«أرامكو»: 0.73 % من أسهم الشركة لمؤسسات دولية    399 مخالفة على منشآت العمالة الموسمية بالمدينة    «الداخلية»: انطلاق الجلسات العلمية لمنتدى الخدمات الطبية    مجلس التعاون ودعم اليمن    زوجة «سفاح التجمع» تظهر من لندن: نجوت من مصير الفتيات !    كيت ميدلتون.. قد لا تعود أبداً إلى ممارسة دورها الملكي    مانشيني يواجه الإعلام قبل لقاء الأردن    400 مخالفة على الجهات المخالفة للوائح التعليم الإلكتروني    بعد ياسمين عبدالعزيز.. ليلى عبداللطيف: طلاق هنادي قريباً !    شريفة القطامي.. أول كويتية تخرج من بيتها للعمل بشركة النفط    شرائح «إنترنت واتصال» مجانية لضيوف خادم الحرمين    استقبال 460 حاجاً من ضيوف خادم الحرمين من 47 دولة    المجلس الصحي يشدد على مبادرة «الملف الموحد»    «التعاون الإسلامي»: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء    العطلة الصيفية واستغلالها مع العائلة    "السمكة المتوحشة" تغزو مواقع التواصل    الاقتصاد السعودي.. محركات قوية للنمو المستدام    القيادة تهنئ ملك الأردن    الأمريكي" غورست" يتوج ببطولة العالم للبلياردو    الأهلي يفاوض كيميتش والنصر يتخلى عن لابورت    مستثمرو النفط يتطلعون لانتعاش الأسواق بعد خسارة أسبوعية    الداخلية تستعرض خططها لموسم الحج.. مدير الأمن العام: أمن الوطن والحجاج خط أحمر    أمير القصيم يشيد بجهود "طعامي"    محافظ الأحساء يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    «فتيان الكشافة» يعبرون عن فخرهم واعتزازهم بخدمة ضيوف الرحمن    «بيئة الرياض»: 3918 جولة رقابية على أسواق النفع العام والمسالخ    قيادات تعليمية تشارك القحطاني حفل زواج إبنه    "هيئة النقل" تدشن سيارة الرصد الآلي كأول تجربة لها في موسم الحج    سعود بن نهار يدشّن الصالة الإضافية بمطار الطائف    وزارة الحج تعقد دورات لتطوير مهارات العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    إعادة تدوير الفشل    خلود السقوفي تدشن كتابها "بائعة الأحلام "    الحج عبادة وسلوك أخلاقي وحضاري    11 مبادرة تنفيذية لحشد الدعم الإعلامي للاعتراف بدولة فلسطين    تدشين خدمة الربوت الذكي بجوار المسجد النبوي.. مشاهد إيمانية تسبق مغادرة الحجيج المدينة المنورة    رسالة جوال ترسم خارطة الحج لشيخ الدين    شهد مرحلة من التبادل الثقافي والمعرفي.. "درب زبيدة".. تاريخ طويل من العطاء    استشاري:المصابون بحساسية الأنف مطالبون باستخدام الكمامة    الدكتورة عظمى ضمن أفضل 10 قيادات صحية    أمير الرياض يطلع على عرض لمركز صالح العسكر الحضاري بالخرج    تغييرات الحياة تتطلب قوانين جديدة !    رئيس الأهلي!    فشل التجربة الهلالية    انطلاق معسكر أخضر ناشئي الطائرة .. استعداداً للعربية والآسيوية    التخبيب يهدد الأمن المجتمعي    وفد الشورى يطّلع على برامج وخطط هيئة تطوير المنطقة الشرقية    رئيس جمهورية قيرغيزستان يمنح رئيس البنك الإسلامي للتنمية وسام الصداقة المرموق    الشاعر محمد أبو الوفا ومحمد عبده والأضحية..!    الأخضر يختتم تحضيراته لمواجهة الأردن    فيصل بن سلمان يرأس اجتماع مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية    أمير القصيم يوجه بتوثيق الطلبة المتفوقين في كتاب سنوي    أمير تبوك يواسي عامر الغرير في وفاة زوجته    قطاع صحي ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "مكافحة التدخين"    الوزاري الخليجي: ثروات المنطقة المغمورة للكويت والسعودية فقط    فريق طبي "ب"مركزي القطيف" ينقذ حياة مقيم    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رفض البلغار تزويدنا بسلاح فردي متطور وكواتم للصوت الا بإذن رسمي من القيادة الفلسطينية . قمت بتزوير تأشيرة دخولي لألمانيا لاستكشف المدينة الرياضية في ميونيخ الحلقة 2
نشر في الحياة يوم 19 - 06 - 1999

كشف ابو داود في الحلقة الاولى من مذكراته عن بدايات تبلور فكرة عملية ميونيخ فذكر انها جاءت ردة فعل على رفض اللجنة المنظمة للألعاب الاولمبية مشاركة بعثة فلسطينية في الدورة واقدام اسرائيل على تصفية المفكر الفلسطيني غسان كنفاني في الحازمية لبنان وارسالها طرود مفخخة لبعض القادة ورجال الفكر في الهيئات والمنظمات الفسطينية كأنيس صايغ وبسام ابو شريف.
