أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    رحلة نجاح مستمرة    الحزم يتعادل سلبياً مع الأخدود في دوري روشن    خان يونس.. للموت رائحة    «مسام» يفكك كميات ضخمة من المتفجرات في قارب مفخخ قرب باب المندب    فيصل بن بندر يرعى حفل تخريج الدفعة ال15 من طلاب جامعة شقراء    «التعليم السعودي».. الطريق إلى المستقبل    « أنت مخلوع »..!    صدور بيان مشترك بشأن التعاون في مجال الطاقة بين السعودية وأوزبكستان    "تمزق العضلة" ينهي موسم طارق حامد مع ضمك    وزير الطاقة يشارك في جلسة حوارية في منتدى طشقند الدولي الثالث للاستثمار    وزير الخارجية يستقبل الأمين العام للمكتب الدولي للمعارض    سلة الهلال تقصي النصر وتتأهل لنهائي كأس وزارة الرياضة لكرة السلة    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    القبض على فلسطيني ومواطن في جدة لترويجهما مادة الحشيش المخدر    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    الإصابة تهدد مشاركة لوكاس هيرنانديز مع فرنسا في (يورو 2024)    النفط ينتعش وسط احتمالات تجديد الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي    الذهب يستقر برغم توقعات ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية    محافظ بلقرن يرعى اختتام فعاليات مبادرة أجاويد2    قتل مواطنين خانا الوطن وتبنيّا الإرهاب    "شرح الوصية الصغرى لابن تيمية".. دورة علمية تنفذها إسلامية جازان في المسارحة والحُرّث وجزر فرسان    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    المملكة: الاستخدام المفرط ل"الفيتو" فاقم الكارثة بفلسطين    هاكاثون "هندس" يطرح حلولاً للمشي اثناء النوم وجهاز مساعد يفصل الإشارات القلبية    تعليم عسير يحتفي باليوم العالمي للتوحد 2024    مبادرة «يوم لهيئة حقوق الإنسان» في فرع الاعلام بالشرقية    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "التحصينات"    الشرطة الأمريكية تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض الاعتصامات المؤيدة لغزة    العدل تُعلن عن إقامة المؤتمر الدولي للتدريب القضائي بالرياض    السعودية تدعو لتوحيد الجهود العربية لمواجهة التحديات البيئية التي تمر بها المنطقة والعالم    المنتخب السعودي للرياضيات يحصد 6 جوائز عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات 2024    انعقاد أعمال المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات والمؤتمر البرلماني المصاحب في أذربيجان    سماء غائمة بالجوف والحدود الشمالية وأمطار غزيرة على معظم المناطق    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    تيليس: ينتظرنا نهائي صعب أمام الهلال    برئاسة وزير الدفاع.. "الجيومكانية" تستعرض خططها    هذا هو شكل القرش قبل 93 مليون سنة !    يجيب عن التساؤلات والملاحظات.. وزير التعليم تحت قبة «الشورى»    جميل ولكن..    أمي السبعينية في ذكرى ميلادها    الدراما السعودية.. من التجريب إلى التألق    سعود عبدالحميد «تخصص جديد» في شباك العميد    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    هكذا تكون التربية    ما أصبر هؤلاء    «العيسى»: بيان «كبار العلماء» يعالج سلوكيات فردية مؤسفة    اَلسِّيَاسَاتُ اَلتَّعْلِيمِيَّةُ.. إِعَادَةُ اَلنَّظَرِ وَأَهَمِّيَّةُ اَلتَّطْوِيرِ    زيادة لياقة القلب.. تقلل خطر الوفاة    «المظهر.. التزامات العمل.. مستقبل الأسرة والوزن» أكثر مجالات القلق    «عندي أَرَق» يا دكتور !    النصر يتغلب على الخليج بثلاثية ويطير لمقابلة الهلال في نهائي كأس الملك    إنستغرام تشعل المنافسة ب «الورقة الصغيرة»    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    أغلفة الكتب الخضراء الأثرية.. قاتلة    نائب أمير مكة يقف على غرفة المتابعة الأمنية لمحافظات المنطقة والمشاعر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتفاقات اوسلو تمثل هزيمة ثلاثة عقود من كفاحنا . أي دولة فلسطينية نريد في اطار حقوق الانسان والمواثيق الاخرى للأمم المتحدة ؟
نشر في الحياة يوم 03 - 03 - 1999

يدرك المطلعون على مقالاتي المنشورة في هذه الصحيفة معارضتي النقدية للنهج السياسي الذي تبناه التنظيم الذي انتمي اليه، منظمة التحرير الفلسطينية، على امتداد السنوات الخمس الماضية، بشكل خاص منذ موافقتها على التوقيع في واشنطن مع حكومة دولة اسرائيل على "اعلان المبادىء الخاص بترتيبات الحكم الذاتي الموقتة" في ايلول سبتمبر 1993 وما تلاه من اتفاقات تمثل ما اصبح يُعرف في وقت لاحق ب "عملية اوسلو للسلام".
