الإنجليز يفضلون استمرار ال«VAR»    المحكمة العليا: غداً (الجمعة) هو غرة شهر ذي الحجة والوقوف بعرفة السبت الموافق 15 / 6 / 2024    أمير المدينة يدشن مبادرة المسار الذكي في الجوازات    السعودية تتأهل إلى التصفيات النهائية لكأس العالم 2026 بثلاثية    جندوجان: ألمانيا تحتاج قادة من خلفيات عرقية متنوعة    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء الهند بمناسبة فوز حزبه بالانتخابات التشريعية    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء الهند بمناسبة فوز حزبه بالانتخابات التشريعية    جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تدشن مسرحها الجديد بأحدث التقنيات المسرحية    لتوسيع نطاق الخدمات القضائية.. إطلاق النسخة المطوَّرة من تطبيق ديوان المظالم    رئيس «كاكست» يطلق مبادرات طموحة لتوطين صناعة تصميم الرقائق الإلكترونية بالمملكة    أمير القصيم يكرّم البشري بمناسبة حصوله على الميدالية الذهبية    وزير «الإسلامية»: إقامة صلاة عيد الأضحى بعد شروق الشمس ب15 دقيقة في كافة المناطق    نائب أمير مكة يستقبل وزير النقل والخدمات اللوجستية    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    وزير الشؤون البلدية يدشن مركز دعم المستثمرين بالمدينة    سجن وتغريم 8 أشخاص لنقلهم 36 مخالفاً للحج    السعودية تطلق أكاديمية وطنية للبيئة وبرنامجًا للحوافز والمنح في القطاع البيئي    السفير الطاجيكي: دور محوري للمملكة في تفعيل مبادرات حماية البيئة ومكافحة التصحر    الذهب يرتفع وسط آمال خفض الفائدة وانتعاش النحاس    اختصار خطبة الجمعة بالحج لشدة الحرارة    اجتماع وزاري خليجي-يمني مشترك في الدوحة.. الأحد    11 جهة ترسم طريق الاستدامة وتنمية الموارد وتذليل الصعوبات لتراحم الشرقية    مفتي المملكة: من أراد أن يضحي فلا يأخذ شيئًا من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته بعد دخول شهر ذي الحجة حتى يضحي    نجاح فصل التوأم السيامي الفلبيني "أكيزا وعائشة" بعد عملية استغرقت 5 ساعات    بجراحة دقيقة مركزي بريدة يستأصل ورما نادراً ضاغطا على الأوعية الدموية    مجزرة إسرائيلية في مدرسة للإيواء بغزة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام الأقصى اعتداء سافر على الوضع القانوني والتاريخي    موارد وتنمية الشرقية.. تنفذ مبادرة "نسك" لاستقبال ضيوف الرحمن    "غوغل" تتخلى عن ميزة "سجل الخرائط"    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة جمعية تنمية الموارد المالية    أمير القصيم يقف على جاهزية مدينة حجاج البر    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بجائزة سموه للتفوق العلمي الرس    "العُلا" سحر التنوع البيئي والتراث    "الخريف" نتجه لتوطين صناعة السيارات    "ساما" ينضم ل"mBridge" للعملات الرقمية    "مايكروسوفت" تطلق إصداراً جديداً من "ويندوز 10"    رونالدو أفضل لاعب في "روشن" لشهر مايو    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    الأرصاد: استمرار ارتفاع درجات الحرارة العظمى في 5 مناطق    20 عاماً على موقع «فيسبوك».. ماذا تغير ؟    الحجيلي يحصد جائزة "المعلم المتميز"    سروري مقدما ل " ثلوثية بامحسون "    إعادة كتاب بعد 84 عاماً على استعارته    بتوصية من مانشيني.. الأخضر الأولمبي يقترب من مدرب إيطالي    السعودية تستضيف بطولة غرب آسيا الثالثة للشباب    نائب رئيس جامبيا يزور المسجد النبوي    الضليمي والمطيري يزفون محمد لعش الزوجية    رئيس الشؤون الدينية يدشن دورة "هدي النبي في المناسك"    تقنية لتصنيع الماس في 15 دقيقة    حرارة الأرض ترتفع بشكل غير مسبوق    حذّروا من إضاعتها خلف الأجهزة الإلكترونية.. مختصون ينصحون الطلاب باستثمار الإجازة    أدوية الأمراض المزمنة ضرورية في حقيبة الحاج    المصريون ينثرون إبداعهم في «ليالٍ عربية» ب «أدبي الطائف»    الفصول الدراسية: فصلان أم ثلاثة.. أيهما الأفضل؟    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    هند بنت خثيلة والتاريخ!    «ليلةٌ في جاردن سيتي»    الوزير الجلاجل وقفزات التحول الصحي !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اغتيال ستاروفويتوفا قد يفتح الباب لصراع، بلا ضوابط، على السلطة
