الاستفتاءات الاسرائيلية كافة تشير الى تقدم مرشح العمل، او اسرائيل الواحدة، ايهود باراك على مرشح ليكود رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، حتى بات محتملاً ان تنتهي الانتخابات في دورتها الأولى يوم الاثنين القادم. نتانياهو أسفل أهل الأرض ولا جدال، ولكن هل يعني هذا ان افرح اذا فاز باراك؟ خارج نطاق انهم كلهم نتانياهو، أو شامير او بيغن، فما أعرف عن باراك هو انه قاد الغارة الاسرائيلية على بيروت ليل العاشر من نيسان ابريل 1973، وقتل ثلاثة من اصدقائي هم محمد يوسف النجار وكمال ناصر وكمال عدوان. ودُست تلك الليلة المشؤومة وأنا أصعد الادراج على دماء كمال ناصر وكمال عدوان، وكان هذا الاخير أقرب الثلاثة اليّ صداقة، وزوجته مهى الجيوسي صديقة الأسرة كلها، وجلست معها على حافة سرير وهي تحتضن طفلها الصغير رامي، وحدثتني عن الهجوم، ونشرت "الحياة" و"الديلي ستار" التفاصيل في اليوم التالي. باراك، وهو مثقف على درجة عالية من التحصيل الاكاديمي والعسكري، ويوصف بأنه "جندي اسرائيل الأول"، قتل اصدقائي، وهو الآن يواجه نتانياهو، وأنا مضطر للمفاضلة بينهما، بحكم عملي، وعلى اساس ايهما أفضل لإكمال مسيرة السلام في الشرق الأوسط. اذا كنت لا أستطيع، لأسبابي الشخصية تفضيل باراك، فإنني أستطيع ان أتحدث عن نتانياهو ولماذا لا أفضله. اذا كانت اسرائيل ديمقراطية وإذا كان الاسرائيليون يريدون السلام، فقد كان انتخابه رئيساً للوزراء قبل ثلاث سنوات عاراً على اسرائيل، مع انه فاز بفارق اعشار من واحد في المئة، فالاسرائيليون اختاروا رجلاً عنصرياً متطرفاً قال انه يريد تدمير عملية السلام. وهو نجح في تجميدها، وأعاد المنطقة الى اجواء القلق والتوتر واحتمالات الحرب. ماذا يفعل نتانياهو اليوم لانقاذ نفسه من اهانة خسارة الانتخابات في دورتها الأولى؟ هو يضغط لاغلاق بيت الشرق كله في القدس، بعد ان أمر باغلاق ثلاثة مكاتب داخله. غير ان وزير الأمن الداخلي افيغدور كاهالاني قال من جديد أمس ما قاله اركان الجيش والمخابرات قبله، وهو ان اغلاق بيت الشرق سيؤدي الى حمام دم، خصوصاً ان الفلسطينيين تركوا حراساً فيه، وعناصر من فتح، مسلحين ومستعدين لمعركة. وهكذا تُرك للمحكمة العليا في اسرائيل اتخاذ قرار قانوني في قضية سياسية. نتانياهو يريد حمام دم، فهو جاء الى الحكم بعد هجمات انتحارية معروفة سنة 1996، وهو يأمل ان يؤدي اهراق الدم من جديد الى انتخابه مرة اخرى، والمشكلة الوحيدة التي يواجهها رفض الاجهزة الاسرائيلية السير معه في مخططه، لأن الدم المهدور لن يكون فلسطينياً فقط. نتانياهو ينشط بشكل محموم في الاسبوع الاخير قبل الانتخابات النيابية الاسرائيلية، وهو وراء حملة رهيبة لبناء المستوطنات، هدفها تقويض السلام لا شيء آخر. والصحف الاسرائيلية سجلت ان المستوطنين يتسابقون الآن لاحتلال رؤوس التلال، وقد بنى مجلس المستوطنات عشر مستوطنات جديدة، من أصل 25 مستوطنة خطط لها، في الشهرين الاخيرين فقط. وسيتم بناء المستوطنات الخمس عشرة الاخرى، اي احتلال الأرض لها، قبل الدورة الأولى من الانتخابات الاثنين القادم. هل تنقذ الجريمة نتانياهو؟ الجواب خلال أيام، غير انه يمكن القول اليوم ان حزبه بدأ يتوقع خسارة مذلة له في الدورة الأولى، وكان هذا موضوع تحقيق طويل في "يديعوت اخرونوت" يوم الأحد الماضي، سبقته اخبار من نوعه وتبعته. وبدأ بعض رجال الحزب يتخلى عن السفينة الغارقة، ففي يوم واحد الأسبوع الماضي أعلن بنتزي موردوف، رئيس فرع ليكود في تل أبيب، والنائب السابق يواش تسيدون، من حزب تسومت، الانضمام الى حملة باراك الانتخابية، كما صرح ياهيل زوهار، رئيس ليكود في نتيفوت، وهي من معاقل ليكود في الجنوب، مقاطعة نتانياهو، ومنع الدعايات الانتخابية له. اما افيغدور ليبرمان، مرشح احد احزاب ائتلاف ليكود، فقال انه كان سيؤيد زعيم اليمين لو كان أي شخص غير نتانياهو. ويمكن ان نزيد الى من سبق اليهود الروس، فهؤلاء يؤيدون اليمين، وكان نتانياهو يعتمد على اصواتهم، وقد زار موسكو لهذا الغرض، الا انهم ضاقوا بتصرفاته كغيرهم، وتخلت عنه اعداد كبيرة منهم، خصوصاً انهم وجدوه يتزلف لزعيم "شاس" ارييه درعي، بعد ان حكم على هذا بالسجن بتهمة الفساد، ثم يصمت عن درعي وهو يهاجم اليهود الأوروبيين ويتهمهم بالعنصرية ضد اليهود الشرقيين امثاله، وبمحاولة منعهم من التقدم ضمن المجتمع الاسرائيلي. هذا المجتمع كان يفترض ان يصبح بوتقة ينصهر فيها اليهود الوافدون من مختلف انحاء العالم. الا ان حملة الانتخابات الحالية اظهرت ان الاسرائيليين يخوضون الانتخابات على اساس قبلي، او عشائري، ولعل السبب انهم اقاموا بيننا تلك الأيام الأربعين الخرافية وأصبحوا مثلنا. أما أنا فأمامي سياسياً خياران احلاهما مرّ، بين رجل قتل السلام، ورجل قتل أصدقائي.