المسرح هو ساحة اجتماعية. وهو الذي يجعل خبرة الأداء المسرحي او الموسيقي، او ما شابه من أشكال الاداء، شعوراً بأننا جزء من مناسبة اجتماعية ما او من واقعة ما تحدث الآن امامنا. ويمكن فهم الكثير من الظواهر التي تحدث في المسرح من خلال المصطلحات التي استخدمها علماء النفس الاجتماعي لوصف النشاطات والأحداث الجماعية في شكل عام. وعلى ذلك فالمسرح يتجاوز كونه مسرحاً. انه فن. وهو بلا ريب واحد من أقدم الفنون جميعاً. وعندما يطلب منا ان نذكر اكثر الوجوه الانسانية شهرة، فإن الذي يخطر ببالنا اول ما يخطر، هو اسماء كتاب مسرحيين مثل اسخيلوس وشكسبير وموليير... ولكن هذا الفن راسخ الجذور، وهو اكثر الفنون التزاماً بالتجربة الجمعية، وأكثرها حساسية للاختلاجات التي تمزق الحياة الاجتماعية الدائمة الثورة، والخطوات الصعبة لتلك الحرية التي تمضي احياناً شبه مختنقة بالضغوط والعقبات التي لا يمكن تخطيها، وتنفجر احياناً على صورة انتفاضات غير متوقعة. وهكذا فإن المسرح واحد من التجليات الاجتماعية. وهناك قصة تحكي عن ممثل مشهور في القرن التاسع عشر كان يلعب دور ريتشارد الثالث، وهو ذلك الملك الذي كان يعرض مملكته في مقابل حصان، في اثناء تمثيل الممثل الدور، صاح متفرج ساذج ومبالغ في تقديمه للمساعدة قائلاً انه على استعداد لأن يقدم جواده المطهم الخاص به، فما كان من الممثل الذي تضايق من هذه المقاطعة الا ان رد عليه قائلاً: "تعال أنت نفسك، فأي حمار سيكون مناسباً". وفي معظم جوانبه يعتبر رد الجمهور مفيداً لأداء الممثلين على نحو واضح. وكون التلفزيون مفتقراً لمثل هذا العنصر فغالباً ما يتم تسجيل عروض الكوميديا في حضور جمهور فعلي. وهذا الأسلوب اثبت فعلاً انه افضل مقارنة بأي شكل آخر من اشكال استخدام الضحك المسجل. وتفتقر الأفلام التلفزيونية الى ردود الجمهور. وبينما يتميز المسرح بالحضور المباشر للمؤدين الذين يتمتعون بجاذبية خاصة من خلال الشكل الخارجي والثقة بالنفس والصوت والشهرة والثروة، وتشكل جملة ظاهرة الكريزما التي تعني السحر والفتنة، يمكن ان يصل تأثير هذه الظاهرة الى درجة من القوة تجعل الجمهور يصرخ في نشوة، او يصاب بالاغماء في حال بالغة الرهبة. وقد يكون الحضور الخاص للنجوم في الافلام وفي التلفزيون محدثاً لتأثير مماثل الى حد ما، ولكن كون المشاهد بعيداً نسبياً يجعله أقل تأثيراً. فيعتمد الجمهور المندمج في الدراما على عملية سيكولوجية مهمة تسمى التوحد. وهو احد انماط التخييل الانساني الشديدة القوة، ومن دونه ربما ليس ممكناً وجود الحياة الاجتماعية الخاصة بنا، على الشكل الذي نعرفه. وهو كذلك مكون جوهري في التذوق الفعال. فعندما تنغمس الشخصية في مناجاة طويلة كما في "هاملت" مثلاً يدلف الجمهور الى داخل هذه الشخصية. وعندما تغني فيروز "عندي ثقة فيك" يكون كل شخص مشاركاً لها الفرح والمعاناة على السواء. وإذا لم يحدث هذا يكون احد الاشخاص المكونين لسلسلة التواصل هذه، من الكاتب والمفسر والجمهور، قد فشل في القيام بدوره. وقد يتوحد الأفراد الاعضاء في طائفة الجمهور مع ممثل اكثر من غيره، خصوصاً ذلك الشخص الذي يجتذبهم باعتباره الأكثر تماثلاً مع ذواتهم الفعلية الخاصة او مع ذواتهم المثالية. وهذا هو المبدأ الذي يستفاد به غالباً في اختيار النماذج الموديلات في اعلانات التلفزيون. إننا لا ننفي قوة التلفزيون الحاضرة في عصرنا التلفازي، على حد تعبير ريجيس دوبريه، الا ان المسرح في رأيي يبقى هو الاقدم تاريخياً، والأهم عمقاً، والأكثر تأثيراً، وان كان التلفزيون هو الأكثر انتشاراً. نديم منصوري