نجاح عملية دقيقة "بمستشفى المانع بالخبر" تُنهي معاناة سيدة من كسر وعدوى مزمنة في عظمة الفخذ    سمو أمير المنطقة الشرقية يفتتح " مشروع أرينا الخبر "    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 125 شهيدًا    أمير حائل: المنطقة مقبلة على استثمارات نوعية واستحداث فرص العمل وضخ المشاريع الكبيرة    الهيئة السعودية للمياه تُعفي بعض المخالفين من الغرامات المالية    الأهلي يُعلن بقاء يايسله لنهاية عقده    الإحصاء تنشر إحصاءات النقل الجوي 2024    من أعلام جازان.. الشيخ علي بن ناشب بن يحيى شراحيلي    "الأرصاد" تحذر من تدنٍ في مدى الرؤية بمعظم مناطق المملكة    صحفيو مكة المكرمة يبحثون الدراسات الإعلامية بالحج    ترمب يؤكد التواصل مع الرئيسين لوقف الحرب.. الكرملين يربط لقاء بوتين وزيلينسكي بالتوصل لاتفاقيات    حراك شعبي متصاعد واحتجاجات في عدة مدن.. سحب الثقة من حكومة الوحدة يضع ليبيا في مفترق طرق    سمو ولي العهد يعزي رئيس جمهورية الأوروغواي الشرقية في وفاة رئيس الجمهورية الأسبق    في ختام الجولة 32 من دوري روشن.. الأهلي يقسو على الخلود.. والأخدود على شفا الهبوط    الألماني يايسله يعلن رحيله عن الأهلي    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    "الداخلية" تحذر من حملات الحج الوهمية    تستهدف طلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة .. التعليم: اختبارات «نافس» في 8 مدارس سعودية بالخارج    ترحيل 11.7 ألف مخالف وإحالة 17 ألفًا لبعثاتهم الدبلوماسية    "سدايا":11 مطاراً ضمن مبادرة "طريق مكة    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    "تقنيات الجيوماتكس" تعزز السياحة في السعودية    25 موهوبًا سعوديًا يتدربون في فنون المسرح بلندن    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    تدشين خدمة الزائرين وضيوف الرحمن بالذكاء الاصطناعي    إطلاق النسخة التجريبية الأكبر لمشروع الذكاء الاصطناعي بالمسجد النبوي    ترمب.. الأمريكي المختلف!    وصول التوأم الملتصق الفلبيني إلى الرياض    لأول مرة.. تشخيص الزهايمر بفحص عينة من الدم    أخضر الصالات يتجاوز الكويت ودياً    بالاس يقهر السيتي ويتوج بلقبه الأول    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على الخلود    انفجار قنبلة بالقرب من مركز للصحة الإنجابية في كاليفورنيا ومقتل شخص    الذهب يسجل أسوأ أسبوع في ستة أشهر مع انحسار التوترات التجارية    قوة المملكة وعودة سورية    المملكة تجدد رفض تهجير الفلسطينيين والاعتداءات الإسرائيلية على سورية    «تنمية شقراء» تُكرّم داعمي البرامج والمشروعات    أباتشي الهلال تحتفل باللقب أمام الاتحاد    تضارب في النصر بشأن مصير رونالدو    "شؤون المسجد النبوي" تدشّن "المساعد الذكي الإثرائي"    فرع الشؤون الإسلامية بالشرقية يعلن جاهزيته لتنفيذ خطة الحج    تأكيد ضرورة توحيد الجهود للتغلب على التحديات في المنطقة العربية وإرساء السلام    المملكة.. الثاني عالميًا في «آيسف الكبرى»    وزارة الداخلية: لا حج بلا تصريح    مستشفى الملك