سمعنا خلال 72 ساعة هذا الاسبوع مواقف عربية قديمة جديدة، او متجددة. الحكومة الفلسطينية اعلنت انها لم تتفاوض على مصير القدس ولن تتفاوض، وان القدس العربية يجب ان تعود كاملة الى السيادة الفلسطينية. والموقف السعودي المعروف من تأييد دولة فلسطينية عاصمتها القدس، ورفض التنازل عن اي جزء من السيادة العربية عليها، كرّر مرّة اخرى. واعلن الملك عبدالله الثاني في رام الله تأييده قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وقال وزير خارجيته عبدالله الخطيب ان الاردن يرفض السيادة الاسرائيلية على القدس. ونسب الى الرئيس حسني مبارك مطالبته بسيادة فلسطينية كاملة على القدس باستثناء الحي اليهودي وحائط المبكى. وقال وزير خارجية سورية فاروق الشرع ان على المفاوض الفلسطيني ان يصر على سيادة كاملة على القدس، وجعل هذا الموقف شرطاً مسبقاً لاي اتصال في المستقبل مع القيادة الفلسطينية. واتوقف قليلاً لبعض الشرح، فقد كنت سجلت في هذه الزاوية بعد فشل قمة كامب ديفيد ان الفلسطينيين يستطيعون التخلي عن الحي اليهودي وحائط المبكى للاسرائيليين. وهو على ما يبدو الموقف المصري، الا ان من الضروري ان يكون هذا التخلي في النهاية، وبعد ان ينتزع الفلسطينيون تنازلات مقابلة من الاسرائيليين، لا ان يبدأوا بمثل هذا العرض فيسجل عليهم. اما بالنسبة الى زيارة الملك عبدالله لاسرائيل، وهي الثانية له منذ خلف والده المغفور له الملك حسين، فقد كان من الافضل لو لم تحدث، مع تقديري ان الملك دعا الى دولة فلسطينية عاصمتها القدس وهو في رام الله، وانه زار تل ابيب لا القدس. مثل هذه الزيارات يشجع الاسرائيليين، ولا يغير شيئاً في سياستهم، واليمين الاسرائيلي انتقد الملك عبدالله بحدّة لانه زار تل ابيب لا القدس، والتلفزيون الاردني نفسه، في نشرته الاخبارية الرئيسية، اغفل زيارة الملك ضريح اسحق رابين، فكأنه احرج بالزيارة. بعد هذا الشرح، اعود الى المواقف العربية المعروفة، والتي كررت بشكل او بآخر في الساعات الاثنتين والسبعين الاخيرة، ففي مقابلها تصر اسرائيل على سيادة كاملة على القدس، ولم يكرر رئيس الوزراء ايهود باراك وحده هذا الموقف، بل ان وزير العدل يوسي بيلين، وهو زعيم "الحمائم" في اسرائيل اكد ان اسرائيل تصر على الاحتفاظ بالسيادة على القدس. الهوة العميقة الواسعة بين الموقفين العربي والاسرائيلي لا يمكن ردمها، خصوصاً اذا زدنا اليها الانحياز الاميركي الكامل الى اسرائيل الذي جعل الرئيس كلينتون يقتسم عملية التهديد مع رئيس وزراء اسرائيل، فالرئيس الاميركي هدد بنقل السفارة الاميركية الى القدس وقطع المساعدات الاميركية اذا اعلن الفلسطينيون دولتهم من طرف واحد في 13 من الشهر المقبل. وزاد باراك فهدد بحصار اقتصادي على الاراضي الفلسطينية. السياسة لا تستحق اسمها اذا لم تكن سياسة عملية، والفلسطينيون لا يستطيعون ان يخوضوا حرب طواحين هواء ضد اميركا واسرائيل، طالما ان العرب والمسلمين يخافون مجرد الاجتماع خوفاً من اغضاب الولاياتالمتحدة. في مثل هذا الوضع، وبأبسط عبارة ممكنة، وبالعامية حتى تفهم، "بلاش دولة فلسطينية" الآن. وانبه القارئ الى انني اقول انه لا ضرورة لدولة فلسطينية الآن، ما يعني انني والقارئ وابو عمار وكل عربي ومسلم لا نزال نصر عليها عندما تتهيأ الظروف المناسبة لها. والقيادة الفلسطينية اضاعت وقتاً ثميناً في السنوات الاخيرة عندما عجزت عن بناء مؤسسات دولة عصرية لتقوم باعباء هذه الدولة ساعة اعلانها. ورجاؤنا الا تضيِّع القيادة الوقت الجديد المتاح لها رغماً عنها، وان تسعى الى حكم ديموقراطي في ظل سيادة القانون، مع حرية القول والتجمع، واقتصاد مفتوح لا فلتان، فاذا اصبح الوقت مناسباً لاعلان الدولة وجد الفلسطينيون مؤسساتها جاهزة. وعدم اعلان الدولة ليس كارثة، فالفلسطينيون من دون دولة منذ نصف قرن او اكثر، وتحت الانتداب البريطاني قبل ذلك، والحكم العثماني قبله، وهم يستطيعون ان ينتظروا سنة او اكثر اذا كان الانتظار يجنبهم معركة خاسرة مع الاميركيين والاسرائيليين في غياب دعم عربي واسلامي عملي يتجاوز مجرد المواقف اللفظية. شخصياً لست متفائلاً اليوم، ولا سبب عندي للتفاؤل بتغيير يؤدي الى قيام دولة فلسطينية بعد سنة او اثنتين، لاننا اذا كنا لا نستطيع ان نتفق مع باراك وبيلين، فالاتفاق مع اليمين الاسرائيلي والاحزاب الدينية اصعب، وربما كان مستحيلاً.