إيران : اليورانيوم المخصّب «تحت أنقاض» المنشآت المستهدفة    إدانات دولية واسعة للهجوم الإسرائيلي على قطر في مجلس الأمن    الاتحاد السعودي لكرة القدم و stc يوقعان رعاية الدوري السعودي للنخبة    الأهلي يغادر إلى الدمام استعداداً لمواجهة الاتفاق    أتلتيك بيلباو يعلن التعاقد مع لابورت لاعب النصر    ضبط مقيم هندي لتلويثه البيئة بتفريغ مواد خرسانية في الشرقية    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الخطاب الملكي يؤكِّد على المبادئ الراسخة لهذه الدولة المباركة    نائب أمير الرياض يطّلع على مشاريع «البلديات والإسكان» في المنطقة    الوفد الكشفي السعودي يبرز أصالة الموروث الشعبي في فعالية تبادل الثقافات بالجامبوري العالمي    أمين القصيم يوقع عقد صيانة شوارع في نطاق بلدية البصر بأكثر من 5,5 ملايين ريال    محافظ وادي الدواسر يستقبل الرئيس التنفيذي للمجلس التخصصي لجمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة    امانة القصيم تطلق مهرجان الدليمية بعدد من الفعاليات والأنشطة في الحديقة العامة    خلال تدشينه جمعية كافلين للأيتام بالمحافظة محافظ تيماء: خدمة الأيتام تتطلب فكرًا وعملًا تطوعياً    250 مشروعًا رياديًا تتأهل إلى التصفيات النهائية لكأس العالم لريادة الأعمال بالرياض    «كشف النقاب» في لندن    ⁨جودة التعليم واستدامته    المملكة تقدم للعالم جدول فعاليات استثنائي بمشاركة كريستيانو رونالدو    انطلاق ورش العمل التخصصية لمؤتمر القلب العالمي 2025 بالرياض    الفتح يغادر إلى جدة لمواجهة الاتحاد .. وباتشيكو ينضم للتدريبات    أسواق الأسهم العالمية قرب أعلى مستوياتها معززة بأسهم التكنولوجيا    اطلاق كرسي الأمير محمد بن فهد للقيادة الإنسانية بين الأجيال وبناء مجتمعات المستقبل بين جامعة الأمير محمد بن فهد ومنظمة الإيسيكو    منتدى المشاريع المستقبلية 2025 يثمن دور عين الرياض الرائد في دعم قطاعات الأعمال والمؤتمرات والسياحة والاستثمار    " كريري" يزور المدخلي للاطمئنان على صحته بعد نجاح عمليته الجراحية    غدا..إقامة الحفل الختامي لمهرجان ولي العهد للهجن في نسخته السابعة بميدان الطائف    استمرار إنطلاقة مبادرة "إشراقة عين" بمركز الرعاية الأولية بالشقيق    محافظ الطائف يلتقي القنصل الامريكي رفيق منصور    نائب أمير منطقة تبوك يدشّن مشروع السكتة الدماغية الشامل بالمنطقة    تركي العمار يواصل الرحلة... تجديد العقد حتى 2029    إسقاط 17 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    نائب أمير منطقة عسير يتوّج المنتخب السعودي تحت 19 عامًا بكأس الخليج في نسخته الأولى    200 شخص اعتقلوا في أول يوم لحكومة لوكورنو.. احتجاجات واسعة في فرنسا    الشرع يترأس وفد بلاده.. سوريا تؤكد مشاركتها في القمة الروسية – العربية    أكد أن الدوحة حليف موثوق لواشنطن.. ترمب: الهجوم قرار نتنياهو ولن يتكرر    هوساوي: أعتز برحلتي الجديدة مع الأهلي    منافسة نسائية في دراما رمضان 2026    معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025.. موروث ثقافي يعزز الأثر الاجتماعي والحراك الاقتصادي    «الفطرية»: برنامج لمراقبة الشعاب المرجانية    وزير الداخلية لنظيره القطري: القيادة وجهت بتسخير الإمكانات لدعمكم    أرامكو تصدر صكوكاً دولارية دولية    إسهاماً في تعزيز مسيرة القطاع في السعودية.. برنامج لتأهيل «خبراء المستقبل» في الأمن السيبراني    أكد أن النجاحات تحققت بفضل التعاون والتكامل.. نائب أمير مكة يطلع على خطط طوارئ الحج    حمد الجميح رجل البر    "التعليم" توقع اتفاقية "الروبوت والرياضات اللاسلكية"    «آسان» و«الدارة» يدعمان استدامة التراث السعودي    نائب أمير المنطقة الشرقية: الخطاب الملكي الكريم خارطة طريق لمستقبلٍ مشرق    اليوم الوطني.. نبراس للتنمية والأمان    «الحج والعمرة» تُطلق تحدي «إعاشة ثون»    التأييد الحقيقي    خطاب يصوغ المستقبل    هيئة الشرقية تنظّم "سبل الوقاية من الابتزاز"    مبادرات جمعية الصم تخدم ثلاثة آلاف مستفيد    "الشيخوخة الصحية" يلفت أنظار زوار فعالية العلاج الطبيعي بسيهات    إنقاذ حياة مواطنَيْن من تمزّق الحاجز البطيني    هل توقف العقوبات انتهاكات الاحتلال في غزة    الهجوم الإسرائيلي في قطر يفضح تقاعس واشنطن ويغضب الخليج    مُحافظ الطائف: الخطاب الملكي تجسيد رؤية القيادة لمستقبل المملكة    أمير المدينة يلتقي العلماء والمشاركين في حلقة نقاش "المزارع الوقفية"    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يُلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال الشورى في الدور التشريغي 9 اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراع على منطقة الشرق الأوسط . المياه من أسباب الحرب المقبلة لكنها ليست السبب الوحيد
نشر في الحياة يوم 06 - 04 - 2001

تتميز منطقة الشرق الأوسط عن غيرها من المناطق، بأنها تحوي كل العناصر الضرورية، التي تؤدي إذا ما أتيحت لها الظروف، الى انفجار الصراعات والحروب. فالبارود، يجاور عود الثقاب في هذه المنطقة. ويكفي ان يُعطي المعلم الأكبر، الضوء الأخضر لتستفيق الأحقاد الكامنة. فمن صراعات الحدود، الى الصراع على الطاقة، الى الانقسامات الدينية والإثنيّة، تبدو المياه سبباً إضافياً لمزيد من الاقتتال. وتبدو خطورة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، في مستوى المعطوبيّة المرتفع. فالمنطقة تعيش حالاً من الفوضى، بسبب غياب أي نظام يرعاها، مع شلل الأمم المتحدة، وانحياز الولايات المتحدة لصالح إسرائيل، وقرار الإدارة الأميركية الجديدة البقاء بعيدة من العملية السلمية، بعكس إدارة كلينتون.
إلا أن موضوع المياه ليس السبب الوحيد لاندلاع الحروب المستقبلية في المنطقة. فالمياه تشكل إحدى أهم اسباب الصراع، لكنها ليست السبب الوحيد، كما يتبادر الى ذهن البعض. وعند النظر الى موضوع المياه يجب ان ينظر إليه من خلال الصورة الكبرى، وأهداف الاستراتيجية الاستيطانية الصهيونية في فلسطين.
كيف تبدو الصورة الكبرى، وأين المياه فيها؟
تدرّج الحلم الصهيوني، من الفكر النظري الى التطبيق الواقعي، بعد ان مر بمراحل عدة. وكان لا بد للصهاينة، ومن أجل بناء الكيان، من ان يعمدوا الى خلق الآلية اللازمة، التي تتحوّل لاحقاً الى مؤسسة، فيستمر التطبيق بغضّ النظر عمن هو القائد. فالفكر الصهيوني، لا يزال حياً على رغم غياب مؤسّسه، حتى قبل إعلان قيام الكيان. ويعود هذا السبب الى الفكر المؤسساتي الذي يرعاها.
يشدد هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، في رسالة وجهها الى البارون هيرش عام 1895، على ضرورة خلق رمز ما لأية مجموعة بشرية، لديها هدف مشترك تسعى الى تحقيقه. فالناس تموت من اجل علم بلادها. وهي تتوحد حوله. وباستطاعتنا ان نقود شعبنا الى الأرض الموعودة بواسطة هذا العلم. ويتابع: "... هل تعرف كيف ولدت الامبراطورية الألمانية؟... ولدت انطلاقاً من أحلام وأغانٍ. ومن شريط أسود، أحمر وذهبي ألوان العلم الألماني وبوقت قصير. فما كان من بسمارك إلا ان يهزّ الشجرة التي زرعها اصحاب الرؤيا".