فهد الجامعي يطلق أربع خدمات صيدلية    440 مليار ريال استثمارات مدن    حين تلتقي المصالح وتستقر الموازين    فهد بن سعد ومسيرة عطاء    قلب الاستثمار.. حين تحدث محمد بن سلمان وأنصتت أميركا    تكريم إلهام علي وأخريات في حفل «المرأة في السينما» في كان    71 عملية جراحية وقسطرة قلبية لضيوف الرحمن بالمدينة    إغلاق وضم مدارس بالمجاردة    اختبارات نافس في 8 دول    قمة بغداد: تنديد بالحرب والحصار في غزة وعباس يدعو لنزع سلاح حماس    سمو أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج 100 صحفي وإعلامي    أكثر من 6000 حاجاً يتلقون الخدمات الصحية بمدينة الحجاج بمركز الشقيق خلال يومين    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الحدود السورية - التركية المتنافرة إلى مسألة "الوجود"
نشر في الحياة يوم 11 - 10 - 1998

تتداعى أسباب الاستفزاز التركي على الحدود السورية، بحسب المنطق السوري، من تلقاء نفسها: اضطراب الحكم التركي في أعقاب الانتخابات الأخيرة التي أدت إلى تصدر حزب الرفاه "الفضيلة" اليوم الإسلامي الكتل النيابية، ضعف الأحلاف بين الكتل العلمانية وترجحها، تعاظم دور القوات المسلحة في رسم السياسات العامة، إزمان المسألة الكردية، تعثر دخول تركيا المسلمة والزراعية، ومصدرة اليد العاملة الفتية والرخيصة، ومرتع تضخم نقدي غير ملجوم، والمحتلة جزءاً من بلد، والعاجزة عن حل مسألتها الوطنية الأقوامية في إطار دولة القانون وحقوق الإنسان الاتحاد الأوروبي" ولا تغفل اللغة الديبلوماسية السورية عن قضية العلاقة بين المافيا المحلية وطاقم الحكم على مختلف أحزابه وكتله، و"الحلف" الإسرائيلي والتركي...
ومن طريق هذا الوصف، وهو وصف صحيح جملةً، ولا يطعن فيه إلا قصره على تركيا واستثناء سورية من معظم عناصره - "تهضم" الدعاوة السورية الأزمة القائمة على الحدود الطويلة بين البلدين، لكنها تترك كل عواملها حية ومتجددة. وتسأل الديبلوماسيةُ السورية الجوارَ العربي التضامنَ معها، وحمايتها من حملة تركية تحرص تركيا على جعلها شبيهة بالإعداد الحربي تفادياً لحرب فعلية، متذرعة بصدق الوصف الذي تطلقه على الأوضاع التركية وعلى تأزمها الداخلي وسيرها إلى الانفجار. ويقتضي هذا الرد اقتناع السياسات العربية، وفي صدارتها السياسة المصرية والسياسة السعودية، بالخطورة التي تسبغها الدعاوة الديبلوماسية السورية على العلاقات التركية - الإسرائيلية، وإيقان هذه السياسات بتهديد تركيا "العرب" في أمنهم الإقليمي، وببراءة السياسة السورية من كل تبعة عن الغضب التركي.
والحق أن اللغة الديبلوماسية السورية المكررة لا تبدو مقنعة من كل وجوهها. فالرئيس المصري، السيد حسني مبارك، يقول "الحياة" في 5 تشرين الأول/أكتوبر الجاري: "الشارع العربي يتحدث عن علاقة اسرائيل بتركيا، وأن إسرائيل هي التي تحرض تركيا ضد سورية، أنا لا أملك دليلاً قاطعاً على ذلك". ولا "يظن" الرئيس المصري أن الأردن "ستدخل في تحالف مع أحد"، وليس لديه "دليل على انضمام الأردن إلى التحالف التركي - الإسرائيلي"، على خلاف ما تجزم فيه السياسة السورية جزمها في بدائه الأمور.
