الجامعة العربية: استكمال السوق العربية المشتركة للكهرباء خلال 13 عاما    إلغاء الأصوات غير نظامية نتيجة انتخابات "غرفة الرياض"    أمير المدينة يتفقد مركز الترحيب واستقبال الحجاج    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان .. الأربعاء    ساوثجيت يرد على شائعات انتقاله لقيادة مانشستر يونايتد    محافظ الأحساء يستقبل سفير باكستان لدى المملكة    غيابات الهلال أمام النصر في ديربي الرياض    الكويت ترفع سعر خام التصدير لآسيا لشهر يونيو    سيفول رحمات: مبادرة طريق مكة سهلت رحلة الحاج    تحت رعاية ولي العهد«سدايا» تنظم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي سبتمبر المقبل    انطلاق الاختبارات الوطنية "نافس" في جميع مدارس المملكة للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة    بنك التصدير والاستيراد السعودي يوقّع اتفاقيتين لتمكين الصادرات السعودية غير النفطية    جامعة طيبة تحتفل بتخريج الدفعة العشرون من طلابها    ‫ وزير التعليم يتفقد مدارس الحدود الشمالية ومشاريع جامعة الشمالية    وصول أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من إندونيسيا    300 طالب يشاركون بحلول رقمية إبداعية في "برمجاثون"    "البنك الإسلامي" يجمع 2 مليار دولار    مساعدات طبية وغذائية ل3 دول من "سلمان للإغاثة"    ارتفاع عدد كوادر التمريض إلى 235 ألفاً في 2023    «الزعيم » لا يكل ولا يمل    أمير تبوك يطلع على إنجازات التجارة.. ويرأس اجتماع لجنة الحج.. اليوم    السعودية و31 دولة تشارك في تمرين «الأسد المتأهب»    إزالة 23 مظلة وهنجراً عشوائياً في أحياء الطائف    19710 مخالفين للأنظمة ضبطوا في 7 أيام    جامعة «مالايا» تمنح العيسى الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية    رابطة العالم الإسلامي ترحب بقرار الأمم المتحدة تبني قرار عضوية فلسطين    السعودية.. وخدمة ضيوف الرحمن    لزيادة حجم القطاع 10 أضعاف.. السعودية تطلق خارطة طريق الطيران    «البلدية»: إيقاف وسحب «المايونيز» من أسواق المملكة    حظر «الرموش الصناعية» على العاملات في تحضير الأغذية    هيئة الصحفيين السعوديين يقيم ندوة "المواقع الإخبارية التحديات والآمال"    سلمان بن سلطان يرعى حفل تخريج الدفعة ال 20 من طلاب وطالبات جامعة طيبة    الخليج يطرح تذاكر مواجهة الاتحاد .. في الجولة 32 من دوري روشن    جامعة الملك سعود تتوّج ببطولة الرياضات الإلكترونية للجامعات    البصمة السينمائية القادمة    نحو سينما سعودية مبهرة    سيدات الأهلي يحصدن كأس الاتحاد لرفع الأثقال    الذكاء الاصطناعي يتعلم الكذب والخداع    نسيا جثمان ابنهما في المطار    إبادة بيئية    تحسينات جديدة في WhatsApp    إنقاذ ثلاثيني من إصابة نافذة بالبطن    مواد مسرطنة داخل السيارات    بعض الدراسات المؤرشفة تستحق التطبيق    كبسولة السعادة .. ذكرى ميلادي الرابعة والأربعون    تنمية المواهب في صناعة الأزياء محلياً    لؤلؤ فرسان .. ثراء الجزيرة وتراثها القديم    " الأحوال" المتنقلة تواصل خدماتها    محافظ جدة يدشن مبادرة " العمل والأسرة"    أمير تبوك يطلع على إنجازات "التجارة"    إنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة طريق مكة آليًا    أرتيتا يحلم بتتويج أرسنال بلقب الدوري الإنجليزي في الجولة الأخيرة    الهلال يوافق على انتقال بيريرا لكروزيرو    استقبل محافظ دومة الجندل.. أمير الجوف يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية    روتين الانضباط وانقاذ الوقت    المراكز الصحية وخدماتها المميّزة    نائب أمير مكة يناقش مستوى جاهزية المشاعر لاستقبال الحجاج    سمو أمير منطقة تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج غداً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غسان فواز روائى لبناني ترحب به باريس ."لو كتبت بالعربية لعجزت عن التعبير عن أمور كثيرة"
نشر في الحياة يوم 28 - 10 - 1998

أصدر غسّان فواز روايته الأولى باللغة الفرنسية عام 1996 تحت عنوان "الأنوات المتطايرة للحروب الخاسرة" دار سوي وعالجت في قرابة 500 صفحة موضوع الحرب اللبنانية في قصصها ومآسيها. وقبل أيام صدرت روايته الثانية "تحت سماء الغرب" التي تعالج في 500 صفحة أيضاً ظواهر الحرب اللبنانية ولكن، خارج لبنان هذه المرّة، في المجتمع الفرنسي.
