رئيس الخلود: صلاح غير مناسب لدوري روشن    قمة منتظرة بين أبها والعلا.. الجمعة انطلاق الجولة 11 من دوري يلو    برعاية محافظ صبيا المكلف"برّ العالية" تُدشّن مشروع قوارب الصيد لتمكين الأسر المنتجة    تعلموا التاريخ وعلموه    نائب أمير جازان يستقبل الدكتور الملا    فعاليات ترفيهية لذوي الإعاقة بمزرعة غيم    طرق ذكية لاستخدام ChatGPT    ريما مسمار: المخرجات السعوديات مبدعات    أمسية شعرية تحتفي بمسيرة حسن أبو علة    بدء تصوير حد أقصى لرمضان 2026    هبوط اسعار الذهب    نقاشات ثرية وحضور واسع بمؤتمر التمويل التنموي 2025    رينارد: اعتدنا على المواجهات الثقيلة    مدرب فلسطين: المنتخب السعودي «مونديالي»    أمين الرياض يشارك في أكبر تجمع تطوعي    رصد أكثر من عشرة آلاف طائر في محمية فرسان    رئيس ديوان المظالم يتفقد محاكم المدينة    وزير خارجية لبنان يقرر عدم زيارة إيران    النائب العام يستقبل نظيره الجورجي    أمير المدينة المنورة يستقبل تنفيذي حقوق الإنسان في منظمة التعاون الإسلامي    ممدوح بن طلال.. إرثٌ لا يرحل    «الأدب والنشر» تناقش تحديث استراتيجيتها    «الثقافة» تختم الفعاليات الثقافية السعودية في البندقية    على هامش شتاء مرات السادس.. معرض منوع لفناني منطقة الرياض    سفير خادم الحرمين لدى سويسرا يقدم أوراق اعتماده سفيرًا غير مقيم لدى إمارة ليختنشتاين    استضعاف المرأة    مستشفى الملك فهد الجامعي يعزّز التأهيل السمعي للبالغين    «طبية الداخلية» تقيم ورشتي عمل حول الرعاية الصحية    تطعيم بلا بروتين بيض    أمير الشرقية يسلّم اعتماد "حياك" لجمعية «بناء»    زواج يوسف    الأرض على موعد مع شهب التوأميات    في ذمة الله    المملكة تعزز ريادتها العالمية في مكافحة الجفاف    «حساب المواطن»: 3 مليارات ريال لمستفيدي دفعة شهر ديسمبر    أمير الشرقية ونائبه يعزيان العتيبي في وفاة والده    غرفة إسكندراني تعج بالمحبين    القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا انهيار مبنيين متجاورين في مدينة فاس    في ربع نهائي كأس العرب.. الأخضر يواجه فلسطين.. والمغرب تصطدم بسوريا    في سادس جولات اليورباليج.. مواجهة حاسمة بين سيلتيك غلاسكو وروما    «مسألة حياة أو موت».. كوميديا رومانسية مختلفة    في ختام مجموعات كأس الخليج تحت 23 عاماً.. الأخضر يواجه نظيره القطري للصدارة    أسفرت عن استشهاد 386 فلسطينيًا.. 738 خرقاً لوقف النار من قوات الاحتلال    وسط ضغوط الحرب الأوكرانية.. موسكو تنفي تجنيد إيرانيين وتهاجم أوروبا    ترفض الإجراءات الأحادية للمجلس الانتقالي الجنوبي.. السعودية تكثف مساعيها لتهدئة حضرموت    أمير جازان يرعى حفل «الداخلية» في يوم التطوع    دراسة تكشف دور «الحب» في الحماية من السمنة    نائب أمير مكة: المملكة أولت خدمة المقدسات وقاصديها اهتمامًا خاصًا وجعلتها على هرم الأولوية    3 % نمو بإنتاج المزارع العضوية    مادورو: نطالب بإنهاء تدخل أميركا غير القانوني والعنيف    4% متوسط النمو السنوي لمشتركي الكهرباء    35 تريليون دولار قيمة التجارة العالمية في 2025    تصعيد جديد في اليمن يهدد استقرار الجنوب    استئصال البروستاتا بتقنية الهوليب لمريض سبعيني في الخبر دون شق جراحي    جمعية روضة إكرام تعقد دورتها النسائية حول الأحكام الشرعية لإجراءات الجنائز    طيور مائية    ولي العهد يفتتح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    إطلاق «هداية ثون» لتطوير الخدمات الرقمية بالحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاطار التاريخي لسياسة تحرير التجارة الدولية
