لم أدرس طرق التربية والتعلّم في جامعة ما، انما من الحارة التي تربيت فيها. اكتشفت مثلاً - بأثر رجعي وبعد سنوات - ان معظم مشاكل الحارة: عراكنا كصغار، عراك الكبار معاً ومعناً كان سببه بسيط، هو ان مجموعة كبيرة من الناس احتياجاتهم مختلفة، يعيشون في حيز مكاني صغير، كل يحاول تلبية احتياجاته التي يمكن ان تتعارض مع احتياجات الآخرين. كنا نلعب الكرة في الوقت الذي يحتاج فيه الموظفون الى الراحة ساعة القيلولة. وتوالت اكتشافاتي للحارة فتصالحت مع نفسي ومع أهل الحارة وأحببنا بعضنا بعضاً أكثر. تعلمت من البيئة المحيطة بي. من حكايات الكبار. وجدي الذي عمل سنوات بمعسكرات الانكليز في صحراء سيناء قبل تموز يوليو 1952، كان معلماً مهماً بالنسبة اليّ. بفقده قبل سنوات فقدت اكبر المحللين السياسيين في حياتي. كنت اعتبره إبان هزيمة 1967 واحداً من اعوان الاستعمار وطابوراً خامساً يهدم روحنا الحماسية التي ستلقي بإسرائيل في البحر. واكتشفت انه وطني من طراز فريد افتقدناه. كان يقول لي: يمكنك ان تهزم عدوك وأنت تعيش معه، لا ينتصر الناس بألسنتهم. ترك جدي المدرسة قبل ان يكمل دراسته الابتدائية. خطه الجميل كان سبباً في التحاقه بأكثر من وظيفة موقتة. كان ينهرني عندما اخطئ في التشكيل اثناء القراءة، وكنت أتحداه ان يعرف لماذا هذه منصوبة او تلك مرفوعة فكان لا يعرف، كل ما يعرفه انه تربى على ان تكون أذنه ولسانه صحيحين. جدتي والأساطير التي كانت تقصها علينا. حكايات زمان التي افتتحت فيها مدرسة في فناء بيت في الاسماعيلية مقاعده من الصفائح المملوءة بالرمل، تطبيبها لأطفال الحارة، تحضيرها لبخور دهن الماعز وقت صلاة الجمعة لمعالجة الأطفال المرجوفين، حكاياتها عن الجن والعفاريت في قريتهم بأقاصي الصعيد، تبركها بالقديسين وأولياء الله الصالحين جعلتني اختزن اشياء كثيرة في الذاكرة وأعيد تأملها، واكتشف منذ وقت قريب فقط انني كنت اعيش التنوع الذي نضيق به هذه الأيام. القواعد والأصول التربوية اكتشفناها من دون تنظيم مسبق او بحث منهجي، فقط بعد الممارسة كنا نكتشف ان بعضها نظريات يعلمونها بالجامعة. فقط تساءلنا، أحببنا، بحثنا وحاولنا، اكتشفنا عجزنا عن عمل الكثير وقدرتنا ايضاً على عمل الكثير، فتعلمنا ولا زلنا نتعلم. اكتشفت ان الكارثة التي تحل بالطفل عندما يدخل المدرسة، تكمن في انه يفقد الكثير من مصادر التعلّم الطبيعية المتعددة والمتنوعة: الأقران - الكبار - الملاحظة - الجري وراء الجراد والفراشات في الحقل ومحاولة الإمساك بها وتفحصها. الصراع بينه وبين الآخرين في تلبية احتياجاته وفي التعلم، ما يجعله يدرك حدود حركته في المكان والزمان، ويجد توازنه في كل موقف او مرحلة من مراحل نموّه. الكارثة الاخرى انه يفقد حريته في التعلّم من هذا المصدر او ذاك، في الوقت الذي يريده وبالطريقة التي يريدها، بالجرعة التي يريدها وفي الاجواء التي يحبها، بل انه في احيان كثيرة يصنع