استُقبلت الرواية الجديدة بحفاوة في وسط النقّاد الفرنسيين، وكتب أحدهم: ".. بعيداًً من بيروت، لا يزال قتال بيروت جائشاً. معركة بعد المعركة، آثار بعد الاثار، والاستحالة في تذوّق نكهة الحياة الطبيعية الفاترة عندما ترافقنا بشغف مع الموت كانت بحاجة الى موهبة كبيرة كي تقولها".
وقالها غسان فواز بشخصيات قويّة، هائمة ومتصارعة تحت "سماء الغرب" وبلغة عفوية ومشغولة، وتفاصيل عدة ودقيقة من أجل تطويق وحصر كل شيء: الذاكرة والأفكار والمشاعر، الحب والجنون والوعي والهوى...
غسان فواز الذي يعيش في فرنسا منذ العام 1976 رافق الحرب اللبنانية كلياً في بدايتها، ثم تابعها من بعيد، من خلال الزيارات التي لم تنقطع الى لبنان رغم كل الصعوبات. أسّس في باريس دار نشر "سيكومور" التي استمرّت حتى عام 1984 ثم انتقل للعيش في منطقة نورماندي حيث أنشأ فندقا صغيراً. وهنا نص الحوار معه:
لماذا البداية المتأخرة بالكتابة؟
- في الحقيقة، بدأت بالكتابة عام 1982 تحديداً خلال الهجوم الاسرائيلي على بيروت. لا أعرف إن كانت العلاقة بين الاثنين موجودة وإنما أذكر أنني كنت استمع الى الاخبار باستمرار. وفي أحد الأيام جلست وبدأت أكتب. كانت كتابة ذات طابع شخصي ولم يكن هدفي النشر، وقد يكون سبب ذلك أنني كنت ناشرا في تلك الفترة. وكانت عندي عقدة سلبية من الكتّاب إذ اكتشفت عندما انطلقت بدار النشر ان الكتّاب همّ أشخاص منغلقون على أنفسهم وليس عندهم كرم فعلي أو انفتاح ويهمّهم جداً الظهور. كنت أفكّر بأنني قد اتفرّغ للكتابة في سنّ آخرى، ولكن تعرّضي لحادث سيارة خطير عام 1989 دفعني الى تفكير مختلف - بخاصة وأنه كان أصبح عندي أولاد - وهو أنني لو اختفيت بعد الحادث لم يكن بقي مني شيء. وأصبح النشر تالياً حاجة شخصية. فعدت الى النصوص التي كنت كتبتها، أعمّق فيها وأعيد كتابتها وعندها تبيّن لي أمر أساسي كنت أردّده دائما للكتّاب الذين كانوا ينشرون عندي بأن الكتابة هي إعادة كتابة أكثر ممّا هي كتابة أي أن الكتابة الاولى ليست المهمّة. أو كما كان يقول سارتر ان المرء يتكلم بلغته وإنما يكتب دائما بلغة أجنبية، وإن كانت اللغة ذاتها، لأن الكتابة تتطلّب مجهوداً آخر. وأخذت عملية اعادة كتابة أشياء قديمة أربع سنوات وسنة 1993 أرسلت ما كتبته الى الناشرين. وأريد التحديد بأنني فعلت ذلك من دون أي استفادة من علاقاتي السابقة في عالم النشر لأن هذه العلاقات كانت توقفّت منذ فترة. نُشر أول كتاب، وأْعتقد أن الاستمرار في الكتابة يصبح عند المرء سبب وجود. في السابق، كانت عندي أسباب سياسية وإرادة لتبديل المجتمع وقد يكون فشل هذه النواحي دفعني الى البحث عن سبب آخر.
