ولاء وتلاحم    وزير الحرس الوطني يرأس الاجتماع الثاني لمجلس أمراء الأفواج للعام 1445ه    مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يناقش عدداً من الموضوعات الاقتصادية    المملكة والنمسا توقّعان مذكرة تفاهم بهدف التعاون في المجال الاقتصادي    معرض الرياض الدولي للسفر يختتم غداً    بطاقات نسك    "التأمينات الاجتماعية" تُطلق آلية تسجيل العمل المرن المطورة    أمريكي يعثر على جسم فضائي في منزله    «أوريو».. دب برّي يسرق الحلويات    إسبانيا تعترف رسمياً بدولة فلسطين    القارة الأفريقية تحتفل بالذكرى ال 61 ليوم إفريقيا    «الخارجية»: المملكة تدين مواصلة قوات الاحتلال ارتكاب مجازر جماعية    أخضر الصم يشارك في النسخة الثانية من البطولة العالمية لكرة القدم للصالات    تواجد كبير ل" روشن" في يورو2024    في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. أولمبياكوس يتسلح بعامل الأرض أمام فيورنتينا    في أقوى نسخة من دوري المحترفين.. هلال لا يهزم اكتسح الأرقام.. ورونالدو يحطم رقم حمدالله    الموسى ينتزع فضية آسيا للبلياردو    في الشباك    خادم الحرمين يشكر شعب المملكة على مشاعرهم ودعواتهم    أسرة الحكمي تتلقى التعازي في محمد    50,000 ريال غرامة التأخر عن الإبلاغ عن مغادرة المستقدمين    ضبط 4.7 ملايين قرص إمفيتامين مخبأة في شحنة قوالب خرسانية    هيئة التراث تُسجّل 202 مواقع أثرية جديدة بالسجل الوطني للآثار    تعزيز جهود التوعية الصحية للحجاج في المدينة المنورة    النساء أكثر عرضة للاكتئاب الذهاني    الأهلي يلاقي الهلال .. والنصر يواجه التعاون في نصف نهائي السوبر السعودي    تظاهرة فنية في معرض «تعابير» التشكيلي..    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في منطقة نجران    وزير الإعلام: ناقشنا 19 بنداً وعلى رأسها القضية الفلسطينية    مناقشات أوروبية لفرض عقوبات على إسرائيل    وزير الصحة: المملكة تؤكد ضرورة تحقيق صحة ورفاهة شعوب العالم    مجزرة جديدة.. 20 قتيلا بقصف لقوات الاحتلال على مخيمات رفح    السودان: مأساة نزوح جديدة تلوح في الأفق    "دور وسائل الإعلام في الحد من الجريمة"    المملكة تفوز بجوائز منتدى القمة العالمية لمجتمع المعلومات «WSIS +20»    افتتاح قاعة تدريبية لتدريب وتأهيل مصابي تصلب المتعدد    «نايف الراجحي الاستثمارية» و«مسكان» تطلقان شركة «ارال» لتطوير مشاريع عقارية عملاقة مستدامة تحقق بيئة معيشية متكاملة    سمو محافظ الخرج يكرم متدربي الكلية التقنية بالمحافظة الحاصلين على الميدالية البرونزية بالمعرض السعودي للإختراع والابتكار التقني    القتل لإرهابي بايع تنظيماً واستهدف رجل أمن    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء لجنة جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز    الملك مطمئناً الشعب: شكراً لدعواتكم    7 اتفاقيات لتحسين جودة مشاريع الطرق في جميع المناطق    "كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة" تستعد لمرحلة «جامعة الدفاع الوطني»    القيادة تهنئ رئيس أذربيجان بذكرى استقلال بلاده    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من جمهورية كوت ديفوار    رياح سطحية مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من وسط وشرق المملكة    قدوم 532,958 حاجاً عبر المنافذ الدولية    ملك ماليزيا: السعودية متميزة وفريدة في خدمة ضيوف الرحمن    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    ولادة 3 وعول في منطقة مشروع قمم السودة    إخلاص وتميز    كيف تصف سلوك الآخرين بشكل صحيح؟    