وتناول ابو داود بشيء من التفصيل كيف تطورت الفكرة والدور الذي لعبه عامل الانتقام في الإسراع على تنفيذها.
وكشف ابو داود عن دور ابو يوسف النجار وابو أياد صلاح خلف وابو مازن محمود عباس في تنظيم العملية وتمويلها. وهنا الحلقة الثانية من الاعترافات.
للأسف لم أكن خبيراً كفاية بعد بالسفر في أوروبا. فالقطار الذي أخذته، يمرّ في النمسا ولم تكن لدي تأشيرة دخول. وعند وصولي الى ممرّ برينر، في جبال الألب الايطالية، اضطررت الى النزول في المحطة الحدودية. وفات الاوان، إذ حلّ المساء ولم استطع الحصول على تأشيرة الدخول، فالساعة قد تخطت الخامسة عصراً، والمكاتب مقفلة. لذا إنتظرت الصباح التالي كي احصل على التأشيرة عند فتح المكاتب، واستغللت الفرصة كي اطلب اذاً بدخول النمسا مرتين لأنه كان عليّ ان امرّ مجدّداً في هذا البلد بعد استعادة المرسيدس.
المزعج في الامر أنّه في ذلك السبت بالذات لم يكن هناك قطار بإتجاه ميونيخ قبل المساء، وحيث كنت لم يكن لدي حلّ آخر سوى انتظار القطار. امّا النتيجة فكانت خسارة يوم كامل، لا بل يومين، لأنني كنت مضطراً في اليوم التالي الى متابعة طريقي مباشرة الى فرنكفورت بدلاً من التوقّف في ميونيخ كي لا أخاطر في تفويت موعدي في صوفيا في 20 تموز!
بعد هذه الخيبة، وبعدما حصلْتُ على السيارة في فرنكفورت، سلكت الطريق الى بلغاريا وذلك في 17 تموز. على الاوتوستراد كنت انطلق مسرعاً قدر المستطاع. في الواقع قلت في نفسي انه لا يزال لديّ وقت كاف لأمضي نصف النهار على الاقل في ميونيخ.
وصلت الى المدينة البافارية في بداية بعد الظهر. اوقفت السيارة في أقرب موقف من وسط المدينة، وبدأت فوراً البحث عن خريطة مفصّلة للمدينة. ذهبت ايضاً الى مكتب سياحي، واستحوذت على كل الوثائق المتوافرة، وحتى تلك التي تخص الاولمبياد، من دون ان انسى لائحة بالفنادق ومخطط وسائل النقل في المدينة باص، مترو وكتيّبات متنوعة عن توقيت الرحلات الجوية المحلية والدولية من ميونيخ واليها. بعدها اسرعت الى اقرب محطة مترو، وكما فعلت في برلين اشتريت بطاقة تنقّل لمدّة اربع وعشرين ساعة ولرحلات متعدّدة، وباشرت منذ تلك اللحظة التعرّف الى شبكة المواصلات المحلية في المدينة.
لم اجد صعوبة في العثور على المجمّع الاولمبي، شمال المدينة، إذ يوصلك المترو الى بابه. بدت ورشة ضخمة لم تنته الاعمال فيها. كانت في جهتها الجنوبية اشبه بمشهد تام الانسجام من الوديان الصغيرة والتلال، مع كتلة هائلة من المدرّجات يتوسطها عالياً برج رائع للتلفزيون. وكانت القرية الاولمبية قائمة في جهتها الشمالية، وهي التي كانت تهمني اكثر من أي شيء آخر. كانت تبدو مثل مدينة منامة مؤلفة من ابنية تذكّر بألاهرامات، وايضاً من ابنية اصغر وأقلّ ارتفاعاً، تتعرّج بينها ممرّات من الباطون على مستويات مختلفة وفتحات متعدّدة على المساحات الخضراء، وشلالات صغيرة والوف الاشجار، المنقولة اليها بلا شكّ. في تلك الساعة، لم تكن القرية سوى خليّة عمل ناشطة، في طوابق الابنية، وفي الاقبية وحتى في عرض الممرات. كان من المستحيل أن أتصوّر كيف سيبدو المكان حين تبدأ الالعاب، وبألأخصّ كيف سيتم تأمين الحراسة على محيطه بكامله. كان من غير المجدي ان أبقى طويلاً هناك. فانطلقت في تلك الامسية نحو سالزبورغ، ثم بإتجاه فيينا حيث كنت انوي قضاء الليل. وصلت الى العاصمة النمسوية في وقت متأخر، وعلى رغم هذا، اكملت طريقي باكراً في الصباح بإتجاه يوغوسلافيا. عند الحدود اليوغوسلافية، فهمت انني ضللت طريقي في الليلة السابقة من دون فائدة، إذ كان بإمكاني التوجّه نحو غراز بعد سالزبورغ بدلاً من التوجه نحو فيينا، لكنت وفرّت ثلاثمئة كيلومتر وإجهاداً كبيراً من جرّاء القيادة أثناء الليل... وحاولت تعويض الوقت الضائع، فَقُدت السيارة في ذلك اليوم ما يقارب 15 ساعة على طريق شديدة الازعاج لكثرة ازدحامها بالشاحنات، بين زغرب وبلغراد. وفي بداية السهرة، ومع اقترابي من نيش، لم أعد استطيع القيادة، وشعرت انه من الافضل ان اتوقف في أحد الفنادق على جانب الطريق.