كانت وجهة نظري ولاتزال ان اتفاقات اوسلو تمثل هزيمة ثلاثة عقود من كفاحنا الفلسطيني، الديبلوماسي والسياسي والعسكري، بقيادة منظمة التحرير ورئىسها ياسر عرفات، توّجت بالاتفاقات الاسرائيلية - الفلسطينية المبرمة في واي بلانتيشن في ولاية ماريلاند في تشرين الاول اكتوبر 1998 وبالزيارة اللاحقة للرئيس الاميركي بيل كلينتون في كانون الاول ديسمبر 1998 الى غزة التي أبرزت استسلام منظمة التحرير. ومنذ وقت طويل، وبالتأكيد منذ "اوسلو"، لم يعد عمل منظمة التحرير يسترشد بالهدف الاستراتيجي المتمثل بتحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني والاحتلال الاسرائيلي. ولم يكن اخطر خطأ استراتيجي لقيادة منظمة التحرير، في هذا كله، قرارها توقيع اتفاق اوسلو واتفاقات الاستسلام اللاحقة، بل بالاحرى قرارها تصوير هذا الاستسلام والهزيمة كانتصار.
وكانت وجهة نظري ولا تزال ان من المستبعد ان تكون الحصيلة النهائية لعملية اوسلو للسلام اقامة "دولة فلسطين" ذات سيادة ومستقلة في جزء، حتى لو كان جزءاً صغيراً جداً، من ارض فلسطين الجغرافية، بل ستكون بالاحرى اقامة دولة اشبه ب "بانتوستان" فلسطيني بجوار وفي ظل دولة اسرائيلية تمارس التمييز العنصري.
تدل المؤشرات على انه في 4 ايار مايو 1999 او 1 كانون الثاني يناير 2000، سيرفع ياسر عرفات بصفته رئيس منظمة التحرير ورئىس "دولة فلسطين" التي اُعلن استقلالها في الجزائر في 15 تشرين الثاني نوفمبر 1988، راية "دولة فلسطين" على ارض فلسطينية في فلسطين الجغرافية وانه سيُعترف بالدولة الجديدة من قبل الاتحاد الاوروبي وكثير من الدول الاخرى الاعضاء في منظمة الامم المتحدة.
ويعتقد كثيرون ان الوقت قد فات ولم يعد في الامكان تغيير مسار الاحداث هذا، ولا يمكن القيام بشىء للحؤول دون ان تنتهي الدولة الفلسطينية التي يجري التهيئة لها الى "بانتوستان" فلسطيني مع المصادقة عليها من الامم المتحدة. أنصح، في المقابل، بالاّ نعلن ان الوقت قد فات قبل فواته فعلاً، بعد 4 ايار مايو 1999 وليس قبل ذلك، وان نكرّس حتى ذلك الحين الاهتمام اللازم للنظر في الاستراتيجية البديلة التي يمكن، حتى في هذه المرحلة المتأخرة، ان تغير هذا المسار المحتمل للاحداث. فليس من المحتّم سلفاً ان تنتهك الامم المتحدة "الخطوط الحمراء" التي ترسمها منظمة التحرير، وليس من المحتّم سلفاً ان تنجح دولة اسرائيل في انتهاك الخطوط الحمراء التي ترسمها المنظمة، شريطة ان ترسم المنظمة الخطوط الحمراء وتتمسك بها. واكتب هذه المقالة مدفوعاً بأمل يائس في ان تكون منظمة التحرير لا تزال قادرة على رسم خطوط حمراء، على رغم سجلها السيء تماماً منذ اتفاق اوسلو.
