حفل تكريم طلاب وطالبات مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية بالمنطقة    طائرات "درون" في ضبط مخالفات المباني    أمريكا: العودة لرفع الفائدة.. سيناريو محتمل    «الضريبة علينا» على مدى شهر كامل في جدة    رونالدو.. الهداف «التاريخي» للدوري    وزير الحرس الوطني يرأس اجتماع مجلس أمراء الأفواج    «الشورى» يطالب «حقوق الإنسان» بالإسراع في تنفيذ خطتها الإستراتيجية    الأمن العام: لا حج بتأشيرة الزيارة    أمير تبوك يطلع على استعدادات جائزة التفوق العلمي والتميز    5 أعراض يمكن أن تكون مؤشرات لمرض السرطان    تحذير لدون ال18: القهوة ومشروبات الطاقة تؤثر على أدمغتكم    هذه الألوان جاذبة للبعوض.. تجنبها في ملابسك    إعادة انتخاب المملكة لمنصب نائب رئيس مجلس محافظي مجلس البحوث العالمي    الإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد    تتويج الفائزين بجوائز التصوير البيئي    القيادة تهنئ رئيسي أذربيجان وإثيوبيا    اكتمال وصول ملاكمي نزالات "5VS5" إلى الرياض    القادسية يُتوّج بدوري يلو .. ويعود لدوري روشن    كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة.. ريادة في التأهيل والتطوير    70 مليار دولار حجم سوق مستحضرات التجميل والعناية الشخصية الحلال    سعود بن نايف: الذكاء الاصطناعي قادم ونعول على المؤسسات التعليمية مواكبة التطور    الملك يرأس جلسة مجلس الوزراء ويشكر أبناءه وبناته شعب المملكة على مشاعرهم الكريمة ودعواتهم الطيبة    أمير الرياض ينوه بجهود "خيرات"    «أمانة الشرقية» تنفذ 3700 جولة رقابية على المنشآت الغذائية والتجارية    «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية»: بلوغ نسبة مبادرات رؤية 2030 المكتملة والتي تسير على المسار الصحيح 87%    هيئة تنظيم الإعلام: جاهزون لخدمة الإعلاميين في موسم الحج    «جائزة المدينة المنورة» تستعرض تجارب الجهات والأفراد الفائزين    مجمع إرادة بالرياض يحتفل بيوم التمريض العالمي اليوم    مكتب تواصل المتحدثين الرسميين!    هؤلاء ممثلون حقيقيون    أمير المدينة يستقبل السديس ويتفقد الميقات    الهلال الاحمر يكمل استعداداته لخدمة ضيوف الرحمن    المملكة تدين مواصلة «الاحتلال» مجازر الإبادة بحق الفلسطينيين    رفح تحت القصف.. إبادة بلا هوادة    مؤتمر بروكسل وجمود الملف السوري    وزير الحرس الوطني يرأس الاجتماع الثاني لمجلس أمراء الأفواج للعام 1445ه    وزارة البيئة والمياه والزراعة.. إلى أين؟    أسرة الحكمي تتلقى التعازي في محمد    بطاقات نسك    إرتباط الفقر بمعدل الجريمة    تواجد كبير ل" روشن" في يورو2024    في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. أولمبياكوس يتسلح بعامل الأرض أمام فيورنتينا    العروبة.. فخر الجوف لدوري روشن    أخضر الصم يشارك في النسخة الثانية من البطولة العالمية لكرة القدم للصالات    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية    اختتام معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز    مثمنًا مواقفها ومبادراتها لتعزيز التضامن.. «البرلماني العربي» يشيد بدعم المملكة لقضايا الأمة    أمريكي يعثر على جسم فضائي في منزله    «أوريو».. دب برّي يسرق الحلويات    القارة الأفريقية تحتفل بالذكرى ال 61 ليوم إفريقيا    ولاء وتلاحم    شاشات عرض تعزز التوعية الصحية للحجاج    دعاهم للتوقف عن استخدام "العدسات".. استشاري للحجاج: احفظوا «قطرات العيون» بعيداً عن حرارة الطقس    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في نجران    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    ملك ماليزيا: السعودية متميزة وفريدة في خدمة ضيوف الرحمن    إخلاص وتميز    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب الهويات الاثنية والطائفية في برج بابل الذي هو : منطقة القوقاز
نشر في الحياة يوم 22 - 07 - 2001


Francois Thual.
Le Caucase: Armenie, Azerbidjan, Daghestan, Georgie, Tchechenie.
القوقاز: ارمينيا، اذربيجان، داغستان، جورجيا، الشيشان.
Flammarion, Paris.
2001.
128 Pages.
ربما كانت القوقاز اجدر مناطق العالم بأن يقال فيها انها "برج بابل": برج بابل من اللغات والاثنيات والديانات.
فالقوقاز التي تستمد اسمها من الفارسية القديمة بمعنى "الطريق الى آسيا"، تتألف في الواقع من سلسلة من الجبال والاودية تمتد على مساحة 440 ألف كم2 وتؤوي نحواً من 30 مليون انسان ينتظمون في فسيفساء غير قابلة للحصر من الهويات المتداخلة والمتناحرة.
