رئيس مجلس الوزراء العراقي يصل الرياض    آل حيدر: الخليج سيقدم كل شيء أمام النصر في الكأس    إلزام موظفي الحكومة بالزي الوطني    "واحة الإعلام".. ابتكار لتغطية المناسبات الكبرى    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    لرفع الوعي المجتمعي.. تدشين «أسبوع البيئة» اليوم    492 ألف برميل وفورات كفاءة الطاقة    «زراعة القصيم» تطلق أسبوع البيئة الخامس «تعرف بيئتك».. اليوم    الرياض.. عاصمة القمم ومَجْمَع الدبلوماسية العالمية    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    "عصابات طائرة " تهاجم البريطانيين    كائن فضائي بمنزل أسرة أمريكية    أمير الرياض يؤدي الصلاة على منصور بن بدر بن سعود    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    إحالة الشكاوى الكيدية لأصحاب المركبات المتضررة للقضاء    القتل ل «الظفيري».. خان الوطن واستباح الدم والعرض    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    الرياض.. عاصمة الدبلوماسية العالمية    أرباح شركات التأمين تقفز %1211 في 2023    وزير الإعلام ووزير العمل الأرمني يبحثان أوجه التعاون في المجالات الإعلامية    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    برعاية الملك.. وزير التعليم يفتتح مؤتمر «دور الجامعات في تعزيز الانتماء والتعايش»    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    4 مخاطر لاستعمال الأكياس البلاستيكية    وصمة عار حضارية    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة !    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    64% شراء السلع والمنتجات عبر الإنترنت    تجربة سعودية نوعية    الأخضر 18 يخسر مواجهة تركيا بركلات الترجيح    الهلال.. ماذا بعد آسيا؟    تتويج طائرة الهلال في جدة اليوم.. وهبوط الهداية والوحدة    انطلاق بطولة الروبوت العربية    حكم و«فار» بين الشك والريبة !    فيتور: الحظ عاند رونالدو..والأخطاء ستصحح    الاتحاد يعاود تدريباته استعداداً لمواجهة الهلال في نصف النهائي بكأس الملك    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    وزير الصناعة الإيطالي: إيطاليا تعتزم استثمار نحو 10 مليارات يورو في الرقائق الإلكترونية    سلامة موقع العمل شرط لتسليم المشروعات الحكومية    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تناقص خطير في الثروات الطبيعية وتدهور مستمر للبيئة : 33 تريليون دولار سنوياً يخسرها العالم بتدهور التنوع البيولوجي
نشر في الحياة يوم 02 - 03 - 2002

هل فكرت يوماً بالخدمات "المجانية" التي تقدمها لك الطبيعة؟ ان مأكلك ومشربك وملبسك ودواءك وكل ما لك نتاج الطبيعة الحية. لكن هذه الثروات تتناقص بشكل خطير بسبب استغلالها الجائر. والكائنات الحية، التي لا نعرف منها الا العُشر، تختفي تدريجياً، ويخشى أن يزول ثلثاها مع انتهاء هذا القرن.*
ملايين الأنواع النباتية والحيوانية تستوطن اليابسة والمياه العذبة والبحار والمحيطات. وكلها، بما فيها البشر، تربط بينها صلات لا تنفصم عراها. والتنوع البيولوجي يعني تنوع هذه الكائنات الحية والتفاعل في ما بينها، بدءاً بالكائنات الدقيقة التي لا نراها الا بواسطة المجهر وانتهاء بالاشجار الباسقة والحيتان الضخمة، ناهيك عن تنوع موائلها أي أماكن معيشتها.
هناك أنواع منتشرة في العالم بصورة طبيعية، مثل الدلافين والوطاويط والأعشاب البحرية. وهناك أنواع، مثل الاوكاليبتوس، منتشرة حول العالم لأن الانسان أدخلها الى أماكن لم تكن موجودة فيها أصلاً. وهناك أنواع، تدعى متفرّدة أو متوطّنة، لا توجد إلا في مناطق معينة، حيث موائل فريدة تناسبها. ويقدر العلماء أن على الأرض 10 ملايين نوع، أو أكثر، غير معروفة بعد.