اجواء تعلمه بذاته في المدرسة تتلخص مصادر التعلم في المعلم والكتاب، يضيفون عن استحياء بعض النشاطات. اجواء اللاءات تحيط بالطفل طوال يومه الدراسي. وفي احسن الحالات ربما يتعلم، لكنه بالتأكيد يفقد كثيراً من المتعة والحرية. التنوع، الحرية، اجواء التعلّم، المتعة. مفاهيم بقيت تمثل بالنسبة اليّ اشكالية كبرى وعلامة فارقة في التعامل مع أية تجربة للتعلم. وعلى اساسها قامت "مؤسسة سلامة موسى لخدمة التعليم والتنمية"، حيث وجدنا علاقة عضوية بين المفاهيم السابقة، وبين حياة سلامه موسى احد اهم رواد التنوير العرب، وعلى أساسها ايضاً قامت مبادرتنا للتعامل مع قضايا التعلّم والتنمية. احدى تجاربنا: هذه التجربة تكمل الآن نهاية عامها الثالث، ليست فقط "محاولة بناء منهجية تمثل إمكانية اخرى لتأمين حاجات التعلّم الأساسية للأطفال الأميين من 9 الى 13 سنة في مصر"، وإنما هي محاولة مستمرة منذ بداية المشروع في كانون الثاني يناير 1997 تمثل: - دعوة لمشاركة المهتمين والمهمومين بقضايا التربية في مختلف المجالات - وهم كثر - للحوار حول ما يمكن عمله مع هؤلاء الصغار. - دعوة لمشاركة المنسقات/ المنسقين العاملين مع الاطفال، للاكتشاف اليومي المستمر لدورهم لاستعادة حق هؤلاء الاطفال في التعليم، واستعادة حقهم هم ايضاً في تعليم طالما حلموا به ولم يمارسوا معظمه اثناء حياتهم التعليمية في المدارس. - دعوة لمشاركة الصغار انفسهم - وما اصعبها وأمتعها في آن - في كل ما يخص تعلمهم، وتقرير ما يرونه مناسباً لهم: ماذا يتعلمون؟ متى؟ وبأية كيفية؟ - دعوة للدوائر الثلاث السابقة للتصالح والتقاطع والحوار، للبحث في المساحات المشتركة وللخروج مما نحن فيه الى ما نحلم به. - ان نمارس اللقاء: اساتذة جامعة - متخصصون - منسقات/ منسقون - اطفال، في محاولة لمشاركة حقيقية في التساؤل والبحث والتعلم المشترك. شيء رائع حتى لو كان مجرد بداية. انطلقت أهمية الفكرة تأسيساً على أهمية معايشة المفاهيم السابقة مع الاطفال ووضعها مرة اخرى على المحك العملي، بالاضافة الى ان اعداد الاطفال الأميين في الفئة العمرية التي ذكرناها الذين لم يذهبوا الى المدرسة اصلاً او تركوها لسبب او لآخر بلغ في مصر حوالى أربعة ملايين طفلة وطفل. التجربة تكمل الآن عامها الثالث بدأت في مطلع 1997 في قريتين في صعيد مصر هما أبو غرير، وبني عبيد - مركز أبو قرقاص - محافظة المنيا. مرت التجربة بمراحل يمكن ان نلخص مسارها في ما يلي: - كانون الثاني يناير 1997: طرح الفكرة على بعض من المتخصصين المهمومين والمهتمين بقضايا التربية والحوار حولها، وتنوعت المجموعة لتشمل مهتمين ب: التربية - المناهج - التاريخ - الفن الشعبي - الفن التشكيلي - محو الأمية - البيئة - قضايا الأدوار والعلاقات الاجتماعية - قضايا الحقوق. وتم الحوار حول الفكرة انطلاقاً من اطروحة قدري حفني حول العلاقة ما بين: الضرورة والوعي والامكانية في المشروعات التي