فالقوقازيون يتكلمون اربعين لغة ويعتنقون خمس ديانات ويتوزعون الى خمس عشرة اثنية كبيرة والى عشرات من الاثنيات الصغيرة جورجيا، شيشان، شركس، ابخاز، انغوش، آفار، ارمن، اوست، أذر، اكراد، روس وينتظمون اليوم في ثلاث جمهوريات صغيرة الحجم اذربيجان، جورجيا، ارمينيا: 7.8 مليون و5.4 مليون و3.7 مليون نسمة على التوالي، والى خمس جمهوريات او دويلات اصغر حجماً يتراوح تعداد سكان كل واحدة منها ما بين 125 و540 الف نسمة ابخازيا، اجاريا، ناختشيفان، قره باخ العليا، اوسيتيا الجنوبية والى سبع جمهوريات مستقلة ذاتياً وتابعة لاتحاد روسيا، واكبرها داغستان 2.2 مليون نسمة والشيشان 800 الف نسمة واصغرها انغوشيا 300 ألف نسمة.
ومن وجهة النظر التاريخية والجيوبوليتيكة معاً "تنضغط" القوقاز، المحصورة اصلاً بين البحر الاسود وبحر الخرز، بين ثلاث قوى مجاورة كبيرة: روسيا وتركيا وايران.
وهذه القوى، الداخلة اليوم في منافسة جيوبوليتيكية في ما بينها، هي التي صنعت اصلاً تاريخ القوقاز وهويتها الفسيفسائية.
فباستثناء ارمينيا التي اعتنقت المسيحية في وقت مبكر، فان الانقسام الطائفي للقوقازيين اليوم الى مسلمين ونصارى بالمناصفة تقريباً لا يقبل التفسير الا بطول الهيمنة السياسية والحضارية التي مارستها عليهم الامبراطورية العثمانية والامبراطورية الروسية القيصرية ثم البلشفية منذ القرن السابع عشر.
واذا كان مسلمو القوقاز ينقسمون بدورهم الى سنّة وشيعة، لا سيما في اذربيجان وداغستان، فذلك من جراء قوة النفوذ الذي مارسته ايران الصفوية، بالمنافسة مع تركيا العثمانية، على القوقاز الجنوبية.
ومما يزيد الامور تعقيداً ان هذا الانقسام الطائفي يتراكب مع انقسام اثني. وعلى هذا النحو فان الأذريين الشيعة من سكان اذربيجان يميلون بعواطفم، لا الى ايران كما قد يتوقع المرء للوهلة الاولى، بل الى تركيا.
ذلك ان الأذريين تربطهم والاتراك وحدة الاسرة اللغوية. فالتركية هي اللغة الرسمية لأذربيجان الى جانب الروسية والارمنية. وبما ان الاذريين يشكلون ايضاً 20 في المئة من سكان ايران، فان سلطات طهران ابدت اكثر من مرة تخوفها من ان تبادر سلطات باكو، العاصمة الاذربيجانية، الى شن حرب ل"تحرير" اذربيجان الايرانية، بتحريض ومساعدة من "الاشقاء" الاتراك و"الاصدقاء" الاميركان.
وهذا واحد من العوامل الاضافية التي تدفع بطهران الى التطلع الى التحالف مع موسكو لاقامة محور روسي - ايراني شرقي في مواجهة المحور الاذربيجاني - التركي الغربي الذي يحظى بمباركة خفية من الولايات المتحدة الاميركية، كما من اوروبا الغربية، للحؤول دون تجدد التوسع الجيوبوليتيكي لروسيا نحو البحر الاسود والشرق الاوسط.
هذه التعقيدات الدينية والاثنية معاً هي التي تتحكم بالموقف الجيوبوليتيكي المتفارق للجمهوريتين "القوميتين" الاخريين في القوقاز الجنوبية: جورجيا وارمينيا.
فرغم ان غالبية السكان في جورجيا هم من المسيحيين الاورثوذكس، الا ان سلطات تفليس، منذ انفصالها عن الاتحاد السوفياتي عام 1991، وهي تسعى الى تعزيز الهوية القومية الخاصة لجورجيا التي تتأوّلها على انها هوية "اوروبية" و"غربية" للتخلص من وطأة الهيمنة الروسية التي دامت اكثر من قرنين من الزمن.
لكن نظراً الى الموقع المتميز الذي تحتله جورجيا على البحر الاسود، فان طموحاتها الاستقلالية هذه لم تحظ قط برضا موسكو التي تناست هي الاخرى عقيدتها الاورثوذكسية لمدّ يد المساعدة الخفية للمسلمين الجورجيين من اثنية الابخاز الرافضين ل"الجوْرَجة" القسرية والذين كانوا يشكلون حتى 1992 نحواً من 20 في المئة من سكان جورجيا.
