وكالة فيتش ترفع التصنيف الائتماني للسعودية للكهرباء إلى +A    تعليم جدة يشارك في معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز «نحو استدامة الأثر»    جمهور الأهلي.. قوة «روشن» الناعمة وواجهة «قلعة الكؤوس»    منظمة الصحة العالمية تنوه بالمشاريع والبرامج الطبية التي تنفذها المملكة حول العالم    مصر تترقب أكثر من مليون سائح سعودي في 2024    بعد قرار محكمة العدل الدولية..الخناق يضيق على إسرائيل    البرلمان العربي يختتم جلسته العامة الرابعة    المملكة تحصد جائزة أفضل جناح.. وتؤكد جاهزيتها لاستضافة الدورة المقبلة    "هيئة النقل": الالتزام بالأنظمة والاشتراطات في قطاع النقل البري    ضبط عمالة تغش في زيوت السيارات وتخبئها في حوش أغنام    "الأمر بالمعروف" بالحجرة بمنطقة الباحة تنشر محتوى حملة "الدين يسر"    17 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والحدود بقبضة الأمن    أمطار ورياح على أجزاء من 5 مناطق    بعد ساعات من كشف الجريمة.. القبض على «سفاح التجمع» في القاهرة    مباراة الوحدة والهلال تقترب من الطائف    العمير تزور مديرة الثانوية الخامسة في جازان للإطمئنان على صحتها    القيادة تهنئ ملك الأردن بذكرى الاستقلال        أمانة نجران تضبط 1782 كيلو جراماً من اللحوم الفاسدة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من المغرب    مشكلة في المثانة تنقل وزير الدفاع الأمريكي إلى المستشفى    145 ألف دولار إجمالي جوائز الدانة للدراما    "مفاجأة حزينة" و"أحلام ميسّرة" ترويها مستفيدة مبادرة طريق مكة من تركيا    الهلال يتخذ قرارًا بشأن مصير ميتشيل ديلجادو    لجنة الصداقة السعودية الكوسوفية في الشورى تلتقي عددًا من المسؤولين    "حسن" ينير منزل الاخصائي عزي بقال    المجالس الأدبية والفنية في القرن ال19    "سناب شات" تضيف عدسات الواقع المعزز لكروم    "موديز" تصنف المملكة عند "A1"    الفرج يكشف موقفه من البقاء في الهلال    "جوجل" تتيح مشاركة كلمات المرور مع العائلة    تقنية جديدة لعلاج الشلل بالضوء    ابتكار رقاقة تحمي الأجنة قبل الولادة    الأطفال والمراهقون أكثر عُرضة لقصر النظر    مصرع عشرات الأشخاص بسبب ارتفاع درجات الحرارة في المكسيك    أمانة الشرقية تختتم مشاركتها في المؤتمر الخليجي لتنمية الموارد البشرية    اختتام "مهرجان الكتاب الثاني" بنادي الشرقية الأدبي    جمعية إسناد تقيم حفل ختامي لمستفيدي مراكز الرعاية والتاهيل    دول العالم تفشل في التوصل إلى معاهدة بشأن الاستعداد للجوائح    تتويج نادي أبها ببطولة الدوري السعودي الرديف للموسم 2023-2024    الاتفاق يستأنف تحضيراته بتدريب استشفائي بعد مباراة الشباب    الدفاع المدني يتيح خدمة تمديد مدة التراخيص عبر منصة "أبشر أعمال"    من المسؤول ؟    