التقت "الحياة" مصطفى كامل منصور حارس منتخب مصر لكرة القدم في نهائيات كأس العالم 1934 في ايطاليا وهو اللاعب الوحيد الباقي على قيد الحياة من الفريق المصري الذي خاض مباراة هنغاريا في الدور الاول للنهائيات. المفاجأة التي لم نتوقعها هي أن الحارس العجوز الذي يفضل لقب الحاج على لقب الكابتن او المهندس، لا يزال محتفظا بذاكرة ممتازة لكل الرحلة الطويلة والظروف التي سبقتها وعملية الاختيار للاعبين وأحداث مباراة هنغاريا، كما يتذكر مشواره من عام 1929 في مدرسة فؤاد الاول الثانوية. ويتابع الحارس القديم المباريات المحلية والعربية والعالمية باهتمام بالغ، وجاءت آراؤه في الفرق العربية وتوقعاته لنهائيات كأس العالم حافلة بالمعلومات الجيدة. كيف ستتابع نهائيات كأس العالم 1998؟ - مثل كل عاشق لكرة القدم. لن اترك مباراة مذاعة ولكنني لا احتمل البقاء طويلاً أمام المباريات المملة خاصة اذا تعارضت مع مواعيد النوم. ما هي الفرق التي تلفت نظرك في المونديال؟ - يعجبني حالياً ودائماً منتخب البرازيل وهو الوحيد في العالم الذي يلعب للفوز والهجوم في أي زمان ومكان، ولديه عدد كبير من النجوم في كل مراكز الفريق لاسيما في الهجوم ويكفيه الثنائي روماريو ورونالدو. واعتقد ان البرازيل هي المرشحة الاولى للفوز بالكأس اذا لم يتخل الخط عنها. وتأتي فرق المانياوفرنسا والارجنتين وايطاليا وانكلترا في المستوى الثاني، لكنها تفتقد للموهوبين في عدد من مراكزها. اذا غاب كلينسمان عن المانيا لا يوجد من يعوضه، والارجنتين من دون مارودونا ليس الفريق القوي، وفرنسا تعتمد على الثنائي زيدان ودجوركاييف فقط وايطاليا اضطر مدربها تشيزاري مالديني الى الاستعانة بالموهوب روبرتو باجيو والمخضرم برغومي لضمان وجود الخبرة، أما انكلترا فإن بمقدور فريقها تحقيق أي نتيجة مع أي فريق. السعودية الافضل وماذا عن الفرق العربية الثلاثة، السعودية والمغرب وتونس؟ - السعودية هي الافضل، وصعودها الى الدور الثاني هو الأقرب بين الفرق العربية الثلاثة، ومجموعتها هي الاسهل نسبياً مع فرنسا وجنوب افريقيا والدنمارك. والحقيقة ان كرة القدم السعودية اصبحت متطورة جدا في الاونة الاخيرة بفضل الرعاية الجيدة والمسابقات القوية والامكانات العالية. وصار للفريق السعودي مستوى ثابت اهداه مقعدا دائما لاسيما في كأس العالم في التسعينات، وزاد من قوة الفريق السعودي استقدام مدرب عالمي على مستوى رفيع هو البرازيلي كارلوس البرتو. والمغرب ليس الفريق الثابت في مستواه وتجده تارة على اعلى مستوى ويفاجئنا تارة بتدنٍ هائل ونتائجه غريبة بدليل ما حدث في نهائيات الامم الافريقية الاخيرة. ويقلل من شأن الفريق ايضا ان مدربه الفرنسي هنري ميشال لم ينجح مطلقا مع أي فريق في كأس العالم، ويزيد من صعوبة موقف المغرب وقوعه في مجموعة تضم البرازيل والنروج واسكتلندا. أما التونسي فهو الاقل مستوى بين الفرق العربية الثلاثة. زوبيزاريتا وزامورا بصفتك حارس مرمى قديماً من هم حراس المرمى الذين يعجبونك حاليا وتتوقع لهم التألق في نهائيات البطولة في فرنسا؟ - باستثناء الاسباني زوبيزاريتا لا يوجد أي حارس مرمى في البطولة يمكن ان نعتبره نجماً وكلهم يرتكبون اخطاء تافهة لا تصدر من حراس مرمى مبتدئين ولا ينسى احد هدف المغربي نعيم مع سرقسطة الاسباني في مرمى الانكليزي ديفيد سيمان الذي يعتبرونه احد الحراس الاوائل عالمياً ودخلت مرماه كرة نعيم من 50 ياردة بسهولة وغرابة لا يمكن تصورها وهو الأمر الذي تكرر مع الدنماركي مايكل شمايكل من الكرواتي دافور سوكر في نهائيات الامم الاوربية 1996 وتكررت من الالماني اندرياس كوبكه والايطالي بروتزي وزيمله باليوكا اخطاء بسيطة، ويعتبر البرازيلي تافاريل حارس المرمى نقطة الضعف الوحيدة في فريقه. وكما بدأت لا يعجبني حالياً سوى زوبيزارتيا حارس اسبانيا، وهو يعيد الى ذاكرتي صورة الحارس الاسباني العملاق ريكاردو زامورا نجم الثلاثينات الاول وكان احسن حارس مرمى في العالم، وفي نهائيات مونديال 1934ولم يتمكن منتخب ايطاليا من تجاوز اسبانيا في ربع نهائي 1934 الا بعد مباراة معادة غاب عنها زامورا بعد ان اصابوه عمداً. بصفتك حكماً قديماً ما رأيك في مستوى التحكيم عالميا. والحاكم الذين تتوقع نجاحهم في النهائيات المقبلة في فرنسا؟ مهمة الحكم في نهائيات كأس العالم تبدو دائما اسهل من مهمته في التحكيم المحلي في بلاده. ويعود ذلك الى الاحترام الكامل الذي يحظى به حكام المونديال من كل اللاعبين في ظل عقوبات قاسية تنتظرهم لو أخطأوا وفي ظل انضباط كامل من كل الجهات. واتوقع نجاحاً كبيراً للحكمين العربيين علي بوجسيم الاماراتي وجمال الغندور المصري في النهائيات والفرصة سانحة لهما لادارة المباريات القوية حتى نصف النهائي اذا كانت المواجهة في تلك المرحلة بين فريقين احدهما من اوروبا والاخر من اميركا الجنوبية. مونديال 1934 نترك مونديال 1998 ونعود 64 عاما الى الوراء الى مونديال 1934 في ايطاليا حيث نلت شرف حراسة مرمى مصر في مباراتها الوحيدة ضد هنغاريا احكِ لنا ذكرياتك الكاملة؟ - انضممت للمنتخب المصري في بداية 1934 وكنت اصغر لاعبي الفريق ولم اكن اكملت 20 عاما ومشغولا بدراستي في كلية الزراعة وكان عزيز فهمي زميلي الاكبر في الاهلي هو الحارس الاساسي للمنتخب. وكان عزيز فهمي حريصا على مشاركتي في المباريات المحلية مع الاهلي والدولية مع المنتخب بالتبادل المنتظم. وفي يوم 16 آذار مارس 1934 كان موعد المباراة الاولي بين مصر وفلسطين في ملعب الاهلي في تصفيات كأس العالم واختارني المدرب الاسكتلندي للفريق المصري جيمس ماكراي ضمن تشكيلة ضمت على كاف وحميدو شادلي وحسن الفار وحسن رجب وحسن السويفي وحافظ كاسب ومحمد لطيف ومختار التتش كابتن الفريق ومصطفى كامل طه وسيد مرعي لخوض المباراة وكانت المشاركة الاولى في حياتي مع منتخب مصر، ولم اعلم في تلك الفترة اهمية هذا الحدث التاريخي وكانت المباراة الاولى لمصر والفرق العربية في تاريخ المونديال وللأسف ضمت تشكيلة الفريق الفلسطيني