وعلى رغم هذا، كان هناك في اليوم التالي 19 تموز ما يريحني، فعند اجتيازي الحدود البلغارية قرابة الظهر، لم تعد صوفيا سوى على بعد ستّين كيلومتراً فقط. وحين وصلت الى العاصمة، نزلت في فندق "البلقان". ولاحظت أنّ العاملين فيه لا يزالون يتذكّرونني. وبعد ساعة او إثنتين كنت في مقرّ شركة "كينتكس" أقدّم المواصفات الجديدة للأسلحة التي سنشتريها.
هناك كانت المفاجأة: فعلى رغم حرارة العلاقة بيني وبين مسؤولي المؤسسة منذ تدخُّل نينو إيفانوف الشهر الماضي، فهمت ان هناك مشكلة بالنسبة الى كواتم الصوت ورشاشات ستتشكين التي طلبتها.
وفي المساء، ذهبنا جميعاً الى أحد مطاعم المدينة لتناول العشاء، فشربنا الفودكا وتبادلنا انخاباً كثيرة، لكن هذا لم يغيّر شيئاً. لا بل كان يبدو انّ محاوريَّ يعيدون النظر حتى في اتفاقاتنا السابقة. فبالنسبة الى الاعمال التي يجب القيام بها للسيّارة التي جلبتها، كان الجواب "نعم" أولاً، ثم في اللحظة التالية أصبح "لا"، وأخيراً أصبح "سوف نرى غداً". بإختصار، ما عدت واثقاً من شيء.
وفي اليوم التالي حدثت مفاجأة أخرى: لم تصل اي اخبار من علي ابو لبن الآتي بسيارة ثانية من المانيا. وكنت اتفقت مع أبو أياد في روما على ان اوقف المرسيدس الساعة العاشرة تماماً في 20 تموز قرب مدخل جامع المدينة، فيستطيع عندها ان يجدني. واذا حدث اي تغيير، يترك لي رسالة في فندق "البلقان". من جهتي، كنت في مكان الموعد، انتظرت نحو ساعتين، لكن أحداً لم يأتِ. وعند عودتي الى الفندق، لم اجد اي رسالة لا من أبو أياد ولا من عاطف ولا حتى من علي. ماذا حدث؟ هل حصل حادث؟ هل هناك مشكلة في مكان ما؟
اتصلت هاتفياً بأثينا، بفندق "هيلتون" حيث يُفترض مبدئياً ان اجد أبو أياد وفق ما قاله لي الاسبوع الماضي. فأكد لي موظف الاستقبال انه نزل في الفندق، لكنه خرج.
وخلال انتظاري، اتصلت بمسؤولي "كينتكس" الذين رأيتهم مساء البارحة. هنا ايضاً كانت الامور تتأزم. إذ اعلمني محاوريّ امراً لم نكن نتوقعه في الحقيقة: نحن لا نتعامل سوى مع سلطات أو حركات رسمية. يجب ان تأتينا من منظمتك بوثيقة رسمية بطلباتك... فقلت، وقد اغضبتني كلّ هذه العوائق بعض الشيء: حسناً، إذا اقتصر الامر على هذا، أَذهَبُ الى أثينا الموجود فيها أحد قادتنا في هذه اللحظة بالذات وأجلب لكم الوثيقة التي تعتبرونها ضرورية.
فأجابوني: حسناً، في هذه الحال، رافقتك السلامة!
قلت في نفسي: تباً تباً تباً، لم يحدث امر كهذا من قبل. إذ اننا نتحرّك خارج اطار قيادة منظمة التحرير وحتى خارج "فتح" ذاتها. فماذا نفعل الآن؟
كانت ثمة طائرة الى اثينا بعد الظهر، فاشتريت بطاقة سفر في الحال وحجزت مكاناً في رحلة ذلك اليوم ومكاناً في رحلة العودة في اليوم التالي، واودعت السيارة أحد المواقف. وفي المطار، عندما تقدمت للتسجيل قال لي الموظف انه لا يمكنني المغادرة من دون سيارتي.
فاجبت: انا عائد غداً، ان الحجز مشار اليه على بطاقة سفري كما ترون!
فأوضح الموظف قائلاً: هذا ممكن، لكن ختم الدخول الى بلغاريا على جواز سفرك ذكر انك دخلت الى البلد في سيارة. فلن يسمح لك بالخروج عند نقطة التفتيش ما لم تجلب السيارة الى هنا، عند جمرك المطار...
فاضطررت للعودة بسرعة الى المدينة.
وبعد ساعة، عدت وتركت المرسيدس بين ايدي رجال الجمارك، وأخذت أكيل الشتائم على تباطؤهم في اعطائي الايصال وانا اركض بأقصى سرعة في أبنية المطار، كي ألحق بالطائرة قبل اقلاعها.