تتعامل مع الأميين. - آذار مارس 97: تم فيها الحوار حول أطروحات عن: البيئة - الفن - قضايا النوع الاجتماعي، وخرجت المجموعة بطرح تصور لمسار المشروع حتى كانون الثاني 1998، كما خرجت بورقة تضع تساؤلات محددات الإطار العام للبرنامج على المحك العملي. - آذار مارس - آب اغسطس 1997: زيارات استكشافية للقرى - الاتفاق مع الجمعيات الشريكة في التجربة - حوار حول الأبحاث المزمع تنفيذها - تحليل محتوى كتب وزارة التربية والتعليم وبحث امكانية الاستفادة من بعض موضوعاتها من عدمه. - تشرين الاول اكتوبر 1997: استشارتان حول التاريخ والصحة وعلاقتها ببرنامج تعلّم - اختيار المنسقين الذين سيعملون مع الاطفال، وتدريبهم. - تشرين الثاني نوفمبر - كانون الاول ديسمبر تدريب المنسقين على اجراء الابحاث - الاختبار القبلي لادوات البحث - تعديل الادوات - التطبيق الميداني للابحاث وشمل: - الاحتياجات التعليمية والبيئية للأسرة المعيشية في الريف المصري، وتم مع اولياء الامور. - الاحتياجات التعليمية للطفل. - المجال الحيوي للطفل برنامج الحياة اليومية للطفل. واخيراً بدء انتظام اطفال قرية بني عبيد في مجموعتين 30 طفلة وطفلاً في مبنى مدرسة ابتدائية تملكها جمعية الصعيد للتربية والتنمية 5 مرات اسبوعياً بمعدل 3 ساعات في المرة الواحدة. مثّلت نتائج الابحاث - خصوصاً مع الاطفال - مفاجأة للجميع فيض من معرفة كنا نجهل الكثير عنه، تعريف الاطفال للاشياء والظاهر، اسئلتهم، ماذا يريدون ان يتعلموا، ولعله من المناسب هنا ان ننقل شيئاً يسيراً من هذا الفيض: القمر بيطلع في الليل ويكون ماشي مع الناس وفيه ملايكة ملائكة الغيوم هي الحاجات اللي بتخلي الشمس تستخبى تختبئ ليه الاسد بياكل الناس؟ وليه الحوت بياكل الناس ليه الناس بتتعارك مع بعض بسبب السقية مياه الريي؟ ازاي بذرة البرسيم السوداء تتحول الى نبات اخضر؟ علاقة انقطاع المياه بانقطاع الكهرباء في القرية البحر اوله فين وآخره فين؟ ازاي القطر القطار بيمشي على الحديد؟ ازاي الصورة بتتحرك في التلفزيون؟ ازاي البلهارسيا بتدخل الجسم من غير ما نحسّ بيها؟ العيال وهمّا صغيرين ما بيتكلموش ليه؟ الرعد والبرق: بينوّر في السما ويكركب، ويقولوا حجر وقع من جبريل. أشوف النجوم لمّا تسيح وتقع على الارض، ولما تبرد ويلاقوها العيال تاني في الحارة يلعبوا بيها. انا وصاحبتي لمّا بنمشي القمرة بتمشي معانا، وطول الوقت نتعارك على القمرة: بتمشي معايا ولا معاها؟ اذا عايزين تعلّموني قولوا لي القمرة بتمشي مع مين. أكون فرحانة لما اكون وسط ابويا وامي واخواتي لأن ابويا راجل عاجز ضرير. لمّا الراجل اللي بشتغل معاه يعاملني وحش بطريق سيئة أسيب الطورية الفاس وأروّح. - شباط فبراير 1998: الورشة الثالثة: اتسمت بدخول المنسقات والمنسقين الملعب الفكري مع المتخصصين والخبراء. وتم عرض: خيرة العمل خلال الشهرين الماضيين مع الاطفال - النتائج الاولية للابحاث - اشتعال