بمشاركة 4 فرق .. "الثلاثاء" قرعة كأس السوبر السعودي    تمنع "نسك" دخول غير المصرح لهم    «الاستثمارات العامة» يطلق مجموعة نيو للفضاء «NSG»    المملكة وسورية ومصالح العرب    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    قائد النصر "كريستيانو رونالدو" هدافاً لدوري روشن السعودي ب 35 هدفاً    «الصقور الخضر» يعودون للتحليق في «آسيا»    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة ضمك والرائد في دوري روشن    شوريون ل«التعليم»: أين إستراتيجيتكم ؟    قدوم 532,958 حاجاً عبر المنافذ الدولية    تقدير الجميع لكم يعكس حجم التأثير الذي أحدثتموه في المجتمع    تفقّد ميقات ذي الحليفة.. أمير المدينة: تهيئة الخدمات لتحسين تجربة الحجاج    صالات خاصة لاستقبال الحجاج عبر «طريق مكة»    حلول مبتكرة لمرضى الهوس والاكتئاب    القاضي الرحيم يتعافى من سرطان البنكرياس    الشمردل ينتزع ذهبية غرب آسيا للبلياردو    كوريا الشمالية تعلن فشل عملية إطلاق قمر اصطناعي لغرض التجسس    بولندا تبرم صفقة مع الولايات المتحدة لشراء صواريخ بعيدة المدى    شهادات الاقتصاد    نعم.. ضغوطات سعودية !    الديمقراطية إلى أين؟    ورحلت أمي الغالية    الاحتيال العقاري بين الوعي والترصد    موجز    ارتفاع استثمارات «المسار الرياضي»    كشف رب الأسرة    إسدال الستار على الدوريات الأوروبية الكبرى.. مانشستر سيتي يدخل التاريخ.. والريال يستعيد لقب الليغا    أخضر رفع الأثقال وصيف العالم    اليوم في ختام دوري يلو.. تتويج القادسية.. والخلود والعروبة في صراع الوصافة    الطائر الأخضر والمقعد الأزرق !    أمير المنطقة الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة نادي الاتفاق    الأمن العام: 50 ألفاً غرامة تأخر الإبلاغ عن مغادرة المستقدَمين في الوقت المحدد لانتهاء التأشيرة        طلب عسير    سرقة سيارة خلال بث تلفزيوني    الفريق البسامي يستعرض الخطط الأمنية للحج    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    عبر دورات تدريبية ضمن مبادرة رافد الحرمين.. تأهيل العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    الفيصل تُكرم الطلاب الفائزين في مسابقتَي «آيسف» و«آيتكس» وتشيد بمشاريع المعلمين والمعلمات    حفلات التخرج.. البذل والابتذال    بدء أعمال إنشاء مساحات مكتبية في "ميدان الدرعية"    ولادة 3 وعول في منطقة مشروع قمم السودة    مكتسبات «التعاون»    إخلاص وتميز    كيف تصف سلوك الآخرين بشكل صحيح؟    إدانة دولية لقصف الاحتلال خيام النازحين في رفح    باخرتان سعوديتان لإغاثة الشعبين الفلسطيني والسوداني    نصائح للمرضى خلال رحلة العمر.. إستشاري: خذوا أدوية السكري في مواعيدها وتجنّبوا الإجهاد    سكري الحمل    دراسة تكشف أسرار حياة الغربان    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    مجمع إرادة بالرياض يحتفل بيوم التمريض العالمي.. غداً    «جامعة نايف» تفتتح فعاليات الندوة العلمية «إدارة وتأمين الأحداث الرياضية الكبرى»    سلمان الدوسري يهنئ جيل الرؤية على التفوق والتميز    فيصل بن بندر يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    نائب أمير مكة يطّلع على استعدادات وخطط وزارة الحج والعمرة    جوازات ميناء جدة الإسلامي تستقبل أولى رحلات ضيوف الرحمن القادمين من السودان    وصول طلائع الحجاج السودانيين إلى ميناء جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال الفتيات اللبنانيات حق عليهن تحصيله كاملاً على مثال الحقوق المدنية والاجتماعية ...