لكنني، وفي استعجالي الامور بعد ظهر اليوم، غفلت عن الاستعلام عن شكليات الدخول الى اليونان. وقلت في نفسي - الله يعلم لماذا - بما انه لدي بطاقة إياب الى صوفيا وحجز لليوم التالي، فلن يلزمني للخروج من مطار اثينا، وفي اسوأ الاحوال، سوى تأشيرة ترانزيت استطيع الحصول عليها عند وصولي. بالطبع، كنت مخطئاً. اذ اوضح لي الشرطي، عند نقطة تفتيش جوازات السفر في مطار اثينا، قائلاً: آسف، لا يمكنك الخروج من المطار. ليس لديك تأشيرة دخول.
ألححت: ألا يمكنني الحصول عليها هنا، عند الوصول الى المطار، كما هي الحال في بعض البلدان الأخرى؟
- لا يا سيدي، يجب ان تعود من حيث أتيت.
لكن الحظ كان بجانبي. فقلت:
- حسناً، متى الرحلة التالية الى صوفيا؟
- صباح الغد.
- سوف أبقى في صالة الترانزيت طوال الليل اذاً؟
- أجل... إلا إذا....
ذهب الشرطي يستشير زميلاً له ثم عاد إليّ: اسمع، بإمكانك هذه المرة ان تذهب لقضاء الليل في فندق قرب المطار، فندق "ألبيون". سوف نُعْلِم مكتب الاستقبال هاتفياً. ولكن يجب ان تعود حتماً الى هنا غداً صباحاً كي تأخذ الطائرة الى صوفيا. على أي حال، سنحتفظ بجواز سفرك...
هل كان رجال الشرطة اليونانية هؤلاء يتقاضون نسبة مئوية على الزبائن الذين يرسلونهم بهذه الطريقة الى صاحب الفندق؟ على أي حال، لم أكن أطلب أفضل من هذا!
كان المساء تقدّم، والرجل الذي استقبلني في الفندق يونانياً من مواليد مصر، يتكلم العربية جيداً وبالغ اللطف. وقد سمح لي برحابة صدر بان أتصل هاتفياً بفندق "هيلتون" حيث اعطوني غرفة ابو أياد. وكان هو موجوداً فيها.
كلمته بايجاز موضحاً الموقف.
فسألني: هل تعتقد ان بامكانك المجيء لرؤيتي في الفندق؟
قلت له: سأحاول.
أضاف: اسمع، انا لن ابارح مكاني، اتصل بي مجدداً اذا لم تستطع التحرّك.
فأقفلت الخط وسألت المسؤول عن الاستقبال في الفندق: هل ال"هيلتون" بعيد؟
- أجل! لكنك تصله بسرعة اذا اخذت التكسي. هل استدعي واحداً؟
اجبته موافقاً، وكنت مسروراً جداً اذ وجدت ذلك الرجل متفهماً للغاية. ومع هذا، اقترب مني حين أتى التكسي وحذّرني بتكتّم:
- ارجوك، لا تتأخر في العودة، قد تأتي الشرطة للتحقّق من وجودك في الفندق.
لكنه اطمأن عندما قلت له انني اعود عند منتصف الليل، على أبعد تقدير، اي بعد ساعتين.
وفي الواقع وفيت بوعدي اذ انني لم أبق مع أبو اياد سوى ساعة او ساعة ونصف ساعة. كانت كافية تماماً لتوضيح الامور.
لم أخفِ غضبي لعدم رؤيتي علي في صوفيا:
- كان يجب ابلاغي في حال وجود عراقيل. لحسن الحظ، لم أذكر امام محاوريّ في "كينتكس" احتمال القيام بأعمال على سيارة ثانية! والا لكنا بدونا كأناسٍ يبدلون رأيهم كل خمس دقائق، ولا يعلمون جيداً ماذا يريدون، هواة ليس إلاّ...
فقاطعني أبو اياد قائلاً: حسناً، انسَ الموضوع، هذا خطأي طبعاً. لكنني كنت اجهل ان علي يتصرف كولد فاسد.
- لا تقل لي انه اخذ المال اللازم لشراء تلك السيارة واستعمله لاهداف اخرى!
- سوف اتحقق من ذلك، لكنني اعتقد ان هذا ما حصل. على أي حال، دعنا من هذا الموضوع. لن نسوي هذه القضية هنا.
وصلنا الى الموضوع الأكثر إلحاحاً. أطلعت ابو اياد على الصعوبات التي تفاجأت بمواجهتها في محادثاتي مع البلغار: المماطلة في اجابتهم على كل الصعد، بالنسبة الى المعدات الجديدة التي طلبناها كما بالنسبة الى تطبيق اتفاقنا المعقود سابقاً، وانتهاءً بالشروط التي وضعتها "كينتكس" من اجل متابعة محادثاتنا، بشكل عام، وهي الحصول على موافقة قيادة حركتنا على هذه المحادثات.