ارى انه في ظل ظروف معينة، بعضها موضّح ادناه، لا يزال في الامكان انقاذ شيء ما ذي شأن من حطام "اوسلو". وللقيام بذلك نحتاج الى النظر في قضايا اساسية، بشكل خاص قضية السيادة الفلسطينية وما يترتب عليها على صعيد المسائل الجوهرية الخمس في لب النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني كما حُددت في "اعلان المبادىء": القدس، واللاجئون الفلسطينيين، والمستوطنات الاسرائيلية، والامن، والحدود، فضلاً عن المسألة الاضافية التي تتعلق بالمجنسيّة.
السيادة والجيش
اعتقد ان الحكومة الاسرائيلية قد تتوصل، في نهاية المطاف، الى حل وسط في المفاوضات اللاحقة على القضايا ذات الطابع التجريدي وقد تتخلى للطرف الفلسطيني في الاتفاقات الرسمية عن مصطلحات تجريدية مثل "الدولة المستقلة"، وربما حتى "دولة ذات سيادة"، شريطة الاّ تستند هذه التجريدات على مؤسسات مادية مناسبة ملموسة. وأرى ان الصراع على القضايا التجريدية المعركة على كلمة "دولة" و/او "دولة مستقلة" و/او "دولة ذات سيادة" اشبه بستار دخان، وان الصراع الحقيقي الذي نحتاج للاستعداد له هو الصراع من اجل مؤسسات مادية مناسبة تدعم التجريد، وفي المقام الاول "قوات الدفاع الفلسطينية" الجيش، وانه ما لم تكسب منظمة التحرير هذا الصراع ينبغي لها الاّ توقع اتفاقات الوضع النهائي.
ان مفهوم "السيادة" في الشؤون الدولية ليس بالياً، كما يجادل البعض. فمسألة السيادة الفلسطينية على اي جزء من فلسطين الجغرافية هي بالاحرى، مثل مسألة لاجئي 1948 الفلسطينيين، تكمن في جوهر النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. وتمثل السيادة السيطرة على الاراضي الارض والمياه والمجال الجوي والمعابر الدولية، وتعتبر بالتالي شرطاً ضرورياً مهماً لكنه ليس كافياً كي لا تكون الدولة الفلسطينية المرتقبة دولة "بانتوستان".
عارضت كل الحكومات الاسرائيلية بقوة السيادة الفلسطينية وفقاً للتعريف اعلاه على اي جزء من اراضي فلسطين الجغرافية. وبما انه لا وجود للسيادة من دون جيش يتولى حماية الحدود الدولية والسيطرة على المعابر الدولية، فان كل الحكومات الاسرائيلية تصر على انه في حال اقامة "دولة فلسطين" فانها يجب ان تبقى دولة منزوعة السلاح، دولة لديها شرطة مسلحة لكن من دون جيش، أي على وجه التحديد دولة من دون سيادة. ويقوم الخطاب الرسمي لاسرائيل، لحزب العمل وليكود على السواء، على تأكيد كل الحكومات الاسرائيلية بان "دولة فلسطين" المرتقبة، اذا اُنشئت، يجب ان تبقى دولة منزوعة السلاح وغير مسلحة. ولا علاقة لهذا الاصرار اطلاقاً بمسائل مزعومة حول الامن، وهو يتعلق كليةً بمسائل السيادة.
وكي اضع النقاط على الحروف، فان تقديري للمعادلة الاسرائيلية - الفلسطينية الحالية هو ان حكومة اسرائيل، في المطاف الاخير، لن تهدد بخوض حرب اذا اعلنت "دولة فلسطين" المرتقبة نفسها كدولة ذات سيادة، شريطة ان تُحرم دستورياً من الاحتفاظ بجيش. ربما تهدد بخوض حرب، لكنها مع ذلك قد لا تدخل حرباً، اذا اعلنت "دولة فلسطين" نفسها دولة ذات سيادة و اعلن اول مرسوم رئاسي ايضاً اعتبار ان الوحدات المناسبة لقوات الشرطة الفلسطينية الحالية هي الوحدات الدستورية ل "قوات الدفاع الفلسطينية" الجيش.