نشر في الحياة يوم 12 - 06 - 2001

لم يلتقيا ولم يتفقا على رأي واحد في زينة المرأة الشابة و"جمالها". ولكنهما يستعملان كلمات تكاد تكون واحدة في كلامهما على الزينة النسائية الفتية. فهو، السيد فادي، مزين نسائي، افتتح محلاً لتزيين الشعر، على أنواعه ومنابته، في محلة النويري البيروتية "التقليدية"، منذ نحو خمسة أعوام، وهي الآنسة فرح، في السابعة عشرة من العمر، تلميذة ثانوية في مدرسة رسمية، تتردد منذ ثلاثة أعوام على محال التزيين والتجميل القريبة من منزل أهلها ومدرستها في محلة المصيطبة المطلة على وسط بيروت.
فالسيد فادي، تستوقفه اليوم، "ثقة" الفتيات الشابات اللواتي يترددن إلى "صالونه" بأنفسهن، ومعرفتهن ما يُردن وهن يقصدن محل التزيين. فأخواتهن البكر وأمهاتهن يأتين الصالون "ولا يعرفن ما يردن، ويسألننا النصح بما يليق بهن، ويتركن لنا، في اختصار، حرية إجراء ما نراه مناسباً لهن". أما اليوم فطالبات التزيين والساعيات فيه يقررن، "بنسبة عالية جداً تبلغ 75 الى 58 في المئة"، "الموديل" أو المثال والنموذج، و"لا يطلبن نصيحة ولا مساعدة على اختيار المناسب لهن".
أما الآنسة سحر فتقول: "أروح إلى صالون تصفيف الشعر، ولكنني أنا أقترح رسم القص القصَّة وموديل الشَّعر الذي أريد". وإذا غامر المصفف بالإشارة عليها برسم يرتئيه هو، ويرى أنه يناسب صورة وجهها و"ألوانها"، فالأغلب والأرجح ألا "تأخذ برأيه". وشأنها مع شعرها، قصاً وتصفيفاً، هو شأنها كذلك مع حاجبيها، تزجيجاً و"تنظيفاً". "أشتغل وجهي وحاجبي بنفسي ولو خرَّبت حاجبَيَّ، فأنا لا أحب ذوق أحد في هذا الموضوع".
وكان مزين معروف هو السيد رفيق يونس، يزاول الحرفة منذ نحو ربع قرن وتعرّفه الدورية النسائية، شأن رجل سياسة أو "مفكر" محترف، ب"التمرد على الموضة الآتية من الغرب والساعي ليضفي عليها لمساته الشرقية، ويناسب المرأة العربية"، كان ذهب الى أن "المرأة اللبنانية"، على خلاف "المرأة الخليجية"، تغامر بقص شعرها وبتغيير لونه الى أبعد الحدود". ويقر المزين بأن بشرة الخليجية السمراء، وشعرها الأسود الطويل، لا يتيحان لها مماشاة الدُّرجة الموضة الأوروبية السائرة، ولا نازعها الى "الشعر القصير" المربَّع والأملس وإلى "اللون الذهبي". وعلى هذا، ف"مغامرة" اللبنانية، أو إقبالها على تغيير معالم صورتها البادية، إنما تستقوي ب"امتلاكها بشرة سمراء أو بيضاء أو حنطية" متنوعة، على قول مزين آخر معروف هو السيد جوزيف غريب، وتستقوي بتمتعها ب"ملامح بارزة وواضحة"، "على عكس" المرأة الغربية، "البيضاء أو الشقراء الباهتة"، على زعم المزين نفسه.
المغامرة والمحافظة
ولا تستوفي الطبائعُ الجسمانية الموروثة تعليل الرأي في أشكال الزينة وألوانها. فالمغامرة، وإن توسلت بكثرة الألوان وببروز القسمات ووضوح رسمها، تخالف "المحافظة" وخشيةَ التغيير وجَبْهَ آراء الأهل والأقارب والصحب في الألوان والأشكال والقسمات الثابتة و"الطبيعية"، وفي التنقل بينها وتبديلها بين الوقت والوقت. وتعوِّل المغامرة، وتنطوي الكلمة على قدر من التباهي والتفاخر غير قليل، على قوة الصنع أو الصناعة على اجتراح ما بخلت به "الطبيعة"، أو قتَّرت فيه، أو زادت فيه بغير حساب. ويسع صاحب الحرفة أو الصناعة، وهي التجميل أو التزيين في هذا المعرض، الاحتيال على "الطبيعة" هذه من غير "كسرها"، على قول السيدة بدورة 35 عاماً في الجراحة التي رسمت فخذيها السمينين رسماً جديداً.