فقال ابو اياد: كل هذه مظاهر خادعة! انهم يعلمون جيداً انك عضو في المجلس الثوري في فتح، وانك ترأست احد وفودنا الى الصين والتقيت شو إن لاي في الربيع... ماذا يريدون اكثر من هذا؟
فعلّقت قائلاً: بالضبط، ان الصين الشعبية غير محببة لديهم. وليس هناك من يؤيد الروس اكثر من الشيوعيين البلغار. لاحظت ذلك خلال رحلتي الاولى الى صوفيا. ومن ناحية ثانية، ليس لدينا لا انا ولا انت اي مسؤولية رسمية في قيادة منظمة التحرير. ربما كان هذا سبب انزعاجهم. او ربما ينتظرون، بكل بساطة، نتيجة زيارة عرفات لموسكو، واي نوع من الاتفاقات سينجم عنها. لعلهم يريدون التمكن من تقدير مدى استعداد السوفيات لدعم القضية الفلسطينية عملياً، قبل ان يلتزموا، من جهتهم، معنا بجدية اكبر. لا بد انهم لا يريدون احداث ارتباك بينهم وبين "الاخ الاكبر". انه لأمر مفهوم.
فقال ابو اياد متعجباً: اذا كان الامر هكذا، يعني ان محاوريك ليسوا ثاقبي البصيرة. ألا يقرأون الجرائد؟
أعطى السادات الاوامر برحيل المستشارين والخبراء العسكريين السوفيات الموجودين في مصر فوراً. لا يتكلم احد الا عن هذا الموضوع منذ ثلاثة ايام . هذا وقت غير ملائم ابداً كي يتأنّق الروس في اختيار حلفائهم المحتملين على ساحة الشرق الأوسط.
باختصار، كان منزعجاً جدا، ثم تابع بالنبرة المتوترة نفسها: اسمع، سوف تعود الى صوفيا وتنتظرني هناك. سوف اشرح لهم، لمحاوريك في "كينتكس"، وبصفتي عضو القيادة في حركتنا، من نحن في فتح، وما هي في الحقيقة منظمة التحرير التي نمارس في صفوفها نشاطاً اساسياً. انا متعجّب بعض الشيء اذ اجد نفسي مضطراً الى القاء عظة في هذا الشأن على شيوعيين اعتادوا انشاء كل انواع المنظمات، واذ بهم لا يدركون مع من لهم مصلحة في التعاطي. ولكنني سأقوم بالامر اذ كان لا بد من ذلك!
وفيما كان ابو اياد يكمل صبّ جام غضبه على اولئك البلغار المساكين، تذكّرت الوعد الذي قطعته لحارس فندق "ألبيون" بأن اعود قبل منتصف الليل. ونظرت الى ساعتي فرأيت انه لا يزال لديّ بعض الوقت، لذا تطرّقنا الى موضوع ميونيخ.
قال ابو اياد: لقد كلمت ابو مازن عن مشروعنا وهو لا يعترض مبدئيا، مما يعني انه سيتدبّر امره في جمع المال اللازم. فهل استطعت من جهتك، ان تدرس الوضع عن قرب؟
- لنقل انني مررت في المدينة بشكل سريع. لم تنته الاعمال بعد في القرية الاولمبية العتيدة. ومن الصعب ، في الوضع الحالي، تكوين فكرة دقيقة عن كيفية عمل الفدائيين الذين سنرسلهم الى هناك. اجهل كل شيء عن التدابير الامنية التي ستتخذ كما انني لا اعلم اين ستقيم البعثة الاسرائيلية، فهذا غير مذكور على اي من المخططات التي في حوزتي. على ان لديّ كل الوثائق اللازمة كي ندرس اين يمكننا توزيع رجالنا على فنادق مختلفة.
وخلص ابو اياد الى القول: طيّب. ما ان ننتهي من صوفيا حتى تعود الى ميونيخ للمراقبة. وتبلغنا ما ان تتمكن من ذلك لنرسل اليك فخري وأحد مسؤولي مجموعة الكوماندوس، فتضع معهم الجزء التنفيذي من العملية المنوي القيام بها.
- هل تقدموا بطلبات لتأشيرات الدخول الى المانيا؟
- هذا غير ضروري، لديهم جميعهم جوازات سفر جزائرية. يستطيع حاملو جوازات سفر البلدان المغربية الدخول دون تأشيرة الى المانيا الاتحادية... لقد ذكّرتني: هل لا تزال التأشيرة على جواز سفرك العراقي سارية المفعول؟
فأجبته قائلاً: مبدئياً، لقد انتهت مدتها منذ يومين، لكن عندي حل: بامكاني ان اجدد صلاحيتها بنفسي.
فصاح ابو اياد مذهولاً: انت، بنفسك؟
قلت له:
- بالطبع! حين كنت في الطائرة قبل قليل كنت اقلّب صفحات جواز سفري. فلاحظت ان التأشيرة التي تسمح بالدخول مرات عدة وأعطيت لي في حزيران يونيو في سفارة المانيا الاتحادية في بغداد، مكتوب عليها: "صالحة لغاية 19/7/72"، والرقم 7 يقابل تموز يوليو، وهي بالتالي تأشيرة صالحة لمدة شهر واحد. لكن التاريخ مدون بقلم حبر ناشف. لا شيء اسهل من تغيير هذه ال 7 التي تعني تموز الى 9 تعني ايلول سبتمبر، بهذا نحوّل هذه التأشيرة التي هي ظاهرياً لشهر واحد الى تأشيرة حقيقية لثلاثة اشهر.