نشر في الحياة يوم 13 - 10 - 2003

يكاد يجمع مؤرخو الحرب العالمية الأولى 1914 1918 والحرب العالمية الثانية 1939 1945 على أن الاقتصاد وحرية التجارة وقوانين حماية الصناعات الوطنية كانت من المسببات الرئيسية لوقوع تلك الحروب. اذ أن قيام كل من انكلترا وفرنسا بالعمل على حرمان المانيا من التحول الى دولة استعمارية وامتلاك المستعمرات في افريقيا وآسيا، كان من الأمور التي دفعت المانيا الى بدء الحرب العالمية الأولى على أمل التوسع على حساب الدولتين الاستعماريتين فرنسا وانكلترا. وعلى رغم هزيمة المانيا وحلفائها، خصوصاً الامبراطورية العثمانية، فإن صعود هتلر الى الحكم وتصميمه على إعادة بناء القوة العسكرية والصناعية الالمانية جعلا انكلترا وفرنسا تشعران بالخطر والتهديد ودفعاها الى الاستعداد لمواجهة القوة الالمانية المتنامية بسرعة. ولأن فرص التوسع خارج أوروبا كانت ضئيلة بالنسبة الى المانيا وذلك بسبب الوجود العسكري والنفوذ السياسي والاقتصادي لانكلترا وفرنسا، فإن هتلر اتجه الى التوسع على حساب الدول المجاورة داخل أوروبا والعمل على ضمان الحصول على امدادات الفحم وخام الحديد من المناطق التي كانت محل تنازع بين المانيا وفرنسا. وفي الواقع، وعلى رغم تسمية كل من تلك الحربين حرباً عالمية، إلا أنها لم تكن سوى حروب أوروبية اتخذت من بعض مناطق العالم، خصوصاً البلاد العربية، ساحات اضافية للساحة الأوروبية.
منذ منتصف القرن التاسع عشر، وعلى مدى 75 سنة تقريباً، كانت انكلترا أهم الدول الاستعمارية في العالم، وأهم الدول الصناعية والدولة المهيمنة على التجارة العالمية. ومن أجل استمرار الهيمنة والتوسع الاقتصادي وفتح المزيد من الأسواق لصناعاتها الوطنية قامت بريطانيا بفرض نظام للتجارة الحرة على العالم. إلا أن صعود نجم المانيا واميركا كدولتين صناعيتين، وتمكنهما من الاستحواذ على نصيب من التجارة العالمية مساو تقريباً لنصيب بريطانيا في أوائل القرن الماضي، دفع بريطانيا الى العودة الى الفلسفة التجارية المركانتيلية التي ولدت مع الدولة القومية في القرنين ال 16 وال 17 واستمرت حتى تبلور معالم الثورة الصناعية في أواسط القرن التاسع عشر.
استهدفت الفلسفة التجارية تعزيز قوة وقدرات الدولة القومية، وذلك من خلال زيادة ما لديها من ثروات. اما الثروات التي سعت الى زيادتها والعمل على تراكمها فقد انحصرت في الذهب والفضة الى حد كبير، وهذا دفع الدولة القومية، انطلاقاً من الفلسفة التجارية، الى رسم سياسات اقتصادية سياسية تقوم على تشجيع الصادرات وخفض الواردات، وبالتالي تحقيق فائض في الميزان التجاري. ومن أجل تحقيق هذا الهدف عملت الدولة القومية عموماً على تشجيع الصناعة لانتاج ما يمكن تصديره، وفتح أسواق جديدة في الخارج لتصريف المنتوجات الصناعية، والحصول على المواد الخام من الخارج لتصنيعها في الداخل واعادة تصديرها بأسعار أعلى، وحماية الصناعات والأسواق الوطنية من المنافسة، أي من صادرات الدول الأخرى.
