عن هامش الحرية والمناورة التي يمكن للنظام أن يقدمه للأحزاب السياسية والنقابات لإبراز معارضتها لهذه الحرب. فإذا كانت السلطات الرسمية وافقت على اشراك أحزاب المعارضة المشروعة في اللعبة السياسية الدائرة إلى جانب حزب التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم، الذي يرأسه الرئيس زين العابدين بن علي، إلا أنه من المؤكد أنها ستمنع الأحزاب غير المرخص لها من التعبير عن مواقفها في الشارع. فالسلطة التي لا تتسامح مطلقاً بأن يهدد استقرار البلاد، اتخذت الاجراءات اللازمة لمواجهة الاحتمالات السياسية كافة الناجمة عن الحرب الدائرة، فهي ليست في الوارد أن ترى عملية التفجير التي حصلت في مدينة جربة تتكرر ثانية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، قوّم الخبراء ايجاباً تصويت البرلمان في إطار الموازنة وخفض النفقات العامة مع الحفاظ على الاستمرار بتنفيذ مشاريع التنمية الأساسية. كما اعتبرت ابقاء عجز الموازنة بحدود 6.2 في المئة من اجمالي ناتج الدخل القومي نقطة قوة لهذا الاقتصاد. فبهدف مقايضة الخفض في العائدات، حددت الحكومة هدفاً رئيسياً يتلخص بمضاعفة حجم الصادرات التي تدر العملات الاجنبية التي تغطي جزءاً مهماً من تراجع دخل السياحة المتوقع بنسبة 13 في المئة. كما يؤدي هذا الاجراء التحفيزي إلى سد الثغرات من جراء توقف المبادلات التجارية مع العراق التي ناهزت بليون دولار عام 2002. ومن الانعكاسات السلبية الاخرى الواردة في التقارير الغربية العائدة لمصارف الاعمال، تراجع الاستثمارات الاجنبية خصوصاً القادمة من المملكة العربية السعودية والكويت، التي تأمل تونس بتعويضها من خلال استثمارات جزائرية وليبية، خصوصاً في مجال الصناعات التحويلية، وحتى تخصيص بعض المصارف. وتعلّق تونس اهمية على التقارب الحاصل مع اسبانيا، والوعود التي نجمت عن زيارة الوزير الاول محمد الغنوشي الى مدريد في كانون الثاني يناير الماضي ولقائه مع نظيره اثنار الذي افضى الى وضع عدد من المشاريع المشتركة من ضمنها الصيد البحري والاستثمار في التنقيب عن النفط من قبل شركة "ريبسول".
الجزائر: المستفيدة من الحرب
تختلف الاشكالية والانعكاسات بالنسبة الى الجزائر عن جارتيها السابقتين. فعلى الصعيد السياسي، فإن المجتمع الجزائري، المرهق بهمومه الحياتية والامنية لن يتفاعل مع هذا الحدث كما كانت الحال تماماً مع حرب الخليج الثانية. ويلعب السباق المفتوح على الرئاسة، الذي انطلق في كانون الاول ديسمبر دوراً اضافياً في تحييد المجتمع الجزائري تجاه الحرب في العراق، ناهيك عن التجاذبات الحاصلة والهادفة بمجملها إلى التقرب من الادارة الاميركية وانتزاع قرار منها يعيد الجزائر الى الساحة الدولية. اما على الصعيد الاقتصادي، فإن التأثيرات هي عكس ما هو حاصل مع تونس والمغرب. اذ يكفي ان ترتفع اسعار الهيدروكربورات بنسبة بسيطة بعيداً جداً عن السيناريوات المطروحة عشية الحرب، حتى تتحسن ايرادات هذه الدولة، نظراً الى تبعية اقتصادها بنحو 80 في المئة لهذا القطاع. تصور ينطبق في آن معاً على الاستثمارات الاجنبية لان غالبيتها تركز على الهيدروكربورات ولا يهم اصحابها سوى هذا الجانب الواعد والمربح. فالتوجه الى قطاعات اخرى كالسياحة والصناعة الزراعية او المصارف غير وارد في المرحلة الحالية بالنسبة الى الشركات الاميركية والاوروبية النافذة. وسط هذا التشخيص الذي يجعل من الجزائر مستفيدة من هذه الحرب، يتبين بأن هنالك نقاطاً سوداء سجلها الاقتصاد في الاسابيع الاخيرة، ابرزها سحب مشروع القانون بفتح باب الاستثمار الاجنبي في قطاع الهيدروكربورات من التداول، ما سيؤثر حتماً على صورة الاقتصاد الخارجية الذي يسعى الحكم إلى تجميلها، وذلك في ظل السياسات الانتظارية التي فرضتها حرب العراق، كما من المتوقع ان تخسر الحكومة رهانها على الشركاء العرب المحتملين، الخليجيين منهم على وجه الخصوص، الذين سبق ان ابدوا اهتماماً بالدخول الى السوق المالية والقطاع المصرفي الجزائري الذي لم يتمكن حتى الآن من الاقلاع بانتظار تطبيق الاصلاحات المطلوبة.
