وزارة الداخلية تطلق حزمة خدمات رقمية جديدة تعزز التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي    أمين التعاون الإسلامي: السلام العادل لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال والاستيطان وتجسيد سيادة دولة فلسطين    القيادة تهنئ ملك مملكة بوتان بذكرى اليوم الوطني لبلاده    مسار رياضي لذوي الإعاقة بتعليم مكة    15 يوما على تطبيق قرار إلزام شركات الطرود بعدم استلام الشحنات البريدية دون العنوان الوطني    أمير تبوك يسلم 448 وحدة سكنية دعما للأسر المستفيدة من برنامج الإسكان التنموي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل وفد من أعضاء مجلس الشورى    جستر محايل تزور غرفة عمليات المدن الصحية بالمركز الشبابي    أمير منطقة الجوف يرأس اجتماع المحافظين الأول للعام 1447ه    وزير الخارجية يستقبل رئيس مجلس أمناء وأعضاء مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية    المساحة الجيولوجية : الهزة الأرضية المسجلة اليوم بالمنطقة الشرقية لم تحدث خسائر    أمانة الشرقية ومركز البركة يوزعان 300 حقيبة شتوية على عمال النظافة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    نوح ومحمد أكثر الأسماء شعبية في كندا لعام 2024    تدشين مبادرة تشجير مدارس منطقة المدينة المنورة    صعود العقود الآجلة لخام النفط الأمريكي    أمانة المدينة ترفع كفاءة «تصريف السيول»    «هلال الباحة» يُفعّل خطة الشتاء    مظلات المسجد النبوي.. تُحف وإبداع معماري    فيصل بن مشعل يطلع على برامج الكلية التطبيقية بجامعة القصيم    شوطا «المنغولية» في أكبر تجمع للصقور بالعالم    مسجد عمر بن الخطاب.. معلم إسلامي تاريخي يروي بدايات العمارة الدينية    معرض للتوعية بالسلامة البحرية    «هيئة الحرمين» توفّر سوارًا تعريفيًا للأطفال    أمير نجران يُدشِّن مبادرة النقل الإسعافي للمرضى المحتاجين    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالصحافة يفتتح أحدث مركز للطب النووي والتصوير الجزيئي    تعليق الدراسة.. قرار تنظيمي تحكمه إجراءات ومعايير واضحة    الحياة الفطرية يطور الحوكمة ب« الثقوب الزرقاء»    بسبب قمع المعارضين.. كندا تفرض عقوبات على مسؤولين إيرانيين    ترفض أي وجود لقوات غربية.. روسيا تسعى لإنهاء الحرب في أوكرانيا    «أمهات المختطفين»: عذبوا المحتجزين.. مطالبة باستبعاد مسؤولين حوثيين من مفاوضات مسقط    إطلاق برنامج «خبراء التطوير المهني» التعليمي    السعودية تعزز التعاون الدولي في التحول الرقمي    رصد مخالفات بيع على الخارطة.. هيئة العقار: مباشرة الإجراءات النظامية بحق 25 مطوراً عقارياً    أمينة العنزي: أول رائدة في مجال الصقارة بالحدود الشمالية    أبها يحافظ على الصدارة.. وسباق الهدافين يشتعل بين سيلا سو و نوانكو    فوز المملكة برئاسة اتحاد إذاعات الدول العربية    الإعلام تنظم جلسة «حديث إمباك» بصنع في السعودية    الرياض وجمال المطر    الأخضر بطلاً لكأس الخليج تحت 23 عاماً    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيسة تنزانيا    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    في دور ال 32 لكأس ملك إسبانيا.. قطبا العاصمة أمام تالافيرا وبالياريس    جودة الحياة: تقدم جودة الحياة في مدن السعودية    القيادة تعزي ملك المغرب في ضحايا الأمطار والفيضانات    الصحة العالمية: ظهور سلالة فيروسية جديدة للإنفلونزا    5 أشياء في منزلك تزيد من خطر السرطان    ساركوزي قد يمثل أمام القضاء مجدداً بشبهة التلاعب بالشهود    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة    ترامب وقع أوامر تنفيذية في أقل من عام أكثر ممّا وقعه في ولايته الأولى    انطلاق التصفيات النهائية لمسابقة جائزة الجميح لحفظ القرآن الكريم في دورتها السابعة عشر    مشكاة يشارك في جناح الطفل بمعرض جدة للكتاب 2025    أمير جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    الأمان المجتمعي يبدأ من الحوار    زيلينسكي: مقترحات إنهاء الحرب في أوكرانيا قد تُعرض على روسيا خلال أيام    أمير حائل يستقبل رئيس كتابة العدل بالمنطقة    أمير جازان يستقبل مدير عام حرس الحدود    38 مليون عملية إلكترونية عبر «أبشر» خلال شهر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوامش للكتابة - لوفاء للأميرة
نشر في الحياة يوم 14 - 03 - 1999

لم تكتف الأميرة فاطمة إسماعيل بكل ما قدمته إلى الجامعة، بل أضافت إلى ما أهدته إلى إدارة الجامعة مجموعة من أنفس حليها لكي تنتفع الجامعة بثمنها في إكمال البناء. وقررت الجامعة عرض هذه المجموعة النفيسة في قاعتها الكبرى يوم الاثنين من كل أسبوع لإطلاع من يرغب في شراء منها، وعرضت كذلك صور المجموعة بالحجم الطبيعي لكل قطعة فيها في دار الجامعة وفي الفنادق الكبرى. ولما لم تجد الجامعة من يدفع ثمناً مناسباً، أرسلت محمد علوي باشا إلى فرنسا، حيث تمكن من بيع بعض القطع في باريس بمبلغ أودع في البنك الألماني، وضم إلى المبالغ التي تقرر صرفها على بناء الجامعة. وأودعت القطع الباقية في خزانة خاصة بالجامعة في البنك الأهلي إلى أن تم بيعها بالمبالغ التي تتناسب وقيمتها التي استخدمت في البناء.