الحرب اللبنانية ما زالت تشغلك وتحتل همومك منذ روايتك الأولى، وهي تحضر في روايتك الثانية على الرغم من أن أحداثها تجري في باريس، فالشخصيات طالعة من جحيم الحرب! لماذا الإصرار على موضوع الحرب؟
- لأن الحرب، بالنسبة لي، لم تكن جحيماً. موضوعياً، الحرب جحيم والتعرّض للموت جحيم، ولكن إن تمكّن المرء أن ينجو منها فالحرب تصبح تجربة ذات غنى هائل وتخلق عند الانسان هياجاً داخلياً وتبرز نفسيته الثانية. تُظهر الحرب مشاكل العنف والتضامن ومشاكل الحب والكراهية بشكل متأجج قد يكون مخفياً خلال مراحل السلام. والحرب لها مثيلها على المستوى الشخصي عندما يؤدّي حب جارف بالانسان الى القتل أو الى الانتحار. وفي الحقيقة، أنا لا أعتبر بأن كتاباتي هي عن حرب لبنان بمقدار ما هي عن الحرب بشكل عام.
استفدت من حرب لبنان لأنني عشتها ولكن كل حرب عندها ناحية اجمالية وربما كونية اضافة الى خصوصياتها. ولكنني لا أعتقد بأن هناك حروباً أخرى في العالم أخذت الطابع الذي اخذته حرب لبنان ذلك أن الحرب بقيت مستمرة في قلب المدينة، في بيروت، على مدى عشرين سنة. إن نظرنا الى الماضي،نجد أن حرب ستالينغراد دامت بضعة أشهر وفي فييتنام دامت الحرب طويلاً ولكنها لم تكن مركزّة في مدينة واحدة. أن يعيش الناس منغلقين على أنفسهم في مكان واحد خلال حرب يخلق، برأيي، وضعاً شخصياً ليس له مثيل في أي مكان آخر. إنها تجربة فريدة تبرز مظاهر إنسانية مهمّة للغاية. الكتاب الأول كان من داخل هذه الظواهر وأما الثاني فعالجَ ما يحصل إذا خرج المرء من تلك الظواهر.
شخصيات الرواية الثانية نجت من الحرب، ولكن الحرب بقيت في دماغهم فراحوا يسيّرون الأمر الذي تعلّموه خلال الحرب في المجتمع الغربي المتمدّن والمتحضّر بقوانينه وعاداته. الكتاب الثاني ليس عن حرب لبنان بمقدار ما هو نقد للمجتمع اللاحربي. يأتي اليه شخص خارج من حرب بنظرة مختلفة فيكتشف نقاط الضعف في هذا المجتمع الذي يطمح اليه. عندما نصل الى الهدف، نصل الى مستوى واسع من الحرية او من الغنى أو من الرفاهية والأمن والسلم، وماذا بعد ذلك؟ هذا هو السؤال، هذا هو تناقض المجتمع الغربي. كأننا وصلنا الى آخر التاريخ وكأن الانسان مبرمج كي يعاني الصعوبات وينتصر عليها ولكنه، عندما ينتهي منها، لا يجد إلا الفراغ.
