مجموعة شركات SAMI تحصد ثلاث جوائز للتميز في توطين الصناعات العسكرية    القيادة تهنئ رئيس جمهورية بولندا بذكرى إعلان الجمهورية لبلاده    ب "رؤية ما لا يُرى".. مستشفى الملك عبدالله ببيشة يُفعّل اليوم العالمي للأشعة    هجوم روسي بمسيرات يوقع قتيلا شرق أوكرانيا    لماذا دخل الشرع البيت الأبيض من الباب الجانبي؟لأنها زيارة خاصة لا رسمية    الفقد والادعاء.. حين يساء فهم معنى القوة    قصيدة اليقين    عالم مصري يبتكر ضوءا لا يخترق    سعر برميل النفط ينخفض إلى 63.93 دولار    تعليم الطائف يعقد الاجتماع الأول للجنة الشراكات والاتفاقات    غرفة مكة المكرمة تعزز دور القطاع الخاص لتحسين تجربة ضيوف الرحمن    كوشنر: تسوية ملف مقاتلي حماس في رفح مدخل للانتقال إلى المرحلة الثانية    «الضبابية» لا تخدم السوق    ضبط 21647 مخالفاً للإقامة والعمل وأمن الحدود    المدرهم يطير ببرونزية الأثقال في إسلامية الرياض 2025    استبعاد تمبكتي من معسكر الأخضر.. واستدعاء الشهراني وكادش    «التواصل الحضاري» ينظّم ملتقى التسامح    95 مليون ريال لصيانة ونظافة وتشغيل 1400 مسجد وجامع في المملكة    «الشورى» يدعو مركز المناطق الاقتصادية في الرياض لاستكمال البناء المؤسسي والخطة الإستراتيجية    شلوتربيك أولوية لبرشلونة في يناير    في ختام دور المجموعات بمونديال الناشئين 2025.. الأخضر يواجه نظيره المالي للعبور لدور ال 32    أكد أن المنظومة تشهد تحولاً نوعياً.. وزير البلديات: تشغيل ذكي وإدارة رقمية لخدمة ضيوف الرحمن    وسط ضغوط على المرحلة الثانية من اتفاق غزة.. الاحتلال يمنع خروج المحاصرين في أنفاق رفح    علامات تكشف مقاطع الفيديو المولدة بال AI    خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء الخميس    تحت رعاية ولي العهد.. تنظيم المؤتمر العدلي الدولي الثاني بالرياض    تحت رعاية سمو ولي العهد.. وزارة العدل تُنظم المؤتمر العدلي الدولي الثاني 23 نوفمبر في الرياض    أمريكي يبحر 95 كيلومتراً داخل يقطينة    الديوان الملكي: وفاة وفاء بنت بندر    تعاون سعودي- إماراتي لمكافحة جرائم الفساد    يوثق التحولات التاريخية والحضارية للمشاعر.. «الدارة» تطلق ملتقى تاريخ الحج والحرمين    وعكة صحية تدخل محمد صبحي المستشفى    1.7 مليون دولار تعويضاً على تنمر النظارات    الذكاء الصناعي سلاح ذو حدين    يتباهون بما لا يملكون    تقديراً لجهودها في إبراز خدمات المملكة لضيوف الرحمن.. نائب أمير مكة يكرم وزارة الإعلام بمؤتمر الحج    لجان الكرة وقرارات غائبة أو متأخرة    ممرض ألماني يخدر المرضى ليهنأ بليلة هادئة    موانع حمل للرجال (1)!!؟    الأخضر تحت 19 عاماً يدشن تدريباته في معسكر الأحساء استعداداً لكأس آسيا    تداول 197 مليون سهم    خديعة القيمة المعنوية    أزمة الأطباء الإداريين    القصيم: فرع الشؤون الإسلامية يُتعامل مع 1169 بلاغًا خلال الربع الثالث    "مسام" ينزع (1.044) لغمًا من الأراضي اليمنية خلال أسبوع    البنيان يرعى «التعليم المنافس» في «الملك سعود»    «الرياض الصحي»: البحث العلمي شريكٌ محوري في التحول الصحي    رئيس جامعة جازان يطلق منصة "ركز" للاستثمار المعرفي    «سعود الطبية» تعيد الحركة لمفصل كوع بعد 10 أعوام من العجز    إصابة جديدة في تدريبات المنتخب السعودي    مطالبة المناطق الاقتصادية بالرياض باستكمال البناء المؤسسي    رجال أمن الحرمين قصص نجاح تروى للتاريخ    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير فرع الهيئة العامة لتنظيم الإعلام بالمنطقة    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. منح رئيس «الأركان» الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. رئيس هيئة الأركان العامة يُقلِّد رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    فهد بن سلطان: هيئة كبار العلماء لها جهود علمية ودعوية في بيان وسطية الإسلام    أمير نجران يلتقي مدير فرع «عقارات الدولة»    أمير تبوك يستقبل عضو هيئة كبار العلماء الشيخ يوسف بن سعيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النفط الجديد من أجسادنا
نشر في الرياض يوم 09 - 08 - 2025

في القرن الماضي، شكّل النفط مورداً استراتيجياً حرّك الاقتصادات، وأعاد رسم خرائط القوى العالمية. واليوم، يظهر نوع جديد من الموارد لا يقل قيمة أو أهمية، بل يفوقه ارتباطاً بحياة الإنسان وخصوصيته ألا وهو البيانات الجينومية والصحية.
