في إطار استعداد الولاياتالمتحدة الأميركية للهجوم على العراق، فإنها تشن حرباً نفسية لا تقل ضراوة عن أسلحتها المدمرة المتقدمة تكنولوجياً بهدف إضعاف الجبهة المعارضة لحملتها المتوقعة، وهي في ذلك تركز على الدول المجاورة للعراق، وعلى الدول التي ارتبطت بمصالح مشتركة معه وأخيراً هي تركز على القوات المسلحة العراقية، ومن بين كل ما سبق تحظى المملكة العربية السعودية بموقع خاص لأهمية موقعها الاستراتيجي. وبالتالي المكانة التي تتمتع بها في العالمين العربي والإسلامي. في ضوء ما سبق لم يكن غريباً بث تلك التقارير الصحافية ولا تصريحات قادة عسكريين أميركيين عن موافقة المملكة العربية السعودية على استخدام القوات الأميركية لمجالها الجوي وقواعدها الجوية ومركز عملياتها في قاعدة الأمير سلطان الجوية في حال اندلاع حرب مع العراق، بل إنهم صرحوا بأن "السعوديين" وفقاً لما نشروه سيسمحون لطائرات الاستطلاع والمراقبة في الطيران من القواعد السعودية واستخدام المجال الجوي السعودي لطعات جوية ضد العراق وأنهم متأكدون ان المملكة العربية السعودية ستسمح في نهاية المطاف بانطلاق الطائرات الأميركية من أراضيها لقصف أهداف في العراق وربما خرج رئيس أركان القوات الجوية الأميركية الجنرال جون جومبر عن العرف الذي التزم به آخرون بأن سمح بنشر اسمه في جريدة "نيويورك تايمز" وقوله: "إنني اعتقد جازماً بأن السعوديين سيتعاونون معنا بالقدر الذي نحتاجه، وان كل الاشارات التي حصلت عليها هي أننا سنحصل على ما نطلبه". اما الناطق باسم البنتاغون فقد ذكر لوكالة رويترز للأنباء ان السعودية تبقى صديقاً قوياً، بينما لم يؤكد ما ذكره القادة العسكريون الأميركيون ولا ما جاء على لسان رئيس أركان القوات الجوية الأميركية. ربما لم يكن هناك صحيح في ما جاء في الاقوال السابقة إلا ما يعني أهمية المملكة العربية السعودية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية عموماً وفي الحملة الأميركية المرتقبة على العراق خصوصاً وهو ما يفسر التركيز الأميركي على السعودية في محاولة لإفساد ما أمكن تحقيقه من حسن في العلاقات السعودية - العراقية والوقيعة بين الشعبين في المملكة العربية السعودية والعراق، وبين القيادة السعودية والشعب هناك. الولاياتالمتحدة الأميركية وهي تسعى الى غزو العراق تتطلب منفذاً برياً للقوات الأميركية مناسباً لقواتها البرية لتنطلق الى العراق، كما أن منفذها الجوي من دون السعودية يصبح شديد الضيق، ويصعب من اعمال قواتها الجوية والصاروخية. المعروف أن العراق له حدود برية مع كل من الكويت والممكلة العربية السعودية والأردن وسورية وتركيا وايران وان من بين كل هذه الدول تعتبر المملكة العربية السعودية أنسب أماكن الانطلاق نظراً الى اتساع حدودها المشتركة مع العراق على عكس الحدود المشتركة العراقية مع كل من الكويت والاردن. كما ان الحدود المشتركة السعودية مع العراق تمتد عبر أراضي مفتوحة في الصحراء الغربية العراقية مناسبة لعمل القوات الميكانيكية وتصل مباشرة الى قلب العراق، بالقرب من عاصمته. كذلك فإن شبكة الطرق في المملكة العربية السعودية متطورة بحيث تسمح للقوات المهاجمة بالانطلاق والمناورة بحرية بعكس الحدود المشتركة مع الكويت الضيقة والتي تفتح على مناطق الأهوار السبخة وغابات النخيل التي تصعب من عمل القوات والتي تبعد عن قلب العراق وعاصمته ما يضطرها الى قتال ممتد وصعب. اذا اضفنا الى ذلك أن كلاً من سورية وإيران مستبعدان من استخدام أراضيها