الا ان ابو اياد نصحني قائلاً: استعلم اولاً ان كان الالمان الغربيون يعطون تأشيرات لثلاثة اشهر.
فطمأنته، وانا احضّر نفسي هذه المرة للعودة الى الفندق، وقلت: سوف اتصل بعاطف من صوفيا. ليس عليه سوى التحقق من ذلك لدى قنصليتهم في بيروت.
رجعت في اليوم التالي الى بلغاريا واعلمت مسؤولي "كينتكس" بأن ابو اياد سوف يأتي فوراً الى صوفيا. لم اكن اتصور حينها في أنني سوف اضطر الى انتظاره عشرة ايام.
في الواقع بعد اربع وعشرين ساعة، أي في 22 تموز، وجدت برقية لي في فندق البلقان يعلمني فيها ابو اياد انه لن يأتي الى صوفيا، بل هو ذاهب الى اسبانيا، على حد قوله "لقضاء بقية عطلته هناك". وبدلاً منه، سوف يأتي "م. حكم"، اي ابو الحكم، بعبارة اخرى، مروان الدجاني مدير فندق "ستراند" في بيروت وهو الرجل الذي كان، قبلنا بوقت طويل، على اتصال بنينو ايفانوف، وكيل "كينتكس" في لبنان.
دهشت لذلك، فان مروان، وعلى رغم من لباقته، ليس من "الوزن" الذي طلبه محاورونا البلغار. لمَ هذا التحول في خطة ابو اياد؟
كنت، علاوة على ذلك، انتقل من مفاجأة الى اخرى. اذ كان ابو اياد طلب اليّ في برقيته ان اتصل به في مدريد عبر حسن النقيب في سفارة العراق. ولكنني عندما اتصلت بالنقيب في الايام التالية، ابلغني انه لم يره!
اخيراً، وكما حدث في رحلتي الاولى الى بلغاريا في نهاية ايار مايو، لم يأت مروان الى صوفيا كي نجد مخرجاً لمشاكلنا مع مسؤولي "كينتكس"، بل في النهاية ومرة اخرى، اتى ايفانوف.
كان هذا افضل بمعنى من المعاني لأنه بوجود "نينو" كنت على الأقل استطيع أن آمل في معرفة الموانع الحقيقية التي تجمّد في العمق مفاوضاتنا مع البلغار....
في الواقع، لم يتأخر في التوضيح: لا تريد "كينتكس" ان تعطينا الاسلحة المطلوبة ولا العمل على اعداد مخابئ في سيارتي لنقلها، طالما لم نؤمّن لهم الضمانات بأن وجهتنا بعد ذلك ستكون الشرق الاوسط. لم يكن مطروحاً لديهم ان نرحل بحمولة مماثلة على طرقات اوروبا.
وقال "نينو" من دون مواربة: افترض ان حادثاً حصل لكم في مكان ما وكشف امر ال"ستيتشكين" وكواتم الصوت. هذه مجازفة كبيرة بالنسبة الينا، وخصوصاً ال APS التي هي معدّة لدينا للعمليات المعروفة بال"خاصة". صدقني، اذا كنتم مصرين على اقتناء هذا النوع من الاسلحة مع كواتم الصوت، فمن الافضل ان تأخذوها الى بيروت اولاً. وحين تصبحون هناك، تفعلون بها ما تشاؤون.
كنت مذهولاً امام هذا المنطق. وفي هذا الوقت كانت تصلني من لبنان بالضبط الاخبار المأسوية، الخبر تلو الآخر. اذ سقط في بيروت ضحايا فلسطينيون آخرون على يد "الموساد" بعد اغتيال غسان كنفاني، وهذه المرة بواسطة رسائل وطرود مفخّخة. فانفجرت في 25 تموز عبوة مخفاة في كتاب مرسل من بلغراد بواسطة البريد، بين يدي بسام ابو شريف رئيس تحرير "الهدف" الشاب. وهو غالباً ما كان يدعى في تلك الفترة الى البلاد الاسكندينافية من اجل القاء محاضرات، وقد فقد احدى عينيه وخمسة اصابع واصيب بحروق خطيرة في وجهه وصدره. وفي الفترة نفسها ايضاً شوّه انيس الصايغ بشكل بشع وبالطريقة نفسها وهو مدير مركز الابحاث الفلسطينية ومدير مجلة "شؤون فلسطينية".
فأجبت "نينو" قائلاً: بالفعل، في الظروف الحالية لا يمكننا القول أنكم تساعدوننا في شيء! تبدو الاحداث كما لو كان "الموساد" يعمل على التخلّص من كل العاملين من قبلنا على اظهار عدالة قضيتنا للرأي العام العالمي، وهو يتحرّك كما يحلو له انطلاقاً من اوكاره في اوروبا - وهذا واضح من الطرود المفخّخة التي يرسلونها الينا! امّا انتم فليس لديكم في تعاملكم معنا سوى هاجس واحد: الا تُضبطوا بالجرم المشهود!
