عامٌ بعد عام، يتوشح الوطن مجده المستحق، وها هو #اليوم_الوطني_95 يقترب علينا، لا كرقمٍ يضاف إلى تقويم الأمجاد، بل كقيمة متجددة تُستلهم، وهوية تُرسخ، ورسالة تنبض بحكمة الدولة وشموخ المواطن. في كل عام، تصوغ بلادنا هويتها اللفظية والبصرية بعناية لا تنبع من الحاجة إلى التزين، بل من وفاءٍ لما نُبِت عليه، ومن رغبة صادقة في ربط الأجيال بالجذور، وفي هذا العام، جاءت الهوية الجديدة للعيد الوطني القادم تحت شعار، عنوان المقال، بشرتنا به «الهيئة العامة للترفيه»، وغرد بها رئيسها الفاضل، معيدا بذلك تشكيل الوعي حول ما يعنيه أن تكون سعوديًا، يزهو بثبات، ويتقدّم بثقة، ويُجدد ولاءه لقيم ما كانت يومًا طارئة، ولا عارضة. حين تقول الدولة لمواطنيها: «عزنا بطبعنا»، أراها لا تُغدق مدحًا، بل تُقرر واقعًا متأصلًا؛ فنحن «السعوديين» لا نبحث عن العزة في صفقات ولا استعراضات، بل نحملها في طبعنا الذي نشأنا عليه، وأقمنا به حياتنا، وشكل نظرتنا للناس وللدنيا: الكرم، والشهامة، والفزعة، والجود، والإباء، والعفة، والمروءة، وكلها ليست صفات نكتسبها وقت الحاجة، بل سجايا نمارسها دون تكلف، ونورثها كما نورث الأسماء، وهذا «الطبع» هو الاستثمار الحقيقي، وهو ما يجعل كل تقدمٍ لنا غير منفصل عن جوهرنا، وكل رؤية لنا ليست انقطاعًا بل امتدادًا. الهوية البصرية للشعار، جاءت لتترجم المعنى نفسه بلغة الألوان والنقوش، حيث تلاقت الرموز التراثية من «السدو»، و«الخوص»، والنقش النجدي، لتكون مشهدًا بصريًا يحاكي ذاكرة الوطن كما يليق به، لا بوصفه مادة تراثية محنطة، بل مكونًا حيًا ضمن حركة التقدم، وهي نقوش لم تُوضع تزيينًا، بل تعريفًا، لتقول للعين قبل العقل: نحن لا نغادر جذورنا، بل نحملها معنا في كل خطوة نحو المستقبل، وندرك أن ما لا هوية له، لا مستقبل له، ولا حاضر، وحين ننظر إلى الشعار من زاوية تربوية، فإننا نكتشف أن اليوم الوطني ليس يومًا احتفاليًا فحسب، بل فرصة تربوية نادرة لتعميق مفهوم المواطنة القيمية، وربط الناشئة بما ينبغي أن يتربوا عليه، لا بما يُطلب منهم تقليده؛ ف«الطبع» الذي نفاخر به، لا يُلقن، بل يُعاش، ويُغرس، ويُقتدى به، وإذا أردنا لجيل اليوم أن يتشرب «الكرم»، فليراه في بيته، وإن أردناه أن يتحمل مسؤولية الوطن، فليشهدها في سلوك مراجع، أو موقف مسؤول، يؤمن بأن المسؤولية لا تحتمل التجزئة، وأن «الطبع» لا ينفصل عن الالتزام، ولا تُعارضه الأنظمة، وأن الذي يحترم الأنظمة، ويصون المال العام، ويصدق في وظيفته، لا يلتزم خوفًا من الجزاء، بل طبعًا لا تكلفًا، وكلها قيم لا تُغرس بالإجبار فقط، بل بفطرة الأصل؛ والمجتمع الذي يُبنى على الطبع، يحتاج إلى قدوات صادقة تحفز ما هو مزروع أصلًا في وجدان أفراده. أختم، بأننا في اليوم الوطني، وغيره من أيام العز والسؤدد، لا نحتفل لنُبهج أنفسنا فحسب، بل لنجدد العهد بأن نُحسن تمثيل هذا الوطن، لا بالصوت العالي، ولا باللباس، بل بالسلوك الصادق، والعمل الجاد، والموقف النبيل، ولا نرفع راية الوطن فقط، بل نرفع مقامه فينا، ونُبرهن للعالم أن هذا العزّ الذي نعيش فيه لم يُصنع في معمل دعاية، بل في شرفات التاريخ، وفي قلوب اعتزت بما هي عليه، مؤمنة بأن من كان «طبعه» عزًا، لن تُصيبه الانهزامات مهما تبدلت الأحوال، ولن ينكسر في مواجهة التحديات، لأنه لا يتكئ على مؤثرات خارجية، بل على جبل من القيم الراسخة، وعلى يقين بأن كل عام يمر، يزيدنا ثباتًا، وارتباطًا، واعتزازًا.