وأجوائهما ضد العراق فإن السعودية تأتي في المرتبة الاولى عند الاختيار، وتأتي تركيا في المرتبة الثانية واذا كانت المملكة ترفض أن تسمح بوجود الجنود الأميركيين على أراضيها، وترفض ان تستخدم أجواؤها وفقاً لما تناقلته وسائل عدة فإن التصريحات والانباء التي اطلقتها الولاياتالمتحدة تعني ان الولاياتالمتحدة لم تيأس وتأمل في أن تغير المملكة موقفها الذي أعربت عنه مراراً، والذي قالت فيه إنها لن تسمح باستخدام اراضيها ولا اجوائها في حرب ضد العراق حتى لو صدر تفويض من مجلس الأمن. وأن التصريحات والانباء الأخيرة تسعى الى الايقاع بين الدولتين العربيتين الشقيقتين ما يمكن أن يبرر أن تغير المملكة من موقفها السابق ذكره، وتكون الولاياتالمتحدة هي الرابحة، لذا فمن المهم التدقيق في ما يمكن ان ينقل عن أي طرف عربي خصوصاً السعودية والعراق استبعاداً لسوء الفهم المحتمل دسه بين الاطراف. لا يقتصر الأمر على الدس بين السعودية والعراق، بل إنه يمتد ايضاً الى تركيا، حيث ينشر المسؤولون الأميركيون تصريحات عن أن تركيا وافقت على استخدام اراضيها واجوائها، بل وقواعد جوية بواسطة القوات الأميركية، وعن السماح لقوات أميركية بالتحرك عبر الاراضي التركية والتمركز والحشد في شمال العراق، ما يقصد به الاساءة الى العلاقات العراقية - التركية، والاقتناع بالمصلحة المشتركة التي تربط البلدين والتي اثرت فعلاً على مصلحة البلدين، كما ان تركيا جربت النتائج السلبية التي أدت إليها حرب الخليج، رغم الوعود الأميركية. وأكد رجب طيب أردوغان زعيم الحزب الحاكم وأيده عبد الله غول رئيس الوزراء ان بلاده لن تحسم موقفها ازاء أي هجوم على العراق حتى يتخذ مجلس الأمن الدولي موقفاً واضحاً بالنسبة له، وأنها لن تتخذ موقفاً متسرعاً في هذا الشأن، بل إنه سبق ان قال إن قراراً من هذا النوع يحتاج الى موافقة البرلمان التركي الذي تعارض غالبية اعضائه أي عمل عدائي ضد العراق، وتحاول الولاياتالمتحدة وبريطانيا ان يصورا أن كل ما يهم تركيا هو المال، وذلك من خلال محادثات مندوبين من كل من وزارة الخارجية والمال الأميركيتين مع مسؤولي الاقتصاد الأتراك، في حين صرح مسؤول تركي ان إرادة وقرار تركيا ليسا للبيع. لا شك أن من بين أهداف الولاياتالمتحدة الأميركية - بالاضافة الى الدس بين العراق وجيرانه - الضغط على أعصاب القيادة العراقية والشعب العراقي وخداعها عن اتجاه الضربة القادمة وتشتيت جهودها في كل الاتجاهات، فمن المؤكد حتى الآن فإن اتجاه الضربة صادر من الكويت الى العراق حيث توجد أماكن مراكز قيادة الفيلق الخامس الأميركي ومجموعة المارينز، وحيث مركز القيادة المركزية خلفها في قطر معها قيادة القوات الجوية في قاعدة العديد، وأن أقصى ما تحلم به هو السماح للقوات الجوية الأميركية باستخدام قاعدة الأمير سلطان الجوية في عدوانها على العراق، بينما تسعى الى دفع قوات خاصة أميركية وربما إسرائيلية من الحدود الأردنية وعناصر مدربة من المعارضة العراقية العميلة من الشمال في المنطقة الكردية، ومن الجنوب من الحدود الكويتية. هل تدرك الدول العربية والإسلامية خطورة المخطط الأميركي الإسرائيلي، الذي لا يستبعد استهداف أي منها، وأن تتجنب الوقوع في الشرك الذي ينصبه أعداؤها، والذي لا بد وأن يكون العدو الصهيوني من ورائها بالاتفاق مع الولاياتالمتحدة وبريطانيا؟ سؤال يجب الانتباه اليه، وعلى وسائل الإعلام العربية والإسلامية ألا تكون أداة تنفذ المخطط الأميركي حتى وإن كان غير قصد!. * خبير عسكري مصري.