على رغم الانجازات التي حققتها المرأة الشرقية طوال السنوات الماضية في إطار من العراقيل والاضطهاد والعنف، وسيادة نظرة العقلية الذكورية اليها كأنها مواطن من الدرجة الثانية، لم تحصل بعد على حقها العادل في المجتمع. ويأتي منح شيرين عبادي المحامية الايرانية جائزة نوبل للسلام العام 2003، ليشكل استثناء يؤكد القاعدة. فمقابل 79 رجلاً حصلوا على الجائزة التي تمنحها لجنة نوبل النروجية سنوياً لم تميز اللجنة سوى احدى عشرة امرأة. وعبادي هي الأخيرة في قائمة قصيرة دشنت عام 1905 بمنح الجائزة الى الكاتبة النمسوية برنافون سونتز. وفي سلسلة الحاصلات عليها الاميركية جين ادامز رئيسة الرابطة الدولية للنساء من أجل السلام والحرية عام 1931، والراهبة الهندية الالبانية الاصل الام تيريزا عام 1979 والمعارضة البورمية اونغ سوكوي عام 1991. ومن ابرز اللواتي حصلن على جائزة نوبل للآدب السويدية سلمى لاغرلوف في العام 1909 والاديبة الافريقية نادين غورديمار من جنوب افريقيا وقبلهما نالت جائزة نوبل للفيزياء ماري كوري عام 1903 بمشاركة زوجها بيري كوري، ومن ثم حصلت على نوبل للكيمياء عام 1911. وتعتبر عبادي في ابرز المدافعين عن حقوق الانسان في ايران وخصوصاً في حملاتها في الدفاع عن المرأة والاطفال الأمر الذي أغضب المتشددين الاسلاميين الايرانيين، وسطع نجم عبادي قبل الثورة الاسلامية في عام 1979 كأول قاضية في ايران، إلا أن النظام الجديد حرمها من ذلك المنصب عندما قرر ان النساء لا يصلحن لاعتلاء هذه المناصب. وبدلاً من الاختفاء والخروج من الحياة العامة واصلت عبادي القاء المحاضرات في مادة القانون وتفردت كناشطة ومحامية كرست نفسها للدفاع عن حق النساء والاطفال، ومن ثم كناشطة في مجال حقوق اللاجئين. وألفت عبادي عددا من الكتب الاكاديمية وكتبت العديد من المقالات التي ركزت على حقوق الانسان. "الحياة" استطلعت آراء نساء بارزات في المجتمع المصري عن جائزة نوبل وضآلة عدد النساء الفائزات بها. وأكدت الكاتبة السياسية الدكتورة منى مكرم عبيد انه "آن الاوان لتحصل سيدة في منطقة الشرق الاوسط على هذا التقدير العالمي الذي ان دل الى شيء إنما الى أن المرأة الشرقية ليست اقل من المرأة الغربية، فعدد السيدات الناشطات والبارزات في الشرق الاوسط فاق منذ زمن الرجال في الانجازات على رغم كل العراقيل التي تواجهها المرأة في مسيرتها الطويلة حتى تصل الى اعتراف المجتمع الدولي". وطالبت عبيد لجنة تحكيم جائزة نوبل ضرورة منح المرأة جوائزها بطريقة عادلة لأن المرأة تمثل نسبة 50 في المئة من العالم ومشاركتها في الحياة العامة هي السبيل الانجح والأسرع لتقدم أي مجتمع، لأن المشاركة العامة تعني المشاركة الاقتصادية في قوى العمل والمشاركة الاجتماعية في عضوية مؤسسات المجتمع المدني، والمشاركة الثقافية في انتاج الفكر وترقية الذوق العام، ومن ثم ايضا في صنع القرار الوطني. وتطرقت عبيد الى تأخر اعتلاء المرأة في مصر منصة القضاء، على رغم ان مصر دولة متحضرة ولها نظام برلماني، وقالت ان اختيار المحامية تهاني الجبالي لمنصب القاضية جاء متأخراً سنوات عدة على رغم أن أول اتحاد نسائي تم تكوينه في مصر عام 1923 وشاركت النساء في الثورة الشعبية عام 1919. وترى استاذة القانون الجنائي في جامعة القاهرة ورئيسة اللجنة التشريعية في البرلمان المصري سابقاً الدكتورة فوزية عبد الستار ان منح جائزة نوبل لسيدة مسلمة يعطي مؤشراً الى ان هذه الجائزة تتجرد من أي تعصب او تحيز لجنس معين أو لدين معين وانما تتسم بالموضوعية المطلقة لأنها لم تحجب الجائزة عن السيدة التي فازت بها لمجرد أنها سيدة، كما لم تحجبها عنها لأنها مسلمة، في الوقت الذي نجد فيه أن هناك حملة شرسة ضد الاسلام على مستوى عالمي بحجة كاذبة، تصورهم مصدراً للارهاب، والحقيقة ان الاسلام بريء من هذه التهمة، بدليل الآية القرآنية الكريمة "ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين". ووجهت عبد الستار التحية لمقرري هذه الجائزة على ما اتسموا به من موضوعية وعلى تقديرهم جهود سيدة بذلت ما في وسعها من أجل الطفولة وتقدم المرأة. وتقول عميدة كلية إعلام القاهرة سابقا الدكتورة جيهان رشتي أن فوز امرأة بجائزة نوبل للسلام أسعد الكثير من النساء. وهذه الجائزة هي أبلغ دليل الى أن ايران دولة ديموقراطية وتسعى الى تصحيح اوضاعها، وكأن المسؤولين عن جائزة نوبل يقولون لاميركا واسرائيل ابعدوا ايديكم عن ايران لأنها دولة ديموقراطية، وتعمل على تصحيح أوضاعها وهناك قوة للإصلاح تعمل في ايران على رغم أن تلك السيدة تعيش في فرنسا. وتمنت رشتي المزيد من جوائز نوبل للنساء وخصوصاً في الدول النامية، "فنحن في حاجة الى امثال عبادي في عالمنا العربي لان السلام في حاجة الى النساء بقدر حاجة النساء الى السلام". وترى الكاتبة الصحافية أمينة شفيق ان فوز شيرين عبادي بجائزة نوبل للسلام هو ابعد ما يكون عن نشاطها في مجال المجتمع المدني والديموقراطية، "وأعتقد أن لجنة نوبل للسلام تثبت عاما تلو الاخر خروجها عن الأسس الموضوعية والحياد لمنح الجائزة". وتابعت "ان قرار منح جائزة نوبل لعبادي قرار سياسي، فأنا لم اشعر بأنها قدمت اعمالاً هائلة تخدم قضية السلام. في المقابل اعتقد ان الصحافية الكندية الجنسية، الايرانية المولد زهرة فاطمي التي تعرضت للسجن والتعذيب وهشم رأسها جراء تصوير احد السجون الايرانية كانت تستحق الجائزة.