ربما لأن هذا الانسان كان يحمل مأساة معيّنة، مأساة الحرب اللبنانية؟
- صحيح، إن هذه خصوصية الأشخاص الذين خرجوا من لبنان ولكنني أعتقد بأن الكتاب لم يتوقف عند هذه الناحية وحسب. عدم انخراط الشخصيات في المجتمع الغربي سمح لهم بتوجيه نظرة نقدية الى هذا المجتمع، وأنا أتكلّم عن لبنانيين يتمتعون بمستوى ثقافي معيّن وبإمكانهم تقديم وجهة نظر نقدية الى المجتمع الفرنسي والمجتمع الغربي بشكل عام من دون أن تكون من عين فعلاً شرقية. فيكتشفون مثلاً أن الوجه الآخر لهذا المجتمع المنظّم هو الوحدة وقلّة التضامن الشخصي والسؤال الذي يطرح هو هل أن الإنسان الغربي الذي توصّل الى درجة متقدمة من الحضارة سعيد؟ وهل هو أسعد من الإنسان الشرقي؟ في نهاية القرن العشرين، مع انهيار عدد من الايديولوجيات، مع انهيار القومية والشيوعية والاشتراكية، نكتشف أن الإنسان تحوّل، في الغرب على الأقل، الى مستهلك ومتقاض وأن الإنسان الواحد الموّحد الذي كانت تتكلّم عنه الايديولوجية الغربية منذ عصر النهضة حتى الثورة الفرنسية لم يبقَ موجوداً.
يركّز الكتاب على صعوبات الغرب ولكن من دون أي نظرة ايجابية تجاه الشرق، فتلك الصعوبات واضحة. وتبرز قصة الكتاب التي هي في النهاية قصة حبّ في أن الغرام لا يتفتّح في الغرب أكثر من الشرق. الاعتقاد السائد هو أن الشرق، بضغوطاته، يضع العراقيل أمام قصص الحبّ، ولكن تفتّت المجتمع في الغرب يضع عراقيل من نوع مختلف. والشخصيات، كلّما غاصت في الغرب غرقت وتفتتت وفي الختام ينتصر المجتمع عليها، إذا استثنينا المرأة. أعتقد أن المرأة مهيأة أكثر من الرجل كي تتكيّف بسهولة أكبر مع الوضع الغربي.
على كل حال، تحضر شخصية المرأة، رنا، وهي الشخصية الثالثة الرئيسية في روايتك الجديدة، حضوراً قاسياً فهي ستودي بمحمد الى الموت وباونتل الى الجنون. لماذا هذه النظرة السلبية؟
- لا أعتقد أنها نظرة غير موضوعية. خلال ربع القرن الأخير، يبدو لي أن 80 في المئة من النساء - الشابات والجذّابات على الأقل - تمكنَّ من الدخول في الجو الايديولوجي الغربي العام الذي يقيّم كل شيء على أساس التبادل. والمرأة في هذه الفترة من التاريخ لا تزال تحافظ على بعض فوائد السابق اضافة الى اكتسابها فوائد كانت موجودة عند الرجل. وهذا الوضع قد لا يستمّر. فعندما أفكر بالأجيال الجديدة أرى أن الشباب اليوم يتصرفون مع النساء وكأنهن رجال. ولكن المرأة التي تنتمي الى الجيل الذي أتكلّم عنه لا تزال تستفيد من وضعها كامرأة ومن نظرة الرجل اليها، وفي الوقت ذاته أصبح عندها جزء هائل من حقوق الرجل. أعتقد أن هذه فترة تاريخية ستنتهي ولا أعرف إن كان ذلك سلبيا أم ايجابيا، وربما هذا هو سبب إمكانية المرأة، في روايتي، أن تعيش في قلب المجتمع الغربي بطريقة أفضل من الرجلين.