ومن الرؤيا الى التطبيق مرّ بناء الكيان الصهيوني بالمراحل الآتية:
انتزاع الشرعية الدولية، التي ستتلازم مع الادعاء بالوعد الرباني. فكان أول مدماك، مع وعد بلفور عام 1917. ويشكل هذا الوعد مفارقة قانونية، إذ لا يوجد مثيل له في تاريخ العلاقات الدولية. فبأي حق تعمد دولة ما منتدبة على أرض وبلاد ليست لها، بوعد شعب آخر بهذه الأرض والبلاد؟ لكن، ولسخرية القدر، أصبح هذا الوعد مرجعاً يُعتمد عليه كأساس قانوني.
مرحلة السيطرة على الإقليم الذي ستطبّق عليه الرؤيا. فأتت الهجرة اليهودية التدريجية الى فلسطين وسيلة لذلك. فالحرب على العرب من الخارج مستحيلة لاحتلال الإقليم. فكان القرار في إدخال حصان طروادة الى فلسطين للسيطرة عليها من الداخل، وعبر مراحل لا تزال مستمرة حتى الآن. واستعمل لتنفيذ هذا المخطط كل ما تيسر من مال وقتل ومجازر. فمن يشوع بن نون عندما دمّر أسوار أريحا وأباد أهلها، الى بيريز ومجزرة قانا، يبدو أن الأسلوب والوسائل لا تزال هي، هي. وشكلت في هذه المرحلة العصابات الصهيونية الإرهابية، رأس الحربة في صراعها ضد العرب والإنكليز لاحقاً. وبعد ان تأكد الصهاينة من أن أرجلهم ثابتة في الإقليم، سعوا مجدداً الى الحصول على شرعيّة دولية جديدة تضاف الى ما سبقها. فكان قرار التقسيم رقم 181 المنبثق عن الجمعية العمومية. وهدف هذا الأمر الى تأسيس تراكمات قانونية دوليّة، تتلازم مع واقع على الأرض يفرض على العرب والعالم إنشاء الكيان والقبول به.
ويذكر في ما خص السيطرة على الأرض التي تشكل الكيان، هو في الاستراتيجية المتبعة لذلك. إذ اعتمد الاحتلال الأسلوب الأفقي، أي الانتشار البشري قدر الإمكان، وعلى أكبر مساحة ممكنة من الأرض. لأن الانتشار يعني ضرورة مرافقة القوة العسكرية له، إضافة الى البنى التحتية اللازمة، الأمر الذي يعني استمرارية الوجود. ويقول بن غوريون في يوميات الحرب 1948 وبعد أن حقق الصهاينة نصرهم في الجليل الأعلى: "... لا ينبغي الظن ان الجليل لنا، بعد الاحتلال العسكري... فإذا لم نسارع الى استيطان الجليل الأعلى، فهذه ستكون هزيمة سياسية. ينبغي إقامة سلسلة من المستوطنات على امتداد شاطئ البحر حتى رأس الناقورة... وينبغي استقدام مهاجرين جدد لهذا الغرض. لأن للاستيطان هذا قيمة عسكرية".
مرحلة إيجاد القوة العسكرية التي تحميه، وتأمين مقوّمات العيش اللازمة للاستمرارية. فكان إعلان إنشاء جيش الدفاع، كما يسمونه. ودخل عنصر المياه كمُلازم لأية استراتيجية أعدّت سابقاً، أو تعد الآن. ويمكن القول إن المياه قد تكون من الأسباب الرئيسية للذهاب الى الحرب، لكنها ليست السبب الوحيد.
ومع العودة الى موضوع المياه، نلاحظ ان الاستراتيجية الصهيونية العامة، سلكت منهجين لتأمينها أي المياه. الأول، كان عبر المشاريع التي أتت من خارج المنطقة، وتبنّت معظمها الولايات المتحدة، كمشروع لاودرميلك الذي أعد في الأربعينات، وتلاه مشروع جونستون. وهدفت هذه المشاريع في جوهرها، الى ضمان أمن إسرائيل الغذائي. ولكنه لم يُكتب لأي منها النجاح بسبب انحيازها ضد العرب. وتحمّس الصهاينة آنذاك لمشروع لاودرميلك، لأنه أخذ في الاعتبار المطالب التي جاءت في مذكرة الحركة الصهيونية عام 1919، وقدّمت الى مؤتمر الصلح. ورد في هذه المذكرة بعض النقاط المهمة، هي: "... إن جبل الشيخ هو أب المياه الحقيقي لفلسطين. كما يجب التوصل الى اتفاق دولي تحمى بموجبه حقوق المياه للشعب القاطن جنوبي نهر الليطاني".
