"الجنوب جبهة مفتوحة للجهاد في سبيل تحرير فلسطين...". هذا الاعلان الذي طالع السيد رمضان عبدالله شلّح به المنطقة حديثاً والذي لا يمكن السيد شلّح أو غيره أن يعلنه من دمشق الا بموافقتها، يحملنا على استنتاج احتمالين لا ثالث لهما. الأول: ان القيادة السورية تهدد اسرائيل بأنه في حال انسحابها من لبنان من دون اتفاق مع دمشق ستتحرك المقاومة الفلسطينية من لبنان وستعود المنطقة الحدودية في شمال اسرائيل الى الاشتعال كما كانت عليه قبل عام 1982. الاحتمال الثاني: ان سورية باتفاق مع اسرائيل طبعاً ستبدأ تطبيق أحد شروط اتفاق السلام المنتظر، بانهاء الوجود الفلسطيني المسلح في جنوبلبنان. وسيتبعه حتماً وفي مرحلة لاحقة جمع سلاح المقاومة اللبنانية لانتفاء مبرر وجودها بعد انسحاب اسرائيل من جنوبلبنان ومباشرتها مباحثات الانسحاب من الجولان. وبهذا تكون سورية والقيادة الفلسطينية التي حركت الوجود المسلح في هذه المخيمات ودعمته، متفقتين من دون اتفاق، وبطريقة غير مباشرة على هدف واحد، ألا وهو جمع السلاح تحضيراً للسلام والأمن في شمال اسرائيل. طبعاً كلا الاحتمالين معقول. فليست المرة الأولى التي تستعمل فيها سورية الفلسطينيين ورقة لمناوشة اسرائيل من خارج سورية. وليست المرة الأولى أيضاً التي تحارب فيها سورية الفلسطينيين خارج سورية وتكون اسرائيل المستفيدة الأولى. ولكن يبقى السؤال الأهم: هل ستستطيع سورية تحرير الجولان بالمقاومة من لبنان؟ التاريخ القديم أثبت عكس ذلك، والتاريخ الحديث مع كل ما حدث خلال الأعوام المنصرمة اثبت عكس ذلك: الجزائريون حرروا الجزائر بمقاومتهم الفرنسيين من داخل الجزائر. فكان لعمل المقاومة الجزائرية بما فيه من شرعية محقة، الصدى المحلي والدولي والتأثير حتى على نفوس الفرنسيين وفي طليعتهم الجنرال ديغول ونجحوا بالتحرير. الفلسطينيون قضوا أعواماً بمحاربة اسرائيل من الخارج من دون جدوى. وعندما اعتمدوا المقاومة من الداخل وبالحجارة استطاعوا ان يدخلوا الى قلوب وعقول المجتمع الدولي شرعية مقاومتهم. واستطاعوا أن يقنعوا قادة وشعب اسرائيل بضرورة اعطائهم دولة. وكان لهم ما أرادوا. اللبنانيون أيضاً، بعد أن اعتمدوا المقاومة من داخل أرضهم لتحرير أرضهم المحتلة استطاعوا ان يقنعوا المجتمع الدولي بشرعية مقاومتهم واستطاعوا ان يقنعوا اسرائيل وقادتها بضرورة وأحقية الانسحاب وإعادة الأرض الى سلطة دولتها. والكويت وتيمور، وكوسوفو وافغانستان والشيشان كلها أمثلة واضحة تثبت ان مقاومة الشعب من داخل بلده لاستعادة أرضه المحتلة وسيادته عليها، تكسبها صفة الشرعية التي لا يستطيع العالم مهما طغى الا أن يستجيب لها. فلماذا القيادة السورية لا تعتمد هذا الاسلوب الشرعي لاستعادة الجولان؟ لماذا تعمد استعمال الغير على أرض الغير لمصلحة الغير، ومصلحتها لن تتحقق بواسطة الغير. لماذا لا تُحرّك المقاومة السورية لتحرير أرض سورية من المحتل لأرض سورية من داخل سورية؟ والسوريون عقائديون أقوياء على أرضهم ومقاومتهم شرعية. لماذا يخافون ان تندلع الحرب معهم وعليهم في سورية ولا يأبهون للحرب اذا ما وقعت، وقد وقعت مرات وما زالت تقع كل يوم على شعب شقيقهم لبنان؟ الحقيقة انه لا تحرير الا بالمقاومة الشرعية. ولن تكون استعادة الجولان كاملا بالمقاومة من لبنان مهما تغنت السلطة في لبنان والقيادة السورية بوحدة المسار ووحدة المصير. فالعالم يعرف التاريخ ويعرف الجغرافيا. ويعرف لبنان وحدوده، ويعرف سورية وحدودها، ولن يتأثر بهذه الديماغوجية.