ولا يزعم المزين جوزيف غريب لنفسه قدرة على "كسر" شيء ولا على إنشاء شيء أو ابتداعه. فهو لا ينسب الى حرفته، التجميل، إلا "إخفاء العيب" في الوجه، أو "أبراز الناحية الجمالية فيه": "فأركز على العيون غير الواسعة وأكحلها بالأسود، وأخفي عيب الأنف بالرتوش، وأرسم الشفاه بدقة وأبرزها فأخفي عيب الأنف...". وهذا ضرب من "الحيَل"، على ما كانت اللغة العربية تسمي الآلات المصنوعة وتقنية عملها. والآنسة الفتية مايا 17عاماً "تحتال" بدورها على عينيها برسوم "تلصقها حول إحدى العينين"، وبوشم يحوط العين "بخطوط منحنية" تذر عليها، أو بينها، برقاً أو نجوماً. وتُتم ذلك بكحل يضفي على هذا الشطر من الوجه "غموضاً" لا تشك في "سحره" وفي "عمقه". وتقتصد سحر، التلميذة الثانوية التي مرت، في وصف "احتيالها"، وفي توقع أثره. فهي تنسب تبرجها الى "حبها لون البشرة البرونز"، على حين ان بشرتها بيضاء. فتحصل على البشرة التي تحب من طريق "استعمال مساحيق تغمِّق اللون"، شتاءً. أما صيفاً ف"تأخذ" على قولها، "لوناً من الشمس"، إلى إِعمال أحمر الشفاه في شفتيها. وفي كل الفصول "تستهلك" "عدسات لاصقة ملونة"، وتصبغ شعرها الأسود. فتستوي كأنها "قد خلقت كما تشاء"، على ما قال الشاعر العربي مادحاً.
ليس الجمال، على رأي المعاصرين والمحْدَثين - من صانعي مستحضرات التنعيم والتفتيح والتلوين وآلات القص والتمليس والتمسيد والتجعيد والوشم والطباعة، وجراحي العظام الملتوية والدهون الزائدة والأسنان المتباعدة والشفاه القليلة والصدور الضامرة، ومزيلي "الشهوات" الموروثة والحروق الحادثة، ومن سواد الناس العاديين المترددين الى المدارس والمكاتب والمشاغل والمشتركين في الضمان الاجتماعي الصحي - ليس الجمال على رأي هؤلاء وتلك هبة لا تغيير فيها، ولا جبلة جُبل عليها المرء والمرأة حين الولادة، وهو مقسور عليها ما حيي وعاش.
فلا تكتم السيدة توفيقة 55 عاماً، ربة منزل وأم أسرة، وهي تذكر التنورة القصيرة الى فوق الركبتين من انقلابات اللباس وأطواره، لا تكتم استغلاق الحوادث "الجمالية" النسائية عليها. "فالجمال، على قولها، كان جمالاً طبيعياً بسيطاً. أما اليوم فلا نكاد نرى فتاة إلا ونراها جميلة، ولانستطيع معرفة الجمال الحقيقي من الجمال المصطنع". وتقارن السيدة بين "البساطة" الماضية وبين "الكثرة" اليوم. "كنا نتباهى بلون الخدود الأحمر"، وهو كان "دليل الخجل والبراءة"، وبأحمر الشفاه "دم العفريت"، وب"الشعر الطويل الأملس"، و"أحذية الكعوب العالية لإظهار الطول والقوام المتناسق"، "والبنطلون كان وقفاً على الرجال". فالصناعة إذ بلغت عدد "الألوان" الذي بلغته اليوم من "أخضر وأصفر وليلكي" على قول السيدة سكينة، 68 عاماً، في حفيداتها، وعدد "الصراعات" و"الاكسسوارات" السيدة نفسها، لا تترك موضعاً من مواضع الجسد، أو حالاً من أحواله، بمنأى من فعلها. فلا ذريعة، بعد اليوم، نتذرع بها تلك التي لم تغدق عليها "الطبيعة" أعطياتها وهباتها، ولم تسوِّها على خلقة متناسبة تنتزع الإعجاب أو الحمد والتسبيح بديهة ومن أول وهلة، لا ذريعة تتذرع بها الى الإحجام عن الفعل وترك الأقدار تصرِّف "الجمال" وتوزعه على هواها.
