منذ أن القى الرئيس جورج بوش خطابه الذي ضمنه "أفكاره" لحل الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، أكمل الجيش الاسرائيلي إعادة احتلال كل المدن الكبرى في الضفة الغربية وتجاوز ذلك الى احتلال المناطق الريفية. ودخلت اسرائيل الآن طور "تنظيم" هذا الاحتلال لإدامته، بعد أن تمكن رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون عبر اعتداءات عسكرية كثيرة أبرزها الهجوم الشامل الأول، "السور الواقي"، ثم الحالي "الطريق الحازم" من الغاء معظم نتائج اتفاقات أوسلو. والآن صار من الصعب معرفة الى أين ستفضي "أفكار" بوش التي تبدو في الواقع مشكلة وليست حلاً لمشكلة، وتبدو مطابقة لمخططات شارون الرامية الى فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني واطاحة قيادته الشرعية، باستخدام الاحتلال العسكري "رافعة" للضغط على الفلسطينيين لكي يذعنوا لهذا المطلب الاسرائيلي - الأميركي. إن ما يطالب به الأميركيون والاسرائيليون هو، كما قال رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق في غزة العقيد محمد دحلان، القيام ب"انقلاب" على الرئيس عرفات. وإذا أجريت انتخابات تشريعية ورئاسية وفاز عرفات بالرئاسة، فإن الولاياتالمتحدة "لن تدعم قيام دولة فلسطينية"، كما قال بوش! ومن الواضح ان اميركا واسرائيل لا تريدان أن يكون في القيادة الفلسطينية "الجديدة والمختلفة" أي شخص لديه مجرد أفكار لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي وانهائه. وهذا يعني انهما تريدان قادة "يتكلمون" عن السلام ويقبلون بدويلة كانتونات مطوقة عسكرياً تمزقها المستوطنات اليهودية وطرقها الالتفافية، تماماً كما تنتشر الثقوب في قطعة جبن سويسري. وحسب "أفكار" بوش فإن الوصول الى الدولة الفلسطينية الموقتة الحدود يتطلب من الفلسطينيين اصلاح الدستور، والسماح باشراف خارجي على اجهزتهم الأمنية بعد توحيدها، وعلى شؤونهم المالية، كما يتطلب نزع أسلحة كل الفصائل الفلسطينية. وهكذا تتحول القيادة الفلسطينية الى أداة تنفذ التعليمات الأميركية والاسرائيلية وتخضع لوصاية واشنطن وتل ابيب. وفي غضون ذلك لن تطلب الولاياتالمتحدة من اسرائيل عمل أي شيء لتنفيذ خطاب بوش. وسينتظر الاميركيون والاسرائيليون الى حين التزام الفلسطينيين الهدوء التام لفترة امتحان طويلة قبل الخوض في أي حديث معهم عن الدولة العتيدة القابلة للبقاء، هذا إذا أبقى الاحتلال والاستيطان أي أرض لها لتقوم عليها. ان قنبلة تغيير القيادة الفلسطينية التي ألقاها بوش لم تنفجر بعد، لكنها ستنفجر عندما يرى الفلسطينيون قادتهم "الجدد والمختلفين" الذين يجري البحث عن بعضهم وتلميع صورة بعضهم الآخر بطرق غبية مكشوفة. والفلسطينيون شعب على درجة عالية من الوعي يعرفون من هم القادة الوطنيون المخلصون، ومن هم العملاء الذين تتوافر فيهم المواصفات الاميركية والاسرائيلية لبيع القضية وتصفيتها. صحيح ان الاصلاح مطلوب في كل المؤسسات الفلسطينية، والفلسطينيون هم أول المطالبين بتحقيقه. لكن هذا شأن داخلي مثله مثل القيادة التي يجب أن يترك شأن اختيارها للإرادة الشعبية الحرة من دون املاء خارجي. انها حرب طويلة لن تحسم في صورة واضحة إلا إذا انتهى الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة. وما يفعله بوش، بتجاهله الواضح لمبادرة السلام العربية، هو أنه يطيل أمد الصراع ويرفض، مثل شارون، عرضاً تاريخياً كان من شأنه أن يضمن الأمن والسلام لكل شعوب المنطقة.