والرجلان هما محمد المسلم وأونتل Untel المسيحي: هل هي المعادلة اللبنانية التي فرضت عليك اختيار الشخصيتين أم أنها الصدفة الروائية؟
- فكّرت كثيراً في هذا الموضوع، حتى أن اونتل كان في البداية مسلماً. ولكنني رأيت فيما بعد أنه قد يكون أكثر تعبيراً إن كان مسيحياً لأن شخصيته كانت بحاجة الى التأقلم الفعلي والدخول في قلب المجتمع الفرنسي. كانت فكرتي الاولى بأن يكون شخصا مسلماً درس عند اليسوعيين، وإنما اكتشفت لاحقاً أن هذا الوضع سيخلق صعوبات عدة في تعميق ذلك والتكلّم عن تاريخه عند اليسوعيين الخ... إنطلاقاً من تعقيدات الشخص، فضّلت اختيار شخصية مسيحية اكملت دراستها عند اليسوعيين وقد وجد هدف لغوي. ومن جهة اخرى، أن تدخل المعادلة اللبنانية، لمَ لا؟ وهناك سبب آخر في اختيار شخصية مسيحية الذي هو إبعاد إمكان القول بأن الكتاب قصة ذاتية وقد خلط الناس مباشرة بين شخصية أونتل وشخصيتي.
إذا كان اسم محمد واضحاً ومعروفاً فإن اسم اونتل يثير بعض الالتباس. لماذا اشتققت هذا الاسم واخترته ليكون هو الرواي؟
- قُدّم اونتل في الكتاب بشكل نكتة، فعندما تسأله رنا ما هو اسمك، يقول لها فلان وعندما تسأله عن اسم عائلته يقول فلانة، وترجمة فلان الفلانة هي اونتل اونتل. بهذه الطريقة تنطلق القصة، وأن أعطي في الأساس اسما كهذا الى شخص عنده علاقة مع نفسه مهيأة لعملية انفصام ليس غريباً. بدأ استعمال الاسم كتسلية ثم تماشى كلياً معه بعد أن برز الانفصام في شخصيته وراح يغوص أكثر وأكثر في المجتمع الفرنسي ويبتعد عن نفسه ويتحوّل، في نهاية الأمر، الى شخص غير مسمّى. إذا أردت وضع علامة استفهام عما هو هذا الكتاب، فأقول إنه يطرح مشكلة "من نحن" وهي مشكلة لا تظهر فعلياً في الشرق حيث الانسان يدخل في اطار العائلة والدين، وفي الجّو العام السائد لا يطرح على نفسه اسئلة كهذه بل يطرحها عندما يجد نفسه وحيداً وكأنه معزول عن كل شيء. إمكان حصول ذلك وارد في المجتمع الغربي، وإسم اونتل يعبّر عن هذه المشكلة بالذات.
كتبت الحرب اللبنانية باللغة الفرنسية. ألا تشعر بأن اللغة الفرنسية يمكنها أن تصبح، على هذا لمستوى منفى؟
- كلا. أعتقد أن كل اللغات يمكنها ان تتكلم عن الحرب والشعور بالمنفى ليس موجوداً عندي. هناك سوء استعمال في الكلام عن المنفى الذي يُفرض إجمالاً على الانسان وعندما تحصل عملية اقتلاع كما حصل مع الفلسطينيين أو مع التشيليين في مرحلة معيّنة. أما بالنسبة لنا، فلم يُفرض علينا انتقاء ذلك. أعتبر أن المنفى الحقيقي، في نهاية الأمر، هو في لبنان . فالمنفى ليس أرضاً بل بشر وحال الانسان مع نفسه.
أما بالنسبة للناحية اللغوية، ولماذا يكتب المرء بالعربية أو بالفرنسية فهذا موضوع آخر وقد أخترت الفرنسية لأنني أعتقد، فعلياً، بأنني لو كنت أريد كتابة روايات من هذا النوع باللغة العربية لكنت واجهت مشكلة الرقابة الذاتية ولما كنت استطعت ان أكتب مقاطع عدة. الكتّاب بالعربية يفكرّون دائماً بمن سيقرأهم، وتوجد أمور لا تُقال بالعربية، بخاصة تلك التي ذات طابع سياسي أو جنسي أو حتى عنفي.
