للتأمين في السعودية رؤية حديثة فرضتها الظروف الاقتصادية وارتبطت بها منذ أعوام الطفرة التي بدأت في السبعينات اثر دخول الاجانب في مشاريع الشركات شبه الحكومية، وأدت محدودية الدائرة التي ظهر فيها وعجز الموازنة الذي تسبب في تأجيل بعض المشاريع الرئيسية، اضافة الى الاتجاه الى التخصيص، الى تزويد التأمين برؤية واقعية جديدة تتطلبها المرحلة الحالية بحكم متغيراتها المالية. وللتأمين في السعودية شركة سعودية متخصصة وحيدة شبه حكومية واكثر من 80 شركة عاملة بين اجنبية يمثلها وكيل سعودي واجنبية - سعودية مشتركة. وارتبط تأسيس "التعاونية للتأمين" وهي شركة مساهمة سعودية بمشاريع المؤسسات الحكومية "الشركة السعودية للصناعات الأساسية" سابك الى ان فرض الشركاء الاجانب وجود شركات للتأمين من بلدانهم، وبعد نحو عشرة أعوام اضطرت الشركة الى تعديل استراتيجيتها والتوجه نحو القطاع الخاص، مع التركيز على خدمات الافراد، وأصابت فيه نمواً ربما تجاوز تقديراتها، وتأسست في عام 1984 بموجب مرسوم ملكي شركة مساهمة سعودية برأس مال قدره 500 مليون ريال بلغ المدفوع منه 250 مليون ريال وتملكها ثلاث جهات حكومية هي: "صندوق الاستثمارات العامة"، "المؤسسة العامة للتأمينات"، "مصلحة معاشات التقاعد". وفي السنة الأولى لتأسيسها حققت زيادة في الاشتراكات المكتتبة في المحفظة العامة من 19 مليون ريال في 1987 الى 713 مليون ريال العام الماضي، وزادت الاحتياطات الفنية من 17.4 مليون سنة 1988 الى 485 مليون ريال العام الماضي. وتبقى سوق التأمين في السعودية حتى الآن من دون تشريع أو تنظيم يكفل حقوق المستفيدين منها قبل مستحقاتهم على رغم التوقعات بصدور أول نظام للتأمين خلال المرحلة الحالية، خصوصاً بعدما بدأت المصارف التجارية في العامين الأخيرين الدخول الى العملية بالتفاوض مع شركاء أجانب متخصصين للفوز بحصة من سوق التأمين السعودية "الواعدة" حسب وصف العاملين فيها. وعلى رغم معلومات حصلت عليها "الحياة" تؤكد ان "مؤسسة النقد العربي السعودي" التي تقوم بدور البنك المركزي في السعودية، بصدد درس الخطوات الأخيرة لدخول المصارف التجارية معترك سوق التأمين والقضاء على وسطاء السوق أو اقصائهم بفعل اجراءات التنظيم الذي تعتزم المملكة اطلاقها، بعدما حقق الوسطاء مكاسب كبيرة من السوق السعودية التي ظلت ترفض الفكرة على رغم الحاجة الماسة إليها منذ أوائل السبعينات وبصورة شاملة. ويعتقد ان "البنك السعودي - البريطاني" ربما سيعلن قريباً أول خطوة رئيسية في هذا الاتجاه، على ان يتبعه "البنك الاميركي"، و"بنك الرياض" و"البنك العربي" التي تدرس المشاركة مع شركات دولية متخصصة لتقديم خدمات التأمين في السعودية. ويقدر رجال الاعمال السعوديين ممن التقتهم "الحياة" حجم الاموال التي يتم اخراجها من السعودية عن طريق الشركات الاجنبية والاجنبية - السعودية المشتركة لعمليات اعادة التأمين ب 700 مليون دولار سنوياً. وتدرس جهات الاختصاص في السعودية فكرة التأمين التعاوني بصورة موسعة مع ايجاد صيغة عملية للربحية، اذ ان نظام التأمين التعاوني الذي تطبقه المملكة من خلال الشركة القائمة فيها غير مجدٍ من جهة الربحية وبالتالي غير مشجع للاستثمار، والتأمين التجاري يصعب تحقيقه فيها لاعتبارات دينية واجتماعية وغيرها الأمر الذي قد يؤخر ظهور النظام في الفترة الباقية من السنة الجارية، خصوصاً بعدما سرت في الأوساط المصرفية معلومة تفيد ان المصارف ستكون مسؤولة مسؤولية مباشرة عن أعمالها في السوق السعودية وليس الشركات الاجنبية المتحالفة معها. ويقدر عاملون في السوق حصة الفرد من التأمين في السعودية في الفترة الحالية بپ46 ريالاً فقط، فيما يصل الى 85 ريالاً في المنطقة الخليجية ويتجاوز أربعة آلاف ريال في اليابان. ويرجح هؤلاء ارتفاعه في الفترة المقبلة الى ما يزيد على خمسة اضعاف، وانجح أنواعه الى الآن الطبي وبعض أنواع الممتلكات وفي مقدمها السيارات، فيما يصل حجم السوق الى بليوني ريال. ويواجه التأمين فتوى التحريم لأنه مرتبط في أذهان البعض بصورة غير دقيقة على رغم ان هيئة شرعية اجازت عمل "الشركة