ولا يهم اذا كان الجيش الذي نحن بصدده مسلحاً بسيوف او ببنادق، ممتطياً الجياد او محمولاً على دبابات، مجهزاً بقاذفات "آر بي جي" او صواريخ "سكاد". ما يهم هو التعريف الدستوري القانوني للقوات المسلحة: هل هي مُعرّفة دستورياً كجيش ام كشرطة. دولة الفاتيكان، على سبيل المثال، دولة ذات سيادة لا لانها تدعي انها دولة ذات سيادة، بل لان الحراس السويسريين مُعرّفون دستورياً باعتبارهم جيش دولة الفاتيكان وهم يحظون باعتراف دولي. من جهة اخرى، تدعي دولة اندورا في دستورها انها دولة ذات سيادة، لكن اندورا مسلوبة السيادة بلغة الممارسة الدولية لان اندورا، بخلاف دولة الفاتيكان، لا تملك قوات مسلحة مُعرّفة دستورياً ومعترف بها دولياً، بل مجرد قوات شرطة. والسيادة على اراضي دولة اندورا مناطة بشكل مشترك برئىس الجمهورية الفرنسية بصفته الشخصية والأسقف الاسباني لاورغيل.
وللتأكيد مرة اخرى، فانه في حال اعلان قيام "دولة فلسطين" والادعاء بانها تتمتع بالسيادة على اراضيها، لن يساوي هذا الادعاء قيمة الورق الذي كُتب عليه ما لم يعلن اول مرسوم رئاسي ايضاً انشاء "قوات الدفاع الفلسطينية" الجيش وفقاً للدستور.
الشرعية الدولية ومسألة القدس
لا يخالجني شك في ان البيان السياسي الصادر عن الدورة ال 17 للمجلس الوطني الفلسطيني التي انعقدت في عمان في تشرين الثاني نوفمبر 1984، الذي تبنى كل قرارات الامم المتحدة ذات الصلة بقضية فلسطين باعتبارها الاطار القانوني الدولي لحل ثابت ودائم للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني، كان انجازاً مهماً لحركة المقاومة الفلسطينية لا يقل اهمية عن الدعوة التي كانت الجمعية العامة للامم المتحدة وجهتها الى ياسر عرفات بصفته رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية لالقاء كلمة امام الجمعية العامة قبل ذلك بعشر سنوات.
هكذا، تبع ذلك بشكل صائب صدور "اعلان الاستقلال الفلسطيني" عن المجلس الوطني الفلسطيني في الدورة الاستثنائية ال 19 التي عقدها في الجزائر في تشرين الثاني نوفمبر 1988، معلناً اقامة "دولة فلسطين" بالاستناد على الاساس القانوني "للسلطة الممنوحة من الشرعية الدولية كما تجسدها قرارات منظمة الامم المتحدة منذ 1947". وكان هذا، حسب رأيي، اهم ميزة للاعلان. لا يمكن التقليل اطلاقاً من الاهمية الحاسمة لقرار منظمة التحرير ان تنشد حماية الشرعية الدولية كما تجسدها كل قرارات الامم المتحدة ذات الصلة بقضية فلسطين، اولاً وقبل كل شىء القرار 181 في تشرين الثاني نوفمبر 1947 الذي نصح بتقسيم فلسطين الى دولتين، واحدة "عبرية" والاخرى "عربية" مع وحدة اقتصادية، من جهة الضرر الهائل الذي نجم عن "اعلان المبادىء" والاتفاقات اللاحقة التي تُعرف ب "عملية اوسلو للسلام" من الجهة الثانية. ويرجع السبب في ذلك الى ان منظمة التحرير فتحت الباب في اوسلو لمبادرات تصدرتها اسرائيل والولايات المتحدة لابطال هذه القرارات واستبدالها بصياغات تعرض للخطر حقوق الشعب الفلسطيني التي ينص عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الاخرى للامم المتحدة والقانون الدولي.