هل تكون، مقاربة الموضوع مختلفة إذاً عندما يكتب المرء بالعربية؟
- طبعاً، حتى وإن لم يكن السبب موضوعياً بل كان سبباً فكرياً، اضافة الى أن النشر باللغة العربية لا يشكّل ضمانة بأن الكتاب سيصل بطريقة أوسع الى القارىء العربي. إذا كانت الضمانة موجودة، أعتقد بأنني كنت وضعت الجهد من أجل استعادة المقدرة من جديد للغوص في كتابة أدبية معمقّة باللغة العربية. ولكن، لماذا أفعل ذلك؟ أتابع عمليات النشر.
ففي لبنان مثلاً تطبع الكتب بألف وألفي نسخة والصعوبات كثيرة أمام اجتياز الكتاب الحدود، كما أن الترجمات لبعض الكتب الفرنسية ووصولها الى القرّاء العرب ومبيعاتها تساوي الكتب التي توضع بالعربية. لم تعد الكتابة باللغة العربية ضمانة، وهذه مشكلة حقيقية على المستوى الثقافي ولكن الشيء الايجابي هو أنه رغم كل الصعوبات، يبرز جيل كامل من الكتّاب العرب ينشرون اعمالاً جيّدة ومهمّة.
وحين تكتب الحرب اللبنانية وتروي قصصها ومآسيها بالفرنسية فالأمر هو أنك تتوجه الى قارىء فرنسي وأجنبي: هل تضع هذا الهمّ أمام عينيك عندما تكتب؟
- كلا. كما قلت لك، عندما بدأت بالكتابة بدأتها لنفسي وليس بهدف النشر. وربّما إن كنت أفكّر بالقارىء لكنت كتبت بطريقة أسهل. نوعية كتابتي ليست صعبة وإنما تتطلّب تركيزا أفتقده الناس، حتى في الغرب. المطلوب اليوم هو كتاب سريع وقصير، تنتهي القراءة منه خلال سهرة، ذلك ان منافسة التلفزيون والسينما وغيرها أصبحت شديدة. أما كتبي فكبيرة نسبياً وتستدعي جهداً معيّناً، ولكنني أعتقد أن الكتاب يجد في نهاية الامر قارئه إذا كان المؤلف وضع فيه ما يريد ان يقوله.
وبالنسبة لعالمك الروائي، هل هو عالم مركّب كليا أم أنه يحتوي على بعض التجارب الشخصية التي تتداخل فيه؟
- يحتوي على التجارب الشخصية، وإنما أسعى بشكل واضح كي لا يكون قصة ذاتية أي أن الرواية تختلف تماماً عن الشخصي. ولكنني أستخدم دائماً ما أشاهده، فأنا لا أعمل على كتابة روايات تاريخية بل انطلق من أشياء حاضرة وحقيقية بهدف الوصول الى تصوّرات انسانية وشاملة. أفضل ضمانة كي يحمل الذي اكتبه طابعاً فعّالاً هي مواجهة الواقع باستمرار حتى وإن كنت أحياناً أقوم بشطحات مقصودة. استعمل شخصيات الاصدقاء كثيراً وعلى الرغم من وجود نوع من "الغمز" وليس أكثر من ذلك، انطلق منهم كي يتحوّلوا ويأخذوا دورهم في الرواية. أعتقد أن هدف الرواية ليس التسلية فقط، وإنما إبراز الواقع بطريقة تشدّ القارىء وتجعله، في الوقت ذاته، يفكّر وينظر الى حياته نظرة اخرى.