نشر في الحياة يوم 29 - 11 - 1998

ما كان اغتيال غالينا ستاروفويتوفا، في العشرين من الشهر الجاري، في مدينة سان بطرسبورغ، الأول من نوعه بحق عضو في البرلمان الروسي الدوما، فقد سبق النائبة المذكورة الى ذلك المآل خمسة زملاء لها سقطوا برصاص القتلة منذ 1994، حتى بات الاغتيال السياسي، أو اغتيال السياسيين، ملمحاً من ملامح الحياة العامة في روسيا. ألم يظهر خلال الآونة الأخيرة على شاشات التلفزيون، نفر من عملاء في استخبارات الدولة اليلتسنية، خليفة ال "كي. جي. بي."، ليعلنوا بأن الجهاز الذي يعملون في اطاره ويأتمرون بأمره، قد كُلف، من قبل بعض العصابات السياسية و/أو المالية بتنفيذ بعض من عمليات التصفية الجسدية؟
ثم انه، وفي يوم مصرع النائبة ستاروفويتوفا نفسه، كان رصاص القتلة قد أودى بحياة مستشار خاص لحاكم بعض المناطق النائية في سيبيريا، في حين كان مساعد محافظ مدينة موسكو، قد نجا، قبل يوم من ذلك، من محاولة اغتيال استهدفته. وكل هذه الوقائع، وما شابهها الكثير مما ما انفكت وسائل الإعلام الروسية والعالمية تورده وتطنب، يدل على مدى العنف الذي أصبح مستشرياً في الحياة العامة الروسية، حيث تكثر المواجهات بين المافيات المتنافسة، وأوساط المال والأعمال والمجموعات السياسية، وكل تلك البيئات ينفذ بعضها على بعض، وتتداخل مستوياتها تآزراً أو حرباً، حتى أن منظمة الانتربول الدولية أحصت ما معدله ستمائة من "العقود" تبرم شهرياً على امتداد البلاد، بهدف تصفية هذا الخصم، أو الغاء ذلك المنافس.
غير أن مصرع النائبة ستاروفويتوفا، بالرغم من أنه قد لا يبدو، والحالة على ما أوردنا، سوى غيض من فيض ذلك المنحى الإجرامي الطاغي والمستشري، فإنه مثل تحولاً ملحوظاً توقف عنده المحللون والمراقبون. فالمغدورة، على خلاف كثرة ساحقة ممن نال وينال منهم رصاص القتلة يومياً في روسيا، تعد واحدة من السياسيين القلائل الذين تجنبوا الولوغ في الفساد بأنواعه، وكانت تتصف بقدر من الاستقالة عال. وهكذا، وإذا ما كان قد حام، مثلاً، بعض الريبة حول النواب الخمسة السابقين الذين لقوا حتفهم منذ 1994، بحيث بدا ما أصابهم ناتجاً عن تصفية حسابات، تقع على التخوم بين عالمي السياسة والإجرام العادي، فإن مقتل النائبة ستاروفويتوفا يبدو داخلاً، حصراً، في باب الاغتيال السياسي الصرف.
وذلك ما قد لا توحي به فقط شخصية القتيلة وما كانت تتمتع به من مواصفات، بل كذلك الظرف الذي جدت فيه عملية تصفيتها. فالاستعدادات جارية، حامية الوطيس، لبعض الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وهي استحقاقات كانت النائبة القتيلة، تعد العدة لها، معلنة نيتها الترشح لمنصب حاكم منطقة لينينغراد، وكذلك للانتخابات الاشتراعية، ونواياها هذه وضعتها في مواجهة أبرز قادة الحزب الشيوعي الروسي، وهو الحزب الأول في البرلمان. فرئيس هذا الأخير، الشيوعي غينادي سيلزنيف، يتطلع بدوره الى الاستحواذ على منصب حاكم لينينغراد، وهو كان يتخوف من منافسة ستاروفويتوفا، نظراً لما تتمتع به من شعبية ومن احترام. هذا اضافة الى أن مدينة سان بطرسبورغ تعد من المواقع الأساسية التي يتواجه فيها الشيوعيون، بدعم من حلفائهم من اتباع جيرينوفسكي من القوميين المتطرفين، مع التيارات الليبيرالية التي كانت تنتمي إليها ستاروفويتوفا، وتعد وجهاً من أبرز وجوهها. وقد كانت، خلال الأسابيع الأخيرة من بين قلة من النواب رفعت صوتها منددة بالتصريحات المعادية للسامية التي تفوه بها نائب شيوعي، هو الجنرال السابق أندراي ماكاتشوف.
