الرياض تستضيف «القمة العالمية للصناعة»    برعاية الملك.. «التخصصات الصحية» تحتفي بتخريج 12.591 خريجاً وخريجة    محمد بن عبدالرحمن يطلع على تقرير «جوازات الرياض»    أمير الباحة يناقش مشروعات البيئة والمياه والزراعة    البتروكيميائيات ووقود الطائرات يدفعان طلب النفط للارتفاع    انطلاق النسخة الرابعة من فعالية "بلاك هات" في الرياض ديسمبر المقبل بمشاركة دولية واسعة    «المظالم» يتيح المشاركة في تطوير خدماته إلكترونياً    الغرامة بانتظار مخالف الرعي بمنطقة محظورة    قبيل زيارة محمد بن سلمان التاريخية للولايات المتحدة.. ترمب: ولي العهد الحليف الأقوى لواشنطن    تدهور أوضاع النازحين بشكل حاد.. غارات جوية إسرائيلية تستهدف خان يونس    يغير اسمه سنوياً للتهرب من نفقة طفله    الشريك الموثوق    تتصل بالعلاقات الثنائية بين البلدين.. ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس كوريا    في حدثٍ تاريخي يقام للمرة الأولى في المملكة.. 26 نوفمبر.. انطلاق الجولة الختامية من بطولة العالم للراليات    ثلاثي روشن يقودون البرتغال لمونديال 2026    نائب أمير الشرقية يشدد على سرعة الاستجابة وكفاءة الأداء الأمني    سرقة مجوهرات في فرنسا ب 1,2 مليون دولار    شاب ينهي حياة أسرته ويوثق جريمته على فيسبوك    «الصحة» تستدعي طبيباً ظهر إعلامياً بتصريحات مخالفة    «زاتكا» تُحبط تهريب «الإمفيتامين» و«الشبو»    في ملتقى نظمه مركز الملك عبدالعزيز.. نائب وزير الخارجية: المملكة تدعم الجهود الأممية لترسيخ الحوار    «طال عمره».. مسرحية سعودية بموسم الرياض    كلمات وموسيقي    فيصل بن مشعل: جامعة القصيم رافد معرفي تنموي    اختتام مؤتمر الجودة للجامعات    استعدادات مبكرة لموسم «شتاء مرات»    التسامح.. سكينة تزهر في القلب وتشرق على الملامح    التعاون مع رجال الأمن في الحرم ضرورة    "الشؤون الإسلامية" تفتتح دورة علمية في المالديف    مختصون يحذرون من خطر مقاومة المضادات الحيوية    أمير الشمالية يطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    جامعة الإمام عبدالرحمن تعزز الوعي بداء السكري    تجمع الرياض الأول يستعرض منجزاته في رعاية وسلامة المرضى    131.7 ألف امرأة يعملن بأنشطة السياحة    تداول يخسر 125 نقطة    أمير القصيم يرعى حفل تخريج حفظة كتاب الله بمحافظة الرس    «الأخضر» يعاود تحضيراته    رئاسة أمن الدولة وجامعة القصيم تحتفيان بتخريج الدفعة الأولى من طلبة الماجستير بسجن المباحث العامة ببريدة    بدون رونالدو.. البرتغال تخطف بطاقة المونديال    دنيا أبو طالب تتوّج بأول ذهبية سعودية في فئة النساء بدورة ألعاب التضامن الإسلامي    المبعوث الأميركي: حرب السودان.. أكبر أزمة إنسانية في العالم    الإعلام الأميركي واستشراف الدور السعودي الجديد    طهران: توقف التخصيب لا يلغي الحق النووي    متطوعو التراث العالمي باليونسكو في واحة الأحساء    رئيس فنلندا يحذر من طول أمد حرب أوكرانيا    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس جمهورية كوريا    نائب أمير مكة يرأس اجتماعًا مع الجهات المعنية لمتابعة جاهزية منظومة الحج    تجمع الشرقية الصحي يطلق حملة "سكرك موزون"    تركي بن طلال حين تتوج الإنسانية بجائزة عالمية    مفتي عام المملكة يستقبل رئيس جهاز الإرشاد والتوجيه بوزارة الحرس الوطني    