للحوار حول المحاور المطروحة في الورشة السابقة انطلاقاً من التجربة العملية - بدء العمل على خرائط مفاهيمية مقترحة خرجت من نتائج الاحداث - بداية لتعامل عملي مع الاطار العام للمحتوى. - آذار مارس 1998: بدء العمل مع الاطفال في قرية ابو غرير وانتظامهم في مجموعتين 34 طفلة وطفلاً في منزل ريفي في قرية 5 مرات اسبوعياً بمعدل 3 ساعات في المرّة الواحدة. - نيسان ابريل - كانون الأول ديسمبر 1998: عديد من ورش العمل لإكساب مهارات متنوعة للمنسقين شملت: مسرح الدمى - النحت وحرق الصلصال - العمل على خرائط المفاهيم - الاستخدام المكثف للغة العربية - اشتراك المنسقين كباحثين في اجراء بحثين حول: البيئة والنوع الاجتماعي والفقر، المرأة العاملة في القطاع غير الرسمي. صدور اولى المجلات المطبوعة للاطفال تحت اسم "العفاريت". صدور بحث في كتاب "اللعب عند الاطفال وعلاقته بتنمية القدرات الابتكارية". - شباط 1999: الورشة الرابعة: اتسمت بدخول الاطفال الملعب الفكري مع المنسقين والخبراء، كم كان رائعاً وهم يصرّون على ان تكون اجاباتهم عن الاسئلة التي طرحناها - بعد عام من انتظامهم في مجموعات للتعلّم - بالرسم والغناء، 4 لوحات جماعية ضخمة وعدد من الاغاني الشعبية ترد على الاسئلة: ايه اللي حصل معانا السنة اللي فاتت؟ ايه عجبنا؟ ايه ما عجبناش؟ ناويين نكمّل ازاي؟ اشتباكات البراءة في النقاش التي لا تعرف أطراً او حدوداً للغة متعارف عليها. اعطاء اسماء للاشياء والمفاهيم من واقع خبرات عملية معاشة. الاندهاش والاجتهاد في محاولة التواصل مع الكبار وعالمهم. اندهاش الكبار والاجتهاد في محاولة التواصل مع الصغار. زخم انساني يشكّل خلايا حيّة تصنع اجواء تشكّل وطناً جميلاً آت. جمال التنوع يصارع قبح الأحادية. - آذار مارس 1999: العاملون بالمشروع يعقدون ورشة للتعلّم الذاتي تتناول: حصر مشكلات التطبيق والتعامل معها - الانشطة مع الاطفال - التعامل مع بعض انماط شخصيات الاطفال - التدرّب على اتقان اكبر للطريقة الصوتية في تعلّم القراءة والكتابة - كيفية التعامل مع ابداعات الاطفال - كيف نوثّق تجربتنا بشكل يتيح افادة آخرين منها. - نيسان ابريل 1999: يستمر الزخم على كافة الأصعدة. الاطفال يتعلمون وتزداد مهاراتهم في اجواء معظمها ممتع، وبعضها مؤلم. نتعلم من مصرع مصطفى تحت عجلات جرار زراعي في المدينة حينما كان يحاول ان يفوز بعود من قصب السكر. يتأمل الاطفال الاخطار اليومية التي تحيط بهم، ويعون بها اكثر. تتبلور عناصر لبرنامج الوعي بالحوادث والوقاية منها، نكتشف مسؤوليتنا عن سلامتنا، نحاول التمييز بين القدر وبين دفع ثمن اخطائنا. طفلة تسقط من سطح البيت فتتكسر عظام حوضها، يقول الصغار: لأنها سرقت الصلصال، وراحت تشكّله فوق السطح لذلك عاقبها الله على السرقة. نكتشف ان اخذ الصلصال ليس بخطيئة، وان الطفلة سقطت لأنها لم تنتبه. يضعون الطفلة في الجبس لمدة شهرين. تبكي وتتألم والدها