ودعا الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء السعودي، بعد مشاركته في المحادثات بين عاهل المملكة الملك فهد بن عبدالعزيز والسيد حسني مبارك، بالرياض، "سورية وتركيا" معاً إلى "التعقل". وكان مجلس الوزراء السعودي أهاب ب"سورية وتركيا ... ضبط النفس". ولم يخرج وزير الخارجية المصري، السيد عمرو موسى، عن تقسيم التبعة، فقال "الحياة" في 4 تشرين الأول: "إننا نريد أن نبقى على علاقة طيبة مع تركيا، ونحن نتحدث مع الأخوة السوريين في أنه يجب أن نعمل سوياً على الحفاظ على مثل هذه العلاقة". ومن له أذنان سامعتان...
أي إن السياسات العربية، ولا سيما الناشطة منها في الوساطة بين الخصمين والقادرة على حمل السياسات الدولية الكبيرة الأميركية والأوروبية على التوسط وربما على اللجم، هذه السياسات لا ترى إلى الشكاوى التركية بالعين التي تدعوها سورية، بإسم التضامن العربي، إلى الرؤية بها.
ولا شك في أن مصدر هذا التحفظ الأول هو الطريقة التي تتناول عليها السياسة السورية المسألة الكردية. فالإنكار السوري المتشدد لإيواء بعض "حزب العمال الكردستاني"، والتوسل بأعماله العسكرية المدمرة إلى إضعاف الحكم التركي المتهم بالاستيلاء على المياه "العربية" وبالإستيلاء على لواء اسكندرون - هاتاي، لا يلقى التصديق نفسه من كل الأطراف. وإذ تذيع بعض الصحف التركية خبر نجاة عبدالله أوجلان، زعيم "حزب العمل الكردستاني"، من محاولتي اغتيال تركيتين، واحدة بدمشق في أيار مايو 1996 وأخرى ببلدة بقاعية لبنانية في تشرين الأول أكتوبر من العام نفسه، لا تفشي سراً. لكنها تفترض ان الدليل الوحيد والمفحم على مساعدة سورية الحزب الانفصالي والإرهابي بإزاء التوحيد التركي القسري وتحلل القوات العسكرية التركية من كل قيد قانوني قد يكون جثة الرجل القتيل.
ومهما كانت القرائن المادية قوية على إيواء "القيادة" السورية قياديين كرداً، وعلى إلجائها قوات كردية تقاتل الدولة التركية وتنتقل بين ديار بكر والجزيرتين السورية والعراقية وأوروميا الإيرانية غير بعيد من مهاباد وبحيرة رزاي رضاي، وعلى مقربة من ينابيع المياه والنفط، فالإيواء والإلجاء يدخلان من غير تعسف ولا افتعال في المنظور السوري الحالي للعلاقات السياسية الداخلية الإقليمية. وليست الاستماتة السورية في تمييز "الحق المشروع في المقاومة بكل الوسائل المتاحة" لا تستثني قتل المدنيين والاغتيالات والحرب الأهلية واستعمال الأراضي الأجنبية؟ من الإرهاب إلا تسويغاً، مضمراً أو معلناً، لسياسة سورية ثابتة في هذا المضمار.
وعلى نحو ما تستبق السياسة السورية قيام بعض قوى المعارضة عليها، وخصوصاً الإسلامية، من طريق رعاية أجنحة من هذه القوى نفسها، واستمالتها بواسطة مساندتها في حربها على خصوم أو أعداء مشتركين وأمثال "حزب الله" اللبناني و"حماس" و"الجهاد" الفلسطينيين، واضحة، تتوسل هذه السياسة بأوجلان وحزبه، على غرار العراق الصدامي وإيران الخمينية. فتنأى بنفسها عن القضية الكردية، على ما يتهمها سيل الرسائل الذي تنشره "الحياة" منذ بعض الوقت" وتضعف المطالبة الكردية الوطنية في الداخل" وتحارب تركيا بسلاح "مشروع" هو "الحق في المقاومة بكل الوسائل المتاحة"، وفي تقرير المصير في دولة مستقلة.