وقد بات هذا المورد موضوع نقاش عالمي، حيث ترى مؤسسات كبرى، مثل: منظمة التعاون الاقتصادي والتنموي ومعهد راند، أن استخدام البيانات البيولوجية كسلعة قابلة للتداول يثير تحديات أخلاقية وسيادية عميقة. فقد وصف معهد راند في تحليله الصادر في يوليو 2024 البيانات الجينومية بأنها "النفط الجديد للشرق الأوسط"، مشيراً إلى تسابق دول الخليج –من بينها السعودية والإمارات وقطر– لبناء قواعد بيانات صحية معتبرة كثروة استراتيجية بديلة عن النفط. لكن بينما تركز هذه النقاشات غالباً على العوائد الاقتصادية، يبقى البعد الإنساني والأمني والأخلاقي بحاجة إلى تسليط الضوء بعمق أكبر، خاصةً في العالم العربي.
وتشمل هذه البيانات كل ما يتعلق بتسلسل الحمض النووي، والسجلات الطبية، ونمط الحياة، وقراءات الأجهزة الذكية القابلة للارتداء أو الحمل. وقد باتت تُعد من أبرز الأصول الاستراتيجية في الطب الحديث، إذ تتيح تصميم علاجات دقيقة ومخصصة لكل فرد، بدلاً من اعتماد نموذج واحد يناسب الجميع. كما تمكّن من التنبؤ بالأمراض قبل ظهورها، وتسريع اكتشاف وتطوير الأدوية بواسطة الذكاء الاصطناعي، لتحليل كم هائل من البيانات والأنماط التي يصعب على البشر ملاحظتها. فهي تحمل وعوداً هائلة، لكنها في الوقت ذاته محفوفة بالتحديات والمحاذير.
الجينوم البشري ليس مجرد شفرة، بل هو دليل عمل للجسم، وعند دمجه مع سجل متكامل للبيانات الصحية، نحصل على صورة ديناميكية دقيقة للهوية البيولوجية للفرد، هذا المورد المعرفي يمكّن من الانتقال من الطب التقليدي إلى الطب الشخصي، حيث يُنظر إلى الإنسان كوحدة فريدة لا كمجموعة إحصائية.
لكن إلى جانب هذه الفرص، تبرز تحديات دقيقة، البيانات الجينومية لا يمكن تغييرها أو إعادة ضبطها، وإذا ما تعرّضت للاختراق، فإن أثرها لا يقتصر على الفرد، بل يمتد إلى أقاربه والأجيال التي تليه، كما أن استخدام هذه البيانات خارج الضوابط قد يؤدي إلى قرارات تمييزية في التأمين أو التوظيف أو منح الخدمات، على سبيل الذكر، وفي بعض الحالات، تُجمع البيانات من مجتمعات لا تملك أدوات الحماية الكافية، ومن دون ضمان مشاركة عادلة في المنافع الناتجة عنها، وهنا تبرز الحاجة إلى أطر أخلاقية وقانونية متوازنة، تضمن ألا تتحول هذه البيانات إلى مصدر جديد لانعدام العدالة.
لقد أصبح استخدام البيانات البيولوجية كسلعة قابلة للتداول موضع اهتمام متزايد بين المفكرين والمؤسسات الدولية. فقد حذّرت جهات مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من التبعات الأخلاقية والاقتصادية لتحوّل هذه البيانات إلى مورد تجاري وسياسي، في ظل غياب تنظيمات واضحة تحمي الأفراد وتضمن العدالة.
ومع تطور التقنيات، تتسارع وتيرة الرقمنة الصحية، وتزداد الحاجة إلى الشفافية والمساءلة. فاليوم، تسيطر شركات خاصة على كميات ضخمة من البيانات الجينية، بينما تستثمر كبرى شركات التقنية في قطاع الرعاية الصحية، ما يثير تساؤلات جوهرية حول الملكية والاستخدام.
في هذا السياق، يصبح السؤال الأهم: هل البيانات الحيوية ملك للفرد؟ أم أنها أصل وطني؟ أم مورد مشترك للصالح العام؟ هذه الأسئلة لم تُحسم بعد، لكن المؤكد أن غياب الوضوح يعمّق المخاطر.
تمضي المملكة العربية السعودية، من خلال مبادرات مثل: برنامج الجينوم السعودي، في اتجاه استراتيجي لبناء قاعدة بيانات وطنية تُسهم في الطب الوقائي، وتعزز من جودة الرعاية الصحية. ومع هذه الخطوات، تصبح الحاجة إلى تشريعات متطورة أمراً ملحاً.
وإذا كانت البيانات الجينومية هي "النفط الجديد"، فإن التعامل معها يستوجب حوكمة مرنة، وقوانين تحمي الخصوصية دون أن تعيق الابتكار، مع ضمان مشاركة عادلة في المنافع. فالأمر لا يخص التقنية فقط، بل يمس كرامة الإنسان وحقه في تقرير مصيره.
فهذا المورد الجديد لا يُستخرج من الأرض، بل من أجسادنا، وإذا أردنا مستقبلاً تُستخدم فيه هذه البيانات لصالح الإنسان، لا ضده، فعلينا أن نتحرك اليوم، قبل أن تُبنى المنصات، وتُقنّن السياسات، وتُعاد صياغة النفوذ في عصر ما بعد البيانات؛ حيث تتحكم في المستقبل الخرائط الجينية لا الحدود الجغرافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.