فتحسّر "نينو" قائلاً، وكان يبدو صادقاً: اتفهّم خيبة أملك يا أبا داود، لكنني لا استطيع ان افعل اكثر من هذا. إقبل هذه التسوية المعروضة عليك، إسمع منّي. سوف تحصل على الاسلحة المطلوبة، وهذا شيء مهم في ذاته! وحين تصل الى بيروت، أكرّر لك، تفعل ما يحلو لك.
لم يكن هناك من حلٍّ آخر، وقد أدركت ذلك. فإتّفقت إذاً مع مسؤولي "كينتكس" على هذا الاساس.
عند هذا، وصل أبو أياد الى صوفيا يرافقه فخري العمري. كانا قادمين من جنيف. وكان آن الأوان لأنني لا اعرف كيف كنت سأدفع تكلفة الاسلحة واعداد السيارة.
كنا في بداية آب أغسطس. لم يوضح لي أبو أياد لماذا لم يكن في مدريد كما اعلمني في رسالته في 22 تموز، كما لم يوضح ماذا فعل منذ لقائنا الاخير في أثينا، كان على عجلة للتباحث في أمورٍ اكثر أهمية.
وقال لي، ساعة وصوله الى فندق "البلقان": سنتصرّف كما يريدون في "كينتكس"، بما اننا لا نستطيع التصرّف بطريقة اخرى، ولكن يجب الا نتأخّر! أنت يا أبو داود عليك الرحيل الى ميونيخ بأسرع وقت ممكن. لن تنتظر انتهاء الاعمال على المرسيدس. سوف تعود لأخذها في ما بعد.
وسألني أبو أياد ايضاً عن تأشيرتي الى المانيا.
وكنت قد أطلْتُ مدّة صلاحيتها، كما قلت، إذ عدّلت بنفسي تاريخ انتهاء المهلة. وأطلعته هو وفخري على التصحيح الذي قمت به بقلم الحبر الناشف.
وتابعت قائلاً: لا بد ان يكون المرء حذقاً جداً كي يتمكن من اكتشاف تحويلي شهر انتهاء الصلاحية من 7 تموز/يوليو الى 9 أيلول/سبتمبر! وقد أكدّ لي عاطف ان قنصلية المانيا الغربية في لبنان تعطي أحياناً تأشيرات لثلاثة أشهر. لم يتمكن من التأكيد لي أن الوضع مماثل بالنسبة الى قنصليات المانيا الغربية الاخرى في الشرق الاوسط - فالامر يتغيّر، على ما اعتقد، بحسب المعاهدات القنصلية الموقعة - لكنني أشكّ كثيراً في انني لدى وصولي الى المطار، عند نقطة التفتيش، سوف اجد نفسي وجهاً لوجه مع شرطي الماني كبير الدهاء تأتيه فكرة التحقق من الامر الى هذا الحدّ.
فصاح أبو أياد قائلاً: يجب ان نأمل في ذلك! على اي حال، سوف نتعلّم درساً من هذا. لن اخفي عليك اننا سنستغلّ تجربتك لمصلحة الفدائيين الذين سنرسلهم لاحقاً. انني الآن في صدد صنع جوازات سفر اردنية مزوّرة لهم، لكننا سنحتاج الى درس صفحات جواز سفرك كي نزوّر لهم تأشيرات دخول المانية ايضاً. من اجل هذا السبب يجب قطعاً ان تعود الى بيروت بعد نحو عشرة ايام. هل يمشي الحال هكذا؟
- بالطبع!
ثم تناقشنا في مواضيع كثيرة أخرى: كالبلاغ الذي سيسلمه الفدائيون الى السلطات الالمانية، بعد ان يكونوا احتجزوا خلال الالعاب أكبر عدد ممكن من الاداريين والرياضيين الاسرائيليين، واللائحة الدقيقة التي يجب ان تدوّنها استخباراتنا بما لا يقلّ عن مئتي فلسطيني معتقلين في اسرائيل، والذين سنفرض اطلاق سراحهم، وما يلزم من التدريبات الخاصة التي يجب ان يقوم بها رجالنا الذين سوف يشاركون في العملية. ثم انتقلنا الى موضوع آخر. فكشف لي أبو أياد انه ذاهب، بالتأكيد هذه المرة، الى اسبانيا.
فقلت له: آه، لعلّك تطلعني على ما تطبخه في مدريد؟
- اتحقق من بعض المعلومات. إذ هناك عميل اسرائيلي نشيط جداً. وقد قام، من ضمن نشاطات اخرى، بإنشاء شبكة من الطلاب الفلسطينيين الذين يكلّفهم القيام بالتجسس على مواطنينا في اسبانيا. كما انه يرسل عدداً منهم الى لبنان اثناء العطلة بهدف التسلّل الى صفوفنا.