عبر دورات تدريبية ضمن مبادرة رافد الحرمين.. تأهيل العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    الفيصل تُكرم الطلاب الفائزين في مسابقتَي «آيسف» و«آيتكس» وتشيد بمشاريع المعلمين والمعلمات    ورحلت أمي الغالية    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    سكري الحمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصلحة القومية ... مراجعة ورؤية
نشر في الحياة يوم 20 - 08 - 2002

يقف العرب أمام ظرف تاريخي فريد تبدو فيه معظم المؤشرات المحيطة بهم ذات تأثير عكسي على مستقبل أمتهم، ولو اخترنا الملفات ذات الأهمية فسنجد أن الواقع السياسي في المنطقة يفرض نفسه بداية، ولكن ذلك لا يعني غياب ملفين آخرين يتصل احدهما بالاقتصاد العربي، بينما يشير الثاني الى الثقافة العربية. ولكن دعنا نبدأ بالهموم السياسية المفروضة علينا، فهي أشد خطراً وأكثر إلحاحاً ولا شك أن قضية العرب الأولى المتمثلة في الصراع مع اسرائيل تحتل الأولوية على امتداد ستة عقود، وقد دخل هذا الصراع مرحلة جديدة في العامين الاخيرين بالتطورات التي طرأت على النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني وتداعياته اليومية، وكلها توحي برغبة الدولة العبرية في تصفية القضية الفلسطينية في ظل ظروف تساعدها على ذلك وبيئة دولية مواتية تهيئ لها المناخ الذي يمكن أن يسمح بتحقيق هذا الهدف، مع وجود إدارة اميركية شديدة الانحياز لإسرائيل، وشديدة القلق في الوقت ذاته من العرب عموما. ولا تقف حدود التحديات السياسية للمواجهة الساخنة عند الصراع العربي - الإسرائيلي وحده، بل إن المسألة العراقية تفرض نفسها بشكل متزايد يضيف هماً كبيراً إلى العقل العربي وهي مسألة شائكة دولياً واقليمياً فضلا عن أنها شديدة التعقيد بالنسبة الى بعض الدول العربية المجاورة، سواء في الخليج أو في دول الجوار العربية الأخرى مثل الاردن، بالإضافة الى الجارتين غير العربيتين تركيا وايران. فالكل يشعر بالقلق من احتمالات الأيام المقبلة وانعكاساتها على دول المنطقة، إذ أن العراق ليس بلداً هيناً يمكن أن تكفيه نزهة عسكرية عابرة، ولكنه دولة متعددة الأصول والمذاهب على نحو قد يفتح باباً لصراع قد يطول، كما أن الخريطة السياسية لدول الجوار مرشحة هي الأخرى للتأثر بما يجري مهما اتخذت من مواقف متعاطفة مع الشعب العراقي او محايدة اثناء المواجهة، وسأظل موقناً أن التصور الإسرائيلي للمنطقة يمثل نسبة كبيرة من التصور الاميركي، لها وبالتالي فإن وجود دولة معادية في العراق، وربما في ايران ايضاً أمر لن تغمض عنه اسرائيل جفونها، فهي التي ضربت المفاعل الذري في العراق سنة 1981 وتابعت البرنامج النووي الايراني عن قرب وعبرت عن قلقها الدائم من القنبلة النووية الباكستانية تحت مسمى "القنبلة الاسلامية". فالمسألة إذاً معقدة والأوضاع متشابكة ولا يمكن أخذ احدها خارج سياق ما جرى، بل لا بد أن تكون في إطار ما حدث خصوصاً في العام الأخير منذ حادث أيلول سبتمبر 2001، فالعالم يمر بظروف استثنائية أشبه ما تكون بمرحلة الخروج من حرب عالمية ثالثة تتمثل في "الحرب المفتوحة" ضد الارهاب والتي تعطي الولايات المتحدة الاميركية مبررات لم تكن قائمة من قبل وتسمح لها بمساحة حركة لم تكن ممكنة منذ سنوات قليلة، حتى إن الخطاب السياسي الاميركي نفسه تغير وأصبحت لهجته لا تبالي كثيراً بردود الفعل ولا تقيم حساباً للأعداء أو الأصدقاء على حد سواء.