تسعة لاعبين من اليهود واثنين فقط من العرب ومعهم المدرب اليهودي شيمون لوميك وأدار المباراة حكم انكليزي يدعي ويلز وفزنا بسهولة 7-1 واحرز مختار التتش 3 اهداف وكل من مصطفى كامل طه ومحمد لطيف هدفين. وفزنا في مباراة الاياب في فلسطين 4-1 ولعبها عزيز فهمي وكنت احتياطيا. إلى ايطاليا واضاف مصطفى كامل منصور: لم تكن الظروف مواتية لمنتخب مصر قبل السفر الى ايطاليا بسبب خلافات داخلية حول استمرار الموسم المحلي. ورغم تحديد موعد مباراة مصر وهنغاريا في الدور الاول لكأس العالم يوم 27 ايار مايو 1934 في نابولي وضرورة تفرغ لاعبي المنتخب الاستعداد للمونديال لمدة 4 أسابيع على الاقل بينها فترة سفر لمدة 3 ايام ومعسكر في ايطاليا لمدة اسبوع إلا أن الاتحاد المحلي قرر استمرار الموسم حتى 12 أيار مايو حيث اقيمت مباراة المختلط - الزمالك حالياً - ضد الاولمبي في نهائي كأس الامير فاروق - كأس مصر حاليا وضم الفريق 9 لاعبين من المشاركين في المنتخب. والتقى المصري البورسعيدي مع بورفؤاد في نهائي الكأس السلطانية يوم 11 أيار وضم فريق المصري لاعبين في المنتخب ورفض الاتحاد كل النصائح بأهمية تأجيل لمباريات المحلية حتى العودة من المونديال. ودفع المنتخب ثمناً غالياً لهذا العناد حيث اصيب ابراهيم حليم ساعد الدفاع الايسر اصابة جسيمة في مباراة فريقه في نهائي الكأس ولم يتمكن من اللعب رغم سفره ولم يكن لدى الفريق لاعب بديل على نفس الدرجة من الكفاءة واضطر المدرب الى تغيير مركز حسن رجب ليلعب بدلا من ابراهيم حليم وسبقه الى الاصابة ايضا وجيه الكاشف لاعب الاهلي وفريد نجاحي لاعب المختلط ولعب منتخب مصر بتشكيلة جديدة في المونديال للمرة الاولى في تاريخه مما افقده عنصر التفاهم. وسافرنا الى ايطاليا على متن باخرة كبيرة من ميناء الاسكندرية الى جنوة وضمت البعثة احمد فؤاد انور رئيسا وحسن رفعت سكرتيرا وداود راتب للمالية ومحمود بدرالدين ادرايا وجيمس ماكراي مدربا ويوسف محمد حكما دوليا مرافقا و17 لاعباً هم عزيز فهمي ومصطفى منصور لحراسة المرمى وكامل مسعود وهاني كامل ومحمود مختار من الاهلي وعلي كاف وحسن الفار وابراهيم حليم ومحمد لطيف ومصطفى كامل طه من المختلط وحميدو شارلي وحسن رجب وحافظ كاسب من الاولمبي وعبدالرحمن فوزي ومحمد حسن من المصري البورسعيدي واسماعيل رافت من الترسانة ومحمود اسماعيل النجرو من البوليس وكان مسموحا لكل فريق باصطحاب 20 لاعباً. مصر وهنغاريا وفي الموعد المقرر كان ملعب كومونالي جيورجيو اسكاريلي في نابولي مكتظا بأكثر من عشرة الاف متفرج معظمهم من الايطاليين المحايدين الذين احسنوا استقبال الفريقين بشكل جيد. واسندت ادارة المباراة الى حكم دولي ايطالي يدعي رينالدو بارلاسينا. كانت خبرة لاعبي هنغاريا بالمباريات الدولية اكبر جدا من خبرات لاعبينا ويكفي ان نعلم ان الدوري الهنغاري كان قويا في تلك الفترة وان نظام الاحتراف دخل الى هنغاريا ايضا وعلى العكس لم يكن بين لاعبي مصر من اصحاب الخبرة سوى محمود