الثاني، هو في وجود المياه كعامل أساسي في أية استراتيجية عسكرية أعدها الصهاينة، نظراً لما تشكله من مخاطر على صعيد الديمومة. وكتب هرتزل في روايته "الأرض الجديدة - الأرض القديمة". "إن المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة - القديمة، هم مهندسو المياه. فعليهم يعتمد كل شيء. من تجفيف المستنقعات الى ري المساحات المجدبة، وإلى إنشاء معامل توليد الطاقة الكهربائية من الماء". ويبدو التركيز هنا، على العلاقة بين الماء والطاقة، بسبب افتقار بلاد فلسطين للثروات في هذا المجال كالفحم والبترول، وما شابه.
إذاً، يبدو من هذا السرد ان رسم حدود الكيان، أخذ في الاعتبار اماكن وجود مصادر المياه. ويبدو ان الهاجس الأساسي الذي يقضّ مضاجع الإسرائيليين، في أن مشكلتهم الجوهرية في المنطقة، تقوم على أمرين لا يبدو ان هناك حلاً لهما في المديين، القريب والبعيد. الأول، هو في الرفض المستمر لهذا الكيان، وذلك على رغم اتفاقات السلام التي عقدت وظلت افقية على صعيد الحكومات. الأمر الثاني، هو في ان مصادر مياه إسرائيل الأساسية، ليست ضمن الأرض التي قام عليها الكيان، بل هي مجاورة وبأيد معادية لها. حتى أن ليفي أشكول حاول بُعيد عدوان الأيام الستة 1967 إطلاق شعار مائي، مماثل للشعار الذي أطلقته المنظمة الصهيونية في ما خص الأرض. فبدلاً من "أرض بلا شعب، لشعب من دون أرض"، أطلق ما يمكن تسميته مياه من دون شعب، لشعب من دون مياه". فقال: "لكون نصف بليون متر مكعب من مياه الليطاني تذهب هدراً الى البحر كل عام، بدلاً من استغلالها لمنفعة سكان المنطقة". ولكن الحكومة اللبنانية الحالية، تنبّهت ولو متأخرة الى هذا الأمر فبدأت بمشروع الليطاني الذي تموّله الكويت.
كيف تكامل الهاجس الأمني مع الهاجس المائي في الاستراتيجية الإسرائيلية الكبرى؟
لا يوجد في إسرائيل دستور مكتوب كباقي الدول. وجل ما يوجد هو القوانين الأساسية، كقانون الانتخاب وقانون الأرض. لذلك لا نجد في أي مستند رسمي ترسيماً أو ذكراً لحدود دولة إسرائيل. ولكن، كل ما نسمعه، هو شعارات أو تسميات لهذه الحدود. فهناك شعار رابين "الحدود الممكن الدفاع عنها"، أو الحدود الآمنة، أو الطبيعية أو التاريخية. وأظهرت التجارب مع إسرائيل، أنه لا توجد حدود في المعنى الكامل للحدود. وإن ما نعاينه، هو ما يسمى بالحدود المطاطة التي تتبع مصادر المخاطر الأمنية الاستراتيجية التي تهدد الكيان، من وجهة نظر إسرائيل. وإلا فماذا يبرر الذهاب الى العراق وقصف مفاعله النووي عام 1981؟ وفي هذا الإطار نلاحظ ان الحدود مع مصر والأردن مرسومة نتيجة اتفاقات رسمية، أما مع الفلسطينيين فهي تعاني مخاضاً قد يطول. والملفت للنظر ان هذه الاتفاقات تحوي بنوداً مهمة تتعلق بالأمن الإسرائيلي، العسكري منه والمائي. لكن كل هذه الحدود المتفق عليها، لا تصمد امام اي قرار إسرائيلي بالذهاب الى الحرب إذا ما شعرت ان الكيان مهدد، لأن خسارة اية حرب تعني بالنسبة الى إسرائيل، انتهاء الحلم والكيان. اما بالنسبة الى العرب فباستطاعتهم تحمل الكثير من الخسائر والاستمرار، والسجلات مملوءة بها.