* التحديات السياسية:
واذا كنا قد اجملناها في الصراع العربي - الإسرائيلي وفي المسألة العراقية والحملة الاميركية ضد الارهاب، فإننا نرقب حالة من القلق الكامن، رغم الهدوء الظاهري على الساحة العربية، بينما الذهن القومي مشتت بين احتمالات متوقعة في النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني وتساؤلات حول توقيت الضربة الاميركية للعراق مع غيبة الرؤىة تجاه أبعاد الحرب ضد الارهاب ونتائجها المحتملة. ونحن لا ننكر هنا أن توالي الكوارث وتتابع المآسي وتعدد النكسات أوجد لدى الضمير العربي نوعاً من القبول العام للتطورات الجارية نتيجة للتعود عليها وحتى الشارع العربي الذي كنا نعتبره ظاهرة حية قد انزوى هو الآخر في اطار مشاكل محلية واستغرق في أمور قطرية، وأصبحت مناظر الشهداء وأخبار التفجيرات أمراً معتاداً لدى الإنسان العربي وليس فيها من عنصر المفاجأة ما يحركه كما انها بسبب تكرارها أصبحت روتيناً قد يؤرق وجدانه ولكنه لا يغير من ردود فعله. ولعل هذا التحدي السياسي العام أدى إلى نوع من الإحباط لدى الأجيال الجديدة في عالمنا العربي، وهذا هو التحدي السياسي العام الناجم عن تعميم نتائج فترة استثنائية لكي تتحول إلى قاعدة دائمة يكون حصادها سلبياً على مستقبل هذه الأمة، ولذلك فإننا نرى أن التعامل مع الأحداث الجارية لا يجب أن يتوقف عند حدود المواجهة، ولكن يمكن أن يتجاوزها الى منطق الاحتواء. ولا زلتُ موقناً أن صورتنا مظلومة لدى غيرنا وأن قلة من الخوارج على المجتمعات العربية اساءت اليها ووضعتها في قالب لا يتفق مع الحقيقة ولا يعبر عن الواقع، لذلك فإن البحث عن الارضية المشتركة بيننا وبين الآخر ينبغي ان يكون همنا الأول وشاغلنا الاساسي لأن القبول بالتعميم الذي جرى والتصنيف الذي حدث سيؤدي بنا الى مواقف ندفع فيها فواتير لأخطاء لم نرتكبها ونخضع معها للمحاسبة عن جرائم لسنا طرفا فيها، وهو أمر لا يجب أن تتحمله أجيال عربية مقبلة نتيجة تهاون أو تقاعس أجيال حالية.
* البعد الاقتصادي:
وهنا يكمن خطر آخر يتمثل في محاولة تجريد الأمة العربية من أدواتها وتقليص مواردها وإضعاف تأثيرها على القرار الدولي والاقليمي، فالأموال العربية لا تبدو في مجملها بعيدة عن سيطرة الولايات المتحدة الاميركية والغرب عموماً، كما أن الموارد الطبيعية العربية تخضع هي الأخرى لمتابعة قريبة ورغبة محمومة في ألا تكون خالصة لأصحابها، ولعل ما جرى أخيراً من اتجاه نحو انفصال جنوب السودان عن شماله هو أمر لا يخرج عن هذا الاطار ايضاً، فظهور الثروة، خصوصاً النفط هو الذي أغرى بالوصول الى مقدمات التقسيم وكرس التوجه نحوه. والأمر لا يقف عند هذه الحدود وحدها، بل ان مشتروات السلاح الغربي ومبيعاته للعالم العربي استهلكت جزءا كبيرا من الرصيد النقدي للدول العربية، وكأن وجود اسرائيل تحول من مجرد هدف سياسي يقوم على التوسع الى هدف اقتصادي يقوم على استنزاف الموارد العربية. والمراقب عن كثب لبعض مؤشرات سياسة اسرائيل الاقليمية يكتشف - من دون عناء كبير - أن لعابها يسيل على أموال الخليج العربي وثرواته مثلما هو يتطلع الى مياه النيل وهدير الفرات، ولا يمكن تصور الاحتمالات التي يواجهها العرب من خلال خطوط متوازية بل من خلال خطوط متقاطعة فيها من التداخل بين الملفات والتكامل بين الاهداف ما يجعل التحدي السياسي جزءاً من التحدي الاقتصادي، بل ويشد الملف الثقافي الى دائرة التحديات الأخرى فالأطماع واحدة والاهداف متشابهة.
