أشرت في هذه الزاوية في منتصف نيسان ابريل الماضي الى صدور كتاب "الهجمات على الصحافة سنة 1998" عن لجنة حماية الصحافيين. وعدت الى الموضوع في أول هذا الشهر بعد أن كثر التضييق على الصحافة في اراضي السلطة الوطنية الفلسطينية. أمس تلقيت العدد الأخير من مجلة "مهمات خطرة" التي تصدرها لجنة حماية الصحافيين، وهي تعنى بتطورات المهنة خلال السنة والى حين صدور العدد السنوي من كتاب اللجنة. المجلة تضم قائمة باعداء الصحافة أصدرتها اللجنة في مناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الشهر الماضي. وفوجئت بأن الرئيس زين العابدين بن علي يحتل المركز السابع والرئيس حسني مبارك المركز العاشر والأخير في قائمة تصدرها سلوبودان ميلوشيفيتش، وبعده الرئيس الصيني جيانغ زيمين، ثم الكوبي فيدل كاسترو والكونغولي لوران كابيلا والاثيوبي ملس زيناوي، والاوكراني ليونيد كوشما، والتونسي سابعاً، والماليزي مهاتير محمد، والبرتو فوجيموري من بيرو، واخيراً المصري. أعترف بانني لا أعرف كثيراً عن الصحافة التونسية، فأترك موضوعها لمن هم أفضل مني اطلاعاً وقدرة، ولكن هل يعقل ان يكون الرئيس مبارك في قائمة لاعداء الصحافة تضم ميلوشيفيتش وكابيلا وزيناوي؟ أكثر الصحافة العربية حرية هو ما نجد في لبنان ثم مصر ثم الكويت. وربما اختار القارئ ترتيباً آخر، إلا انه لا يمكن ان يخرج الصحافة المصرية في عهد حسني مبارك من بين أول ثلاث دول عربية في الحرية الصحافية. واتوقف هنا لأقول ان الصحافة المصرية ليست حرة كاملة الحرية، أو هي لا تتمتع بحرية من مستوى الموجود في الولاياتالمتحدة أو اوروبا الغربية، إلا ان هذا ليس موضوع مجلة لجنة الدفاع عن الصحافيين، فهي لا تتحدث عن أفضل صحافة في العالم، وانما عن السيء فقط، أو الأسوأ. والصحافة المصرية لا يمكن ان توضع ضمن هذه المجموعة. إذا كان لي ان أحكي من تجربتي الشخصية، فانني اكتفي بقصتين: - حدث مرة ان أجريت مقابلة للرئيس مبارك، ولم يعجب بعض ردوده الصحافة المصرية المعارضة، فانتقدته بحدة، بما في ذلك ثلاثة تعليقات أو أربعة في جريدة "الوفد" وحدها. ولم يتعرض أي صحافي كتب معترضاً معارضاً الى أي مضايقة. - اتلقى بالبريد الالكتروني يوماً بعد يوم معلومات وتقارير وأخباراً عن حرية الكلام، بما في ذلك حرية الصحافة، من جمعيات مختلفة للدفاع عن حقوق الانسان في مصر. واستطيع ان أقول بصدق، وعلى جانبي الدليل على شاشة الانترنت حيث اقرأ بريدي الالكتروني كل صباح، ان ما أتلقى من مصر يزيد على مجموع ما اتلقى من بقية الدول العربية الاخرى مجتمعة، بما في ذلك المنظمات الفلسطينية النشطة. وواضح من كمية المعلومات المرسلة ان منظمات حقوق الانسان المصرية تعمل في جو من الأمان، ولا تتعرض الى مضايقة كبيرة. وتوقفت في كلام المجلة أمام اشارتها الى قوانين تكبل حرية الصحافة المصرية، والى سجن صحافيين. قوانين الصحافة المصرية ليست عظيمة، ولكن على الأقل هناك قانون في مصر للصحافي ولغيره، أما السجن فهو مرفوض وقد حكم عليّ بالسجن مرتين في لبنان من دون تنفيذ الحكم، وأعرف صحافياً مصرياً بارزاً هاجم نائب رئيس الوزراء بقسوة كأنه يطلب لنفسه السجن فلم يسجن. لماذا الحديث في المجلة عن مصر بالذات؟ تقرير لجنة الدفاع عن الصحافيين لسنة 1998 يقول ان 118 صحافياً سجنوا، وفي حين لا أعرف عدد الصحافيين الذين سجنوا في مصر. فانني اتصور انهم لم يتجاوزوا ثلاثة أو اربعة، وهو الرقم الذي سجله الكتاب السنوي نفسه، غير انني اقبل تصحيح معلوماتي. واحصيت في تقرير اللجنة الاعداد الكبيرة، ووجدت ان 27 صحافياً سجنوا في تركيا السنة الماضية، وتصدرت تركيا القائمة للمرة الخامسة على التوالي، ومع ذلك فالمجلة تنسى ذكرها وتسجل اسم مصر. مرة اخرى، هناك أمور ثابتة: اولاً ان حرية الصحافة المصرية في عهد الرئيس مبارك أفضل منها في العهود السابقة، وثانياً ان ثمة حرية صحافة نسبية في مصر تجعلها مع لبنانوالكويت في رأس القائمة العربية، وثالثاً ان هناك قوانين تحمي الصحافيين أو تحمي المواطنين من الصحافة في مصر، وهي قوانين غير كاملة، الا أنها موجودة. ويكفي ان المصريين يتظاهرون ضد القوانين أمام البرلمان، كما حدث هذا الشهر، من دون خوف. لماذا أكتب أنا هذا الدفاع المحدود أو الايضاح؟ وأين هو الاعلام الرسمي المسؤول عن مثل هذه المهمة. الاعلام الرسمي العربي، في كل بلد، يذكرني بمثل شعبي هو "الولد المشؤوم يجيب لأهله المسبة"، مثل الفحمة الخربانة، لا نار منها تنير أو تدفئ، ودخانها يعمي.