التنوع البيولوجي موجود في كل مكان، في الصحارى والمحيطات ومجمعات المياه العذبة والغابات، وحتى في حديقة منزلك. وتؤوي غابات المطر، في أميركا الوسطى والجنوبية وافريقيا الاستوائية وجنوب شرق آسيا، نصف الأنواع الحية على الأقل. كما أن الشعاب المرجانية، التي تدعى "غابات المطر البحرية"، ملاذ لأنواع كثيرة من النبات والحيوان. والبحيرات ومصبات الأنهار وقيعان المحيطات العميقة والتربة تحت قدميك غنية أيضاً بالتنوع البيولوجي. وتؤوي المناطق القطبية والصحارى، حيث الأحوال المناخية شديدة القسوة، بعض الكائنات الحية الشديدة الغرابة.
المنتجات والخدمات التي تقدمها الكائنات الحية في الطبيعة تلبي معظم الحاجات البشرية الأساسية، من هواء وماء وغذاء ودواء ومأوى، فضلاً عن متعات استجمامية ونفسية وعاطفية وروحية. لذا، من واجبنا حماية التنوع البيولوجي وتجديده، لتبقى لنا فوائده، ولأن جميع الكائنات الحية لها قيمة، سواء عرفنا فوائدها أم لم نعرفها.
غذاء وكساء ووقود ودواء
يأتي طعامنا، بشكل مباشر أو غير مباشر، من النباتات. وأكثر من 90 في المئة من السعرات الحرارية التي يستهلكها الناس في أنحاء العالم تأتي من 80 نوعاً نباتياً. فالفواكه والحبوب والجوزيات والفطر والعسل والتوابل وأنواع الطعام الأخرى، التي يتناولها البشر والكائنات البرية، تأتي أصلاً من نظم ايكولوجية طبيعية. ومعظم الأطعمة حالياً هي حصيلة انتاج زراعي مكثف واسع النطاق لمئات المحاصيل والحيوانات التي تحدرت من أنواع برية.
يضم العالم العربي ثلاثة مراكز رئيسية حددها الباحثون كمواطن لنشوء النباتات المزروعة في العالم، وهي منطقة البحر المتوسط ومنطقة جنوب غرب آسيا ومنطقة شرق أفريقيا. ويقدر عدد الأنواع النباتية الزهرية فيه بما يزيد على 20 ألف نوع، بعضها متفرّد لا مثيل له في العالم. ويعود أصل المحاصيل العالمية التي تكون الغذاء الرئيسي للانسان، كالقمح والذرة والشعير، الى المناطق الجافة التي تضم معظم الدول العربية.
لقد قامت حضارة ما بين النهرين وحضارة وادي النيل بعد أن زرع سكانهما النبات وربوا الحيوان. واعتمد انتاج الطعام في المنطقتين على القمح والشعير والاغنام والماعز. ومع أن أنواعاً اخرى من النبات والحيوان كانت قد استؤنست فيهما، الا أن قصة الحضارتين هي في الحقيقة قصة استئناس هذه الانواع الاربعة الرئيسية. ولو نظرنا الى خريطة العالم القديم 7000 - 5000 سنة قبل الميلاد لوجدنا أن التجمعات البشرية والقرى الزراعية تركزت حول البحر المتوسط وفي بلاد ما بين النهرين. وما زالت هناك، في بقع متناثرة، لاسيما في جبال لبنان وسورية، أنواع برية تحمل الاصول الوراثية للمحاصيل الحقلية التي بنيت عليها حضارة هذا الجزء من العالم.
زرعت محاصيل الخضر بشكل واسع على ضفاف نهر النيل منذ الفراعنة، ومنها البصل والثوم والكراث والملوخية والبامية والقثاء. ووجدت في الآثار الفرعونية نقوش لمحاصيل أخرى مثل الكرفس والفجل واللفت والكرنب والقلقاس والرجلة والبقدونس والشبت والخبيزة والخيار والبطيخ والشمام والخس.
واهتمت الحضارات الاولى، وخاصة تلك التي قامت على ضفاف الانهار، بتحسين السلالات البرية وزراعتها. لكن زراعة السلالات المحلية انحسرت نظراً للطلب المتزايد على الغذاء، الذي أدى الى الاعتماد بشكل رئيسي على زراعة الاصناف ذات الانتاجية العالية المدخلة من مناطق اخرى.