وعلى هذا فالجمال حق من حقوق الإنسان. وهذا الحق جُعل في الناس، من طريق الصناعة وكثرة مسالكها، واحداً. وقسم فيهم قسمة متساوية. وعلى نحو ما يحصل الناس حقوقهم "الطبيعية" المدنية والسياسية والاجتماعية، ويسندون مطالبتهم بحقوقهم هذه الى مساواتهم، عليهم، بحسب المذهب "الديموقراطي" وتقديمه المساواة على ما نبه ألكسيس دوتوكفيل الفرنسي في "الديموقراطية في أميركا"، 1831، تحصيل الجمال من كل الوجوه التي يقدرون عليها، وتتيح لهم الصناعة تحصيله.
فالمساواة ينبغي ألا تقتصر على تلك التي توحد السيِّد والمسود في المواطنية أو المواطنة، أو على تلك التي تُعِمُّ العاملين كلهم بضمانات صحية وتعليمية وسكنية متقاربة وبعائد لا يقل، على "حده الأدنى المكفول"، عن تلبية الاحتياجات الأولى والعامة. فعندما تستقر المساواة بين ناس مجتمع واحد أصلاً وركناً وهوى، وهذا ما ذهب إليه توكفيل، تنزع إلى إنكار المراتب كلها، وتجحد الأفكار والأحكام التي تسند التفاوت والاختلاف الى "الطبيعة" والطبائع، وتخمِّن في الأفكار والأحكام هذه منازعَ اجتماعية وتاريخية مكتسبة ومصنوعة. ويحقق الأصلُ الديموقراطي زعمه في المساواة من طريق صناعته وآلاته وتقنيته وسلعه وهيئاته، شأنه في ذلك من طريق "دعايته" وتسويقه ومقالاته في نفسه أو ايديولوجيته.
ولكن تحقيق النازع الى المساواة في الجمال، وفي الحق فيه، يشترط تعريفاً مناسباً للجمال. وأول شروط التعريف هذا تخليص الجمال وأحكامه من فكرة الطبيعة، وفكرة المراتب أو الخلق على مراتب متفاوتة تتصدرها نخبة قليلة من الصفوة.
الجمال هو الشَبَه...
وإلى هذا يذهب المزين جوزيف غريب حين يعرِّف حرفته بإخفاء العيب وإبراز الجميل، وحين يؤلب كحل العينين و"الرتوش" ورسم الشفاه على أنف قد يغلب على أجزاء الوجه الأخرى إذا تُرك من غير قيد. وتذهب المذهب نفسه عشرات الفتيات اللواتي استفتين رأيهن فيما يردنه ويسعين فيه حين يقصدن المزين ومحال التبرّج وعيادات جراحي التجميل وبائعي المستحضرات "الطبية". فمعظمهن يجمعن على تعريف للجمال قريب من تعريف السيدة توفيقة المشتبِه. فالجمال، على مذهبهن، هو الشبه بمعايير الجمال السائدة. ولا يقاس الجمال، على هذا، بمعيار آخر يصدر عن طبيعة، أو فطرة، أو عطاء لا يد للواحدة أو للناس وصنعهم فيه.
فمريم 16 عاماً طالبة في السنة الثانوية الأولى تروح الى مزين نسائي منذ أربعة أعوام، أي يوم لم يكن لها من العمر غير اثني عشر عاماً. ومذ ذاك، تقول: "أنتقي موديل الشعر، فإذا كان يليق بي يعمل المزين عليه بحسبه، وإذا لم يلق أقنعني المزين بأن أغير رأيي". وعندما تقول مريم إنها "تنتقي" فهي تريد القول، على ما تقول فعلاً، إنها تنتقي "حسب الموضة". وهي بين الموضة على النحو الذي تراه هي، وبين الموضة على النحو الذي يراه عليه المزين. فلا تخرج من الموضة الدارجة إلا إلى رأي وسيط الموضة وشارحها وحاملها.
فالإعجاب إنما يقع على الموضة السائرة بما هي موضة ويتلقاها الناس، الآخرون وعيونهم وأنظارهم، بالإعجاب. فتجمع فرح الصبية في السابعة عشرة جمعاً حاداً بين "الموضة التي تعجبها"، وترتدي ثيابها على مثالها، وبين جواز أو إمكان ان تكون هذه الموضة "غير مريحة"، على قولها. فليس شرط ارتداء الثياب الجميلة، أو "اختيارها" على قول مريم من قبل، الراحة فيها و"لبسها"، بل بعثها على الإعجاب جراء اتفاقها مع "التغيير والتجديد"، أو الموضة، بحسب ميرنا. فيقع الاختيار الشخصي أو الفردي، أي الرغبة، على أشد الصور والرسوم عمومية وانتشاراً وفشواً. وتتعرف الواحدة رغباتها وميولها الأقوى التصاقاً بجسمها، وتلقِّي الناس هذا الجسم، في مرآة الدُّرجة ا لواحدة والمشتركة بين ما لا يحصى من مثيلاتها.