سيميوني: ريال مدريد هو الأفضل في العالم    القصيبي: فرق «مسام» انتزعت أكثر من 450 ألف لغم وعبوة ناسفة    جامعة الملك خالد تحقق المركز 111 بين الجامعات الشابة في تصنيف التايمز العالمي 2024    ولي العهد يعزي رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران بوفاة الرئيس ووزير الخارجية ومرافقيهما    خطيب الحرم: أمن الحرمين خط أحمر ولا شعارات بالحج    «الأحوال المدنية»: منح الجنسية السعودية ل14 شخصاً    خريجو «خالد العسكرية»: جاهزون للتضحية بأرواحنا دفاعاً عن الوطن    «رحلة الحج» قصص وحكايات.. «عكاظ» ترصد: كيف حقق هؤلاء «حلم العمر»؟    «الثقافة» و«التعليم» تحتفيان بالإدارات التعليمية بمختلف المناطق    الاستثمار الثقافي والأندية الأدبية    تنوع أحيائي    فيصل بن خالد يرأس اجتماع الجهات الأمنية والخدمية المشاركة في منفذ جديدة عرعر    دفعة جديدة من العسكريين إلى ميادين الشرف    أمير حائل يشكر جامعة الأمير محمد بن فهد    برعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. تخريج مجندات بمعهد التدريب النسوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين كتابين أو ثلاثة - صوتها في الإنتخابات البرلمانية
نشر في الحياة يوم 11 - 10 - 1998

قبل اكثر من عشرين عاماً لم يسألها ابوها عن رأيها بزواج الرجل القادم من الكويت، والذي كان يكبرها بعشرين عاماً على الاقل. لم يكن لزاما عليه ان يسأل. بغض النظر عن ذلك، سيكون سؤاله في كل الاحوال زائداً عن الحاجة، لانها ستقبل دون الحاجة لطلب. اية عائلة، واية بنت جنوبية ستجرؤ على رفض زوج قادم من العمل في الكويت حيث الجاه والاثراء السريع، والسلع، واحدث الموديلات القادمة من اوروبا. حينها ستكون كلمة بنت العم المتمردة اليسارية، التي تحثها على رفض العرض، محذرة اياها من مصير الكثيرات اللواتي انتهت احلامهن بعد عبورهن نقطة حدود العبدلي - صفوان، وتحولهن الى ضرات لرفيقات لهن من بلدان عربية اخرى، سيتحول ذلك الكلام الى مجرد "كلام مثقفين". ولم لا، وبنت العم كانت تدرس الادب الفرنسي، زائداً، انها - بنت العم - تنسى، ان الرجل الاهيب الذي جاء يطلب يدها هو عراقي: والنعم!
ربما كان زواجها كما تتذكر بعد ذلك - استثناءً، لم يشبه زيجات اخرى، فالرجل لم يجعلها عضواً في حريم، انما جعلها تجلس في البيت. لم يطلب منها القيام بشيء. على العكس جلب لها كما هي العادة في الكويت خادمة سريلانكية - الآن تتذكر كيف لم يترك لها حتى حق اختيار خادمة هندية. وكما قالت اكثر من صديقة لها، ان زوجها جلب خادمة سريلانكية وليس هندية لأن السريلانكيات ارخص، وزوجك بخيل، وحتى التسوق كان يقوم به هو. لم يسألها ذات يوم عن طلباتها، وكانت هي لا تعبأ، تكتفي بكل ما يجلبه، وبجلسات القبول الذي تنظمها في بيتها لزميلاتها العراقيات. كانت هي الوحيدة ضمن تلك الشلة المتزوجة من عراقي. الباقيات، متزوجات من كويتيين. لماذا عليها ان تعبأ فهي ليست ضرة في حريم، وهي تحصل على كل شيء وهي جالسة في البيت، وزوجها يحدثها كل يوم عن جور الحياة في الكويت، وانهم سيرجعون ذات يوم الى بلادهم، مباشرة بعد تغير النظام في البلاد. لم تعترض على كلام زوجها الذي تجده غريباً تماماً: لماذا الرجوع والجاه والنعمة هنا؟ وهي لا تريد ان تقول له "لو لم تكن انت في الكويت، لما اعطاني ابي لك!". لم تقل له بالاضافة لذلك "لما كنت قبلت!".
