نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة عمان بمناسبة اليوم الوطني    الأسهم العالمية.. أسبوع مضطرب مع ارتفاع الأسواق الأميركية وانخفاض الأوروبية    المملكة وقراءة المستقبل    محمد بن سلمان وترمب.. قمة استثنائية بين الزعيمين تخدم ملفات المنطقة    الاحتلال يُصعِّد خروقاته وقف إطلاق النار في غزة    بونو: الهلال أعطاني الحب وأشعر بأنني وسط أسرتي    القيادة تهنئ رئيس لبنان بذكرى استقلال بلاده    الباحثة والصحفية السعودية سجى علي عارف تحصل على درجة الدكتوراه    «خير المملكة».. يتواصل    السعودية تسهم في إدراج 16 عنصراً تراثياً لليونسكو    جامعة الجوف تحتفي باليوم العالمي للطلاب الدوليين    شفط الدهون يتصدر اهتمامات الرجال    ماذا تقول سيميائية حديث ولي العهد    حملة توعوية للتنوع البيئي    صحفيو مكة في قلب واحة الملك سلمان للعلوم    مستشفى بيش العام يتصدر مستشفيات المنطقة في فئة 100–300 سرير محققًا المركز الأول في برنامج «وازن»    تعادل محبط    تسجيل هزة أرضية في شمال غرب حرة الشاقة بلغت قوتها 3.43 درجات    وزير الخارجية يلتقي رئيس وزراء فيتنام    شاحن الصحة النفسية    بدء طرح تذاكر كأس آسيا تحت 23 عامًا "2026 السعودية"    الملك وولي العهد يعزيان ملك البحرين في وفاة الشيخ إبراهيم بن حمد آل خليفة    الموروث ضرورات التجديد وتحديات التشويه    مبادرة عون.. تموضع لبنان بالمسار العربي    الاتفاق يكسب الفيحاء بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    السرقة تحت غطاء المقدس    سعودة المسلسلات الأجنبية.. خطر ناعم يخترق الأسر السعودية    G20 في جنوب إفريقيا: مقاطعة أمريكية وتحذير فرنسي حول مستقبل المجموعة    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    السجل العقاري يطوّر البنية الوطنية لترميز الأصول وتمكين الملكية الجزئية    وزير الخارجية: التحديات العالمية تتطلب تنسيقا دوليا مستمرا    صحراء مليحة بالشارقة تشهد انطلاق النسخة الثانية لمهرجان تنوير بأمسية فنية موسيقية وتجربة إنسانية ملهمة    طبيب أردني: "الذكاء الاصطناعي" قد يحل أزمة نقص الكوادر في العلاج الإشعاعي    الصفا يتحدى اللواء بحثًا عن مصالحة جماهيره في الجولة التاسعة    فوز الأهلي والاتحاد والنصر والهلال في الجولة الأولى من الدوري الممتاز لكرة الطائرة    كتاب التوحد في الوطن العربي.. قراءة علمية للواقع ورؤية للمستقبل    أمانة الطائف تطلق مبادرة (شاعر الأمانة) تشجيعًا للمواهب الإبداعية في بيئة العمل    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    جوتيريش يدعو مجموعة العشرين لوضع حد للموت والدمار وزعزعة الاستقرار    انطلاق النسخة الأكبر لاحتفال الفنون الضوئية في العالم    نائب أمير الرياض يرعى احتفال السفارة العمانية بيومها الوطني    عيسى عشي نائبا لرئيس اللجنة السياحية بغرفة ينبع    أكثر من 100 الف زائر لفعاليات مؤتمر ومعرض التوحد الدولي الثاني بالظهران    الشيخ صلاح البدير: الموت محتوم والتوبة باب مفتوح لا يغلق    الشيخ فيصل غزاوي: الدنيا دار اختبار والصبر طريق النصر والفرج    نادية خوندنة تتحدث عن ترجمة القصص الحجرة الخضراء بأدبي جازان    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    المودة تطلق حملة "اسمعني تفهمني" بمناسبة اليوم العالمي للطفل        أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية    بيان سعودي أميركي مشترك: وقعنا شراكات في جميع المجالا    أمير تبوك يكرم شقيقين لأمانتهم ويقدم لهم مكافأة مجزية    ثمن جهودهم خلال فترة عملهم.. وزير الداخلية: المتقاعدون عززوا أمن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين    فلسطين تبلغ الأمم المتحدة باستمرار الانتهاكات الإسرائيلية    الجوازات تستقبل المسافرين عبر مطار البحر الأحمر    انطلاق النسخة ال9 من منتدى مسك.. البدر: تحويل أفكار الشباب إلى مبادرات واقعية    أمير الرياض يستقبل سفير المملكة المتحدة    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الياس خوري مترجماً الى الفرنسية والايطالية . "يالو" رواية تكتب إنشطار الذات وفقدان الانتماء ... وغربة اللغة
نشر في الحياة يوم 06 - 01 - 2002

اختارت منشورة "لوموند ديبلوماتيك" رواية الكاتب اللبناني الياس خوري "باب الشمس" ضمن الكتب التي تصدرها شهرياً بالفرنسية. والرواية التي تستعيد تاريخ المأساة الفلسطينية ستصدر مطلع الشهر المقبل بالاشتراك مع دار "أكت سود" وأنجزت الترجمة الفرنسية رانية سمارة.
وكانت صدرت ترجمة ايطالية لرواية الياس خوري "رحلة غاندي الصغير" عن دار "جوفانس" في روما بعد ترجمتها الى الانكليزية والفرنسية. في تقديمها الترجمة الايطالية للرواية رأت بيانكا ماريا سكارتشا اموريتي ان أدب الياس خوري، على غرار ادب اميركا اللاتينية، يجعل من الخارق والاسطوري مرآة صادقة للواقع، فيغدو الحد الفاصل بين الحلم واليقظة عابراً ومموهاً. وتشكل مدينة بيروت، بحربها وناسها ويومياتها، المساحة التي تدور فيها "الرحلة"، بيروت المدينة الاستثنائية التي "اختيرت" مسرحاً لعرض يتكرر في جميع انحاء العالم، وخصوصاً في منطقة المتوسط. هنا قراءة في رواية الياس خوري الجديدة "يالو".
ماذا أراد الياس خوري من خلال بطله "يالو"؟ ولِمَ حمّله كل هذا الإخفاق المتجذر في الروح والجسد؟
أي حزنٍ أو غضب جارح ينفجر بنا لدى قراءة "يالو" فيما يمضي الكاتب بقارئه الى أقصى حدود الألم في متاهة الوعي والجنون وصراع الهوية واللغة.
رواية غامضة تمزج بين الحقيقة والمجاز، الغموض والوضوح، في توتر سردي مثير يطرح أزمة تباين الحقيقة في وجوهها المتعددة وهي تشبه بلورة زجاجية سداسية الشكل، نبصرها مختلفة من كل زاوية بحسب وجهة نظرتنا اليها. هكذا هو "يالو" الشخص المتعدد الوجوه والأقنعة. صور شتى وانتماءات مختلفة لبلدان جبلت شخصية "يالو" البطل اللامنتمي، الغريب، العنيف، الساقط في دوامة المنفى والفقد حيث لا يسع القارئ أيضاً إلا الدوران في دوامته حتى الصفحات الأخيرة.
خيوط متشابكة، مصائر متداخلة، وحروب متعددة يخوضها يالو في لبنان وخارجه. وبلا مبالغة يمكننا القول ان حربه الداخلية وصراعه مع ذاته أشد وأقسى من أي صراعات أخرى.
ولد يالو في منطقة لبنانية تسيطر عليها أكثرية مسيحية، جده سرياني، يدعي انه كردي الأصل لكنه يحمل الهوية اللبنانية وفي خانتها يسجل يالو. ولعل احساسه بالغربة يدفعه الى ترك المدرسة والالتحاق بالحرب التي نشبت في العام 1975، حين هُجرت عائلته من منطقة الى أخرى، وحين فقدت الأم عملها واستبدلته بعمل آخر، ما ضاعف من وطأة الغربة عند يالو. نرى الأم تمسك بالمرآة وتقول لابنها: "انظر انني لا أرى وجهي في المرآة. لقد ضاع".
خلال الحرب يفكر يالو انه متطوع لأنه يدافع عن الوطن، لكنه يتساءل "أي وطن هذا الذي أدافع عنه". يفكر في رفاقه المحاربين معظمهم من سورية، من القامشلي أو ضواحي الجزيرة. هم أيضاً عمّ يدافعون؟
يسرق يالو بمعونة زميله مبلغاً من المال ويهربان معاً الى فرنسا ليكتشف أن زميله خدعه وأخذ كل الأموال وتركه عرضة للفقر والجوع والتشرد. وبمساعدة رجل لبناني ثري يتمكن من العودة الى لبنان ويساعده هذا الرجل على ايجاد عمل في احدى المناطق الجبلية التي يرتادها العشاق. هنا تبدأ مرحلة جديدة من حياة يالو، حيث يمارس السرقة والاعتداء على الناس ونهبهم. ثم يدخل في علاقات متعددة مع النساء لكنه يقع في حب شيرين رعد، نموذج غريب من الشخصيات وغير واضح، فهي ظاهراً توحي بأنها نافذة للخلاص، ومع تتالي الأحداث تتكشف شخصيتها العابثة.