التعاونية للتأمين". وقديماً كان العامة يرفضون التعويض عن خسائر الممتلكات بدعوى ان التعويض غير مفيد ويصل البعض منهم الى تحريمه. ويقول مسؤول في "الشركة التعاونية للتأمين" عن الإقبال على نشاطات الشركة ان "سوق التأمين في السعودية لا تزال في مراحلها الأولية، ومستويات الوعي بحقيقة التأمين ومنافعه متفاوتة في شكل كبير بين مختلف طبقات المجتمع، وهو ما ينعكس على حجم ونوعية الإقبال"، واكد لپ"الحياة" ان التأمين البحري ثم المقاولات بأنواعها والطبي تجد قبولاً جيداً بحسب ترتيبها المبين لدى الشركات، وعلى مستوى الأفراد لا يزال الأمر مرتبطاً بالثقافة والوعي، وان تحسن بصورة تدريجية قياساً الى الاعوام الأولى لعمل الشركة على سبيل المقارنة، ويقبل الأفراد في المجتمع السعودي على نوعيات محددة من دون غيرها بعد سنوات من الدعاية والعمل الاعلامي المركز من قبل "التعاونية للتأمين"، ويأتي في مقدمها التأمين على السيارات، والرخصة الخاصة، والطبي، والحوادث الشخصية وهي برامج تأمينية أوجدتها الشركة بناء على حاجة السوق السعودية. وتظل المنافسة غير متكافئة بين الشركات على اختلاف نشاطاتها بسبب عدم تقيد هذه الشركات بالأسس الفنية، وعرض وثائقها بأسعار غير واقعية في معركة حرب اسعار بهدف الحصول على حصة أكبر من السوق. وحسب "التعاونية للتأمين" يصل حجم العمليات في قطاع التأمين على الممتلكات والحريق الى 410 ملايين ريال، والقطاع الطبي 510 ملايين ريال سعودي. وحول النشاط التأميني الطبي يقول مدير احد المستشفيات الخاصة في مدينة جدة ان العلاقة بين أطراف العملية التأمينية الشركة، المستشفى، المريض لا تزال غير واضحة المعالم، فرغبات شركات التأمين العاملة في السوق في صورة عامة لا تتيح للمستشفيات تقديم خدمات طبية فاعلة، والمريض يسعى الى ذلك والمستشفيات بين الربح والخدمة الجيدة قد تفقد سمعتها وبالتالي الإقبال على خدماتها. وقال بعض العاملين في المستشفيات في مدينة جدة لپ"الحياة": "هناك عوامل اخرى لقبول المستشفيات أو رفضها من قبل شركات التأمين في مقدمها عمليات التفاوض التي يقوم بها أحياناً بعض الوافدين الاجانب، بعد عمليات تصنيف غير دقيقة لإمكانات المستشفى وتجهيزاته، وهي من العوامل المؤثرة في العلاقة بين أطراف المعادلة". ويرجح هؤلاء ان تنتهي في القريب العاجل خطوات تصنيف علمية بدراسات علمية لصالح بعض شركات التأمين ربما تصل معها القناعة الى تصنيف المرضى مثل تصنيف المستشفيات. ويقول عبدالله المالكي المدير الاداري لمستشفى الاطباء المتحدون في مدينة جدة ان شروط شركات التأمين الحالية تحول دون مساهمة بعض المستشفيات في العملية التأمينية، التي يصفها بأنها تقدم نوعاً من أنواع التوازن بين الخدمات الطبية في القطاعين العام والخاص، وتساهم في الحد من التكاليف وتؤمن العلاج لكل الفئات. ويتفق عدد من مديري المستشفيات السعودية ان شركات التأمين لم تقدم بعد البرامج الحقيقية للتأمين الطبي وربما ستفعل ذلك قريباً. وتواجه بعض المستشفيات في المدينة اشكاليات بعضها تاريخي مع شركات تأمين وطنية واخرى اجنبية يتلخص معظمها في قضايا مالية، لأن النشاط التأميني بصورة عامة لم ينظم بعد في السعودية في أطر الأنشطة التجارية. وتوجد في المدينة ثمانية مستشفيات تتعامل مع شركات تأمين سعودية واجنبية، اضافة الى أكثر من مئة مستوصف في المدينة التي تعج بالمستشفيات والمستوصفات والعيادات المجمعة بصورة تؤكد عدم الحاجة الى وجود هذا الكم الهائل منها. ويتجه بعض العيادات الفردية والمستوصفات المتواضعة الى التصفية والخروج من السوق نتيجة ضعف الاقبال من جهة، ومغادرة المقيمين بصورة غير شرعية الأراضي السعودية، وعمليات الرقابة الأمنية على بعض الأنشطة الطبية. ولا يتوقع عاملون في شركات التأمين من الذين التقتهم "الحياة" ان تؤثر الرؤية الشرعية القديمة في الحد من نشاط شركات التأمين السعودية أو الشركات المشتركة وعمليات التوسيع المرتقبة لها خلال الأشهر المتبقية من السنة الجارية. ويبقى التأمين الطبي في المعادلة الرئيسية خطوة نحو توسيع المجالات أمام ميزان المدفوعات السعودي