ما علاقة الحدود بالمفهوم الأمني؟
في العام 1953، وضع المقدّم المغمور في الجيش الإسرائيلي المدعو يوفال نعمان ما سُمّي ب"مخطط لافي" وكان في حينه رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي. واعتبر هذا المخطط رائداً في شرح مفهوم الحدود الآمنة التي تلائم إسرائيل، وذلك عندما تقوم هي بضربة وقائية ضد اي تهديد عربي. إذ كان التوجه قبل ذلك، في كيفية صد هجوم معين حتى انتهاء عملية التعبئة. كان نعمان أول من قدّم مخططاً يظهر كيف يمكن إسرائيل ان تستغل وضعاً حربياً لتوسّع حدودها. ويقال إنه هو من ساعد موشي دايان في رسم خطوط الانتشار الإسرائيلي بعد استيلائه على مرتفعات الجولان والتقدم الى القنيطرة. واعتبر نعمان ان اكبر خطر يمكن ان تواجهه إسرائيل، هو في الهجوم المفاجئ، الذي يؤدي الى احتلال الأرض قبل استدعاء الاحتياط. وركّز على ضرورة تجنّب اي اشتباك مع العدو، في الأماكن السكنية التي تشكّل مصدر الاحتياط للجيش. وعندما قدّم نعمان مخططه الى وزير الدفاع في حينه لافون، وإلى بن غوريون، وافقا عليه من دون تعديلات. ولا يبدو في هذا الإطار ان مخطط آلون يختلف في جوهره عن مخطط نعمان.
ويبدو ان الحدود المطاطة امتدت لتطويق دول المواجهة العربية، وذلك عملاً بمبدأ بن غوريون الذي يقوم على عقد التحالفات التطويقية، أو المحيطية Peripheral. وكان اهمها التعاون الاستراتيجي مع تركيا، الذي شمل كل ما يمكن ان يضر بالقضية العربية. فتركيا تطوّق جغرافياً ومائياً كلاً من العراق وسورية، وهي تحُلّ مشكلة إسرائيل المائية عبر استيراد الماء منها.
لم تكتف إسرائيل بتطويق العرب عسكرياً ومائياً، بل سعت وعبر اللجان المنبثقة عن مؤتمر مدريد 5 لجان، الى الحصول على الماء العربي بالوسائل الديبلوماسية، بعد ان عجزت عن استعمال القوة. وهدفت لجنة المياه المنبثقة من مدريد الى عزل موضوع المياه عن الصراع العسكري الدائر، عبر تأسيس مصلحة مشتركة للمعنيين تظهر ان التعاون مفيد أكثر من التناحر. لم يكتب لهذه اللجنة النجاح بسبب مقاطعة المعنيين لها، خصوصاً لبنان وسورية. ونذكر في إطار هذه اللجنة، ان البلد الذي يترأس هذه اللجنة هو الولايات المتحدة، التي يبدو انها تريد إعادة احياء مشروع جونستون. حتى أن كل العروض على المسار الفلسطيني، والتي تلت عملية اوسلو وضعت كل المياه الجوفية في فلسطين تحت السيطرة الإسرائيلية، في الضفة او على الساحل.
كيف تبدو حادثة الوزاني في هذا الإطار؟
يبدو أن الأزمة التي أثارتها الحكومة الإسرائيلية، وكأنها زوبعة في فنجان. لأن حجم الرد السياسي والتهديدات، لا تتناسب مع عملية الضخ، إن كان في حجمها أو خطرها، علماً أن الحكومة اللبنانية أبلغت إسرائيل عبر ممثل الأمم المتحدة قبل شهر، بنيّتها القيام بعملية الضخ، لسد حاجات بعض القرى المحرّرة. وهذا أمر لا يتعارض مع القانون الدولي، الذي لم تحترمه إسرائيل أصلاً منذ إنشاء الكيان. وقيل على سبيل السخرية، ان ليبرمان وزير البنى التحتية قد يعمد الى قصف قسطل المياه الذي يبلغ قطره 10 سنتم، بدل قصفه سد أسوان. ولكنه لا بد في هذا الإطار من استنتاج بعض الأهداف التي سعت إسرائيل الى تحقيقها من هذه الحملة على لبنان منها:
1- استرداد زمام المبادرة في الجنوب المحرّر، بعد ان فقدتها عقب انسحابها مجبرة.