لكن الطريف في الأمر كله أن اندلاع الحرب العالمية الأولى وما ترتب عليها من خلع الإنكليز للخديوي عباس حلمي الثاني الذي كان في رحلة الى الخارج انتهى بالبناء الجديد الذي وضع الخديوي المعزول حجر أساسه إلى نهاية مغايرة تماما، لم تخطر على بال أحد قط من الذين شاركوا في الاحتفال، فقد توقف البناء بسبب الحرب وما أدت إليه من ارتفاع أسعار مواد البناء، وتراجع المقاولون عن تعاقدهم مع الجامعة، واستولت الحكومة على الأرض بما بقي عليها لاستخدامها في أغراض مغايرة طوال سنوات الحرب 1914-1918 وانتهى الأمر بالمبنى بعد انتهاء الحرب بسنوات وسنوات إلى أن أصبح المقر الحالي لوزارة الزراعة.
وظلت الجامعة تعاني من وطأة المباني المؤجرة طول عهد السلطان حسين كامل ابن الخديو إسماعيل الذي وضعه الإنكليز في الحكم 1914-1917 وظل فيه إلى أن توفي، وجاء بعده أخوه السلطان أحمد فؤاد الذي ارتبط بمشروع الجامعة منذ البداية، فمضى في تحقيق الحلم القديم بإنشاء مقر خاص للجامعة، ولكن في بقعة أرض أخرى، لم تكن بعيدة عن الموقع القديم الذي تبرعت به أخته الأميرة فاطمة لإنشاء حرم جامعي بالقرب من قصرها في بولاق الدكرور. وكانت الأميرة توفيت في عهد أخيها فؤاد، بعد أن شهدت انتهاء الحرب العالمية الأولى وثورة 1919 وتحول لقب أخيها السلطان فؤاد إلى الملك فؤاد سنة 1920، فأقامت لها الجامعة حفلة تأبين مهيبة في يوم الجمعة الذي انتهت به سنة 1920. واستهل صاحب الدولة حسين رشدي باشا الحفلة بذكر ميزان حسنات الأميرة على الجامعة على النحو التالي:
أولاً - 600 فدان من أجود الأطيان من ضمن 3357 فدانا خصصتها للبر والإحسان.
ثانياً - ستة فدادين بضواحي القاهرة، سيتم عليها بناء الدار الخاصة بالجامعة.
ثالثاً - جواهر قيمتها 70.000 جنيه مصري على التقريب.
ويبدو أن الفدادين الستة التي تحدث عنها حسين رشدي كانت هي الأرض التي بدأ عليها البناء الجديد في عهد الملك فؤاد، حيث يوجد الحرم الجامعي بالكليات المحيطة به إلى اليوم. وكان ذلك بعد سنوات قليلة من صدور المرسوم الملكي بتحويل الجامعة الأهلية إلى جامعة حكومية، وإنشاء ما أصبح يعرف باسم "الجامعة المصرية" التي صدر مرسوم تنظيمها في الحادي عشر من شهر آذار مارس 1925 في عهد وزارة أحمد زيور باشا رجل القصر الذي سرعان ما سقطت وزارته، وجاءت بعدها وزارة مؤتلفة من الوفد والأحرار الدستوريين، فترأس الوزارة عدلي يكن، وترأس البرلمان سعد باشا زغلول زعيم الأمة الذي لم يشهد للأسف وضع حجر الأساس لمبنى الجامعة الجديد فقد توفي في الثالث والعشرين من آب أغسطس 1927.
وبعد وفاة سعد زغلول بشهور معدودة، وفي عهد وزارة عبدالخالق ثروت أقيم الاحتفال بوضع الحجر الأساس لمبنى الجامعة الذي لم يتغير هذه المرة في الجيزة، وكان ذلك في السابع من شباط فبراير 1928. وحضر الاحتفال الملك فؤاد مصحوباً برجال السلك السياسي ورجال الدين وكبار الموظفين والصحافيين ورجال الجامعة الذين ملأهم الفخر بجامعتهم التي اشتد ساعدها.