لكن لا يمكن للمرء، ولا ينبغي له ان يحاول، الامساك بالعصا من كلا الطرفين. فاذا كانت الشرعية الدولية الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الاخرى للامم المتحدة والقانون الدولي هي القيم التي ينبغي لنا ويتعين ان نبني عليها كفاحنا للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وتطبيقها، واذا اتفقنا ان على الديبلوماسية الفلسطينية كي تكون فاعلة ان تتمسك بكل قرارات الامم المتحدة ذات الصلة بقضية فلسطين، اولاً وقبل كل شىء القرار 181 في تشرين الثاني نوفمبر 1947 الذي نصح بتقسيم فلسطين الى دولتين، واحدة "عبرية" والاخرى "عربية" مع وحدة اقتصادية - يتعين علينا عندئذ ان نتمسك بكل القرارات وليس ببعضها، وينبغي الاّ نتخلى عن هذه القرارات الاّ عندما تكون غير منسجمة مع قيم الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الاخرى للامم المتحدة والقانون الدولي.
لكن هذا يعني ان المطلب الشرعي الوحيد في ما يتعلق بالقدس هو المطالبة بتدويل القدس والمطالبة بالغاء ضم المدينة واغتصابها من قبل اسرائيل بموجب سيادة اسرائيلية مزعومة. ومن الضروري مرة اخرى وضع النقاط على الحروف. ان الادعاءات الفلسطينية بأحقية السيادة في القدس لا تقل ضلالاً عن الادعاءات الاسرائيلية. فالمطالب الفلسطينية غير صحيحة وغير فاعلة على السواء اذ تفتح الباب لمطالب غير شرعية من قبل اسرائيل. اذا كانت منظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني تحيد عن اشتراطات الشرعية الدولية عندما يلائم ذلك مصالحها الخاصة، لم لا تفعل اسرائيل الشيء ذاته؟
اراضي الدولة
في ضوء ما تقدم اعلاه، اذا جرى الاعلان عن قيام "دولة فلسطين" والادعاء بانها ذات سيادة على اراضيها، يتعيّن على الاعلان ان يشير الى حدود الدولة. ولن تساوي الاشارة قيمة الورق الذي تُكتب عليه ما لم تتمسك بالحدود التي ثبتها قرار الامم المتحدة الرقم 181 في تشرين الثاني نوفمبر 1947 الذي اوصى بتقسيم فلسطين مع وحدة اقتصادية. فلا يوجد أساس في الشرعية الدولية لأي حدود عدا ذلك باستثناء حدود الانتداب البريطاني عام 1922 يعيّن "الخط الاخضر" خطوط الهدنة وليس الحدود الدولية. ومن شأن المطالبة الفلسطينية باراضٍ في فلسطين تكون حدودها غير تلك الحدود المثبة في 1947 و/او 1922، ان تفتح ببساطة الباب مرة اخرى وتعطي صدقية لادعاء اسرائيل انه بمرور الوقت يمكن لمزيد من اراضي فلسطين الجغرافية ان تصبح تحت السيادة الاسرائيلية بموافقة منظمة التحرير بوصفها ممثل الشعب الفلسطيني. بالاضافة الى ذلك، اخذاً في الاعتبار المحاولات المرتقبة لاسرائيل والولايات المتحدة لادخال مثل هذه التغييرات في قرارات الامم المتحدة التي تصون حقوق الشعب الفلسطيني انسجاماًً مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الاخرى للامم المتحدة والقانون الدولي، من الضروري والمرغوب فيه على السواء، في حال الاعلان عن اقامة "دولة فلسطين" في 4 ايار مايو 1999 او بعد هذا الموعد، ان تستند سيادتها قطعاً على قيم الاعلان العالمي لحقوق الانسان وميثاق الامم المتحدة والنصوص المرجعية ذات الصلة التي صدرت عن المنظمة الدولية، مثل "اعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة".