البسيط يكسر الجبس ظاناً انه سبب المها. نتعارك مع الأب. نحبسها مرة اخرى، نتناقش مع الصغار حول كيفية مساعدتها في المنزل، والطريقة التي يمكن ان تأتي بها الى البيت مع المجموعة لتتعلّم، تعود الطفلة بدروس مُستفادة مع عرج بسيط في مشيتها. تواصل جماعة الاطفال جمع الاغاني الشعبية 30 أغنية حتى الآن، ويكوّنون فريق كورال لاعادة احيائها، نتجادل حول بعض الالفاظ التي تعتبر عيباً في القاموس السائد. نقرّها، ويكمل الاطفال فكّ رموز الحرف والرقم من خلالها، نسترد نحن لغة اهلنا وتعبيراتهم الشعبية… ونتعلّم. نكتشف مع الأطفال - في رحلة تعبيرهم عن الحياة بالرسم - المادة التي كان يرسم بها المصريون القدماء معابدهم. يقولون لنا ان صفار البيض مع الخل مع الأكاسيد كوّن مادة الطلاء والرسم منذ آلاف السنين. نجرب. نتعجب من ثبات الألوان. حيطان البيت مشاع للرسم والتلوين وكتابة الأسماء. بدايات للرسم على بعض حيطان بيوتهم مع حلم بتلوين القرية. الصغار اخوة الأطفال يستأنسون البيت. الأطفال يفكرون بعمل شيء لأخوتهم: حفلة - لعبة - تعليمهم القراءة والكتابة. بيت التعلم يقترب من ان يكون بيت الجميع. يسميه الأطفال الآن "بيت الناس". نخوض تجربة في تطوير التعامل مع الصلصال. نكتشف جمال الحرف العربي. نشرع في الاتقان، عله يتحول الى عمل نرتزق منه في المستقبل. خلية حيّة اخرى تتكون من شابات وشبان متطوعين لمحاولة التعرف على واقع الأطفال وأهاليهم والاشتباك مع هذا الواقع، ربما يظهر مشروع يوظف امكانات الأطفال والأهالي، او يرد على احتياج لديهم. ينجز كل العاملين ورشتين للتدرب على مهارات التعبير بالتصوير الفوتوغرافي والفيديو. ينخرط كل العاملين والمتطوعين في لقاء اسبوعي للتثقيف الذاتي في شتى المجالات التي نحتاج فيها الى اكتساب معارف او مهارات. يزيد عدد الفنانين والمفكرين والمتضامنين طوعاً مع التجربة، ويجدون مصدراً لتعلمهم. - كانون الأول 1999: قيد الطباعة: "كتابنا إحنا" الطبعة التجريبية. كتاب تعلّم يصدره الأطفال والمنسقون، ويحوي اغانيهم الشعبية وبعض حكايات جداتهم، وقصصاً من تأليفهم ورسومهم. "سلامي اليك يا بلدي" بعد عام من العمل، شهادات الأطفال والمنسقين. ماذا تعلمنا؟ ربما من الأفضل نقل بعض من شهادات الأطفال بنصها، وفي لغتها العامية، كذلك بعض من شهادات المنسقين: 1 - شهادات الأطفال: منال: في الأول كنت خايفة آجي. لكن لمّا خدت عليكم بدأ - آجي وبتعلم. منى: ساعة البحث، الأبلة سهام سألتنا تحبوا إيه وتكرهوا ايه، وسألتنا انتو بتطلعوا البهايم ازاي، وبتحشوا البرسيم إزاي، وبتسمعوا إيه وانتو رايحين الغيط الحقل، واتعلمنا اسمنا. شادية: اتعلمنا الحروف ورسمنا ورحنا رحلة الحديقة، وركبنا المرجوحة وطلعنا على البحر اتفسحنا وجينا... لمّا رحنا الرحلة وركبنا القطر القطار كنا خايفين. سامية: أول ما جينا كان تاني يوم وتالت يوم عوض وعوض كانوا بيتخانقوا في بعض، لكن، دلوقتي اتعلموا يحبوا بعض ويروحوا مع بعض الغيط وهديوا هدءوا. بركة: أول ما عجنا الصلصال كنا قرفانين منه، ودلوقتي بأحب اشتغل بالصلصال. نوره: في الأول لما كنا بنرسم كنا بنتعقد، وكنا زعلانين وموش عايزين نرسم، ونقول يعني ايه نشخبط شويه في الورق؟ بس دولقتي بنحب الرسم. شادية: اتعلمنا القراية والرسم وخليتونا نطبخ بيض، وكل واحدة عملت البيضة بتاعتها في صحن. ماري: لما جبنا البوتاغاز علمتونا نولعه إزاي. نورا: كنتم بتغيروا المواعيد حسب ما إحنا عايزين، وحسب ظروف شغلنا في البيت وفي الغيط. نادية: كنت مبسوطه لما أمي جات الحفلة، وعرضنا التمثيلية وخذنا وادينا مع أمهاتنا حوالين المشاكل اللي بتحصل بينا وبينهم. بركة: كنت مبسوطة لما نغني ونسجل مع بعض. عوض: عايزين نتعلم وندخل مدرسة حكومية. 2- بعض من شهادات المنسقين: تريزا: في البداية، لم أتخيل ما الذي يمكن ان يحدث مع الأطفال، خصوصاً في هذه السن وفي هذه البيئة. لأنها كانت أول مرة أتعامل معهم. أ - من خلال التعامل مع الاطفال ومع الأسر، بدأ - اسأل: ب - لماذا لا توجد مساواة بين الناس؟ ج - لماذا كل هذا الفقر؟ د - ما الذي يمكن ان نفعله لنلبي احتياجات هؤلاء الاطفال؟ سهام: عندما بدأت العمل مع مؤسسة سلامه موسى، وعلمت ان العمل مع الأطفال من دون كتاب، كانت المسألة تشغل تفكيري، لأنني عملت مع أطفال في هيئة اخرى باستخدام كتاب فكيف سأتعامل اذن من دون كتاب... كانت البداية عمل الأبحاث مع الاطفال وأسرهم، وكنت أتساءل: كيف يساعد البحث في عمل برنامج للأطفال؟... ولكن في نهاية البحث عرفت ان له فائدة كبرى في استخراج الاحتياجات الفعلية للاطفال. هند: بعدما تعاملت أكثر مع تريزا والأطفال. شعرت انهم أجمل شيء في الدنيا ممكن الواحد يتعامل معها... في أول أسبوع لم يكن هناك ارتباط بيني وبين الأطفال... وكنت أقول على رسوماتهم أنها "هبل"، ولم أكن أفهم ما يرسمونه، ومع الوقت بدأت أفهم رسوماتهم وأفهمهم وأحس بمشكلاتهم. هناك أطفال لهم رسومات غريبة فمثلاً شيرين رسمت لوحة عبارة عن جزء ملون اسود وجزء آخر ملون ابيض، وعندما سألتها عما رسمته قالت: ان اللون الأسود يدل على الوساخة القذارة واللون الأبيض يدل على النظافة. منتصر: اكتشفت ان الأطفال لهم أحاسيس ومشاعر قوية يعبرون عنها بقوة. نحن نحاول الاهتمام بتغذية الاطفال بعمل 3 وجبات في الاسبوع، وقد اتفقنا ان الطفل الذي لا يحضر خبزه معه لا يشاركنا الغذاء. وجاء عوض ذات يوم من دون ان يحضر الخبز فحرمته من الغذاء، وجمع له زملاؤه قطعاً من الخبز لكنه رفض المشاركة في الغذاء احتجاجاً على معاملتي له، وفي المرة الثانية أحضر معه الخبز ولم يقبل أخذ الغذاء مني حتى بعدما صالحته... وأخذه من يد سهام. بعد هذه الشهادات لا أستطيع سوى ان أقول: نحن نتعلم، أذن نحن نعيش. * مرب مصري من "مؤسسة سلامة موسى. والنص ألقي في ملتقى تربوي أعدّ له الدكتور منير فاشة من جامعة هارفرد الاميركية.