ففي ذلك العام وبعد حرب تحرير "قومية" كلفتهم اكثر من عشرة آلاف قتيل افلحوا في الاستيلاء على المنطقة الشمالية من جورجيا وفي طرد 350 ألفاً من سكانها الجورجيين ليشكلوا دولة ابخازية مطهّرة اثنياً وغير معترف بها دولياً، على مساحة 8600 كلم2 ولا يزيد تعداد سكانها على النصف مليون نسمة.
والمفارقة ان ثورة الابخاز الجورجيين هذه لم تحظ فقط بتأييد الروس، بل كذلك بتأييد الشيشان، لا بحكم الاخوة الدينية فحسب، بل ايضاً لأن الجمهورية الشيشانية المستقلة ذاتياً كانت تسعى الى ان يكون لها هي الاخرى موطئ قدم على البحر الاسود.
وعلى العكس من جورجيا يذهب الخيار الجيوبوليتيكي لأرمينيا.
فهذه الجمهورية، المحصورة براً بين تركيا واذربيجان من دون ان يكون لها منفذ الى البحر الاسود، لا تفتأ تعيش في خوف مزمن من ان يكون مصير البرزخ الذي تمثله ما بين هاتين الدولتين الطورانيتين هو الى الزوال.
وبالفعل، ان ارمينيا هي العائق الجغرافي الضيق الذي كان ولا يزال يفصل تركيا عن امتدادها الاثني لا في اذريبجان وحدها، بل في آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً بأسرها. اذ لا ينبغي ان ننسى ان اربعاً من جمهوريات آسيا الوسطى الخمس ناطقة بالتركية او بلهجات مشتقة من التركية التركمانية، الاوزبكية، القرغيزية، الكازاخسية في حين ان طاجيكستان هي وحدها التي تتكلم بلهجة مشتقة من الفارسية. ولئن يكن القرن العشرون قد افتتح بمذبحة جماعية ذهب ضحيتها مليون ارمني، بعد ان كان القرن التاسع عشر نفسه قد اختتم بمذبحة مماثلة قضت على 300 ألف ارمني، فان سلطات يريفان، العاصمة الارمينية، لا تتردد اليوم في تأويل هذه المذابح على انها خطة مدبّرة لاستئصال الوجود الارمني لا في تركيا فحسب، بل كذلك في البرزخ الضيق الذي لا يزال يشغله هذا الوجود ما بين تركيا وامتدادها الطوراني في اذربيجان وآسيا الوسطى.
وانما في سياق هذه الجدلية الاتصالية - الانفصالية للعالم الطوراني ينبغي ان نفهم الصراع الدموي ما بين الارمن والاذريين على الاقليمين المتنازع عليهما: قره باخ العليا في اذربيجان، وناختشيفان في ارمينيا.
فقره باخ التي تقطنها غالبية ارمنية اقل من 200 ألف نسمة انفصلت بالتمرد المسلح عن اذربيجان واعلنت نفسها جمهورية مستقلة ذاتياً. وناختشيفان التي تقطنها غالبية اذرية نحو 340 ألف نسمة انفصلت بالتمرد المسلح ايضاً عن ارمينيا واعلنت نفسها دولة مستقلة. وقد ادت هاتان العمليتان الانفصاليتان الى مقتل عشرين الف اذري وثلاثين او اربعين الف ارمني، بالاضافة الى تطبيق مكثف لسياسة التطهير الاثني، ما افضى الى نزوح 700 ألف اذري من ارمينيا وقره باخ و200 ألف ارمني من اذربيجان وناختشيفان.
ولا يبدو ان هذا النزاع المسلح على الاقليمين والعالي الكلفة بالضحايا البشرية، مرشح لأن يعرف نهاية قريبة. فهو ليس محض نزاع بين دولتين اقليميتين صغيرتين لا يزيد
مجموع سكانهما على الاحد عشر مليون نسمة، بل يعكس ايضاً صراعاً جيوبوليتيكياً ما بين الدول العملاقة الثلاث التي تحدق بالقوقاز من جميع الجهات: تركيا وايران وروسيا.
وينبغي ان نضيف هنا ان هذا الصراع هو ايضاً من طبيعة اقتصادية، وتحديداً نفطية.
فمنذ ان اكتشف في السنوات الاخيرة وجود احتياطي هائل من النفط والغاز في منطقة بحر الخرز وآسيا الوسطى والصراع محتدم ما بين الجيران الثلاثة الكبار على رسم الخريطة الجغرافية للانابيب.
فتركيا، والولايات المتحدة الاميركية من ورائها، تريد خطاً مباشراً ينقل النفط والغاز من موانئ اذربيجان على بحر الخرز الى موانئ جورجيا على البحر الاسود.
وروسيا وايران تريدان تفريغ هذا الخط عبر انبوب اضافي يجتاز اراضي ارمينيا وايران ليصب في موانئ الخليج والمحيط الهندي. وبانتظار الرسم النهائي لهذه الخريطة النفطية، فان حرب الهويات الاثنية والطائفية في برج بابل القوقاز مرشحة لأن تبقى مستعرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.