لقاء القاهرة بين ياسر عرفات وشمعون بيريز تم بموافقة ارييل شارون الذي كذب حين قال إنه لم يعرف به إلا في وقت لاحق. دلالة هذا اللقاء انه يسجل عملياً فشل حملة "العلاقات العامة" السلبية التي شنتها حكومة إسرائيل ضد الرئيس الفلسطيني شخصياً. والذي أفشلها هو شارون نفسه. كيف؟ كان يردد في صحوه ونومه: عرفات ارهابي، عرفات يدير أعمال العنف، إلى ما هنالك من أوصاف سبق أن سمعها شارون تقال عنه شخصياً، وفي المجتمع الإسرائيلي بالذات كما في محافل دولية. ومع أن شارون وسائر أفراد عصابته واظبوا على ترديد العبارات الجاهزة عن عرفات "الارهابي"، إلا أن رئيس الحكومة لا يتردد في أن يرسل ابنه عومري ليلتقي مع "الارهابي". فإما أنه يحتقر ابنه إلى حد يجعله يخالط اناساً مطلوبٌ نبذهم وإدانتهم، وإما أنه لا يصدق أي كلمة مما طلبت خطط الحرب النفسية أن يقوله عن عدوه الفلسطيني. أما القول بأن "ابو عومري" يرسل عومري إلى "أبو عمار" ليبلغه آخر ما استجد عند شاؤول موفاز من تهديد ووعيد، فهذا أصبح كذبة مكشوفة. لم تربح الدعاية الإسرائيلية من استهدافها عرفات سوى أن دولة مثل إسرائيل تريد أن تكون مسموعة و... "محترمة" تعلن نيتها تصفية شخص. ثم ان هذه "الدولة" تعتقد أن مشكلتها تختزل في هذا الشخص وتحل بالتخلص منه. ولكن، لتمرير مثل هذه الأفكار، افترضت الدعاية الإسرائيلية ان المجتمع الدولي لا يزال ينتظرها ليميز الجيّد من الرديء في الشرق الأوسط. وكي تعزز هذه الدعاية فاعليتها استعانت بخبراء أميركيين اعتقدوا أنهم يستطيعون ترويج القتل الإسرائيلي كما يمكن أن يروجوا مساحيق التجميل. كانت تلك ولا تزال حرباً خاضها شارون ب"ذهنية صبرا وشاتيلا"، أي بهدف "التنظيف" أو "التطهير" العرقي. اراد مهلة ستة شهور لإنجاز المهمة، وتأكد له منذ اليوم الأول أن إسرائيل تستطيع أن تستخدم كل ما لديها من أنواع الأسلحة، وكل ما لديها من قدرات شريرة ووحشية، ولكن لم يكن لديه أي تصور واضح للهدف الذي ينشده: إعادة الاحتلال، العودة إلى الأحلام الصهيونية، استبدال الزعامة الفلسطينية، الذهاب إلى حرب اقليمية... كل ذلك خطر في أذهان من سبقه، لكن المسألة ظلت على حالها: ماذا بعد؟ الجو الذي اشاعه بيريز في القاهرة تلزمه فترة اختبار لمعرفة حدود كذبه ومراوغته. فلا شيء تغير على رغم أن بيريز جاء مكلفاً الايحاء بأن إسرائيل تريد تغيير الاسلوب، لكن مشكلة بيريز أنه ليس صانع السياسة الحالية في إسرائيل. كل ما يستطيعه هو ابداء التأييد أو الاعتراض، وفي أسوأ الأحوال يعمد إلى أخذ مسافة مما يحصل ليكون جاهزاً للخطط البديلة. لا شك أن تقويم حصيلة زيارات شارون الأوروبية ساهم في ايضاح الصورة لإسرائيل. فالأسرة الدولية، على عكس إدارة جورج بوش، لم تعط موافقتها على جنون شارون و"افراطه" في استخدام القوة ضد خصم مطلوب منه "الافراط" في "ضبط النفس" حتى ازاء من يأتي بكامل أسلحته ليقتله. وليس صدفة ولا روتينياً أن يدلي وزير الخارجية الأميركي ب"انتقادات" بالغة الوضوح للممارسات الإسرائيلية. ولو لم يكن الأمر بلغ حداً لا يطاق، لما اضطر الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى الدفاع عن سلوك ولده الرئيس الحالي جورج دبليو ونياته لدى المسؤولين السعوديين... هذه مجرد اشارات لا يمكن الاعتماد عليها، لكنها تنبئ بأن ثمة أخطاء إسرائيلية تراكمت وباتت تزعج الذين تركوا شارون يتصرف لعله يتعلم من أخطائه. تنبغي الإشارة أيضاً إلى ما سبق لبيريز أن أعلنه خلال الأسبوع الماضي، حين تحدث عن "تعهدات" قدمتها السلطة الفلسطينية وبدأت تعطي نتائج. ولا يُعرف إذا كانت هناك علاقة بين تلك "التعهدات" واصطياد إسرائيل عدداً من المناضلين في "حماس" و"الجهاد"، وتكرار اخفاق عمليات استشهادية. هذا أيضاً يلزمه اختبار وتدقيق. لكن السوابق أظهرت أن إسرائيل لا تبدل خططها أو تخفف ضغوطها، إذا كان هناك تبديل فعلاً - إلا إذا لمست أنها بدأت تُستجاب في بعض شروطها ومطالبها. من هنا، ان الاستعدادات التي نقلها بيريز لخفض فترة اختبار وقف النار لا بد أن تكون تجاوباً مع "شيء" سبق لإسرائيل أن نالته أمنياً.