كتب أحد النقّاد الفرنسيين عن روايتك الجديدة أن "الرواية باللغة الفرنسية أصبحت تعدّ كاتباً إضافياً"، وكأنه يعتبر بأن هذه الرواية ليست فرنسية. هل هذا يعني أنك كاتب فرنكوفوني؟
- كلا، لا أعتقد أن هذا ما أراد أن يقوله، ولذلك لم يستعمل كلمة فرنكوفوني. فهم يقولون كاتب باللغة الفرنسية او كاتب باللغة الانكليزية. ومن جهتي، أرفض ان اساهم بأي موضوع له علاقة بالفرنكوفونية على الرغم من أنني لم أعد اعتبرها سلبية كما في السابق. أصبح دخول اللغات الاجنبية الى العالم العربي غنى وأظّن ان الفرنكوفونية تساعد في مكافحة الانغلاق الذي تحاول بعض الجماعات ان تفرضه، والجهود التي يقوم بها الفرنسيون اليوم تحت شعار هذه الكلمة أمر ايجابي. وأما بالنسبة لعبارة كتّاب فرنسيون، فأعتقد أن ليس لها معنى وليست الهوية هي التي تصنع الكاتب. يوجد كتّاب باللغة الفرنسية كما يوجد كتّاب باللغة الانكليزية، سلمان رشدي، على سبيل المثال، ليس كاتبا انكلوفونيا بل كاتب باللغة الانكليزية. وكوني لم اطلب الجنسية الفرنسية خلال اقامتي الطويلة هنا فهذه الصفة الوحيدة الصالحة للاستعمال.
ومن جهة اخرى، تحتوي كلمة فرنكوفوني على phonie أي اللفظ، وأنا أتكلم العربية أكثر من الفرنسية. لا أقول بأن عندي موقفا سياسيا سلبيا من الفرنكوفونية، إنما لا اعتبر نفسي فرنكوفونيا ولا يهمّني الموضوع ابدا. وفي الحقيقة، إن كان بإمكاني ان اكتب باللغة الانكليزية لكنت فعلت ذلك.
لماذا؟
- لأنني اجدها لغة قابلة اكثر للرواية الحديثة التي اتعاطى معها في حين أن اللغة الفرنسية أفضل للرواية الكلاسيكية. كما ان الكتابة بالانكليزية تفتح المجال لعدد أكبر من القرّاء.
كتابتك الروائية بعيدة كل البعد عن الادب "الاكزوتيكي" الذي جلب شهرة الى كاتب لبناني مثل امين معلوف: أين تحدّد موقعك الروائي؟
- أعتبر أن كل أنواع الادب، الروايات "الاكزوتيكية" أو التاريخية او غيرها، هي انواع شرعية. لا أدخل في هذا الاطار لأنني لا أكتب بهدف التسلية أو من اجل سرد قصة، بل من اجل اقامة علاقة مع القارىء. غالبا، أخلق العقدة في هدف اجبار القارىء ان يتكلم معي من خلال الكتاب. اين أضع نفسي؟ أضع نفسي في قلب نفسي، أو أعتبر أن المرء يجب ان يستمر في الكتابة طالما انه يشعر بالضرورة للكتابة شرط ان لا يكون بحاجة الى هذه الكتابة كي يعيش. هذا وضعي وربّما إن كنت بحاجة الى ان اعيش من كتاباتي لكنت اضطررت الى كتابة مختلفة والتفكير بالمبيعات وبعدد القرّاء والذي هو أمر شرعي لكل كاتب. وكوني اتمتّع بمصدر حياة مختلف - موقتاً على الأقل - هذه الحاجة غير موجودة وبالتالي يمكنني ان اكتب مثلما أريد. اعتبر ان كل كاتب يحمل بلده في قلبه، يتنقّل معه اينما ذهب، إن كان في بيروت او في باريس....
إن بقيت في بيروت، هل كنت كتبت باللغة الفرنسية؟
- ليس بالتأكيد. الجوّ الذي يجد فيه الانسان نفسه مهمّ جداً، ولكن وجودي خارج بيروت لم يكن صدفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.