مع اختلاف وجهات النظر في أسباب التدخل الأميركي في كوسوفو، ونتائجه المحتملة، عدت الى استفتاء عريض للرأي العام الأميركي استغرق الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة الماضية، فقد كانت احدى أبرز النقاط فيه هبوط نسبة الأميركيين المعارضين تدخل الولاياتالمتحدة في شؤون الدول الأخرى بشكل ملحوظ عن سنة 1994 عندما عارض 19 في المئة من الأميركيين أي تدخل، مقابل سبعة في المئة السنة الماضية. وربما عكست النتيجة هذه شعور الأميركيين بأن التدخل في الخارج مبرر، وأنه خدم مصالح الولاياتالمتحدة، وكان ثمنه محدوداً بالمقارنة مع نتائجه. باختصار، الأميركيون يختتمون القرن وهم مرتاحون الى وضعهم في العالم، فقد خرجوا منتصرين من الحرب الباردة، وتراجع التهديد الاقتصادي لبلادهم من اليابان وأوروبا الغربية، مع تمتعهم بأطول فورة اقتصادية مستمرة في تاريخهم الحديث. إلا أن مخاوف أخرى حلت محل المواجهة بين الشرق والغرب، أو الهواجس الاقتصادية، من نوع انتشار الارهاب العالمي وأسلحة الدمار الشامل، بالاضافة الى العنف في المجتمع. وهكذا فقد قال 84 في المئة من الأميركيين ان "الخطر الأول" في رأيهم الارهاب الدولي، بزيادة 15 في المئة عن النسبة قبل أربع سنوات. وتبع ذلك الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، بنسبة 76 في المئة، وامكان امتلاك دول غير صديقة أسلحة نووية بنسبة 75 في المئة. ربما كان أهم ما يعنينا كعرب في الاستفتاء هو ما يتصور الأميركيون أنه مصلحة استراتيجية لهم حول العالم. وفي سنة 1984 حلّت اليابان أولاً، ثم المملكة العربية السعودية وبعدها روسيا ثم الكويت والمكسيك في المركز الرابع وبعدهما كندافالصين. أما السنة الماضية فكانت المراكز العشرة الأولى على التوالي هي لليابان ثم روسيا والمملكة العربية السعودية والصين واسرائيل وكنداوالكويت والمكسيك وبريطانيا وايران. وجاءت مصر في المركز السابع عشر بين المراكز الخمسة والعشرين الأولى، من دون تغيير بين 1994 و1998. وما سبق هو رأي الأميركيين العاديين، أما رأي المسؤولين، فيختلف بشكل ملحوظ، والدول العشر الأولى على التوالي هي الصينواليابانوروسيا والمكسيك في المرتبة الثالثة معاً وكندا والمملكة العربية السعودية واسرائيل وبريطانيا والمانيا وكوريا الجنوبية. وفي رأي المسؤولين تخرج الكويت من قائمة الدول الخمس والعشرين الأولى، في حين ترتفع مصر من المركز السابع عشر الى الثالث عشر. وأتوقف من الاستفتاء عند سؤال غريب عن الشعور "الدافئ" أو "البارد" ازاء الدول الأخرى، فقد طلب من الأميركيين أن يسجلوا الدفء فوق 50 درجة والبرودة تحت 50 درجة. واستطاعت اسرائيل أن تحقق 55 درجة السنة الماضية. واحتفظت كندا بالمركز الأول وبعدها بريطانيا وايطاليا والمكسيك والمانيا والبرازيل واليابان واسرائيل وفرنسا وجنوب افريقيا وتايوان وكوريا الجنوبية 50 درجة تماماً. وحصلت المملكة العربية السعودية على 46 درجة، وبعدها دول عديدة. إلا أن القائمة تنتهي بإيران، 28 درجة، وأخيراً العراق 25 درجة. باختصار، الاستفتاء يعكس الثقة بالنفس، وبالتالي يؤيد تدخل أميركا في شؤون بقية العالم. والمستفيد الأكبر السنة الماضية كان الرئيس كلينتون، فقد صعد الى المرتبة الأولى في اعتبار الأميركيين لإنجازاته في الشؤون الخارجية، بعد أن كان في المرتبة الثامنة سنة 1994. وقائمة 1998 تظهر بعد كلينتون الترتيب التالي: كنيدي وريغان وبوش وترومان وايزنهاور ونيكسون وكارتر وجونسون وفورد هذان الأخيران بقيا في المرتبتين التاسعة والعاشرة من دون تغيير. اليوم تقود الولاياتالمتحدة حلف شمال الأطلسي مشكورة كما قلت أمس في كوسوفو، والأميركيون يشعرون بأن التدخل من حقهم، أو يخدم مصالحهم، لذلك يبقى أن نرى الى أين ستقودهم هذه الثقة بالنفس في المرة القادمة، وهل سيكون التدخل مبرراً كما هو في كوسوفو، أو خادماً للمصالح الأميركية في عصر هيمنة القطب الواحد.