"أقول للمزينة الكوافيرة أن تعمل ما هو جميل ودارج، فهي تعرف أكثر مني" مها، 19 عاماً، طالبة مهنية. وقلة قليلة من الشابات والنساء ينتبهن، شأن فادية 25 عاماً، طالبة جامعية الى أن التبرج أو "الماكياج" إنما هو "تغطية" تُشعر "بالراحة المؤقتة وبقبول الآخرين" شرط نسيان أثره في إظهاره المتبرجة "بشكل جميل يغير كثيراً" فيها. "فأنا أفكر، تقول فادية، أن إزالة الماكياج تعيدني الى مشكلات بشرتي الملتهبة والكثيرة البثور". ف"وضع كميات كبيرة من المساحيق تحل المشكلة مؤقتاً". وإذا جاء الزوار منزل أهلها، وكانت فادية عمدت الى إزالة مساحيقها، طلبت الى أمها الاعتذار عن تخفيها وانزوائها بالنوم والإخلاد إليه.
ويعم الحق في الجمال، وهو لا يلبث ان يتحول الى فرض أو فريضة ينبغي القيام بها، مع عموم معيار واحد فيه يُحتكم إليه وحده ولا يحتكم الى غيره. فالفتيات والشابات بين السادسة عشرة الى الثلاثين يروين، على اختلاف أعمالهن ومهنهن ودراستهن ودخلهن وأحوالهن العائلية، ما يصنعنه في سعيهن الى بلوغ مرتبة يسمينها "سِكْسي". وهن يردن بالاسم مرتبة رضا الآخرين "الجنس الآخر" على قول غير واحدة بهن، وإعجابهم ورغبتهم فيهن تقول مها، الطالبة المهنية، مازحة وغير مازحة معاً: "إذا جاء العريس بهذه الطريقة - أناقة الصالون وجماله - فسوف أجيء كل يوم الى الصالون".
ومثال المرأة الأنثى؟ "السكسي" تصف السيدة نوال السعداوي بعضه في مقالتها "جذوري الافريقية..." "الحياة" في12 أيار/ مايو، فتقول: "في طفولتي كانت خالاتي شقيقات أمي يدربنني على إخفاء بشرتي السمراء بمسحوق البودرة، وإخفاء التموجات في شعري بالمكواة الحديد الساخنة ليصبح شعري ناعماً مرسلاً مثل شعر الأوروبيات". وما كانت تتوسل إليه السيدة المصرية بآلات بدائية مثل المسحوق أو المكواة لم يتغير. ولكن تغيرت وسائله وآلاته، وأمست مدار صناعة عظيمة وكثيرة الفروع. فالمرأة الأوروبية ما زالت المثال الذي تسعى في بلوغه، والشبه به، نساء المجتمعات الأخرى. وليس مديح المزين رفيق يونس "مغامرة" اللبنانية، أي إقبالها على تغيير بعض أخص سماتها، إلا كناية عن مديح تسليمها بمثال جمال واحد يصفه المزين ب"العصرية".
ويُجمع أصحاب محال تصفيف الشعر وتزجيجه وتمليسه وتلوينه ورفعه وتخصيله وتجعيده، على حصة التشبه بالمثال الأوروبي الأميركي الكبيرة من جملة عملهم. فأحد المحال في حي بيروتي هو عائشة بكار، تقدر صاحبته نسبة المترددات على محلها والراغبات في "ترفيع" الحاجبين والاقتصار منهما على قوسين نحيلين، بنحو ثلثي قاصدات المحل. وتتقاسم الثلث الأخير اللواتي يرغبن في تغيير لون شعرهن الى الأحمر أو الى الأشقر، واللواتي يثقل عليهن نبات الشعر في مواضع مختلفة من الوجه.