كل شيء الا الرجوع، لكنها لم تعرف ان العراقيين سيأتون اليها بزي عسكري هذه المرة في 2 آب اغسطس 1990، صحت على صوت الدبابات العراقية التي احتلت مداخل الشارع المواجه لبيتها. كان زوجها في قبرص. لم يكن الرجل في اجازة، كان يتابع الشأن السياسي العام. هكذا قال لها في مكالمة تلفونية مفاجئة من نيقوسيا، كانت هي ذلك اليوم تنتظره كي يرجع للغداء، بدل ذلك كانت المكالمة. حسناً لم يسألها من قبل ولم يسألها أحد رأيها في حياتها، فلماذا يحدث ذلك الآن؟ هكذا لم يسألها العسكريون العراقيون عندما صادروا ورشة الخياطة الصغيرة التي يملكها زوجها، ليتركوها تواجه مصيرها مع ابنتين: الكبرى عمرها احدى عشرة سنة، والأخرى ما زالت رضيعة. لم يسألها حتى ذلك الرجل الملثم الذي ظهر فجأة في دارهم ذات ليلة، وطلب منها ان تأخذ الاطفال وتترك كل شيء، وترافقه بسيارة لكي يهربا من مدينة الكويت - بعدها عرفت ان زوجها هو الذي ارسل المهرب. تلك الليلة خضعت مع الطفلتين لرحلة شاقة عبر الصحراء، حتى وصولهن بعد يومين الى مطار الرياض ليطرن من هناك الى اوروبا - كانت العائلة تملك جنسية احد البلدان الاوروبية الغربية، فالزوج هو من خريجي احدى الجامعات الغربية الاوائل في الستينات.
سبع سنوات قضتها في هذا البلد الاوروبي. لم يختلف الامر عنه في الكويت. هي تجلس في البيت، والزوج يشتغل، ويصر هذه المرة اكثر على التسوق. "خمسون متراً مربعاً، هي مساحة الشقة"، تقول لي "وذلك هو الامر الوحيد الذي يختلف، لأن شقتنا في الكويت كانت تزيد على المائة متر مربع"، فأقول لها "لا ضير، فمساحة شقتنا اربعة وخمسون متراً مربعاً"، فتجيبني بحسرة: لكن شقتكم لا تعود الى البلدية، عكس شقتنا، ويجب علينا تسليمها، لان الحكومة ستسحب الدعم عن شقق البلدية. قلت مطمئنا اياها ان عليها الانتظار حتى نهاية الانتخابات البرلمانية، فالامر يتعلق الى حد ما بنجاح او فشل حكومة البلاد اليمينية في الانتخابات.
في يوم الاحد، يوم اجراء الانتخابات، رن جرس الباب مبكراً قبل موعد افتتاح صناديق الاقتراع. كانت هي تقف عند الباب، تلهث بعد صعودها درج عمارتنا القديمة: "ها هي البطاقة"، كانت تلوح بالبطاقة البيضاء التي اعرفها: انها البطاقة الانتخابية. "لقد خبأها زوجي علي، وكان يقول، لا داعي للانتخابات في ظل نظام امبريالي بورجوازي عفن، فالانتخابات فيه مجرد لعبة". كان عليّ ان اصحو من النوم جيداً، لكي افهم حماستها: "سأذهب للانتخاب، هل ستجيئان معي؟". طلبت منها اولا الدخول لشرب فنجان قهوة.
فهمت لماذا تذكرت اثناء حديثنا السابق عن الشقة امام بوابة السوبر ماركت حيث اعتدنا التسوق، كيف انها قبل تسعة عشر عاماً - كما روت - فتحت المذياع صدفة في مساء يوم 21 تموز يوليو 1979 لتسمع في الاذاعة العراقية "السيد النائب" آنذاك الذي كان قد تسلم الراية من "الأب القائد" قبل يومين، وبعد تصفيته لتسعة عشر من رفاقه "الذين خانوه". كان يقول في مؤتمر صحافي امام عشرات الصحافيين القادمين من اماكن مختلفة: "ان حكومتنا ليست مثل حكوماتكم تسقط بفارق صوت واحد، لقد جئنا بطريقة وسنذهب بالطريقة ذاتها"، وعندما قال تلك الجملة، كان يمد يده مثل كاوبوي الى مسدسه. لم تصدق ذلك آنذاك.
"هل من المعقول ان تسقط حكومة معينة بفارق صوت واحد؟" سألتني، فأجبتها "نعم".
كان ذلك يوم السبت، وكنا نلتقي صدفة عند بوابة السوبر ماركت.
بعد رؤيتي لها بكامل اناقتها - وكأنها تذهب الى حفلة زفاف - ولسعادتها وهي تلقي بالبطاقة الانتخابية في صندوق الاقتراع، عرفت سر ذلك الحماس: انها تشعر للمرة الاولى في حياتها وبفخر انها تسأل وتُسأل وان صوتها ذو اهمية: "الا تسقط هذه الحكومات في النهاية بفارق صوت واحد؟!" تقول لي، وهي تبتسم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.