وقعت على أجمل مكان في الدنيا. المكان هو رانغروا من أعمال تاهيتي الفرنسية، ويتألف من حوالى 240 جزيرة مرجانية متلاصقة في شكل بيضاوي، تحيط ببحيرة ضحلة من ماء جنوب المحيط الهادي، بطول 80 كيلومتراً في عرض 40 كيلومتراً، أي ما يعادل مساحة جبل لبنان. ويحمي البحيرة، واسمها بالعربية الهور، وبالانكليزية "لاغون"، الجرف القاري الذي تتكسر عليه أمواج المحيط وترتد خائبة. وكنت الشهر الماضي قمت بالنيابة عن القارئ، والاصالة عن نفسي، بالسياحة من كابري الى موناكو عبر الريفييرا الايطالية. وبذلت نفسي في خدمة القارئ مرة أخرى هذا الشهر، وطيرت الى تاهيتي، وأبحرت منها الى رانغروا، وهو ثاني "لاغون" حجماً في العالم الأول في مايكرونيزيا الا ان أمر هذه لا يهمنا بعد ان اكتشفنا وجودها عندما صوتت مع اسرائيل، وأميركا، في الأممالمتحدة. وما كنت لأفكر في السفر الى جنوب "الباسيفيك" لولا انني والعائلة تلقينا دعوة من الأمير خالد بن سلطان للسياحة على اليخت "غولدن اوديسي". وهكذا كان ووجدنا أنفسنا في إحدى جنان الله على أرضه. الجزر شبه متلاصقة، وكل منها عبارة عن غابة خضراء من الأعشاب والأشجار القصيرة، يرتفع بينها شجر جوز الهند، مع شاطئ عريض من الرمل الأبيض يحيط بها. واحببت في شجر جوز الهند أنه يشبه النخيل عندنا، الا أن النخل أكرم لأن الانسان إذا نام تحت نخلة وسقطت عليه ثمرة أكلها. اما إذا نام تحت شجرة جوز هند، وسقطت عليه جوزة منها... فالتعزية في بيت الفقيد الغالي. لم نجلس تحت شجرة جوز هند، فهند تغار على زوجها، وانما اخترنا جزيرة حالمة نصبت لنا على شاطئها مظلات مربعة، كل منها على أربعة قوائم، مع مقاعد وطاولات الى جانب أدوات شواء كاملة، وخدمة درجة أولى. وهبت علينا من الغابة نسمات منعشة حملت معها اريجاً طيباً، وكان القمر بدراً فاضفى على المكان كله هالة من الحسن، في حين أنارت مشاعل الشاطئ والقلوب. وأحاول جهدي الا أنني أعرف ان قلمي سيظل مقصراً عن وصف جمال المكان وطيب الرفقة، فكما قلت في وصفي كابري والريفييرا الايطالية "الجنة بلا ناس ما بتنداس". وجدت نفسي، ويا للهول، مع ناس تغطس، فالأمير خالد وأولاده كلهم يغطسون. وهذا ليس مخيفاً في حد ذاته، إلا أننا في جنوب المحيط الهادي، مسقط رأس سمك القرش بأنواعه. الأمير تعامل مع الموضوع كأنه اكتشف سمك قرش نباتياً، واكتفيت وابني من هذه المغامرة بارسال برقية تأييد من على السطح، فما كنا لنغطس ولو كان الموجود سمك تعريفة، مش قرش. وغاب الجميع تحت سطح الماء حوالى ساعة، ثم طلعوا وتحدثوا عن رؤيتهم ست سمكات قرش من أحجام مختلفة. وغاظني أنهم يتحدثون عنها بمثل لا مبالاة الحديث عن العشاء، فقلت لهم "ده غطس؟ احنا في أيامنا كان الواحد يغطس وهو عيل صغير، ويطلع وهو محال على المعاش". العبارة السابقة ليست لي، وانما قالها أبو لمعة على الراديو قبل 40 سنة وحفظتها الى اليوم. ويبقى أبو لمعة معنا، فقد اصطدت سمكة والأمير خالد ذاهب لصلاة العصر، فلم تطلع كلها من الماء حتى صلاة العشاء، وتركت في البحر حفرة لم يملأها الماء حتى صباح اليوم التالي. ماذا أزيد؟ الرحلة كانت سحرية كلها، من اليخت والضيافة الكريمة، الى الجزر الحالمة، والبحر الهادئ داخل الهور والطقس المعتدل، فجنوب المحيط الهادي في موسم الشتاء الآن، وهو يعادل آخر الربيع عندنا. وسرني ان أجد معنا صديقين عزيزين أدركت بسرعة لماذا يدعوهما الأمير خالد باستمرار، فهما يسهل التغلب عليهما في طاولة الزهر. وكان الأمير الحق بي هزيمة على طريقة "ام المعارك" عندما لعبنا طاولة في غشتاد قبل سنتين، فقررت ان احفظ خط الرجعة، وصرحت وأنا ادخل اليخت بأنني قررت ان أترك الأمير يغلبني هذه المرة، لأنني إذا غلبته بعد تلك العزومة الكريمة أكون "بلا أصل"، وهو غلبني، الا أنني أصر على أنني تنازلت له. وتبقى نقاط، الأولى ان اليخت الكبير ليس للسياحة العائلية فقط، وانما هو قاعدة لأبحاث في علم الأحياء البحرية مع بعض أشهر الجامعات الأميركية، وفهمت من بروفسور مرافق ان العلماء على وشك اكمال اكتشافين مهمين. والثانية ان المنطقة، على جمالها، تخلو من أي متاجر، والزائر لن يجد طريقة لانفاق الفلوس إلا إذا رماها في البحر، وهو لن يفعل رغم سحر جنوب المحيط الهادي. والثالثة ان الأميركيين غزوا المنطقة في الحرب العالمية الثانية، وكان لهم انزال شهير في جزيرة "بورا بورا" التابعة أيضاً لتاهيتي، فالمنطقة من الجمال ما تستحق معه ان يقتتل الناس عليها. وهذا يذكرني بالنتن اياه الذي ينازعنا ملكية تلال جرداء في الضفة الغربية ويسرقنا في وضح النهار. وذكر نتانياهو يعيدني من جزر الأحلام الى أرض الواقع فأكمل غداً بشيء عن لوس انجليس.