القرار بتأجيل اعلان الدولة الفلسطينية اتخذ منذ اسابيع أو شهور، والهدف من اجتماع المجلس المركزي، ليس مناقشة الاعلان أو التأجيل، وانما اعطاء التأجيل غطاء رسمياً وشعبياً. أبو عمار لا يستطيع تأجيل اعلان الدولة بترك الرابع من أيار مايو يمر كأي يوم آخر، ففي هذا اليوم تنتهي المرحلة الانتقالية من اتفاقات أوسلو، والسؤال هو هل تمثل نهاية المرحلة الانتقالية نهاية الأرضية القانونية التي قامت عليها السلطة الوطنية، أي هل يقوم فراغ قانوني في الأراضي الفلسطينية؟ يبدو ان تمديد الفترة الانتقالية هو الخطوة المنطقية الوحيدة المتوافرة للجميع، غير ان الاجماع الكبير على التمديد، كما لمسه أبو عمار في عواصم العالم كله، بما فيها العواصم العربية، يقابله اختلاف على المدة، فهل تكون الى نهاية السنة، كما يريد العرب، فتعلن الدولة في آخر هذا العام أو مطلع العام القادم، أو سنة كاملة، أي الى الرابع من ايار السنة ألفين، كما يريد الاميركيون والأوروبيون، أو يكون التمديد مفتوحاً كما يريد الاسرائيليون. الموقف الاسرائيلي مرفوض، لأنه قد يعني التفاوض حتى الألف الثالثة، ولكن المواعيد الأخرى ممكنة، وأهم من الفرق بين ستة اشهر وسنة، ان يكون الاخراج صحيحاً قانونياً حتى لا يقوم الفراغ المتوقع. في جميع الأحوال، يقول الخبراء ان نهاية المرحلة الانتقالية لا تعفي أي طرف من مسؤولياته ضمن الاتفاقات. والجانب الاسرائيلي يزعم ان إلغاء الاتفاقات المعقودة يتم فقط اذا تخلى طرف من الطرفين عن التزاماته بموجبها فلا يعود الطرف الآخر ملتزماً بها... وهم يعتبرون ان اعلان الفلسطينيين دولتهم المستقلة في الرابع من الشهر القادم يمثل خروجاً على الاتفاقات يمكن اسرائيل من التخلي عنها بدورها. هناك أكثر من مصدر حقوقي دولي يؤكد ان الكلام الاسرائيلي هذا هراء قانوني، فالاتفاقات ملزمة، قبل الرابع من أيار وبعده. وقد حدث غير مرة ان تأخر تنفيذ اتفاقات بين الطرفين، مثل الانسحاب الاسرائيلي من غزة واريحا، فلم تلغ هذه الاتفاقات، بل ان الجانبين ملتزمان، الى جانب اتفاقات اوسلو، باتفاق واي وبقراري مجلس الأمن 242 و338، وهما قراران وافق عليهما جميع الأطراف في النزاع العربي - الاسرائيلي. اليوم هناك من يقول ان الرئيس الفلسطيني لم يكن سيعلن دولة مستقلة في الرابع من أيار، حتى من دون بروز عنصر الانتخابات الاسرائيلية، وانما استعمل التهديد بإعلان الدولة للحصول على ضمانات عالمية لتأييد قيام هذه الدولة. وقد زار الرئيس عرفات في الأسابيع الأخيرة 25 دولة ايدت كلها قيام الدولة، وطلبت كلها تأجيل اعلانها، مع اختلاف الأسباب من دولة الى دولة. وكانت الرسالة الاميركية تتويجاً لجهود الرئيس الديبلوماسية، فهي تحدثت عن حق الفلسطينيين في العيش أحراراً في أرضهم، أي الاستقلال. وكان أمراً نادراً أمس ان تُجمع الصحف الاسرائيلية على انتقاد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو والسخرية منه، فهو قال ان تأجيل اعلان الدولة "انجاز" له، وردت الصحف الاسرائيلية بمقالات من نوع "حكمة عرفات" خلاصتها ان الرئيس الفلسطيني تصرف بذكاء ولعب اللعبة الديبلوماسية كما يجب، وحصل على اعتراف دولي بدولته المستقلة، فلم يبق غير موعد اعلانها. نتانياهو يعرف في قرارة نفسه أنه خسر الجولة والمباراة، لذلك فهو يحاول يائساً اختلاق مشكلة، والاسرائيليون أنفسهم يقولون أنه يضغط لإغلاق بيت الشرق، فيما الخبراء القانونيون في الحكومة يقولون انه لا يملك مبرراً للاغلاق، وان كبار مسؤولي الأمن نصحوا بعدم اغلاق هذا المركز الفلسطيني، خوفاً من اضطرابات في الشارع، مع ان نتانياهو يريد الاغلاق طلباً لهذه الاضطرابات، والى درجة ان يختلف علناً مع وزير العدل افيغدور كاهالاني، وهو حليف له، على شرعية الاغلاق. أبو عمار توقع حتى هذه الخطوة من نتانياهو فاستبقه وقال ان ممثل السلطة في القدس هو زياد أبو زياد لا السيد فيصل الحسيني. وربما رأى أبو عمار بعد ان حقق ما يريد على صعيد إعلان الدولة ان يلتفت قليلاً الى شعبه في الداخل، فهو يقضي أكثر الوقت مسافراً. وكانت الطرفة التي ترددت بين الفلسطينيين أمس ان أهم خبر ليس إعلان الدولة أو تأجيل الإعلان، بل ان أبو عمار في غزة.