- أولئك بالذات الذين لم نكفّ عن التكلم في شأنهم مع أبو مازن في الصيف والشتاء الماضيين؟
- لا بل آخرون ايضاً... بإختصار، اننا نتعقّب ذلك الرجل، لكن المشكلة هي انه يستعمل هوّيات مختلفة، ويسافر في اوروبا من دون انقطاع. يجب ان اذهب الى مدريد من اجل التحقّق من الكثير من المعلومات حوله، إذ يجب ايضاً الا نكون مخطئين.
- ماذا بشأن العملية ضدّ عميل "الموسّاد" في بروكسيل، هل أصبحت جاهزة؟
- اجل، اصبحت جاهزة، بإستثناء الاسلحة يجب ان نجد حلاً آخر بما اننا لن نحصل على تلك التي طلبناها هنا في بلغاريا.
انتهت هنا مناقشاتنا في ذلك الفندق. في الواقع، كنا على موعد مع إيفانوف.
في اليوم التالي، ذهبنا أنا وأبو أياد وفخري الى مقرّ "كينتكس" بهدف انهاء الاتفاقات التي توصلت اليها مع "نينو". وإتفقنا على المبلغ الذي يجب ان ادفعه - ثلاثة آلاف دولار ثمن عشرة رشاشات "ستتشكين" وكواتم الصوت - وثمن الاعمال التي ستُجرى على المرسيدس. وفي اليوم ذاته، إستقل أبو أياد وفخري طائرة العودة سوية.
لكنني قبل رحيلهما، اتفقت مع فخري على موعد على الهاتف في بداية الاسبوع المقبل، اكون عندها قد اصبحت في ميونيخ، ليلتحق بي ساعتئذٍ هو والرفيق الآخر.
يوم الاثنين 7 آب، وكما اتفقنا، كنت على الهاتف مع فخري. وكنت قد وصلت لتوّي الى فندق "ايدن والف" في ميونيخ، وهو فندق متواضع نسبياً حجزت فيه غرفة بكل بساطة بعد مراجعتي في بلغاريا الوثائق التي كانت معي. وقلت لفخري ان كلّ شيء تم على ما يرام في المطار عند التدقيق في جواز سفري. كنت إذن في انتظارهما هو والرفيق الآخر. بالفعل تم كل شيء على ما يرام عندما قدّمت جواز سفري الى شرطة التفتيش فور نزولي من الطائرة. ففي صف المسافرين، حيث كنت اقف، كان يكتفي المدقّق في الجوازات بتقليب الصفحات، وكان ما ان يرى التأشيرة، ودون ان يأخذ وقته لتفحصها، يتابع حركته ويطبع عليها ختمه بقوة. إلا انني بقيت مضطرباً طوال ثمانٍ واربعين ساعة قبل وصولي. في الواقع كان يجب ان اكون في ميونيخ قبل يومين. لكنّ حادثةً حصلت وأربكت خطتي الاساسية بعض الشيء.
ففي 5 آب، يوم رحيلي من صوفيا، ادّعى فلسطينيون، اعلنوا انتماءهم الى "ايلول الاسود"، في بلاغ لهم من بيروت، مسؤوليتهم عن سلسلة من الانفجارات التي أحدثت المساء الفائت حرائق ضخمة في منشآت نفطية قرب مرفأ ترييستي، في شمال ايطاليا. وكانت اخبار الاضرار الجسيمة تتصدّر صفحات الجرائد. ومن المعلوم ان هذه المنشآت، التي كانت ما تزال تشتعل بعد اربعٍ وعشرين ساعة، تؤمّن تزويد المانيا الاتحادية والنمسا فضلاً عن شمال ايطاليا بنفط الشرق الاوسط. لكن على حدّ علمي وعلى رغم استعمال توقيعنا "ايلول الاسود"، لم يكن لمجموعتنا اي شأن في هذا الموضوع. لكنني في المقابل، كنت أشك في علي حسن سلامه واصدقائه. كنا نعلم، أنا وأبو أياد انهم كثيرو التردّد الى ايطاليا... يبقى انني تصورت، وبسبب هذا العمل التخريبي الفظيع، ان كل رجال الشرطة في تلك المنطقة، ومن ضمنها المانيا، ستتعقّب الفاعلين، مع تشديد المراقبة على الحدود والمطارات، كنت أخشى ان يلفت جواز سفري العربي الانتباه إذ اشير عليه الى مروري منذ وقت قريب في ايطاليا - الشمال الايطالي تحديداً - والمانيا والنمسا. كنت مضطراً الى المرور في بلغراد - إذ لم تكن هناك من رحلة مباشرة بين صوفيا وميونيخ - فوجدت انه من دواعي الحذر ان اتوقّف ليوم، ثم لإثنين، في العاصمة اليوغوسلافية. وعلى الرغم من هذا، عند وصولي بعد يومين الى مطار ميونيخ، لم تكن مخاوفي قد تبدّدت بشكل كامل بعد...
إلا انني وكما قلت، مررت من دون اي عراقيل. بعدها بثمانٍ واربعين ساعة، وصل كل من أبو محمد فخري ورفيق آخر يدعى "تشي".
* من كتاب "فلسطين: من القدس الى ميونيخ"
** الحلقة الثالثة الاثنين المقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.