وكما اشرنا اعلاه، اذا كانت الشرعية الدولية وكل قرارات الامم المتحدة حول القضية الفلسطينية والاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الاخرى للمنظمة الدولية والقانون الدولي تمثل احسن دفاع قانوني وديبلوماسي عن حقوق الشعب الفلسطيني، سيكون عملاً انتحارياً ان نقطع الغصن الذي نجلس عليه.
قد نتمكن بالاستناد الى ذلك من انقاذ شيء ما ذي قيمة من حطام "اوسلو". ويعتقد كثيرون، كما اشرنا اعلاه، ان الوقت قد فات ولا يمكن القيام بشيء. وانصح الاّ نقول ان الوقت قد فات الاّ عندما يكون فات فعلاً - بعد 4 ايار مايو 1999 - وليس قبل ذلك - وان نولي في غضون ذلك أقصى درجة من اهتمامنا للحؤول دون وقوع الاسوأ.
المجنسية ولاجئو 1948 الفلسطينيون والمستوطنات
تبيّن قراءة سريعة لقرار الامم المتحدة 181 للعام 1948 ان تصور الامم المتحدة للدولتين "العبرية" و "العربية" في اراضي فلسطين الجغرافية كان يختلف تماماً عن التصور الصهيوني. ففي الوقت الذي كان فيه تصور الامم المتحدة منسجماً مع قيم الاعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي اُعلن بعد ذلك بسنة، لم يكن التصور الصهيوني كذلك، بل كان بالاحرى يقوم على انتهاك هذه القيم.
وتكمن احدى المنافع الكبيرة لقرار الامم المتحدة 181 في انه يحدد الاطار الدستوري للدولتين المفترضتين. فالقرار لا يحدد الحدود المفترضة لهاتين الدولتين فحسب، بل يحدد ايضاً معالمهما الدستورية. ويعكس دستور كل منهما الآخر: كان يُفترض بكلا الدولتين ان تكون ديموقراطية وثنائية القومية. ديموقراطية بمعنى ان الامم المتحدة ارادت ان تكون الدولة "العبرية" ديموقراطية في جوهرها و"عبرية" في نكهتها فحسب من المفترض ان تسمح للدولة "العبرية"، على سبيل المثال، ان تعتبر اليوم السابع للاسبوع يوم العطلة الرسمي، وان تكون الدولة "العربية" المجاورة ديموقراطية في الجوهر ايضاً و "عربية" في نكهتها فحسب من المفترض السماح لها، على سبيل المثال، ان تصدر مرسوماً يقضي ان يكون السطر الاول على اشارات الطرق باللغة العربية بدلاً من العبرية او الانكليزية. وثنائية القومية بمعنى انه وفقاً لشروط القرار 181 يحق دستورياً لكل المقيمين في الاراضي المعينة للدولة "العبرية"، من العرب والعبرانيين، ان يتمتعوا بالجنسية في "الدولة العبرية"، وعلى نحو مترابط يحق دستورياً لكل المقيمين في الاراضي المعينة ل "الدولة العربية"، من العبرانيين والعرب، ان يتمتعوا بالجنسية في "الدولة العربية".
بمعنى آخر، وفقاً لشروط الشرعية الدولية والاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الاخرى للامم المتحدة والقانون الدولي، تتوفر افضل حماية لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة في اطار حقهم بالجنسية في اسرائيل. فبموجب القرار 181 الذي اتخذته الجمعية العامة للامم المتحدة في 1947، يحق لكل لاجئي 1948 الفلسطينيين والمتحدرين منهم ان يحصلوا على الجنسية في اسرائيل. وبموجب الاعلان العالمي لحقوق الانسان "يحق لكل شخص ان يغادر اي بلد، بما في ذلك بلده، وان يعود الى بلده" المادة 13 و "لن يُحرم اي شخص بشكل اعتباطي من جنسيته ]اي المواطنة، على وجه التحديد[ او يُحرم من حقه في ان يُغيّر جنسيته" المادة 15. وبموجب القرار 194 الذي تبنته الجمعية العامة للامم المتحدة في 1948، فانهم يملكون الحق في العودة او الحصول على تعويض.
