كنا نتحدث عن الرجال والنساء. قال صديقنا: المرأة هي المرأة، والرجل هو الرجل... لم يعجبنا ما قاله، وسألناه ان يفسر مقولته، قال الرجل محرجاً: كلامي واضح ولا لبس فيه. قلنا له: انت تعمم، والتعميم ظلم للحقيقة. زدنا تفسيراً من فضلك، إن عبارتك تبدو مثل تحصيل حاصل، وهي عبارة لا معنى لها. قال: ازيدكم توضيحاً. الرجال نوعان: نوع هو الروميو ويدخل تحت هذا النوع مجنون ليلى وكثير عزة. ونوع آخر هو الدون جوان ويدخل تحت هذا النوع شاعرنا الماجن عمر بن ابي ربيعة وامثاله من شعراء التشبيب والغزل. قلنا له: أنت تزيد الامر صعوبة، حدثنا عن الفرق بين روميو ودون جوان. قال: أهم صفة من صفات روميو انه عاشق، اما اهم صفة من صفات دون جوان فهي انه صياد. إن روميو ينظر الى المرأة من خلال قصة حب عنيفة متأججة، إن المرأة عنده هي السهر والشوق والعذاب، والمرأة عنده اقرب ما تكون الى الحلم منها الى الحقيقة، والمرأة عنده هي صورته عن المرأة التي يحبها، وليست حقيقة المرأة! من هنا تعذب روميو في عشقه، وجن جنون قيس من فرط حبه لليلى، وحين تزوجت ليلى وخرجت من حياته انطلق هائماً على وجهه في الفيافي والقفار، وهو لا يعرف ماذا يفعل أو أين يذهب. لقد فجر الحب مشاعره، ونسفه في الوقت نفسه. هذا هو روميو أو قيس أو كثير! كانت المرأة شيئا يبلغ من الروعة حداً أنه يفسد نظام الانسان ويحوله الى شاعر يسير وحده في صحراء العطش. أما دون جوان فنوع آخر يختلف عن روميو... إن المرأة عند روميو هي سر الحياة والوجود والتدله والعشق، أما عند دون جوان فهى مجرد صيد! إن دون جوان صياد ماهر، وهو يعشق الصيد في حد ذاته، ومتعة الصيد عنده هي قمة المتع. صحيح أن المرأة هي صيده النهائي، ولكنه لا يصطاد هنا حباً في سواد عيون المرأة، وانما يصطاد حبا في سواد عيون الصيد ذاته، إن التوتر الذي يوفره الصيد، والمخاطرات الكامنة فيه، وجو الاحتشاد المحيط به، هي متعة الدون جوان. ليست المرأة هي الهدف الأول من حركة الدون جوان مثلما هو الواقع عند روميو. ليست المرأة عند دون جوان مخلوقا تحيطه هالة من الجمال الملائكي، انما هي صيد ثمين فحسب! وقلنا له: هذا يعني إن الدون جوان ليس مخلصاًَ ولا محباً في الحقيقة. قال صاحبنا: لا يعرف قاموس الدون جوان كلمة الاخلاص أو الوفاء أو الحب. إن الصياد لا يصطاد مرة واحدة في حياته، إنما هو بحاجة كل يوم الى صيد جديد. ولا وفاء للصيد القديم ولا يبقى منه سوى بعض الذكريات في النفس... وهي ذكريات معظمها عن اسلوب الصيد لا الصيد ذاته. قلنا له: حدثتنا عن الرجال فحدثنا عن النساء. انفتح صاحبنا في الحديث، وقال: المرأة ألوان وأشكال وأجناس، ولقد يخيل اليك أن هناك اختلافا بين الشقراء والسمراء، ولكن هذا مجرد تخيل، حقيقة المرأة وجوهرها واحد. انك تقول للمرأة : انا احبك، فتقول لك: تزوجني! انها تقوم بتبسيط علاقة الحب المعقدة المتشابكة الى شيء حاد مجوف وبارد ومعروفة مقدماته ونتائجه... وهو الزواج. لاحظوا ان الصياد هنا هو المرأة، إن دون جوان كان يتوهم بأنه يصطاد، بينما الحقيقة انه كان هو الفريسة. أنت تقول للمرأة: أنا مسافر لاكتشاف قارة جديدة، فتقول لك هل تتركني وحدي! انتهى الامر وليذهب اكتشاف القارة الى الجحيم، المهم أنها لا ترغب في أن تترك وحدها. انك تقول للمرأة: أنا متعب ومنهك ومكدود. فتقول لك: السبب اننا لم نخرج للفسحة منذ شهر. هذه هي المرأة. أنها مركز الكون، وعلى بقية الكواكب الأخرى ان تدور حولها حتى تسقط ميتة من التعب. لا ترضى المرأة بأقل من الموت حباً. وفي جميع الصراعات التي وقعت بين الرجال والنساء، كان الرجل يكتشف وهو في قمة انتصاره أن المرأة هي التي انتصرت، وأنها نجحت في اقناعه بأنه هو المنتصر... سألناه: ماذا تعني؟ قال: أعني أنه لا داعي للمقاومة ما دامت النتيجة معروفة سلفاً.