والعالم العربي أحد المواطن الاصلية للأشجار المثمرة. وكانت معظم سهوله وجباله عبارة عن خميلة خضراء تغطيها الأشجار والشجيرات والنباتات المعمرة على اختلاف أنواعها، وتحسن من مناخها الموضعي. وبرهان على ذلك وجود دلائل نباتية لا تزال تنتشر في بيئاته المتباينة، وتعيش وتثمر بشكل جيد، وتقاوم العوامل الطبيعية القاسية. وهي تضم أنواعاً برية مختلفة للفستق واللوز والزيتون والتين والكرمة والتفاح والكمثرى والخوخ البرقوق والمحلب الكرز البري وغيرها. تعيش هذه الانواع مستقلة أو مختلطة مع أشجار الغابات الأخرى. وهي موجودة في أنواع مختلفة من الأتربة، وعلى ارتفاعات تزيد أحياناً على 1700 متر. وبعضها ينمو في غابات تغطى بالثلوج لأشهر طويلة من السنة دون أن يظهر عليها أي ضرر، ويعيش بعضها الآخر في بيئات جافة تجاور البادية وتتحمل قساوة البيئة وشدتها. فالمصادر الوراثية للاشجار المثمرة، وخاصة البرية، تتميز بمقاومتها لسوء التربة وقساوة المناخ وبقوة النمو وغزارة الانتاج وتحمّل الآفات الفطرية والحشرية. وهي مصدر وراثي حيوي لتطوير زراعة الأشجار المثمرة في العالم العربي.
ودجّن الانسان نحو 30 من أصل 000,15 نوع من الثدييات والطيور الكائنة في الطبيعة. وتساهم هذه الأنواع المستأنسة في توفير نحو 30 في المئة من غذائه، وتوفر له الرفاهية والعمل والنقل. وتم تطوير 400 سلالة حيوانية لتلائم البيئات المحلية وحاجات المجتمعات، تشكل المصادر الوراثية الحيوانية الرئيسية المستخدمة في الانتاج. والتنوع الحيواني ديناميكي ويتبدل على الدوام، لكنه في تناقص مستمر، خصوصاً مع الضغط المتزايد للسكان. وقد قام المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة اكساد بمسح للانواع الحيوانية في كل دولة عربية. وتم تقسيم الحيوانات الأليفة الى ثلاث مجموعات أساسية تضمنت الانواع الحيوانية الاقتصادية التي تنتشر انتشاراً واسعاً في دولة أو أكثر، والانواع الحيوانية الاقتصادية التي تتناقص أعدادها بشكل واضح، والأنواع الحيوانية المهددة بالانقراض. وبناء على ذلك، أطلق المركز مشروع الحفاظ على العوامل الوراثية الحيوانية في الدول العربية، وأنشأ بنوكاً وراثية وقواعد معلومات للحيوانات، كما طور برنامجاً لتدريب فنيين على ادارة هذه البنوك.
تعتبر السودان والصومال أغنى البلدان العربية بالحياة البرية، وخصوصاً الثدييات. فمن أصل 13 فصيلة من الثدييات البرية في قارة افريقيا تعيش 12 فصيلة في السودان تضم 266 نوعاً، اضافة الى 971 نوعاً من الطيور. وفي الصومال ينتشر أكثر من 100 نوع من الثدييات البرية ونحو 600 نوع من الطيور.
وتصنع معظم لوازم المنازل والاثاث والملابس من منتجات طبيعية، منها الخشب والصوف والزيوت والأصماغ والشموع والمطاط والألياف.و فيالج دود الحرير هي أساس صناعة الحرير الآسيوية العريقة. ومنذ قرون يستخرج البرازيليون المطاط من الأشجار.
ويقدر أن 5,4 بلايين نسمة نحو 80 في المئة من سكان العالم ما زالوا يستخدمون النباتات مصدراً رئيسياً للدواء. واستعمال معظم هذه الأدوية يعتمد على معارف متوارثة من الأسلاف. من جهة أخرى، نحو 30 في المئة من جميع المستحضرات الطبية الموجودة في الأسواق الآن هي من أصل نباتي وحيواني. فالمضادات الحيوية، مثل البنيسلين، تستخرج من العفن ومن مصادر لا تخطر بالبال، مثل جلد الضفدع الافريقي ذي المخالب. ولعاب الوطواط الماص للدماء يستعمل لفتح الشرايين المسدودة، وكذلك العلق. واليام البري ضرب من البطاطا يحتوي على مواد كيماوية مضادة للالتهاب. وبعض علاجات سرطان المبيض والثدي تستخرج من لحاء شجرة الطقسوس الباسيفيكية. وتحتوي نباتات كثيرة على مواد كيميائية تستعمل في صنع مسكنات الألم ومنشطات ضغط الدم وأدوية الملاريا واللوكيميا سرطان الدم. ويتفق العلماء على أن معظم النباتات لم تستكشف بعد للوقوف على خصائصها الطبية المحتملة.