مختار التتش كابتن الفريق وهدافه الذي شارك في نهائيات دورة امستردام الاولمبية عام 1928 كما لعب علي كاف وحسن رجب ومصطفى كامل طه في مباراة دولية واحدة قبل كأس العالم. واضاف مصطفى كامل منصور: نلت شرف حراسة مرمى مصر في تلك المباراة التاريخية ولم يكن الامر مهما في ذلك الوقت لاننا اعتبرنا اللقاء عاديا مثل أي مباراة ولم يكن الاهتمام بكأس العالم وصل الى هذا الحد حتى في الصحف الايطالية نفسها. ولعب في خط الدفاع علي كاف وحميدو شارلي وحسن الفار وفي خط الوسط اسماعيل رافت وحسن رجب وفي الهجوم محمد لطيف ومصطفى كامل طه وعبدالرحمن فوزي ومختار التتش كابتن الفريق ومحمد حسن والطريف ان حافظ كاسب كان مرشحا لبدء المباراة في مركز الجناح الامين ولكنه شكا من الام في المعدة قبل المباراة وطلب مشاركة محمد لطيف بدلاً منه. ضمت تشكيلة الفريق الهنغاري 11 لاعباً محترفاً في اندية يوبشت وفرنسفاروس وهنغاريا بودابست بقيادة المهاجم جيزا تولدي هداف فرنسفاروس وايمري ماركوس الجناح الايمن وادار المباراة الحكم الدولي الايطالي رينالدور بارلاسينا. حسم الهنغاريون اللقاء مبكرا في الدقيقة التاسعة بهدف لبال تيليكي واندفع بعدها فريقنا للهجوم بحثا عن التعادل خاصة وان اللقاء الدولي الاخير بين البلدين انتهى في القاهرة لمصلحة المصريين 3/صفر ودياً عام 1931 ولكن الاندفاع غير المسحوب كلفنا هدفاً هنغارياً ثانياً في الدقيقة 25 عن طريق تولدي ورد عبدالرحمن فوزي المهاجم البورسعيدي سريعا لمصر بهدف في الدقيقة 27 من تسديدة مباشرة من 18 ياردة وهو الهدف الاول لأي لاعب مصري أو عربي أو افريقي في نهائيات كأس العالم وانتهى الاول بنتيجة غير عادلة بتقدم هنغاريا 2-1 في ظل تفوق مصري كامل. واستمر اللعب على نفس الوتيرة في الشوط الثاني هجوم مصري مستمر وهجمات هنغارية معاكسة ولكنها محدودة وكانت المفاجأة في الدقيقة 54 عندما احرز مختار التتش هدف التعادل لمصر وأشار حامل الراية باحتساب الهدف ولكن الحكم الايطالي اشار بإلغائه بدعوى تسلل محمد لطيف غير المشارك في اللعبة ونفذ لاعبو هنغاريا الضربة الحرة بسرعة اثناء انشغال لاعبي مصر في معرفة سبب الالغاء وارتدت الهجمة على مرمانا بسرعة البرق وانفرد جينو فينشي بالمرمى من 40 ياردة مسجلاً هدفاً ثالثاً انهى المباراة. ورغم حالة الاحباط الا ان الفريق المصري ظل مسيطراً حتى كانت الدقيقة 61 حينما تلقيت كرة عالية داخل منطقة الجزاء وقفزت لالتقاطها وامسكتها تماماً عندما اندفع تولدي نحوي وركبته عالية واصطدمت بانفي واحسست بالم فظيع وسقطت على الارض ولم ار الكرة الا وهي داخل الشباك والحكم يحسب هدفا رابعا لايطاليا وسط احتجاج صارخ لزملائي وبعد فترة علاج غير قصيرة وقفت على قدمي واكملت المباراة وسجل عبدالرحمن فوزي هدفاً ثانيا وخسرنا 2/4 وبقينا في ايطاليا حتى نهاية الدورة حيث دخلت المستشفى لعلاج كسر في الانف بسبب ضربة تولدي ولا يزال الاثر العميق لهذا الكسر والجرح موجوداً في انفي حتى اليوم.