الصحة تستدعي طبيبا ظهر إعلاميا بتصريحات مخالفة للأنظمة    مجلس الشورى يحيل عددا من الموضوعات إلى جلسات المجلس في اجتماعه ال6    انطلاق دورةُ المدربين الدولية لكرة القدم المصغّرة تحت إشراف الاتحاد الدولي IMF    قاعة مرايا بمحافظة العُلا… أكبر مبنى في العالم مغطى بالمرايا    هنأت ملك بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده.. القيادة تعزي رئيس العراق في وفاة شقيقه    القيادة تعزي رئيس جمهورية العراق في وفاة شقيقه    شتاء درب زبيدة ينطلق بمحمية الإمام تركي    إنسانيةٌ تتوَّج... وقيادة تحسن الاختيار: العالم يكرّم الأمير تركي بن طلال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن الحيرة والارتياب في اليابان ... بعد طي اقتصاد "الفقاعة" والمضاربة . القفزة التاريخية المرجوة رهن القدرة على الابتكار
نشر في الحياة يوم 10 - 12 - 2001

تواجه اليابان تحديات في عصر العولمة الجديد، وهو يترافق، تاريخياً، مع نهاية مرحلة "الاقتصاد الفقاعي" الذي ميّز أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات. وسبقتها مرحلة بدأت منذ منتصف السبعينات، واتسمت بالتوسع الاقتصادي القائم على التعميق التكنولوجي، والتصدير الكبير، والاستثمار الياباني الهائل داخل اميركا وأوروبا وإقامة فروع للشركات العملاقة في ما يشبه "الهرولة".
واتسمت مرحلة "الفقاعة" بالاعتماد على أنشطة غير انتاجية بالمعنى الدقيق، خصوصاً انشطة الخدمات المالية والعقارية وقطاع التشييد والانشاءات الحكومية الضخمة.
وبينما اخذت اليابان تنغمس في اقتصاد الفقاعة، عكفت الولايات المتحدة الاميركية في الوقت نفسه على استكناه اسرار الابتكارية اليابانية ذات النفس العبقري. وكانت الجماعات، ومراكز البحث الاميركية، شرعت تتوسع في ابرام البحوث الاقتصادية المشتركة مع الباحثين اليابانيين والمؤسسات العلمية اليابانية. وحملت الولايات المتحدة الحكومة اليابانية على فتح ابواب مؤسساتها الحصينة، مثل وزارة التجارة والصناعة الدولية، امام فرق البحث اليابانية - الأميركية للحصول على البيانات النادرة من مخازنها.
وكان بعض السوس اخذ ينخر اعصاب الشركات اليابانية، جراء توسع المصارف في الإقراض غير الآمن، وزيادة الديون المعدومة تدريجاً، ما جعل المنظومة المالية نقطة ضعف لا تنكر في النظام الاقتصادي الياباني، الى التوسع ربما غير المبرر تماماً في أنشطة الأشغال العامة والتشييدات. وفي الوقت نفسه - منذ منتصف الثمانينات حتى منتصف التسعينات تحديداً - كانت الولايات المتحدة تعمل، في صمت، في حقلين من حقول العلم - التكنولوجيا هما التكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيا الالكترونية: المعلوماتية - الاتصالية. وما ان أهلّ عقد التسعينات ثم انتصف حتى حازت الولايات المتحدة قصب السبق، وأصبحت تتقدم الجميع. بينما أسفرت الحوادث عن اكتشاف اليابان لنفسها وقد أخذت تتقهقر خلف "غريمتها - حليفتها" الأثيرة: أميركا.
وأدركت إدارة كلينتون - إدارة عقد التسعينات الأميركي 1992 - 2000، جوهر ما هي مقبلة عليه. فإذا هي تدير معركتها الاقتصادية الخاصة بأسلوب "ادارة الحرب"، وباستراتيجية تضعها هيئة أركان في غرفة عمليات - وكانت الحرب الاقتصادية مع اليابان في المقام الأول، وبالاستراتيجية التنافسية، وفي غرفة عمليات مشتركة بين الحكومة الأميركية والشركات عابرة الجنسيات.