ليبيا: الأقل تأثراً
يرى المراقبون بأن جماهيرية العقيد القذافي، المبتعدة اصلاً وفعلاً عن الشأن العربي منذ اعوام عدة هي الاقل تأثراً بحرب العراق هذه بين دول المغرب العربي، على رغم ارهاصات مسؤوليها بين الحين والآخر. فليبيا، الدولة شبه الوحيدة في العالم الثالث، الى جانب الامارات العربية المتحدة، غير مدينة للمؤسسات المالية الدولية، كما ان موازنتها تشكل منذ عام 1955 فائضاً منتظماً. لذا، فهي تراكم عائداتها من النفط والبتروكيماويات المقدرة ب21 بليون دولار عام 2002 واستثماراتها الخارجية التي ازدادت على وجه الخصوص في القارة الافريقية. فأية زيادة حتى لو لم تتجاوز عشرة دولارات للبرميل الواحد على مدى فصل واحد من العام من شأنها ان ترفع عائداتها بمعدل 40 في المئة ما سيعزز موقع النظام المالي والاقتصادي الذي سيحاول من خلاله اقناع الغرب، وواشنطن في الدرجة الاولى، بالتحولات الانفتاحية ولو المحسوبة، والاستعداد لتحرير التجارة والعملة والدخول في اقتصاد السوق.
كل هذه التوجهات تتم وفق وتيرة منتظمة تعمل على خفض النفقات والحد من المشاريع الفضفاضة على رغم الوعود الموزعة شمالاً ويميناً على الشركات الاجنبية لكسب ود دولها سياسياً، وهي استراتيجية يبدو انها بدأت تعطي ثمارها.
ويجزم المراقبون بأن الحرب الدائرة في العراق لا تعني ال4.2 مليون نسمة، بما فيهم الاجانب الذين يعيشون في ليبيا، والذين سيتحرك معظمهم بمرسوم للتعبير عن رفضهم لهذه الحرب في ظل مواكبة تزايد فيها السلطة على الجميع. في هذا الاطار يعلّق احد المسؤولين الليبيين بالقول: "حتى بيانات التضامن مع العراق الشقيق باتت جاهزة منذ الآن". اما الصعوبة فتكمن بعدم قدرة الادارة الليبية على التهليل بدقة "للنعمة" التي ستؤمنها هذه الحرب علماً بأن كيفية استخدامها تبقى كالعادة مجهولة للغالبية باستثناء اصحاب الحل والربط، ويأمل المتفائلون في طرابلس الغرب ان يطول أمد هذه الحرب، كما يتمنى وسطاء الشركات الاجنبية على مختلف المستويات في البلد ان تصل عائدات الجماهيرية نهاية السنة الجارية الى حدود ال30 بليون دولار.
* اقتصادي لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.