باتت الحرب الاميركية على العراق وشيكة وقد تندلع في غضون بضعة ايام، ربما بمجرد ان يوافق البرلمان التركي على اقتراح حكومة رجب طيب اردوغان التصويت بالموافقة على طلب اميركي عاجل لاستخدام الاراضي التركية لفتح جبهة شمالية في الحرب على العراق. وربما كان تأخر عبور القوات الاميركية الى الاراضي التركية ومنها الى شمال العراق السبب المادي الوحيد لتأخر اندلاع الحرب، اذ ان واشنطن لم تشعر بحاجة ضرورية لاستصدار قرار من مجلس الامن يجيز استخدام القوة ضد بغداد. لكنها أدركت وتدرك أهمية فتح جبهة شمالية، اضافة الى جبهة الكويت، لكي تتمكن من اختصار مدة الحرب بتوظيف تفوقها النوعي بكثافة بعد الضربات الجوية والصاروخية لشل حركة القوات العراقية وقطع اتصالاتها. وعشية اندلاع هذه الحرب التي تمثل تمرداً حقيقياً على ارادة الاممالمتحدة وتقويضاً لهيبتها، بلغ الغرور الاميركي ذروة جديدة لا تنم عن تصميم على استخدام القوة العسكرية الاميركية من دون وازع فحسب، وانما عن اهانة سافرة لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، الشريك الصغير المتطوع في هذه الحرب الى جانب الاميركيين، وذلك عندما اعلن وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد، بعدما ضاق ذرعاً بعجز الحكومة البريطانية عن تأمين دعم اكثرية في مجلس الأمن الدولي لقرار ثان ألزمت نفسها باستصداره ليجيز استخدام القوة ضد العراق، ان اميركا قادرة على خوض الحرب وحدها، ومن دون مساعدة قوات بريطانية. وواجه بلير ايضاً بداية تمرد كبير في صفوف نواب حزبه وتهديداً من النقابات التي يستمد حزب العمال تقليدياً الدعم منها، بأنها ستسحب دعمها اذا ما أصرّ رئيس الوزراء على خوض الحرب من دون مناقشة جديدة للقضية في مجلس العموم، ومن دون الحصول على تأييد غالبية في مجلس الامن للقرار البريطاني. ووصل الأمر ببعض اليساريين في صفوف حزب العمال الى تهديد بلير بأنهم سيطلبون اجراء انتخابات جديدة لزعامة الحزب لاستبداله. لكن بلير عاد وشدد على ما يعتبره المبرر "الاخلاقي" للحرب، وتمكن في ما يبدو من تهدئة النواب المتشككين واعلن أن لا رجعة عن نية خوض الحرب الى جانب الاميركيين، أي أنه لم يعد يأبه كالحكومة الاسبانية باستصدار قرار جديد من مجلس الامن بعد ان فوجئ بإصرار فرنسا على استخدام "الفيتو" ضد أي قرار جديد. ان المعارضة التي تبديها غالبية دول الاتحاد الاوروبي وروسيا والصين والهند وغيرها من الدول الكبيرة والمتوسطة، أقوى واكثر اخلاقية وصدقا مما أبدته غالبية الحكومات العربية على رغم ان المستهدف بالحرب الآتية بلد عربي كبير. ولن تقتصر مضاعفات وعواقب هذه الحرب على الشعب العراقي ومستقبله، وانما ستطاول دولاً وانظمة حكم اخرى في المنطقة. ولا شيء يمكن ان يزين هذه الحرب أو يحلّيها، اذ ان كل الحروب شر وبلاء، وهذه الحرب الوشيكة استعمارية واحتلالية وشريرة.