وكان الهدف: مواصلة زيادة الانتاجية، واكتشاف المصدر البديل للإنفاق العسكري كمحرك للاقتصاد بعد زوال الاتحاد السوفياتي، وهو مصدر مزدوج من: أ- التقدم العلمي - التكنولوجي، وإن شئت فقل: التقدم على معراج الاقتصاد الجديد، او الاقتصاد المعرفي، على رغم عثراته الناجمة عن التوسع غير المخطط أحياناً، في ما يسمى تعثر شركات التكنولوجيا المتقدمة كما يعكسها مؤشر الأسواق المالية المتخصص "ناسداك"" ب- جني مزايا اقتصادية جراء تعاظم المكانة الاستراتيجية والسياسية الأميركية، بعد انفرادها بموقع القوة العظمى الوحيدة، كفعل معادل آلياً لسقوط القطب الثاني: السوفيات.
وعلى جناحين من التكنولوجيا والنفوذ السياسي - الاستراتيجية مضت أميركا. فحملت الكل على الركض خلفها، على طريق طويل وصعب جداً هو طريق التنافسية التي حملت لواءها في مقدم الصفوف، لا تلوي على شيء.
أما اليابان فانكفأت منذ منتصف التسعينات، جراء ما سبق أو بمواكبته، تتعثر في حفرة عميقة اسمها الركود. وأصبحت الكلمة المفتاح التي يرددها كل الناس في طوكيو، وحار في فهمها الأكاديميون والرسميون وأصحاب الشركات. ولكن الرأي الغالب انها نتاج قصور في الطلب الكلي نتيجة التركيز الياباني الطويل على كبح الطلب الاستهلاكي المحلي، بما فيه الطلب على الواردات، في مقابل التركيز على التوسع في الطاقات الانتاجية، وفي تلبية الطلب الأجنبي على الصادرات.
وأدرك اليابانيون سر "وصفة" اللورد كينز. فشرعوا في تنشيط الطلب من جانبين:
أ- طلب الحكومة، وهو توسع في الأشغال العامة، وخصصت الأموال الهائلة في هذا السبيل سعياً وراء زيادة مستوى الدخول المتاحة للإنفاق لدى الجمهور، وامتصاص معدل البطالة المتنامي وكبح اثاره الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة الجريمة والعنف....
ب- الطلب الاستثماري: وفي هذا السبيل شجعت الدولة الشركات على بناء المزيد من الطاقات الانتاجية، على رغم الآثار السلبية الماثلة في الأذهان للتوسع في الإقراض الرديء. وأعلنت الحكومة سياسة "سعر الفائدة صفر"، بغرض حفز هذا الطلب. ولا تزال تصرّ عليه، على رغم المصاعب. اما الشركات نفسها فأخذت تداوي أنفسها بالتي كانت هي الداء: خفض حجم العمالة، والاستغناء عن كبار السن نسبياً من العاملين، والكف عن سياسة التوظيف مدى الحياة وعن الترقي التلقائي للموظفين والعمال، الى الاندماج بين الشركات، جرياً وراء حمى الاندماج في العالم الرأسمالي كله. وأدخلت شركاء من أوروبا وأميركا لجذب الموارد المالية والتكنولوجية، مع الجراحات الصعبة التي يسمّونها "إعادة الهيكلة".