لكن أين هو يالو في خضم كل هذه الأحداث المضطربة؟ هل هو الضحية أم الجاني؟
إن هذه الثنائية المزدوجة تجعله يتخبط على مدار صفحات الرواية 379 ونراه يتحدث عن نفسه بانشطار قائلاً: "أنا لا أكتب من أجلي بل من أجله وأجل أمه، أريد أن يعود إليَّ من أجل أمه المسكينة... بطلة القصة ستكون غابي وعشيقها الخياط، ووالدها الكوهنو، وابنها الذي ضيع حياته".
من ناحية أخرى لا يمكننا تجاهل البعد السياسي الذي بنى الياس خوري روايته من خلاله، ليطرح عبر شخصية يالو تساؤلات مضمرة عن أمور شتى لعل أبرزها كارثة الحرب اللبنانية في كل أسبابها المتباينة، ووقائعها، وآثارها.
لا يبتعد يالو أبداً عن كونه نموذجاً من افرازات الحرب في كل بشاعتها وهمجيتها المدمرة. ويتحوّل هو الآخر الى ضحية لأساليب التعذيب اللاإنساني التي دمرت كيانه النفسي والجسدي. الرواية تغرق في سوداوية مطلقة، وتهدر باللعنات التي حلت على لبنان ردحاً طويلاً. فالشخصيات في الرواية كلها غير سوية، وان كان بعضها ضحية، لكنها حتماً تحمل أزمات اجتماعية وخيانات عائلية وتداخلات نَسَبيّة. ويالو بطل الرواية أيضاً هو خلاصة تلك الكوارث والظلمات والصراع اللانهائي بين الهوية واللاإنتماء، هو مثلاً لا يحس بالانتماء الى أي مكان. وفي المقابل نجد شخص الجد يتمسك في حديثه بلغته السريانية لئلا ينساها كأن يقف أمام أيقونة السيد المسيح ويقول: "لقد ضاعت لغتك يا أبتِ".
إن كل تلك الارهاصات في عوالم يالو والوصول الى الازدواجية بدت نتيجة طبيعية ومحصلة محتومة لكل هذا التفكك الذي يعانيه. يقول: "أنا الآن أكتب عن يالو الذي رفعتموه الى أعلى قنينة وسميتموها العرش، يالو على العرش كأنه ملك الموتى. نعم يا سيدي أراه ميتاً والميت لا يكتب لأنه يموت، عندما طلبتم منه كتابة قصة حياته كنتم مخطئين، لا يستطيع "يالو" أن يكتب لأنه صار في مكان آخر حيث لا يكتبون، أنا دانيال أكتب، وسأكتب كل ما تريدونه عنه وعني وعن جميع الناس. أما يالو فلا... أنا جسد وهو روح، أنا أتألم وهو يطير. أنا نزلت عن القنينة أما هو فيجلس على العرش".
لعلّ الازدواجية الواضحة في شخصية يالو تنحو في سبيل آخر هو سبيل الكتابة حين يُطلب منه كتابة قصة حياته. يكرر يالو نفسه خلال عملية الكتابة. كتابة تستعيد نفسها. فهي ما إن تنتهي حتى تبدأ من جديد. فماذا تعني نهاية الكتابة في نظر شخص يعاني فصاماً مثل يالو، يكتب خلال رؤيته الخاصة الى الأحداث، ويتحدث عن نفسه كما يتحدث عن شخص آخر؟ يشطر يالو ذاته بين روح وجسد كأن يقول: "لكن ويل للحيوان البحري حين يسقط في فخ الصيادين لأنهم سيطبخونه بحبره. فكر يالو انه سيطبخ بالحبر الذي سيكتب به الآن".
هنا يطرح الكاتب هاجس الكتابة في المطلق لأن الكتابة بحد ذاتها حدث فصامي أحياناً، كما انها وسيلة للتطهر الداخلي. لذا ليس من المصادفة اختيار الكاتب هذا الحدث كعامل يساعد بطله على البوح عله يضيّّق مساحة الفصام الذي يعيشه، ويخصله من هاوية الآلام والعذاب التي انحفرت في داخله مع كل مأساة وحفرت في روحه أثلاماً من الصمت قسمت ذاته الى شطرين.
* دار الآداب، بيروت 2001.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.