ولا تختلف تقديرات السيدة التي تملك محلاً "صالوناً" ببرج أبي حيدر عن تقديرات زميلتها. فهي كذلك تلاحظ النازع الغالب على المئتي سيدة وفتاة اللواتي يترددن الى محلها، في الشهر الواحد، الى تقديم الصباغ بالأحمر ثم بالأشقر، وإلى تمليس شعورهن، وتزجيج الحاجبين. و"صالونات" قريطم وفردان - حيث المحال أقدم، وتغلب "سيدات البيوت" وبناتهن على اللواتي يرتدن المحال هذه، والحيَّان السكنيان ينزلهما من دخولهم مرتفعة - شأنها شأن صالونات الأحياء المتواضعة مثل عائشة بكار وبرج أبي حيدر والنويري والمزرعة. فمثال الجمال النسائي ينهض على سمات وقسمات أوروبية اميركية مثل شقرة الشعر وتقصيره وتمليسه.
وتطلب المتبرجات لبشرتهن ألواناً تميل الى الأبيض وتستبعد الداكن والغامق والأسمر. فيضعن "طبقات" بشرة بديلة و"فاتحة" تتدرج من "التأسيس العميق" الى الظلال. ويحتلن على لون العينين بالعدسات اللاصقة، وعلى الشفاه بألوان الأقلام ورسم "الحدود". ويعالجن نازع أجسامهن الى السمنة، وهو نازع "موروث" من ضرب من الطعام والغذاء، بالانقلاب على مآكل أهلهن ومائدتهم. ويشفعن الانقلاب هذا بتناول حبوب تقلل اشتهاء الأكل وتقطعه، وبتدليك اجسامهن بمستحضرات يزعم مصنّعوها لها القوة على امتصاص الدهون وإذابتها. وتتكاثر اللواتي لا يرين بأساً في الخروج اليومي من دعة البيت والصحب والثرثرة الى خشونة المشي اليومي أو حتى الركض في أنحاء معروفة من بيروت معظمها قريب من البحر وشاطئه، وبعضها يتعلل باجتماع شجرتين أو ثلاث فيناط بها تجديد الهواء الملوث.
وإذا أعيت الحيلةُ الساعية في مقاييس "الجمال"، وكانت في سعة من أمرها في انتظار كفالة الضمان الاجتماعي تكلفة العلاج، لجأت الى جراح تجميل. ويقول أحد جراحي التجميل أن عيادته في بيروت، استقبلت 300 امرأة، معظمهن فتيات لم يبلغن الخامسة والعشرين، في العام 2000 وحده. ويزعم الطبيب الجراح ان معظم جراحاته كانت لفتيات عازبات تترجح أعمارهن بين السابعة عشرة وبين الثلاثين. ومعظمهن طالبات جامعيات أو عاملات مكتبيات "سكرتيرات". وبعضهن يعملن في مرافق الاستقبال والدلالة في المعارض والمحال الكبيرة والوكالات على أنواعها والسياحة والسفر والمبيعات والتأمين.
ويتصدر "تكبير الصدر"، أي عمارة النهدين، رغبات الساعيات في الجراحة، على قول الجراح نفسه. ويليه "شفط" الدهون من الردفين. ومعظم من يطلبن وركين معتدلين يبلغن الثامنة عشرة الى العشرين. وغدا تجميل الأنف "هدية عيد الميلاد أو رأس السنة"، على قول إحدى الصحف اليومية. ولعل استقبال بيروت، في 1999، ثلاثة مؤتمرات أمَّها جراحو التجميل "الأميركيون"، و"اللبنانيون والبرازيليون"، و"العالميون" من القرائن على تعاظم طلب جراحة التجميل. ولا تحصي بعضُ الأرقام القليلة المتداولة "عمليات" تقويم الأسنان والفكين وزرعها، وهي أصبحت شائعة شيوعاً مشهوداً. ولا تحصي كذلك، "عمليات" نفخ الشفتين، وبثهما بعض الورم الذي توكَل إليه العبارةُ المفترضة عن الاشتهاء والدعوة إليه معاً.
الصناعة العامة
ولا تتستر ملفينا 28 عاماً، موظفة في مكتب سفر وسياحة على مثالها، السيدة باميلا أندرسون بطلة "باي واتش"، المسلسل التفزيوني الذي يدور على فريق مراقبة السباحة على الشاطئ الكاليفورني - والسيدة اندرسون نتاج "صناعي" معلن. فتقول: "تعجبني الفنانة الأميركية باميلا أندرسون، فجسمها جميل، لكنها نحيلة النصف الأسفل من جسمها كثيراً". أي هي تجمع النهدين العامرين، والشفتين "النهمتين"، والعينين الزرقاوين، والشعر الأشقر والأملس والغزير، الى القوام الرشيق والخصر النحيل والوركين الممتلئين. وكانت الآنسة نفسها استهلت كلامها بالتصريح عن حبها "الزنطرة"، على قولها، وبترجمة اللفظة العامية الى عامية أخرى: "... وأحب أن أظهر بشكل "سكسي" وأثير اهتمام الشباب".
