تعامل الصحف الاميركية رئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك كما لو انه كان ديفيد بن غوريون او اسحق رابين، اما الصحف الاسرائيلية فرأيها فيه دون ذلك كثيراً. وكان جيم هوغلاند، وهو يعرف الشرق الاوسط جيداً منذ كان مراسل "واشنطن بوست" فيه خلال السبعينات، كتب مقالاً في جريدته قال فيه ان باراك سيصبح عملاقاً اذا تغلب على السياسيين الاقزام في اسرائيل. وحرّف هيمي شاليف كلام هوغلاند في "معاريف" فهو نسب الى الصحافي الاميركي القول ان باراك "عملاق وسط اقزام"، وانتقد هذا وذاك، وقال ان باراك لا يحلق بسياسته لان قدميه غائصتان في الوحل. وابدى ناحوم بارينا في "يديعوت احرونوت" نقداً مماثلاً لرئيس وزرائه، فقال ان "كرسي الحكم تعدي، وانظروا ما اصاب باراك، فهو في ايام يتغير ويتقلب حتى اصبح بنيامين نتانياهو". أرجّح ان الصحافيين الاسرائيليين يعرفون باراك افضل مما يعرفه الاميركيون. فالمعلق الاميركي لا يعرف اسلوب الائتلاف الحكومي لانه غير موجود في بلاده، ويعتبر الخروج على رئيس الوزراء نوعاً من الخيانة، او الطعن في الظهر، في حين ان المعلق الاسرائيلي الذي شبّ على الائتلاف وشاب، يعرف ان هذا اساس اللعبة البرلمانية، ومقياس قدرة رئيس الوزراء او عجزه على ادارة الحكم. والصحافة الاسرائيلية، وغالبيتها علمانية ليبرالية، باتت تخشى من سطوة الحاخامات، ومن ان تتحول اسرائيل الى "حاخاموقراطية" بعد ان كانت ديموقراطية، وتصرف باراك ازاء حزب المتدينين الشرقيين شاس لا يطمئنها الى وقف هذا التيار. بكلمة سريعة، يستطيع باراك ان يعمل من دون وجود شاس في حكومته. ومع ذلك فهو يبذل جهداً مستمراً لاسترضاء زعيمها الروحي الحاخام يوسف عوفايدا وزعيمها البرلماني ايلي يشاي، ولا ينفذ لهما طلباً حتى يطلعا بطلب آخر. باراك واجه استقالات وزراء شاس مع انه كان قبل في النهاية ان تنفق الدولة على المدارس الدينية التي ينخرها الفساد "وعلى فصل هذه المدارس عن وزارة التعليم. ورد وزير التعليم يوسي ساريد، زعيم ميريتز، بانه سيستقيل اذا حدث الفصل ووعد بان يؤيد حزب الائتلاف الحكومي من الخارج مع ان الحاخام عوفابوا يوسف دعا انصاره الى تلاوة مزمور ضد ساريد، وكان قبل ذلك اهدر دمه. وفي حين ان موضوع التعليم لم يحسم نهائياً بعد، فهناك نقطة عالقة او اثنتان، فان شاس عاد ليطالب باشراكه في اتخاذ القرارات الحكومية، وهو طلب يبدو منطقياً، الا انه اكمل قبل ان يسمع الجواب، مطالباً بان تعطي اذاعة غير شرعية لشاس رخصة رسمية، وهو طلب تعارضه المحكمة العليا. ووصفت المذيعة التلفزيونية السليطة اللسان أيالا حسّون راديو شاس بانه "قرصنة مقدسة". ولو افترضنا ان باراك وافق على كل طلبات شاس، فان التجربة تقول ان حزب الحراديم هذا كان سيطلع كل يوم بطلب جديد، فهو حزب متطرفين دينيين يريدون شيئاً مقابل لا شيء، ثم يريدون ان يموت الاسرائيليون الآخرون دفاعاً عن تطرفهم لانهم يرفضون الخدمة العسكرية. في مثل هذا الوضع يبدو ضيق الصحافة الاسرائيلية بباراك مبرراً، فهو يستطيع ان يمارس الحكم من دون شاس، او يستطيع الدعوة الى انتخابات جديدة، فاستفتاءات الرأي العام كافة ترجح كفته، بل انها تكاد تحثه على الوقوف في وجه شاس. وكل آخر استفتاء منشور اظهر ان 59 في المئة من الاسرائيليين يؤيدون طرد شاس من الائتلاف في مقابل 29 في المئة يعارضون ذلك البقية في كل الارقام هنا من دون رأي. كما تبين ان 25 في المئة يعتقدون بوجود تمييز ضد شاس، وان 55 في المئة يعتقدون بوجود تحيز نحو هذا الحزب. وسئل الاسرائيليون من سينتخبون اذا اجريت الانتخابات غداً؟ فأيد 46 في المئة باراك، في مقابل 39 في المئة لنتانياهو، و50 في المئة باراك في مقابل 35 في المئة لاريل شارون. وسط كل هذه المؤشرات نشبت حرب بين وزارة العمل التي يرأسها ايلي يشاي ومطاعم ماكدونالد، بعد ان توكأت الوزارة على قانون يعود الى سنة 1953 لتغريم ماكدونالد 20 الف دولار بتهمة تشغيل يهود في يوم العطلة السبت. ورد عمري بادان مالك امتياز المطاعم بنشر اعلانات في الصحف الاسرائيلية وقال فيها: "اوقفوا الاستسلام لشاس قبل ان تصبح اسرائيل ايران ثانية". اسرائيل لن تصبح ايران ثانية او ثالثة، غير ان الدرس من الازمة الوزارية الاسرائيلية المستمرة هو ان رئيس وزراء لا يستطيع ان يقود اعضاء حكومته، لن يستطيع ان يقود اسرائيل نحو السلام.