المحيطات أيضاً غنية بالتنوع البيولوجي. ويحتمل أن تصبح المنتجات البحرية الطبيعية مصدراً أرحب لمستحضرات طبية ومتممات غذائية ومواد زراعية، ولإجراء أبحاث بيوطبية تتيح للانسان فهماً أفضل للأمراض وعلاجها. ومع اتجاه أنواع حية كثيرة الى الزوال في المحيطات وغابات المطر الاستوائية وموائل أخرى، فاننا نفقد فرصة الحصول على أدوية قيّمة لأمراض ما زالت مستعصية على العلاج.
تلقيح وتنقية وتعديل مناخ
المعتقدات الاخلاقية والدينية حول العالم تدعو الى احترام الطبيعة وحمايتها. وهناك كائنات، مثل الصقور والمها، باتت جزءاً من التراث والقيم الحضارية. وكم من حيوان أو نبات ألهم أرباب الغناء والقصص والرقص والشعر والخرافات والنقوش والطقوس والمهرجانات والأعياد.
علاقة الانسان بالتنوع البيولوجي واضحة أيضاً من خلال العناية بالحدائق وتربية الحيوانات الأليفة ومراقبة الطيور ونشاطات أخرى. والطبيعة، بالنسبة الى كثيرين، مصدر لا مثيل له للراحة والتأمل والتجدد والجمال والسلام. وتشير بحوث علمية إلى أن الصحة الفكرية والأوضاع الاجتماعية تتأثر بفقد الاتصال مع البيئة الطبيعية وأشكال الحياة فيها.
وتوفر لنا الطبيعة خدمات تمدنا بأسباب الحياة، وقيمتها أكبر بكثير مما يظن معظم الناس. فمع تناول لقمة من كل ثلاث لقمات، يمكنك أن تشكر حشرة تقوم بعملية التلقيح او حيواناً ملقِّحاً. فكثير من النباتات المزهرة تعتمد على حيوانات، مثل النحل والفراش والدبابير والخنافس والطيور والوطاويط، كي تلقَّح وتنتج الثمار. ويعتمد 30 في المئة من محاصيلنا الغذائية، بما فيها اللوز والتفاح والتوت والكرز والشوكولاته، على خدمات مجانية تؤديها حيوانات ملقحة. كما تعتمد عليها محاصيل علفية مثل الفصة الألفالفا والشوفان وكثير من النباتات البرية التي توفر الطعام والمأوى للحيوانات. لكن الملقِّحات معرضة للخطر، وبينها نحل القفران المستخدمة لانتاج العسل على نطاق واسع. كما أن تجزئة الموائل الطبيعية وشرذمتها وتدهورها واستخدام المبيدات وادخال أمراض وأنواع حية غريبة الى نظم ايكولوجية لا وجود لها فيها أصلاً، تساهم بشكل مطرد في تناقص الحيوانات الملقِّحة. فلنتخيل أن يأتي يوم يضطر فيه المزارعون الى تلقيح محاصيلهم بأيديهم نبتة نبتة، بعد انقراض الحيوانات الملقحة طبيعياً، كما يحصل أحياناً في عملية تلقيح النخيل.
ويحافظ غنى التنوع البيولوجي على جودة الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه. فالغابات تنقي الهواء والماء بامتصاص ثاني أوكسيد الكربون، وتنظيم بخار الماء، واطلاق الأوكسيجين، وتدوير المغذيات. ومن خلال التركيب الضوئي التحليل الكلوروفيلي تطلق الأشجار والنباتات الأخرى الاوكسيجين الذي يساعد في الحفاظ على هواء صالح للتنفس. بهذه العملية، تؤدي النباتات دوراً حاسماً في الحفاظ على الدورة المائية على الأرض. وتعمل الأراضي الرطبة، والاعداد الكبيرة من البكتيريا والكائنات الدقيقة الأخرى التي تؤويها، كمصافٍ لتنقية المياه. وتطلق نباتات الأراضي الرطبة الاوكسيجين وتمتص ثاني اوكسيد الكربون أيضاً.