ولا يقتصر السعي في الطلب، وهو سعي في حق إن لم يكن فرضاً على ما مرَّ، لا يقتصر على جماعة من الفتيات دون جماعة، ولا تختص به فئة من دون فئة. غير تمييز بعضهن عن بعضهن الآخر ب"الموهبة"، أي بالطبائع التي طبعن بها وعليها. وحين كان "الجمال"، ومعاييره، هبةً أو ميزاناً، كان "أريستوقراطياً"، أي من سمات المرتبة والشرف والعراقة. وكان أمارة لا تخطئ، أو يفترض ألا تخطئ على علو "المكانة والسلالة". أما "الجمال" الديموقراطي، المتحلل من كل إرث ما عدا الرد الخطابي الى صفة "عربية" أو "شرقية" تُثبَت وتُنفى في الوقت الواحد، فالجماعات التي تحمله، وتقوم بقيمه وتسعى فيه فهي العامة أو الجماعات العامية. وهذه تحشر في "الطبقات الوسطى" أو "الفئات المتوسطة"، وكأن هذه التسمية ما زالت فارقة" أو معرِّفة.
ومهما كان من أمر قوة "الطبقات الوسطى" أو "الفئات المتوسطة" على التعريف الاجتماعي، فما يلاحظه أصحاب وصاحبات محال التزيين والتبرج والتجميل ومرتاداتها، هو أن التردد على "الصالونات" لم يبق أو لم يعد أمراً مزاجياً أو وحيَ الخاطر والوقت. ففي وسع أصحاب "الصالونات" احتساب اعداد ثابتة للواتي يترددن على محالهم.
وقد يكون السبب في مداومة المترددات على المحال هذه ملازمتهن بين "عملهن"، ولو كان العمل تلمذة ودراسة، وبين لياقة مظهرهن، على ما يقلن. فهن يعللن، في معظم الأحيان، "اضطرارهن" الى مداومة الرواح الى محال التبرج والتزين بموجبات عملهن وإلزامه. فالعمل، على زعمهن، يلزمهن ب"مظهر" لا مناص لهن من السعي في الوفاء بشروطه وفروضه. ولا يُغفلن، على ما مرَّ، التنويه ب"اضرار" أول يسبق كل اضطرار غيره، هو حيازة "إعجاب الجنس الآخر".
فحق الواحدة، لا سيما الصبية الفتية على مقاعد التعليم الثانوي أو المتوسط، في أن تكون "جميلة" يساوي حقها "النوعي"، في رغبة رجل فيها وفي رغبتها في رجل. والكلام على مثل هذا الحق لم يبقَ حراماً ولا يدعو الى الخجل والتستر أو إلى التلجلج. فالفتيات اللبنانيات يقلن، من غير مواربة، أن باعثهن على طلب "الجمال" هو، في آن، رغبتهن في الاطمئنان إلى أنفسهن وفي "الشجاعة" و"المعنويات" التي يبثها فيهن إحساسن بجمالهن، من وجه أول، وطلبهن، من وجه آخر، إقرار "الشباب" بصدق هذا الإحساس، وإقرارهن عليه تالياً.
ولعل انفكاك الزواج وحظوظه الإحصائية من القرابة والجوار والإلفة القديمة، ولو بعض الانفكاك، عرَّض الفتيات لاختيار الفتيان والشبان تعريضاً لا تنفع فيه ضمانات أو سوابق الأسرة والعشرة وآداب هذه وتلك. فتربَّع "المظهر"، وهو يأتلف من "جمال" الوجه والجسم ومن اللباس والسمت واللواحق من سيارة ومسكن، في سدة تقديم النفس وتعريضها للانتباه والاهتمام والاختيار. ومثل تقديم النفس وعرضها على النظر هذين لا ينفصلا عن المنافسة الشديدة في معرض يكاد يكون حراً من قيود المكانة والسابقة والاسم.