وهذا يعني ان الدولة القومية في حينه تبنت سياسة تقوم على زيادة الصادرات وخفض الواردات، وايجاد المزيد من الأسواق ومصادر المواد الخام وذلك من أجل تحقيق فائض تجاري يجلب اليها الذهب والفضة لاستخدامها في تعزيز القوة العسكرية. وفي المقابل، قامت تلك الدولة أيضاً بالعمل، وبكل الطرق الممكنة، على حرمان الدول المنافسة من تحقيق فائض في ميزانها التجاري، وايجاد أسواق جديدة ومصادر رخيصة للمواد الخام القابلة للتصنيع. وبذلك رأت الدولة القومية وفلسفتها التجارية العلاقة الحميمة بين القوة والثروة، الثروة الذهب والفضة كوسيلة لبناء الجيوش وتعزيز قوة الدولة، والقوة العسكرية كأداة للاستيلاء على أوطان الشعوب الأخرى وأسواقها وثرواتها. وترتب على هذا ان:
1 التوجه نحو استعمار العالم القديم، خصوصاً افريقيا وآسيا واستعباد شعوبه واستغلال ثرواتها الطبيعية وحرمانها من فرص الحصول على مصادر الثروة والقوة وخلق علاقة بين المستعمر والمستعمر تقوم على التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية.
2 احتدام المنافسة بين الدول القومية الاستعمارية الأوروبية مما أدى الى تعدد الحروب في ما بينها، ولجوئها أحياناً الى عقد الصفقات وتجزئة بعض الأوطان والمناطق الى مناطق نفوذ في ما بينها وذلك على حساب مصالح وحريات ومستقبل الشعوب الفقيرة والضعيفة.
ان سياسة زيادة الصادرات وتقليص الواردات والتوسع على حساب الغير واستغلال ثرواتهم الطبيعية وحرمانهم من فرص التطور حرم الشعوب الفقيرة والمستعمرة عموماً من مصادر الدخل الكافي والنشاطات الاقتصادية لشراء الكثير من المنتوجات الصناعية التي سعت الدولة القومية الأوروبية الى تصديرها. وفي الواقع، وعلى رغم توسع بعض الأسواق، تشير تجربة تلك الفترة التاريخية الى ان القدرة الانتاجية للدول الصناعية فاقت معدلات التوسع في الأسواق العالمية. ومما ساهم أيضاً في حرمان الأسواق العالمية من فرص التوسع بسرعة اتجاه الدول القومية الصناعية الى التنافس في ما بينها وتبني سياسات تجارية مماثلة. ولقد ترتب على تلك السياسات حصول الأزمات الاقتصادية والمالية التي انتهت بالأزمة الاقتصادية الكبرى 1929 1933 والتي بدأت بانهيار السوق المالية في نيويورك، ونتج عنها انكماش الاقتصادات الغربية عموماً وانتشار حالات الفقر والجوع وافلاس آلاف الشركات وبلوغ معدل البطالة في اميركا 25 في المئة من الأيدي العاملة.
قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي العام 1944 بالتحديد دعت اميركا الى مؤتمر انعقد في مدينة بريتون وودز في ولاية نيوهامشير، وذلك من أجل اعادة هيكلة الاقتصاد العالمي واقامة مؤسسات دولية تشرف على ادارته وتحول دون تكرار الأزمات الاقتصادية، وبالتالي تعمل على تحقيق السلام والاستقرار والنمو الاقتصادي. وحيث ان حماية الصناعات الوطنية وسياسة التنافس القائمة على زيادة الصادرات وتقليص الواردات وحرمان القوى الاقتصادية الأخرى من فرص التوسع كانت من أسباب الأزمات والحروب، فإن الفلسفة الاقتصادية التي بني على أساسها النظام الاقتصادي العالمي الجديد دعت الى حرية التجارة. أما أهم المؤسسات التي أقيمت وأوكلت اليها مهمة إدارة الاقتصاد العالمي فهي: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واتفاق الغات اتفاق الجمارك والتجارة، والتي تطورت الى منظمة التجارة العالمية في العام 1995.
وحيث ان اميركا في حينه كانت تنتج أكثر من نصف الانتاج العالمي الكلي، فإن تحرير التجارة وخفض الجمارك كان أفضل وسائل خدمة المصالح الأميركية. ولهذا وقفت اميركا خلف هذا النظام وعملت على تشكيله بالكيفية التي تخدم مصالحها. وهو موقف تغير الى حد بعيد بعدما تغيرت الظروف ولم تعد اميركا القوة الاقتصادية المهيمنة على العالم، مما دفعها الى استخدام قوتها العسكرية في سياسة تجارية جديدة لحماية مكاسبها الاقتصادية، وهو ما سنتطرق اليه لاحقاً.
* استاذ الاقتصاد السياسي الدولي، جامعة الأخوين في إفران، المغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.