باطلاق بخار الماء عبر الأوراق، وتوفير الظل، تلطف النباتات الأجواء، فيعتري الناس والحيوانات شعور بالبرودة. وتؤدي الغابات دوراً هاماً في تعديل المناخ. وبما أن الأشجار والنباتات الأخرى في الغابات تطلق الاوكسيجين وتمتص ثاني اوكسيد الكربون، وهو غاز الدفيئة الأكثر شيوعاً وتسبباً في الاحتباس الحراري، فانها بذلك تعمل على تخزين الكربون وتساعد على تخفيف الاحترار العالمي. وتبلغ مساحة الغابات العربية نحو 5,80 مليون هكتار 91,5 في المئة من المساحة الاجمالية اضافة الى 509 ملايين هكتار 2,37 في المئة من المراعي الطبيعية. وتمتلك السودان وحدها 55 في المئة من مساحة الغابات العربية، بينما تمتلك الصومال 2,11 في المئة والمغرب 2,11 في المئة وموريتانيا 5,5 في المئة واليمن 5 في المئة والجزائر 5 في المئة. ويستحوذ السودان والصومال على 5,28 في المئة و10 في المئة من مساحة المراعي الطبيعية العربية، وهذا يفسر وجود ثروة ضخمة من الحياة البرية في هاتين الدولتين. وكذلك تفعل المحيطات اذ تتفاعل مع الجو. فالطحالب التي تعيش فيها تمتص ثاني اوكسيد الكربون، والتيارات والرياح البحرية تساعد على تنظيم المناخ في العالم.
والنظم النباتية، خصوصاً الغابات والأراضي الرطبة، تساعد على كبح الفيضانات. فجذور النباتات تثبت التربة في مكانها، وتمنع انجرافها وانزلاقها. كذلك تحفظ النباتات رطوبة التربة، مما يخفف آثار موجات الجفاف. أما الأراضي التي تعرّى من الغابات والنباتات، فتقل قدرتها على الاحتفاظ بالماء. ولهذه الخدمات الطبيعية أهمية خاصة للناس الذين يعيشون على ضفاف الأنهار والخطوط الساحلية وفي المناطق القاحلة.
تدوير المغذيات وتنوع الموائل
أمسك قليلاً من التراب بيدك، وسوف تكتشف عالماً جديداً. فقد وجد الخبراء أن حفنة تراب يمكن أن تحتوي على نحو 000,30 من الأوليات الحيوانات الوحيدة الخلية و000,50 من الطحالب و000,400 من الفطريات وبلايين البكتيريا المتنوعة. وهناك كائنات أكبر، مثل الديدان والحشرات والعث، تعيش أيضاً في التربة. وهي تعمل على تفكيك النباتات والحيوانات الميتة، وتعيد تدوير المغذيات لانتاج مواد عضوية تخصب التربة.
توفر النظم الايكولوجية الطبيعية موائل للحيوان والنبات حول العالم. فالغابات والشعاب المرجانية وأعماق المحيطات تؤوي كثيراً من الأنواع الحية. والأراضي الرطبة، التي تجمع البيئتين المائية والأرضية، تغذي الطيور والأسماك وحيوانات أخرى وتؤمن لها المأوى. ومصبات الأنهار، حيث تلتقي التيارات وحركات المد والجزر في المياه المالحة والمياه العذبة، هي موائل كثير من الكائنات المائية التي نستهلكها، ومنها الأسماك والأصداف والسرطانات وغيرها من القشريات. وتشكل البحيرات والأنهار، على سبيل المثال، 01,0 في المئة فقط من كميّة المياه على الأرض، لكنها تحتوي على ربع جميع الأنواع الحية المعروفة. وفي العالم العربي بحيرات عذبة ومالحة. فعلى سبيل المثال، تشكل بحيرات شمال الدلتا في مصر نحو 25 في المئة من مساحة الاراضي الرطبة في حوض البحر المتوسط. وتشكل البحيرات والمستنقعات في جنوب السودان والصومال، وواحة الازرق في الاردن التي اعتمدت كبحيرة دولية لهجرة الطيور منذ عام 1977، مسطحات مائية ضخمة تأوي اليها الحياة البرية والطيور المحلية والمهاجرة.