وهكذا، ودون أن يذهب المرء بالضرورة الى حد القول بأن الشيوعيين، أو قوميي جيرينوفسكي المتطرفين هم الذين أوعزوا بقتل النائبة ستاروفويتوفا، إلا أن ذلك المناخ من العداء الذي كان يكتنفها قد يكون قد شجع بعض مجوعات وشلل أقصى اليمين، المنضبطة الى هذه الدرجة أو تلك، أو غير المنضبطة تماماً، أو التي يمكن تحريكها من طرف خفي، على ارتكاب تلك الفعلة. وحسب ما هو معلوم، فإن مدينة سان بطرسبورغ، تعج بذلك الضرب من الجماعات المتطرفة من نازيين جدد، وسواهم.
فهل يكون ذلك جزءاً من استراتيجية توتير، تلجأ إليها تلك المجموعات، بتنسيق مع الشيوعيين أو مع قوميي جيرينوفسكي، أو يباركها هؤلاء بالصمت، على اعتبار أنهم يرون بأنهم أكثر المؤهلين للاستفادة منها ولجني ثمارها؟
قد لا يكون ذلك بالأمر المستبعد، بالنظر الى حالة التردي والانسداد اللذين بلغتهما مؤسسة الرئاسة الروسية، والتي نظراً لموقعها المركزي ولصلاحياتها الواسعة ضمن النظام المعمول به في ذلك البلد، قد أفضت بهذا الأخير الى درك من الشلل يكاد أن يكون كاملاً. فالوضع الصحي لبوريس يلتسن معروف، وهو لا يكاد يغادر المستشفى إلا لكي يعود إليه، حتى أنه بات يمارس البعض اليسير مما تبقى له من سلطات يستطيع القيام بها هناك، على ما فعل مؤخراً، عندما استقبل الرئيس الصيني جيانغ زيمين، طيلة أربعين دقيقة، داخل مستشفى موسكو المركزي. أما في ما عدا ذلك، فإن يلتسن يعتمد بشكل يكاد أن يكون كاملاً على رئيس حكومته يفغيني بريماكوف، الذي بات يمثله حتى في اللقاءات والمؤتمرات الدولية، حتى أصبح يكاد يضطلع بمنصب نائب رئيس الدولة.
ولأن يلتسن على تلك الحال، ولأنه يرفض رفضاً باتاً التنحي، وإفساح المجال أمام انتخابات رئاسية مبكرة تهيئ لما بعده، فإنه قد فتح معركة الرئاسة على أسوأ نحو ممكن. إذ لا يوجد ما يؤكد بأن يلتسن سيظل على قيد الحياة حتى حلول سنة ألفين، موعد الانتخابات المقبلة، بل يمكنه أن يتوفى في أية لحظة، وهكذا، فإن الجميع يستعد لخلافته، ولكن من دون آليات تضبط تلك العملية الانتقالية. وبذلك تزداد الحياة السياسية تردياً وتستعر المطامع والمطامح دون أن يردعها رادع، وهي حالة قد تشجع البعض على سلوك استراتيجية التوتير التي سبقت الاشارة إليها.
واغتيال النائبة ستاروفويتوفا، على الخلاف من جرائم سياسية - جنائية عدة سبقته، ربما مثل بداية هذا المسلسل نحو صراع على السلطة، قد لا يكتفي، من هنا فصاعداً بالوسائل السياسية، وما قد يكون لها من امتدادات مافيوية، ليتحول الى مواجهة مفتوحة.
وكل ذلك، مهما كان مآله، يجعل من روسيا حالة نموذجية في الفشل لناحية الانتقال نحو الديموقراطية. ومثل حالات الفشل هذه يجب أن تُدرس وتُتأمل وتكون موضوعاً للاهتمام بقدر ما تُدرس وتُتأمل محاولات الانتقال الناجحة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.