ويكاد يكون هذا النحو في رد المطالبة إلى نحرها على ما هي الحال في المعارضة الإسلامية، وفي القضية الفلسطينية، والقضية اللبنانية، بواسطة أصحابها، ركن العمارة السياسية السورية، داخلاً وخارجاً. ولا يدعو داعٍ السياسة السورية إلى استثناء المسألة الكردية، والأكراد، من هذه المعالجة المجربة. بل ان داعي العلاقات السورية والتركية، وتاريخها قديماً وحديثاً، وتشابكها مع الخلاف على الحدود، وعلى اقتسام المياه، وسياسة الأقوام والطوائف، وهشاشة الأمن الداخلي، وإعضال الإطار الإقليمي المشترك - كل هذه العوامل تحمل السياسة السورية على اقتناص الفرصة الكردية، "الملقاة على قارعة الطريق"، والإمعان في اقتناصها ذريعة إلى تأجيج حرب أهلية تركية.
ولعل ما يبعث وزير الخارجية السوري، السيد الشرع، على العجب من تعمد الحكومة التركية إثارة مسألة الأكراد في وقت تدنى فيه النشاط الكردي المسلح إلى أقل مستوياته، هو السبب في المبادرة التركية وفي توقيتها. ففي أعقاب نصف عقد من العمليات التركية في الأراضي العراقية المباحة، وذلك على الضد من المذهب الكمالي الأتاتوركي في التزام تركيا حدودها الدولية خطاً عسكرياً ودفاعياً لا تتعداه، نجح الجيش التركي في إضعاف الحركة الكردية المسلحة، وحَمَلها على إعلان هدنة غير مقيدة بزمن. فليس بينه وبين الإجهاز عليها، على ما يحتسب، إلا تجفيف مواردها السورية المتصلة بالموارد الإيرانية من طريق الشمال العراقي السائب، وقطع طريق انكفائها إلى حماها السوري، واللبناني استطراداً. ويستعجل الجيش التركي الأمر، ومن ورائه المجلس النيابي مجمعاً وهذا رد على إثارة سورية وبعض العرب الخلافات "الثقافية" بين التيارات التركية، آن تستثمر الحركة الكردية في العمل السياسي والمدني الأوروبي والدولي، هذه المرة، رأسَ مالها التحرري والأقلوي والحقوقي. ويعرقل هذا الاستثمار، إذا نجح، على مثال البرلمان الكردي في ايطاليا، الجهد الحكومي والعسكري التركي. فالحركة المدنية والسياسية أعصى على المحاربة، في الإطار الدولي والغربي، من الحركة الوالغة في تدمير القرى، واغتيال الأهالي "المتعاونين"، وتفجير المتفجرات في المنتجعات السياسية، وتهريب المخدرات، والاستعانة بالدول الأجنبية.
ويسع الحركة المدنية والسياسية، من غير ترك الأعمال العسكرية ولو على مستوى متدنٍ، التذرع باضطراب وضع تركيا الإقليمي إلى عرقلة انخراطها الأوروبي المرجو وتأخيره. وتتولى السياسة السورية هذه الحجج، العسكري منها والسياسي والإقليمي، كلها، وتقويها. بل هي تغذيها بذريعة عربية مستقلة، من طريق رسم الخارطة الجغرافية السورية في حدود 1920 وليس 1926 ثم 1939. وتتطاول هذه الحجج إلى أصل الدولة التركية، الكمالية، واستعاضتها عن الجامع الديني العثماني بالجامع القومي الواحد والمتجانس. واضطرار الحكومة التركية، في 1993، إلى الإقرار بحقيقة القوم الكردي وترك "أتراك الجبال" تعريفاً، من غير الرجوع عن مبدأ وحدة الدولة، لم يلق رضا القوات المسلحة. ويؤدي هذا الإقرار إلى نظر جديد في بنية الدولة، قد لا يكون مناص منه. لكن تجديد هذه البنية في دوامة منازعات تتهدد أركان الدولة كلها، محال. وزيادة منازعة على هذه المنازعات هي إسهام "عربي" جديد في حداثة السياسة في المجال الإقليمي كله - من وراء الترس الأميركي الحريص على "قوة" سورية واستقرارها، شرطين لالتزام "عملية السلام" واستمرارها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.