والتنوع البيولوجي مصدر دخل لبلدان العالم. فكثير من الناس يقصدون الغابات والشواطئ والجبال والمروج والبحيرات والبرك ومصبات الأنهار ومجاري المياه، لقضاء اجازات ينعمون خلالها بالراحة والاسترخاء. ويزور المنتزهات الطبيعية والحدائق الوطنية مئات ملايين الأشخاص، وتُنفق سنوياً بلايين الدولارات على ممارسة نشاطات في الطبيعة مثل تسلق الجبال والتنزه سيراً على الأقدام والتخييم وصيد الأسماك والطيور والحيوانات ومراقبة الحيتان وتصوير الكائنات البرية. في الولايات المتحدة، مثلاً، أنفق الناس نحو 16 بليون دولار في السنة الواحدة خلال التسعينات على رياضة صيد الأسماك، يقارب ضعفي مبلغ 2,8 بلايين دولار سنوياً الذي جناه الحصاد التجاري العالمي لأسماك المياه العذبة، علماً أن عدد الذين يزورون حدائق الحيوان وأكواريوم الأحياء المائية في الولايات المتحدة وكندا يفوق عدد الذين يحضرون جميع المباريات الرياضية في البلدين معاً. ويتزايد عدد السياح البيئيين حول العالم، الذين يسافرون للتمتع بالطبيعة والثقافات المتنوعة.
انقراض جماعي
في ضوء السجلات الاحفورية، يقدر أن ما يراوح بين نوع وعشرة أنواع ينقرض كل سنة نتيجة عوامل طبيعية. لكن معدل الانقراض حالياً أكبر من المعدل الطبيعي بمئات الأضعاف. ويرى كثير من العلماء أننا الآن وسط مرحلة انقراض جماعي غير طبيعي. واذا استمر الانقراض بهذا المعدل المرتفع، فإنه سيفوق المعدل الطبيعي بنحو 10 آلاف ضعف، وستكون النتيجة انقراض نوعين من كل ثلاثة أنواع على اليابسة مع نهاية القرن الحالي.
النمو السكاني وتزايد الاستهلاك البشري والتقدم التكنولوجي عوامل تحدث ضغطاً هائلاً على النظم الطبيعية. وخلال السنوات الخمسين الماضية ازداد عدد سكان العالم من 5,2 بليون نسمة الى أكثر من 1,6 بلايين حالياً، وتقدر الأمم المتحدة أنه قد يصل الى 9 بلايين بحلول سنة 2050. وارتفع الاستهلاك العالمي للطاقة ثلاثة أضعاف.
ومزيد من الناس يحتاج الى مزيد من الأرض والماء والغذاء والمعادن. وكلما زاد استهلاكنا لموارد الأرض، كلما حصلت خسارة مقابلة في التنوع البيولوجي. ولو تسنى لكل سكان العالم أن ينعموا بمستوى المعيشة السائد في الولايات المتحدة حالياً، لاحتاجوا الى أربعة كواكب أخرى مثل الأرض لإعالتهم.
الأسباب الرئيسية لخسارة التنوع البيولوجي خلال القرن الحالي تشمل تغيرات في استخدام الأراضي، وتغير مستويات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وتغير المناخ، وجلب أنواع دخيلة. وستؤدي غالبية هذه الضغوط الى تدهور الموائل وخسارتها، فضلاً عن إلحاق أذى مباشر بالأنواع الحية. الناس يعدّلون هذه الموائل في أنحاء العالم، فيجتثون الغابات، ويطمرون المستنقعات، ويحرثون المروج لتحويلها الى مزارع، ويربون المواشي والدواجن في أراض عشبية لم تطأها قدم، وينقبون عن المعادن، ويبنون مستوطنات جديدة، ويشقون طرقات، وينشئون مراكز تجارية ومباني مكاتب وملاعب ومنتجعات سياحية. وجميع هذه الممارسات تغير طبيعة الاراضي والجريان الطبيعي للمياه وتركيبة الأنواع الحية في المنطقة. ويدمر الانسان الموائل المائية من جراء السدود التي يقيمها على الأنهار وشباك الصيد التي يجرف بها قيعان البحار.
وغالباً ما يجلب الناس معهم، لغاية أو من غير قصد، أنواعاً غريبة الى أماكن جديدة حيث لا توجد لها مفترسات طبيعية، فيتعذر إبقاء أعدادها تحت السيطرة. وهذه الأنواع الغازية، أو الدخيلة، هي السبب الثاني الأكثر أهمية لخسارة التنوع البيولوجي، بعد تدمير الموائل. وقد لعبت دوراً رئيسياً في تناقص أكثر من ثلث الأنواع الحية المعرضة لخطر الانقراض.