وهذا ما تعرفه الأمهات، أمهات الفتيات الشابات، معرفة قريبة. ولذا تكاد الأمهات يحملن بناتهن حملاً على الرواح الى "صالونات" التجميل. ولا يتحفظن، إذا تحفظن، إلا عن تقصير الشعر الذي ما زلن يحببنه طويلاً، وعن "تقصيفه" جراء تمليس ممعن وعنيد.
* مدرس في معهد العلوم الاجتماعية، الجامعة اللبنانية. والمقال مستخلص من مادة جمعتها الطالبات رندة ضيا ورنا نعيم وجورجيت نزال وكريمون عثمان ومها دامرجي ونجاة نزال.
صالونات التزيين المبثوثة في الحياة اليومية
أدت المداومة على التردد الى محال التزيين والتجميل، ودخول "المظهر" في "العمل" باباً من أبوابه وشرطاً من شروطه، وارتفاع المنازعة بين الأمهات والبنات على حقوق "الجمال" - أدت هذه كلها الى نزول محال التجميل من أحياء السكن والجوار منزلة المرفق القريب واليومي. والمقارنة بين أعمار "الصالونات" ومواضعها دليل على النازع هذا الى القرب من السكن والمنزل الى استيطانهما.
فعلى حين يعود إنشاء محال التزيين والتجميل في الأحياء والشوارع الجادات الخارجية، مثل قريطم وجادة "أوتوستراد" قريطم وفردان، الى سبع سنوات وعشر وخمس عشرة، على التوالي، تبلغ محال الأحياء السكنية والداخلية في عائشة بكار والزيدانية وبرج أبي حيدر والنويري والمزرعة، الثلاث سنوات والسنتين والسنتين والخمس سنوات والست سنوات، تباعاً. وأصحاب المحال وصواحبها يجمعون بين إلفة وجوه المترددات على محالهم وبين إقامتهن في المبنى الذي يقوم فيه المحل أو في المباني القريبة والمجاورة.
وأمسى محل التزيين والتجميل، على شاكلة محل البقالة أو مرآب السيارات، من مرافق التوزيع والتداول المبثوثة في أوردة الحياة الاجتماعية اليومية. ف"الجمال" في المجتمعات الديموقراطية، وهي غير الدول الديموقراطية والأنظمة الديموقراطية، حق من الحقوق المقسومة في البنات على قدم المساواة وسلعة من السلع الأساسية. وهو الأمران، حق وسلعة، معاً ومن غير انفصام.
مرتادات الصالونات المداومات
تقدّر صاحبة صالون تجميل في منطقة عائشة بكار متوسط مرتادات محلها في الشهر الواحد بثلاثمائة. وتعول في عملها، واستخدامها مساعدة ومساعداً ثابتين، على هذا العدد من المرتادات المداومات. وتقدر صاحبتا محلين آخرين، في رمل الزيدانية والنويري، من يأتين إليهما بعدد قريب يتوسط المئتين إلى الثلاثمائة. ويقدر صاحب صالون ثالث، يقع في جادة المزرعة أو كورنيشها، عدد من "يصففن" شعورهن بنحو الألف. فهو يقتصر على الشعور. وعلى رغم ارتفاع العدد فوجوه النساء "مألوفة"، على قول السيد عادل، و"قديمة"، دلالة على اعتيادها التردد الى محله. وتقدر صاحبة المحل في برج أبي حيدر عدد المداومات على التردد عليها، وعلى أختها التي تساعدها، بمئتين في الشهر. وهي تقول في جمهورها انه من "زبائن المنطقة والبناية التي تسكنها والبنايات المجاورة والقريبة".
ويحصي صاحب المحل القائم في قريطم "مئة زبونة شهرية" من المشتركات، أي اللواتي يسددن، مشاهرة، ثمن ترددهن الأسبوعي على المحل. والمئة تلك هن نواة عمل المحل الصلبة والثابتة، ويعول صاحب المحل عليهن. ولا يقل عدد اللواتي يترددن في الشهر على "صالون" كبير يقع في جادة قريطم عن ثلاثة آلاف امرأة. وصاحب "الصالون"، وهو حصل اختصاصاً في التجميل من فرنسا، يقول في مرتادات محله انهن "دائمات" أو مداومات، وسنهن تترجح بين الفتوة وبين الشيخوخة. ويبلغ عدد اللواتي يرتدن صالوناً معروفاً وقديماً في شارع فردان المئتين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.