ولا يقل اهمية عن ذلك ان الامم المتحدة كانت تنظر الى تقسيم فلسطين في اطار وحدة اقتصادية.
اجمالاً، كانت الترتيبات وفق منظور الامم المتحدة آنذاك تمثل اطاراً فيديرالياً. ولا شك ان مثل هذا الاطار لحل عادل ودائم للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني يمثل افضل أساس متوافر للكفاح من اجل الحصول على حقوق الشعب الفلسطيني، على الصعيد المعياري كما على الصعيد العملي. فهو يصون بشكل متكافىء حقوق كل الفلسطينيين، سواء المقيمين في فلسطين او اللاجئين، ويؤمن مكاناً بديلاً لكل مواطني اسرائيل حالياً الذين يُصنّفون باعتبارهم "يهوداً" - مكاناً لهم ليس كمستوطنين او محتلين، بل مواطنين متساوين بموجب الدستور والقانون.
باستثناء ذلك، لا يمكن للمرء، ولا ينبغي ان يحاول، الامساك بالعصا من كلا طرفيها. فالشرعية الدولية والاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الاخرى للامم المتحدة والقانون الدولي هي حقاً قيم ينبغي ان يستند اليها كفاحنا للدفاع عن حقوق الشعب العربي الفلسطيني وأن يطبقها - ليس لأنها تحمي الفلسطينيين، بل لأنها تحمي كل الناس.
كما ان القانون الدولي يحمي اعداء الشعب الفلسطيني. وكل الاطفال، من ضمنهم اطفال المستوطنين العبرانيين، لا يتحملون مسؤولية الجرائم التي اقترفها اباؤهم. وفلسطين الجغرافية ليست موطن حوالي 8 ملايين من المقيمين واللاجئين العرب الفلسطينيين فحسب، بل انها ايضاً موطن حوالى 5 ملايين من مواطني "دولة اسرائيل" من العبرانيين. فهم يملكون حقوقاً متكافئة لأن يعيشوا في البلاد تحت حماية الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الاخرى للامم المتحدة والقانون الدولي، ليس كمحتلين، وليس كمستوطنين، بل كمواطنين متساوين بموجب القانون.
ان اي رؤية تهدف بشكل جدي الى تحرير فلسطين الجغرافية من الاستعمار الصهيوني والاحتلال الاسرائيلي يجب ان تعامل على قدم المساواة كل المقيمين من العرب والعبرانيين، وكل المقيمين واللاجئين الفلسطينيين الى جانب كل مواطني اسرائيل، من العرب والعبرانيين، الذين يبلغ عددهم 31 مليون شخص.
اذا تمكنت منظمة التحرير الفلسطينية عند انتهاء الفترة الانتقالية بموجب اتفاق اوسلو في 4 ايار مايو 1999 او بعد ذلك من اعلان اقامة "دولة فلسطين"، واصدار مرسوم بتشكيل قوات الدفاع الفلسطينية، واعلان السيادة على كل الاراضي المحددة للدولة "العربية" بموجب قرار الامم المتحدة 181 في تشرين الثاني نوفمبر 1947، ومنح الجنسية الفلسطينية لكل حاملي الجنسية الاسرائيلية والمطالبة بأن تتصرف الحكومة الاسرائيلية وفقاً للتبادلية وتمنح الجنسية الاسرائيلية لكل حاملي الجنسية الفلسطينية - حينذاك، وحينذاك فقط، يمكن للعرب وللعبرانيين في فلسطين ان يتطلعوا الى مستقبل لا يمت بصلة دولة الى "بانتوستان" فلسطيني ملحق بدولة اسرائيل تقوم على قانون ومُمارسة التمييز العنصري، دوله "أبارتهايد".
* عضو مراقب في المجلس الوطني الفلسطيني، وزميل ابحاث متقدم في "مركز دراسات الشرق الاوسط والاسلام" في جامعة درهم، و "مركز دراسات الخليج العربي" في جامعة اكستر - بريطانيا، ورئىس اللجنة التنفيذية لرابطة "البيت". جمعية للدفاع عن حقوق الانسان في اسرائيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.