ويستهلك الناس بعض الأنواع النباتية والحيوانية بمعدل يفوق قدرتها على التجدد، مما قد يؤدي الى انقراضها، كالصعتر في لبنان. وتشهد تسعة من مصايد الأسماك الرئيسية في محيطات العالم تراجعاً بسبب الصيد الجائر وتلوث المياه وتدمير الموائل. وهناك أنواع تجارية شائعة مهددة الآن، مثل سمك التونة الجنوبي ذي الزعانف الزرقاء وهلبوط المحيط الأطلسي وسلمون المحيطين الهادئ والأطلسي. ومن جهة أخرى، تهدد معدلات القطع الحالية بزوال أشجار الماهوغاني وأنواع شجرية أخرى تحتاج الى سنوات طويلة لتنمو. وتنفق 10 بلايين دولار سنوياً في سوق الأحياء البرية لشراء حيوانات برية وأدوية شعبية ومأكولات غرائبية وقطع للزينة ولاستعمالات أخرى، مما يهدد الفيلة والدببة والنمور والباندا ووحيد القرن وفرس البحر والسلاحف والمرجان والطيور والنباتات الاستوائية وغيرها. ويعتمد ربع تجارة الأحياء البرية على الصيد غير المشروع.
وكلما ازداد الاستهلاك ازدادت النفايات والملوثات التي يولدها، مما يهدد التنوع البيولوجي وصحة الانسان بالذات. ويأتي التلوث بعدة أشكال، منها التسربات النفطية والأمطار الحمضية وسموم الأسمدة والمبيدات والمياه المبتذلة التي يتم التخلص منها في المدن والأرياف من دون معالجة. وقد يقتل التلوث كائنات حية على الفور، أو يضعفها بإفساد وظائفها الحيوية مثل الحركة والتوالد. والمبيدات تؤذي الحشرات البرية الملقحة، بما في ذلك مستعمرات نحل العسل، وهذا بدوره يخفض الغلال الزراعية. ويمكن أن يسبب تسرب المبيدات الى الأنهار والبحيرات والمناطق الساحلية آثاراً سلبية على النظم الايكولوجية المائية. ففي الولايات المتحدة وحدها تقتل المبيدات نحو 75 مليون طائر وبلايين الحشرات غير المستهدفة في الاراضي الزراعية كل سنة.
وثمة أدلة جوهرية على أن الناس يساهمون بتغيرات كبيرة في المناخ العالمي، مما يهدد الحياة كما نعرفها. والسرعة المتوقعة للتغيرات المناخية ترافقها خسارة مباشرة للموائل الطبيعية، تمنع بعض الأنواع من التكيف بسرعة كافية، فتنقرض محلياً أو على نطاق أوسع، وتضيع الى الأبد أدوارها في النظم الطبيعية.
ويؤثر تغير المناخ في كثير من النظم الايكولوجية. فالشعاب المرجانية "تبيضّ" في أنحاء العالم، اذ تخسر الطحالب الضرورية التي تعيش متضامنة معها بسبب ارتفاع درجات حرارة المياه. وكثير منها لا يعود الى حالته الطبيعية. ويحتمل أن تختفي في مناطق معينة بعض النظم الايكولوجية مثل المروج الألبية في جبال الروكي وبعض الجزر المرجانية. وينتظر أن تعاني نظم أخرى، مثل الغابات في جنوب شرق الكرة الأرضية، تحولات رئيسية في تركيبة أنواعها، أو أن تتجزأ الى قطع من المروج العشبية والغابات. أما السلع والخدمات التي تفقد بسبب تجزئة النظم الايكولوجية أو اختفائها، فقد يكون تعويضها عسيراً أو مستحيلاً.
وقد تعرضت الموارد الطبيعية في الدول العربية خلال السنوات الأربعين الأخيرة لاستغلال غير مرشَّد، نتج عنه اختلال في التوازن البيئي الحيوي النباتي والحيواني، كان من أهم مظاهره تسارع عمليات التصحر، وانجراف التربة، وتدهور المراعي الطبيعية والغابات، وتعرض العديد من أوجه الحياة البرية لخطر الانقراض، وفقد المادة الوراثية التي لا يمكن تعويضها. وكان لهذا التدهور البيئي الرهيب أثر مؤلم على حياة الانسان نفسه.
* يُنشر التحقيق في وقت واحد مع مجلة "البيئة والتنمية" عدد آذار مارس 2002.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.