أما في المجال العلمي - التكنولوجي تحديداً فأصدرت "وكالة العلم والتكنولوجيا" وثيقة رسمت سياسة وقانون العلم والتكنولوجيا. وأخذت الجماعات ترخي قيودها المفروضة على إسهام الأساتذة في البحوث مع الشركات. وشرعت وزارة التعليم والشباب والرياضة تنظر في سبل تحديث النظام التربوي. وفي أروقة الأكاديميا ووزارة التجارة والصناعة الدولية ووكالة العلم والتكنولوجيا يجري الحديث صراحة وخفية عن ضرورة الخروج من جب الركود بالقفز الى أعلى، على سلم التنافسية، قفزة تبدو فوق طاقة الجميع هي قفزة الابتكار. وما أدراك ما الابتكار؟ انه الابتكار الذي كان سمة وسمت اليابانيين في الستينات والسبعينات والثمانينات، حىن كانت البلاد تقف على الحافة الرفيعة للتقدم التكنولوجي، وحين كانت معامل البحث والتطوير في شركات "تويوتا" و"هوندا" و"نيسان" و"هيتاشي" و"سوني" و"سانيو" و"ميتسوبيشي" و"باناسونيك"، تقدم الجديد للعالم كله كل مطلع شمس، ابتداء من اجزاء السيارة الأوتوماتيكية وانتهاء بالإنسان الآلي روبوت. والابتكار الذي يتحدثون عنه الآن ليس سياسة للابتكار، وإنما "نظام وطني للابتكار". انها الصيحة التي رفعها الأميركيون ويلاحقها الأوروبيون لا سيما البريطانيون، وكذلك اليابانيون. وأما مركز الابتكار المنتظر فيعرفه اليابانيون جيداً، لأنه نقطة الضعف والنقص و"مربط الفرس": انه ابتكار المجالين المبرزين: البيوتكنولوجيا تكنولوجيا الحياة من جهة اولى، والمعلوماتية - الاتصالية من جهة ثانية.
فهل اليابان قادرة على أداء هذه القفزة التاريخية، لتعاود السير في الأمام، بعد ان لبثت سنين متقهقرة خلف غريمتها؟ وبعد ان زرعت غريمتها في قلب جيلها الجديد حمى وحمم الثقافة الأميركية في أسوأ صورها وأشدها رداءة: "مجتمع الاستهلاك"، وما يتبعه من تكالب على اقتناء السلع غير الضرورية، وخفض وقت العمل لمصلحة وقت الفراغ، أو طغيان الفراغ على العمل - حتى لتكاد "الفضيلة" اليابانية ان تطاردها نقائضها المقبلة من الخارج على أجنحة "السرعة".
والحق ان هذا زمن الحيرة والارتياب في اليابان.
فهل يمكن اليابان حقاً ان تعاود السير في المقدمة؟ وهل تحقق قصب السبق - ولو "بالمشاركة" مع غيرها - في حقلي الحياة والإلكترونيات؟ وهل تسترد جزءاً من استثماراتها الخارجية ومعها كوادرها وتكنولوجيتها ومواردها لتعزز قدراتها الانتاجية المحلية؟ وهل يكون تنشيط الطلب النهائي، الاستهلاكي والاستثماري والحكومي، قاطرة لدفع النمو الانتاجي، غير الفقاعي؟ وهل تتحمل اليابان الكلفة القاسية لإعادة الهيكلة، وخصوصاً التضحية ب"النظام الياباني" وكان المشتغل فيه يعتبر الشركة او المنشأة بيته وقلعته؟ وهل تظل اليابان اسيرة المشروع العالمي والاقليمي - الآسيوي للولايات المتحدة الاميركية، فيكون تقدمها ظلاً من ظلال شمس اميركا غير الجغرافية، ام تبزغ الشمس حقاً من ارض الشمس المشرقة؟
وحينذاك تبني اليابان مشروعها الوطني للتطور الرأسمالي - ولا بأس في إطار ديموقراطي ياباني أصيل، نابع من تقاليد ذات طابع جماعي تاريخي، طابع شرقي - آسيوي يتناساه الشطر الأعظم من النخبة اليابانية تناسياً الآن - مع مصالحة تاريخية لا بد منها مع بقية آسيا الشرقية، خصوصاً الصين وكوريا؟
هل تفعل اليابان هذا أم ذاك؟ أم لا هذا ولا ذاك، فتظل أسيرة خيار وسطي معتم تاريخياً: حيث تكون اليابان مع اميركا - في مواجهة آسيا، بمعنى ما، ومع أوروبا ولا سيما ألمانيا - في عزلة عن افريقيا بمعنى ما - وتكون رأسمالية متأرجحة بين جماعية آسيا وفردية الغرب؟
هي إذن خيارات ثلاثة تطل من البعد برؤوسها الغامضة فوق اليابان، يكتنفها قدر غير يسير من انعدام اليقين، ويظل اللغز الكامن خلفها جزءاً من لغز تطور البشرية كلها في هذا القرن الجديد.
* أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية في معهد التخطيط القومي - مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.