2- عدم تسجيل سابقة في مجال الضخ، أو تحويل المياه المتدفقة الى بحيرة طبريا، التي تعاني نقصاً كبيراً في المياه، ومن مستوى عال من نسبة الملوحة.
3- محاولة فتح قنوات حوار مع لبنان، بعد ان تمنع عن ذلك في مجالات اخرى متعددة خصوصاً الأمنية.
4- محاولة تكثيف التراكمات في المجال المائي، بهدف تعبئة الرأيين الدولي والداخلي، تمهيداً وتحضيراً لأي عدوان مستقبلي. وذلك في الوقت الذي يحاول فيه شارون بعد زيارته الولايات المتحدة، إقناع الإدارة الجديدة بأن لبنان اصبح ملجأ للإرهاب وبمساعدة سورية.
5- يبدو ان إسرائيل وكالعادة تنظر الى المستقبل المائي في جنوب لبنان. فبعد تحرير جنوب لبنان، عمدت الحكومة اللبنانية الى التخطيط لاستغلال مياه الليطاني في هذه المنطقة. أو بالأحرى هناك عملية تأهيل لهذه الثروة، تموّلها الكويت 500 مليون د. أ.. وهذا يعني ازدهار منطقة الجنوب، الأمر الذي يشجّع عودة الذين هجروها، الوضع الذي يتطلب المزيد من استهلاك المياه، وبالتالي الطلب حتى ولو عبر مرجعية دولية الأمم المتحدة، لضخ المزيد من المياه التي تتجه الى بحيرة طبريا.
6- يقول البعض إنه يمكن إسرائيل استيراد المياه من تركيا، وهي الحليفة فلماذا إثارة المشكلات؟ فيكون الجواب عن هذا السؤال بسيطاً جداً لمن يعرف العقل الصهيوني. فالأمن الإسرائيلي المائي وغيره، يجب ان يكن في أيدٍ يهودية. فمن يضمن استمرار تركيا حليفة لإسرائيل؟ حتى أن القادة الإسرائيليين يترددون في عقد معاهدة دفاع مشتركة مع الولايات المتحدة، لأنهم يعتقدون ان الدفاع عن المجتمع الإسرائيلي يجب ان يكون في ايدي اليهود. فمن يضمن ان الولايات المتحدة ستأتي حتماً لإنقاذ الكيان، في حال حرب تقليدية أو غير تقليدية؟ هل ستكون المصالح متقاطعة دائماً مع اميركا؟
7- وأخيراً، هناك محاولة تحويل مشكلات الداخل الى الخارج.
ان مقارنة بسيطة بين ما حدث في الوزاني، وبين ما يحدث على الفرات ودجلة، يمكن قول الآتي: في لبنان تتم عملية الضخ بأنبوب يبلغ قطره 10 سنتم، لإرواء قرى صغيرة، اما مشروع الغاب في تركيا، فيقوم على بناء 17 سداً على الفرات، و4 سدود على دجلة. وإن هذا المشروع سوف يخفض حصّة سورية من المياه بنسبة 40 في المئة، وحصة العراق بنسبة 80 في المئة الأمر الذي سيحرم قلب العالم العربي من المياه. ويذكر ان مشروع الغاب أعد له بتشجيع أميركي، ومساهمة إسرائيلية عبر مهندسين، كشارون لوزورون.
ففي ظل الخلل الاستراتيجي القائم الآن لصالح تركيا وإسرائيل، وفي ظل عدم تمكن العرب من استرداد حقوقهم، وتحصين امنهم الغذائي، إن كان عبر الديبلوماسية او القوة، يبدو انه لا يبقى امامهم سوى اللجوء الى الوسائل غير التقليدية. فهل يمكن تصنيفهم بعد كل هذا بالدول المارقة، أو هل يمكن الولايات المتحدة ان تتحمل عواقب ذلك؟ أسئلة مهمة، ويبدو ان الجواب عنها بدأت ترتسم ملامحه، بعد زيارة شارون الولايات المتحدة. فهو عاد نظيف السجل، بعد ان تحوّل التركيز الأميركي من الداخل الفلسطيني، الى العراق وايران.
فلننتظر.
* كاتب لبناني، وعميد ركن متقاعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.