* الملف الثقافي:
وهذا ملف جديد يواجهه العرب والمسلمون ربما للمرة الأولى عبر تاريخهم الطويل، فلقد استقر في العقل الغربي اخيراً شعور كامن يسعى الى العمل على تغيير المناخ الثقافي في معظم الدول الاسلامية والعربية والتدخل في المزاج الفكري لها بدعوى أن التخلف السياسي والاقتصادي والثقافي هو الذي أفرز العناصر الارهابية وأوجد البيئة الحاضنة للارهاب. وبغض النظر عن صحة هذه الدعوى من عدمه، إلا أننا أصبحنا امام احتمالات تدخّل شبه مباشر من جانب الولايات المتحدة الاميركية ووراءها اسرائيل في تشكيل العقل العربي بصورته المطلوبة، فهم ليسوا ضد الاسلام عموماً ولا يتعرضون للجانب الروحي في الدين الحنيف، ولكنهم ضد الاسلام السياسي خصوصاً ولا يريدون ان يسمعوا مستقبلاً عن نظرية الجهاد في الاسلام أو الآيات الداعية الى مواجهة المشركين وتلك التي تحذر من اليهود وتحض على اليقظة امام اعداء المسلمين، وفي رأيي أن هذا الملف هو واحد من أخطر التحديات التي نواجهها لأنه سيترتب عليه التدخل في نظم التعليم وبرامج الثقافة وأساليب التربية والقيام بعملية غسيل دماغ تهدف الى تغيير العقلية وفرض نوع من السيطرة الفكرية على مستقبل المنطقة. ولعل ما حدث في تركيا اخيرا - مع الفارق - هو نموذج لبعض الشروط المطلوبة حسب كل دولة وطموحاتها السياسية، والتعليم الديني في الدول الاسلامية هو الاخر أمر ترصده الاجهزة الغربية بكثير من الاهتمام، كذلك فإن مفردات كثيرة تتصل بالتحديث والتطور في الدولة العصرية هي امور واردة، إذ بدأت النغمة الغربية تعلو من خلال موجات متتابعة في الصحافة والاعلام المسموع والمرئي، بل والمطبوعات الجديدة وتقارير المنظمات الدولية والوكالات المتخصصة تشير في معظمها الى التخلف الفكري والقهر السياسي وغياب الدور الفاعل للمرأة المسلمة وغير ذلك من الانتقادات الحادة والموجهة ضد معظم الدول العربية.
إن هذه التحديات التي نواجهها والملفات السياسية والاقتصادية والثقافية التي فرضت نفسها علينا تستدعي بالضرورة سياسات رشيدة على المديين الطويل والقصير، إذ أن التغيير الى الأفضل يجب أن يأتي بأيدينا لا أن يكون مفروضاً علينا، كما أن اتساع مساحة المشاركة السياسية وفتح ابواب الديموقراطية واحتواء كافة القوى في الشارع السياسي العربي اصبحت كلها ضرورات لا بد منها، كذلك فإن المضي في برامج الإصلاح السياسي والدستوري والمحاولات الجادة لرفع مستوى معيشة المواطن العربي والارتقاء بنوعية حياته وشن حرب عادلة ضد الفساد بكل أنواعه ومقاومة الارهاب والتوقف عن قبول التطرف أو الرضوخ للعنف مع تطوير التعليم وتدعيم الثقافة وتوطين التكنولوجيا وخلق مناخ صحي يقوم على اجواء من الشفافية التي تصنع المصداقية. هذه كلها عوامل تشكل في مجموعها سياسات جديدة لا بد من المضي فيها، ولسنا في حاجة الى من ينبه اليها او يطالب بها، فالكل يعرف نقاط الضعف فيه ويدرك اسباب القصور لديه ولا بديل في النهاية عن مجتمع مدني ناهض وحقوق انسان مرعية واقليات آمنة مع توفر حد ادنى من العدالة الاجتماعية والتكافل بين الطبقات والتضامن بين قطاعات المجتمع العربي بصورة تأخذ فيها المرأة مكانها اللائق ودورها الفعال. يومها ستختفي النظم الديكتاتورية وتسقط الطواغيت ونصبح امام أمة واعية تعيش عصرها، وتدرك ما حولها، ولا يحدد مصيرها غيرها.
* كاتب قومي، عضو البرلمان المصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.