وألقى كلمات الافتتاح كل من علي الشمسي باشا الوفدي وزير المعارف والرئيس الأعلى للجامعة، وأحمد لطفي السيد بك مدير الجامعة، ووقع الملك بخطه على ثلاث كراسات كتبت فيها العبارة الآتية: "بعون الله تعالى، قد وضع حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول، ملك مصر المعظم، الحجر الأساسي في بناء الجامعة المصرية يوم الثلثاء 15 شعبان سنة 1346-7 من شباط فبراير سنة 1928". ولم يفت علي الشمسي أن يذكر طليعة الداعين إلى إنشاء الجامعة، وعلى رأسهم سعد زغلول وقاسم أمين، ولا الذين تبرعوا للجامعة واكتتبوا بسخاء عظيم، واكتفى من هؤلاء بأن ذكر "بكل إعجاب واحترام الأميرة الجليلة المغفور لها فاطمة هانم، فلقد نفحت الجامعة من العقار والمال بما قوى دعائمها، وثبت قوائمها، وبعثها في الحياة، قوية العزم، بعيدة الأمل".
وعلى رغم اضطراب الأحوال السياسية، وصراع الأحزاب المختلفة، فقد مضى مشروع المباني الجديدة للجامعة في طريقه المرسوم، إلى أن فرغ العمل سنة 1931، وافتتحت المباني الجديدة في احتفال مهيب. وطبعاً، لم يتخلف أحمد شوقي عن تحية الملك فؤاد في مناسبة هذا الاحتفال بقصيدة مطلعها:
تاج َالبلاد، تحية وسلام
ردَّتَكَ مصرُ وصَحَّت الأحلامُ
العلمُ والملكُ الرفيعُ كلاهما
لك يا فؤاد جلالةً ومقام
فكأنك المأموُن في سلطته
في ظلك الأعلام والأقلام
وتقف القصيدة على مباني الكليات الجديدة وقاعة الاحتفال الكبرى لتصفها من منظور أمير الشعراء الذي ظل يفخر بأنه وُلد بباب إسماعيل، فتقول:
ما هذه الغرفُ الزواهر كالضحا
الشامخات كأنها الأعلام؟
من كل مرفوع العمود منور
كالصبح منصدع به الإظلام
تتحطم الأمية الكبرى على
عرصاته، وتمزق الأوهام
هذا البناء الفاطميُّ منارة
وقواعدٌ لحضارةٍ ودعام
والبيت الأخير يومئ إلى الأميرة فاطمة التي لم يفت شوقي الإشارة المباشرة إليها عندما تحدث، في القصيدة، عن ما فعله نفر من الملوك الصيد الكرام:
من آل إسماعيل، لا العمات قد
قصرن عن كرم ولا الأعمام
واكتفى شوقي بهذا البيت إشارة مباشرة إلى الأميرة فاطمة عمة الخديو عباس حلمي وأخت الملك فؤاد الذي لم يتنكر لصنيعها السابق حتى بعدما أصبحت الجامعة حكومية، تنفق عليها الحكومة من موازنة وزارة المعارف التي أصبح وزيرها الرئيس الأعلى للجامعة. وآية ذلك ما أمر به الملك فؤاد من كتابة اسم أخته على كلية الآداب التي كانت الكلية الأولى في الجامعة، وكانت قد أقامت الدنيا وأقعدتها منذ عامين، سنة 1926 عندما أصدر واحد من أساتذتها، طه حسين، كتابا "في الشعر الجاهلي" كان تأكيداً للحضور المدني لعلم الجامعة، وعلامة على حرية تفكيرها.
وهكذا، اكتملت مباني الجامعة بمدخلها المهيب، وحرمها الجامعي الذي يلفت انتباه الداخل إليه، من جهة اليمين، مبنى كلية الآداب المكتوب على بوابته العبارة: "هذه من آثار حضرة صباحة السمو الأميرة فاطمة إسماعيل". وكان من نتيجة ذلك أن بقي اسم الأميرة المستنيرة دالا عليها، وعلى دور المرأة في تأسيس الجامعة. أما اسم الملك فؤاد نفسه، فمثبت على لوحة من الرخام موجودة بأسفل جدار واجهة المبنى، على يسار المدخل، حيث نقرأ: "الجامعة المصرية: أمر بإنشائها وتشييد بنائها ملك مصر المعظم فؤاد بن إسماعيل رفع الله ذكره ويمن عصره. وقد تفضل فوضع بيده الكريمة حجرها الأساس في حفلة حضرها وجوه الدولة وأعلام الأمة، في يوم الثلثاء لخمس عشرة خلون من شعبان سنة ست وأربعين وثلاثمئة وألف للهجرة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.